فيك تتخيّل البطرك والمفتي والشيخ ما عم يحكوا سياسة؟



تتعدد مفاهيم العلمانية عند الناس. كل يعرّفها بحسب هواه السياسي. هي بالنسبة إلى البعض لزوم ما لا يلزم وللبعض الآخر دعوة للإلحاد ولآخرين حرمانهم من حقوقهم ..الطائفية
الاخبار
قاسم س. قاسم

«إذا كانت الطائفية شي عار، فالعلمانية شعار». عبارة خطّت تحت جسر أوتوستراد السيد هادي نصر الله في الضاحية الجنوبية. المنطقة التي كتب فيها الشعار قد تكون أبعد ما يكون عن مناصرة العلمانية. يعرّف «المعجم الدولي الثالث الجديد» العلمانية بأنها «اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص، يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية، يجب ألا تتدخّل في الحكم، واستبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً». أما على المستوى السياسي فهي «الإيمان بحرية الاعتقاد وتحرير المعتقدات من تدخّل الحكومات، وذلك بفصل الدولة عن أية معتقدات دينية، وحصر دورها في الأمور المادية».
لكن، ما هي العلمانية في عقول اللبنانيين المغسولة بالمخاوف الطائفية؟ «هي فصل الدين عن الدولة لكن المبدأ بالنسبة لي مناقض للدين الإسلامي»، يجيب ربيع نزال، ابن منطقة حارة حريك، شارحاً وجهة نظره «عندما أسس الأوروبيون العلمانية كان الهدف محاربة الكنيسة التي كانت تتدخل في أصغر تفاصيل حياتهم، فطالبوا حينها بفصل الدين عن الدولة». يضيف: «نجحت الفكرة في أوروبا لأن الديانة المسيحية في الأصل ليست دين تشريعات وقوانين بعكس الإسلام، الذي في قرآنه وسنّته النبوية نظام قضائي، اقتصادي، تشريعي، يؤسس لبناء دولة، لذلك لا يمكنني أن أفصل ديني الذي هو دين سياسي عن مفهوم الدولة!». لأنه ببساطة «النبي محمد كان نبياً ورئيس جمهورية في الوقت نفسه، لكن أيضاً لا يمكننا تطبيق المبدأ في بلد فيه 18 طائفة». في عين الرمانة، في دكان بسيط، يجلس جرجس حداد. الرجل الأربعيني لا يهتم بهذه المواضيع لكن وبما أن «الموضوع عم ينحكى في كتير رح احكي». بالنسبة إليه مفهوم العلمانية معروف وهو «فصل الدين عن الدولة»، يضيف من تلقاء نفسه: «أنا ضد المبدأ ككل، لأنه إذا طُبّق فلن يعود هناك أي وجود للمسيحيين في لبنان، سنذوب في النسيج الإسلامي المحيط بنا». يوثّق الرجل حديثه: «الجنرال عون كان يقول إن تياره علماني، لكن انظر إليه اليوم، كل ما يتحدث عنه هو مصلحة المسيحيين». هكذا، لكل منطقة في لبنان نظرتها الخاصة. ففي الضاحية هي «مكروهة» لدى البعض، وفي عين الرمانة «ضد مصلحة الطائفة».

إذا الزواج المدني خافوا منو بدّك يطبقوا العلمانية؟ أما في المصيطبة، المنطقة التي كانت ملتقى الأحزاب اليسارية خلال الحرب الأهلية، لم تعد العلمانية شعاراً يموت المرء لأجله. «الزمن الأول تحوّل»، يجيب رشيد عربي المؤيد للحزب التقدمي الاشتراكي. يقص رشيد كيف كانوا يقاتلون لنشر هذه الثقافة، وكان عدوّنا حينها «اليمين اللبناني الذي كان يدعو لقيام كيان طائفي مسيحي». يضيف: «بالسبعينيات كان ممكن نطبق العلمانية بس اليوم مستحيل، لأن منسوب الطائفية ارتفع، اليوم الأحزاب الطائفية هي الأقوى، أما الأحزاب اليسارية الموجودة فلا تقدم ولا تؤخر». يتحدث اليساري السابق بيأس يصل إلى القول: «خلونا نصير طائفيين لأن ما حدا بيحميك غير طائفتك»!.
في منطقة وسط البلد، أكثر من تحدثوا لـ«الأخبار»، طالبوا بالعمل على تطبيق العلمانية، لأن «رجال الدين سيأخذون البلد إلى الخراب، ليهتموا هم بشؤونهم الدينية ولنهتم نحن بشؤوننا الدنيوية»، كما يقول رامي دهيني. بالنسبة إلى رامي الذي يعمل في إحدى شركات الألماس، فإن «تطبيق العلمانية، سيخلق فرص عمل لن يكون فيها المذهب أو الطائفة شرطاً، كما ستجد أشخاصاً ليبيراليين أكثر يفكرون في كيفية تطوير اقتصاد البلاد بعيداً عن المحاصصة الطائفية» يقول. هل هناك إمكانية لتطبيق العلمانية في لبنان؟ يجيب الشاب: «ولا بعد 100 سنة ممكن تتطبق، فيك تتخيل البطريرك والمفتي والسيد ما عم يحكوا سياسة؟ ما بتصير، إذا الزواج المدني خافوا منو بدك يطبقوا العلمانية؟!».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق