بناء المساجد طريق لبناء العقول وصحوة الضمير/ صالح الطائي

ردا على مقالة (بناء المساجد أم بناء العقول وصحوة ضمير) للكاتب " محمود غازي سعد الدين" التي نشرها موقع (مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي) في 6/8/2010 ومجموعة من المواقع الأخرى والتي أراد من خلالها القول أن بناء المساجد يمنع بناء العقول ويسهم في تخلف الشعوب!!


قبل الخوض في غمار الموضوع أقول للكاتب محمد غازي وأقرانه ممن يضعون أنفسهم في موضع التهمة ثم يشتكون ممن يرد عليهم بموضوع من سنخ مواضيعهم: إن من يرمي بيوت الناس بالحجارة لا يأمن أن يردوا عليه بمثلها ولاسيما إذا ما كان بيته من زجاج واه. وقد وجدت وللأسف هذه الحالة ماثلة في أغلب مواضيع هؤلاء الكتاب، والكاتب هنا لم يشذ عن هذه القاعدة حيث نراه يقول في مطاوي بحثه وبعد أن أثخن الفكر الديني بالجراح والطعون والتهم التي تثير الطرف الآخر وتستفزه وتجبره على الرد عليها بعنف وشدة: (سيخرج علينا العديد من مروجي ظاهرة بناء المساجد وأصحاب العقول والمخيلات الضيقة الذين يمشون بغير هدى وتعقل وتبصر , ليعلقوا بأن ....) فهؤلاء الكتاب إما أنهم يستفزون الآخر عمدا ليجبرونه على الرد، أو أنهم يريدون القول أن ذاك الطرف عدواني ينتهز فرص كتابتهم لمواضيعهم الهجومية ليرد عليها.

وأنا مهما كان تصور الكاتب سأرد عليه بعد الاتكال على الله سبحانه وأقول:

لا زال العلمانيون وللادينيون متشبثين بالفكر التافه الذي يعتقدون أن له قدرة الوقوف قبالة أطروحات السماء والنيل من عظمتها وتقويض بنائها ولاسيما بعد أن تزايدت أعدادهم مؤخرا بسبب النخر الذي أصاب الفكر الغربي فأبعده عن جادة الحق وطريق الصواب وحوله إلى فكر استعماري استيطاني يهوى غزو الشعوب والسيطرة على أفكارها، وهم بذلك يزيدون شقوق الخلاف بين البشر اتساعا ويثيرون الضغائن بين الملل والأديان ويدفعون المتطرفين الدينيين للإيغال في التطرف والحيوانية والهمجية، ويكسبون عداء المتدينين والمتمسكين بعقائدهم الدينية مما يخلق تيارات فكرية متناحرة ممكن أن تشغل البشرية عن الحوار الجاد لرأب الصدع الكبير الذي بات يهدد وجودها كله.

أما المسلمون فكانوا ولا زالوا يؤمنون أن بناء وتعمير وتشييد بيوت الله سواء كانت مسجدا أم كنيسة أم كنيسا يسهم في بناء العقول وإيقاظ الضمائر بعد أن كثرت أبنية الشيطان وتطاول بناؤها حتى عانق السماء وحجب عن العقول نورها وسلب حريتها، وهم يؤمنون تبعا لقول الإمام علي (عليه السلام) أن هذه البيوت طالما عبد بها الله.

صحيح أن عبادة الله ممكن أن تؤدى في كل مكان طاهر في الكون ولكن الروح العرفانية التي تنبعث من عبادة الله في دور العبادة تزكي النفس البشرية من مطالب دنيويتها وتسمو بها إلى الرفعة الكمالية التي يشعر الإنسان خلالها أن الله قريب منه يسمعه ويجيبه ويحقق له بعض أمانيه وهو ما يحسه الحاج عند أدائه لفريضته في بيت الله الحرام مع ألوف الحجاج والمعتمرين الذين يلبسون قطعتي قماش بيضاء غير مخاطة حيث يشعر الإنسان هناك وكأنه تجرد عن كل ماديات الحياة وعاد كيوم ولدته أمه عاريا من الخطايا والذنوب وبهرجة الدنيا كلها، نقيا صافيا عذبا تمر يد الله الحانية عليه فتملأه بالسمو، وقد عرف الإنسان الأول هذه القيمة الاعتبارية رغم قلة معارفه ولذا تراه أضفى على أجواء العبادة روحا مادية من خلال إشعال البخور والطيب الذي كان يرافق أداء العبادات في دور العبادة.

أما أن يتنكر إنسان الحضارة الحاضرة الذي اعتنق العلمانية وطلق الدينية لهذه الاعتبارات العرفانية فذاك يدل بالتأكيد أن الهوة بين العبد وربه قد اتسعت كثيرا ولم تعد قابلة للرتق والردم. ومتى ما فصلت هذه الهوة الإنسان عن ربه فذاك معناه أن غضبا إلهيا قادم لا محال كما هو ديدن الأمم السالفة التي دمدم عليها ربها فسواها.

إن بناء دور العبادة لا يرتبط بظروف جغرافية ولا مواقف سياسية فهو قديم وتلك الظروف والمواقف مستجدة مستحدثة أسهمت الأطراف كلها في إذكاء نارها فمن يبدو لك منهم مظلوما تراه يستحق ما حاق به من عذاب لأنه أشعل فتيل الفتنة ولم يفطن للنتيجة، وما حدث في 11 أيلول رغم كونه من الأعمال التي لا تمت للروح الإنسانية السوية بشيء إلا أنه لا يعني أن الإسلام كله ملام، بل لا يعني أن الإسلاميين المتطرفين الذين نفذوا العمل ملامون لأن أمريكا بالذات هي التي أعطتهم القنابل وعلمتهم كيف يستخدمونها وأدارت لهم ظهرها، ولأنهم لا يقلون عنها خبثا ولا يميزون بين الصالح والطالح وبين الخير والشر وبين الصديق والعدو فقد طعنوها كما طعنوا غيرها، وهذا رغم وقوعه لا يمنع أن يبنى مسجد قرب موقع برجي الشيطان بعد أن تم تدميرهما بالكامل ولاسيما أن الكاتب قال: (حيث أجازت بلدية مانهاتن إقامة البناية التي تضم بجانب المسجد مكاتب ومسبح ومرافق أخرى) أي أن البناء حائز على الشروط القانونية، وكان المفروض بحكومة مانهاتن أن تراعي مشاعر عوائل الضحايا فلا تمنح المشرفين على العمل إجازة البناء لو كانت حقا حريصة على مشاعر أهلها وجادة في دفع هياج الفتنة، ولكن خبثها ومعرفتها بالنتائج التي سيئول لها الأمر بعد المباشرة بالبناء هو ما دفعها للموافقة بالتأكيد. وتبعا لذلك سارعت صحيفة واشنطن بوست للترحيب بتصويت لجنة الحفاظ على المعالم بمدينة نيويورك لصالح بناء هذا المسجد وقالت في افتتاحيتها إن التصويت لصالح المسجد انتصار لأصحاب الأفكار الأكثر اعتدالا في الحكومة وللمثل الأميركية الأساسية، ومنها الحرية الدينية.

ثم أسال الكاتب: ما علاقة الإسلام بمجموعة الإرهابيين الذين فجروا البرجين؟ ومن قال أنهم مسلمون لكي ينسب عملهم الجبان ذاك للمسلمين؟ الإسلام المحمدي بريء من كل عمل إرهابي وعدواني معاد لتطلعات البشر الأسوياء مهما كان معتقدهم، والإسلام دين محبة وأخوة ووفاق وتعايش، والإسلام دين يحترم الآخر ويرفض أن يجرح مشاعر الآخرين أو ينتقص من قيمهم ومعتقداتهم، والإسلام دين محاججة وجدل علمي يؤمن أن هناك آلاف الطرق التي تصل إلى الله ويدعو إلى معرفة الله بالعلم لا بالقتل ولذا تجد أن كلمة (قال) ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من (1024) مرة بينما لم ترد كلمة (قتل) ومشتقاتها سوى (64) مرة أغلبها تنهى عن القتل، أما تلك التي تأمر بالقتل منها فلم تأت لتأمر الناس بالقتل العشوائي الهمجي وإنما جاءت لتحرم القتل أو لتقنن الحرب التي ممكن أن تحدث بين الطرفين، ومن درس الفكر الإسلامي من أتباع الأديان الأخرى أدرك هذه الحقيقة الجلية وآمن بها أما من يتمنطع ويتمنطق ويدعي معرفة علوم الكون كلها وهو جاهل بأبسط قيم الحياة فهو من يعتقد خلاف ذلك، كذلك من تاه في دروب الحياة وأزله الشيطان وأعتقد أن عودته إلى درب النجاة مستحيلة يعتقد مثل ذلك إيمانا بقول (حشر مع الناس عيد) حتى ولو كان هذا الحشر في جهنم! ولذا تراه يذهب إلى النصوص الدينية مثلا ليطوعها ويحرفها عسى أن تنصر معتقده الساذج.

وهنا نرى الكاتب (محمود غازي سعد الدين) قد ذهب إلى قول للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ليستشهد به على أن بناء دور العبادة في آخر الزمان فتنة ومفسدة، وهذا القول هو: [يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ وَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ وَ مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى سُكَّانُهَا وَ عُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ وَ إِلَيْهِمْ تَأْوِي الْخَطِيئَةُ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا وَ يَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَ قَدْ فَعَلَ وَ نَحْنُ نَسْتَقِيلُ اللَّهَ عَثْرَةَ الْغَفْلَةِ.]

نعم قال الإمام هذا ولكن لكي يحذر الأمة ممن يدعي الحرص على الإسلام فيبني المساجد لتفريق المسلمين وتشتتيتهم وزرع التطرف وروح العدوان وليس لعبادة الله، وهذه المسألة حدث مثلها في زمن البعثة المشرفة يوم قام بعض الأعراب ببناء ما عرف بمسجد (ضرار) وهو المسجد الذي أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله بهدمه فأرسل عليا وبعض الصحابة الآخرين رضوان الله عليهم فهدموه ليكون هذا العمل لنا أسوة يوجب علينا أن نهدم أي مسجد يبنى ضرارا ، لكن تطور الأمور بشكل متسارع كبير وتنامي الكفر والعلمانية ومعاداة الفكر الديني والتطرف العقائدي مع تكبيل أيدي العقائديين وعدم وجود حكومة دينية حقيقية لها قوة نقض ما يبنى من مساجد ضرار حال دون هدمها فاخبرنا الإمام بقوله هذا أن هذه المساجد هي التي سوف تصبح أوكارا للفتنة وليس المساجد التي تبنى على تقوى الله.

وقد استشهد الكاتب بهذا القول ليخلص إلى نتيجة مفادها كما يتصور(ما حاجتنا للمساجد في السعودية والمغرب والعراق والولايات المتحدة وأوربا وقد أصبحت معظمها أماكن لترويج الفتن والضغائن خرابا من الهدى كما أشار اليها سيد البلاغة)

وفي نفس السياق عاد الكاتب ليقول بعد أن تطرق إلى ما بدأنا به موضوعنا عن الذين يضعون أنفسهم في مواقع الظنون ثم يشتكون ممن يتهمهم بالظن: (سيخرج علينا العديد من مروجي ظاهرة بناء المساجد وأصحاب العقول والمخيلات الضيقة الذين يمشون بغير هدى وتعقل وتبصر , ليعلقوا بأن كل من يمنع بناء مساجد الله فهو زنديق كافر مصيره القتل وسوء المهاد , متشبثين بايات لو تتبعناها فهي كلها صريحة وواضحة تطعن فيمن استغل بناء المساجد والفرائض لصالحهم) وأستشهد بالآية الشريفة

[إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ] وأقول هنا للسيد الكاتب أنك لكم تكن موفقا في هذا الاستشهاد وكنت بعيدا عن الحقيقة فهذه الآية الشريفة لا تتحدث عن بناء أو منع بناء المساجد وإنما تتحدث عن منع الناس من التواجد في هذه المساجد كما تحاول أنت أن تفعل، فكلمة (يعمر) أصلها من الفعل الرباعي (أعمر) وليس من الفعل (عمّر) فعمّر تعني: بنى، واعمر تعني: سكن وأقام، ومنها كلمة الاستعمار، ومنها أيضا العمرة وهي ذهاب المسلمين لزيارة بيت الله. وقد جاء الكاتب بهذه الآية وآية أخرى هي آية [أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين] ليقول من خلالها: (فالآيات تشمل كل زمان ومكان وتشير بوضوح إلى زماننا هذا الذي باتت المساجد منابر تثير الفتن وتشيع خرابا وفسادا) غير ملتفت للمعنى الحقيقي لهذه الآية أيضا لأنه لا يعرف سبب نزولها.

نعم قد يكون الكاتب موفقا في جزء صغير من قول آخر أورده في سياق موضوعه قال فيه: (الا بالله عليكم ما حاجتنا للمساجد وطقوس الحج المختلفة وعالمنا الإسلامي مليء بالفقراء والجوعى والأرامل واليتامى والمرضى والثكلى والمعوقين والمحرومين)

وأقصد طبعا جزء من الشق الثاني من قوله فعالمنا الإسلامي بسبب ابتعاد غالبية المسلمين عن عقائدهم وتنكرهم لمباديء دينهم وعدم تطبيقهم لتعاليم الرسالة تسببوا في تفشي ظواهر الفاقة والفقر والجوع في المجتمع ولكن ذلك لم يكن بسبب بناء المساجد بالتأكيد فكلفة بناء المسجد الواحد لا تزيد عن قيمة بناء بيت أو بيتين أو حتى عشرة بيوت وهي لا يمكن أن تكون السبب في تفشي الحرمان، فالحرمان له أسباب كثيرة منها كما قلنا عدم تطبيق بعض المسلمين لتعاليم دينهم ومنها عسف وجور قوى الاستعمار العالمي واحتلالها للبلاد الإسلامية وطغيان القوى العالمية وتحكمها في قضية تعيين الحاكميات في البلدان الإسلامية وتصديرها لأفكارها الإلحادية والإباحية وفرضها على الشعوب فرضا، ومنها أيضا تحول الكثير من المسلمين عن ديانتهم واعتناقهم للأفكار اللادينية والعلمانية!

فهؤلاء المتحولون باتوا ينظرون لمصلحة الغرب على أنها المصلحة الأولى والأسمى والوحيدة التي يجب الحفاظ عليها أكثر من مصلحة دولهم وأديانهم وأصولهم ومعتقداتهم، وباتوا يعتقدون أن بناء المساجد وأداء الشعائر الدينية يقف حائلا دون تحقيق أرجحية هذه المصلحة لأنهم يعرفون أن المساجد تبني العقل والضمير وتحصن المسلم من الانحراف والانجراف وهو ما أشار إليه الكاتب سهوا من خلال قوله عن تنامي بناء المساجد في شمال العراق من قبل بعض الجهات: (لهم اليد الطولى في نشر ثقافة العداء للغرب عموما ومهمتهم خلق الفتن والخوض في ألأمور السطحية التي تثير الضغائن والأخذ بالثأر وعمليات ما تسمى غسل العار وشحذ الخطاب القومي الجديد , و جل المواضيع التي تشغل عقل المتلقي عن سرقات وجرائم المسئولين هناك.) إذا يأتي الخوف من المساجد باعتبارها تنشر ثقافة العداء للغرب وأطروحته!

ثم كشف الكاتب عن وجهه الحقيقي بعد أن انتقل من الطعن في بناء المساجد إلى الطعن في عقائد الإسلام ومنها شعيرة الحج إلى بيت الله الحرام، فهذه الشعيرة من الواجبات المفروضة على من يقدر على دفع تكاليفها من المسلمين [ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا] والسبيل هنا ليس الطريق فقط بل والقدرة المالية والجسدية أيضا، أما من لا يملك مثل هذه السبل فهو في حل منها ويعفى من أدائها ولا ينقص من أجره شيء، ولا زال المسلمون منذ عصر البعثة وإلى الآن يؤدون هذه الشعيرة طاعة لأمر الله، ولكن السيد الكاتب لا يعترف بهذه الحقيقة ويعدها كما عد المساجد سببا في تخلف المسلمين في ذات الوقت الذي يعد فيه الغرب وقيمه الداعرة ممثلا للديمقراطية والقيم الإنسانية فيقول: (نأخذ مثالا واحدا على تخلفنا وابتعادنا عن القيم الإنسانية والتي وصل إليها العالم المتحضر متمثلا بالدول الديمقراطية ووصلت مستوى راقيا في التعامل الإنساني , فها هي باكستان ... تعاني كارثة الفيضانات وقد وصل عدد المنكوبين من جراء السيول العارمة أكثر من 4 ملايين مسلم بالتمام والكمال ويتوجه أكثر من 115 الف حاج نحو السعودية لاداء حقوق وواجبات الله عز وجل ... على جثث ومعاناة وصرخات المنكوبين والجرحى والذين فقدوا المأوى الذي كان يأويهم حالهم هذا هو حال الحجاج عموما الذين يرمون بآلاف مؤلفة من الدولارات تذهب لجيوب أمراء الإرهاب العالمي) ثم قال في نفس السياق: (حال الباكستانيين هذا كان حاله حال 200 الف حاج اندونيسي وماليزي داسوا بأقدامهم بطون وجثث المنكوبين جراء أمواج تسونامي قبل سنوات , ليحجوا الى بيت الله وهم يحسبون أن ذنوبهم تمحى وتغسل عن بكرة أبيها بمجرد إكمال طقوس شكلية)

وأنا هنا لا أريد تذكير السيد الكاتب بأن مسئولية مساعدة هؤلاء المنكوبين تقع أولا على الحكومات في بلدانهم وهي غالبا حكومات جاء بها الغرب ودعمها وساندها ودافع عن وجودها وبقائها وديمومتها وتقع أيضا على كاهل الدول الاستعمارية المتخمة التي تحتار في عملية التخلص من فائض الإنتاج لديها فإما أن تحرقه أو تلقي به في البحر على الرغم من أنين جياع العالم، ولكني لا أبريء المسلمين من هذا الواجب وأقول نعم في مثل هذه الظروف يجب أن يعاد النظر في مسالة الحج ويجب أن تدفع الأموال للمعوزين والجياع ولنا في تاريخنا قصة "علي بن يقطين" تلميذ وصاحب الإمام الصادق عليه السلام حيث كان في طريقه إلى الحج فوجد أمرأة تبحث في زبالة المدينة وتستخرج منها دجاجة ميتة فظن أنها تأخذها لأغراض السحر فقال لها: ماذا تفعلين بهذه؟ فرفضت أن تجيبه ولما ألح عليها وهددها أخبرته أنها أم لأربعة بنات قاصرات يتيمات ولا تجد ما تطعمه لهن وهن يبكين من الجوع فأخذ الدجاجة الميتة من يدها وأعادها إلى الزبالة وأعطاها كل المال الذي رصده لسفره وعاد إلى بيته واعتكف فيه خجلا من مواجهة الناس بعد أن علموا بنيته على الحج، وبعد انقضاء الموسم وعودة الحجيج جاءوا إليه يهنئونه بالسلامة ويدعون له بالقبول وكل منهم يقول له رأيتك عند الصفا وذاك يقول رأيتك عند الحجر وهذا يقول رأيتك في عرفة وغيرهم يقول له رأيتك في مزدلفة.

وحتى هذه الحالة لم يعد تطبيقها متاحا في يومنا الحاضر فالحاج العراقي لا يفوز بالموافقة إلا إذا ما أدخل اسمه مع مئات آلاف الأسماء الأخرى في قرعة لا تجرى إلا كل خمس سنين وبشرط أن لا يكون ممن ذهبوا إلى الحج سابقا فإذا تنازل عن حقه ودفع تكاليف سفره إلى المرأة الجائعة يفقد فرصة الحج إلى الأبد!

لكن أذكر السيد الكاتب أن في الغرب الذي يروج لمفاهيمه من خلال مقاله هذا ملايين المشردين والمعوزين والمحتاجين والفقراء والمنكوبين والمرضى الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ويفترشون الطرقات ومكبات النفايات في البرد القارس والحر القاتل في وقت لا توجد هناك لا فيضانات ولا تسونامي ومع ذلك ترى العالم الغربي منشغلا عنهم في حفلات مهرجانات الأفلام وبطولات الألعاب الرياضية العالمية والحفلات الداعرة وموائد القمار وموائد الطعام النادر والغريب والسيارات الفارهة والطائرات الشخصية ومشاهدة الأفلام الإباحية، فهل هذا هو ركب العالم المتحضر الذي يدعونا الكاتب للحاق به؟ وأي حضارة وعدالة اجتماعية ومساواة في الحقوق تلك وقد تحول فيها الإنسان إلى مجرد رقم في عجلة الإنتاج الرأسمالي وقطعة في ماكنة العجلة الاقتصادية تلقى مع الخردة عند أول عطب يصيبها؟

أما قول الكاتب: (فنحن بأمس الحاجة لبناء العقول وتحرير الإنسان وفهم أنفسنا وتربية عقولنا بعيدا عن أية قيود لنحظى بتفكير ناجح وننظر الى الحياة عموما بمنظار جديد وثاقب لم يعهده الناس من قبل لخدمة أخوتنا في ألانسانية) فقول فيه الكثير من العماء والعمومية الساذجة، بل وأجد فيه دعوة للتخلي عن الدين والقيم الموروثة والارتماء في أحضان الغرب، نعم نحن بحاجة ماسة لبناء العقول وبحاجة لتحرير الإنسان وإشعاره أنه حر ولا يدين بالعبودية إلا لله تعالى وذاك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تمتين العلاقة بالله من خلال الدين ومن خلال دور المسجد والكنيسة وكل دور العبادة. أما دعوة الكاتب لفهم النفس بعيدا عن أية قيود فهي العبثية بعينها فكل قانون سواء كان سماويا أو وضعيا هو في حقيقته قيد ومتى ما تمرد الإنسان على هذه القوانين بحجة التحرر تعود الحياة إلى طبيعتها البدائية الحيوانية الشرهة وينعدم النظام وتضيع القيم.

فما هكذا تورد يا محمود غازي الإبل!

وأقول أخيرا أننا كمسلمين ملتزمين بالنهج الإسلامي القويم ملزمون بالحفاظ على قدسية المساجد ودور العبادة الأخرى وعدم السماح للمتطرفين والسياسيين والمهوسين بالروح العدوانية بتسخيرها لخدمة مصالحهم الشيطانية ويجب أن تبقى المساجد بيوتا يعبد فيها الله وحده وأن تطهر من رجس الشياطين وتتحول إلى مدارس لبناء العقل والضمير كما كانت من قبل، لكي لا يصبح وجودها مثلبة يمتطيها أعداء الدين للطعن بالدين.

كما يجب على من شط من المسلمين عن الإسلام واتبع مناهج الغرب أن يدافع عن مبادئه بالطرح العلمي الموزون والحجة المقنعة والدليل القاطع والسند الصحيح وأن يكون قدوة أخلاقية لا أن يتحول إلى غول همجي يسمح لنفسه بالتطاول على مقدسات الآخرين وقيمهم التي يحترمونها ولا يرضون لأحد أن يطعن بها لأن هذا الأسلوب الشاذ ينضوي على روح عدائية مكرهة للحق والحقيقة وبالتالي تنفر الناس منه ومن عقيدته فيعادونها وربما يذهبون لأبعد من ذلك.



هناك تعليقان (2):

  1. مما لايدعو مجالا للشك ان المساجد ماهي الا حاضنة للارهاب والارهابيين وهذا الكاتب عقله لايرقى الا الى عقل الحمار ومكانه وامثاله ليست الا زريبة للخنازير

    ردحذف
  2. هذا الكاتب لا يفهم شئ بالاسلام ما حفظوه وهو صغير بقي عليه, خمسة سنين وزكريا بطرس يتكلم ويشرح قرأن محمد الارهابي ,القتل السرقات ملكات اليمين وغيرها وبعدوو اخونا بقولك دين محبه وسلام ويا سلام سلم ,ليس كل مسلم ارهابي بينما كل ارهابي مسلم, صالح اله يصلح عقلك افكارك تعبانه وتلفانه , المساجد تولد الارهاب ما شوفت بحياتي مسجد ولد مهندسين دكاتره محامون ,المساجد فقط لتسكير العقول , ابنوا مدارس مستشفيات دور ايتام اطعموا الفقرا في دولكم بدل ما تبوبزو لربنا وتصلوا من طيازكم امه جهل تخلف اله لا يقيم عنكم شده, خلوا باقي العالم تحترقوا وراكبين عليكو ,قال بقولك دين محبه , حبه فوق وحبه بطيز محمد

    ردحذف