فداء عيتاني - alakhbar
«أمامكم 48 ساعة لتلبية مطلبنا العادل البسيط، وخلافه فلا تلومون إلا أنفسكم، ولن تكون النهاية بقتل الرهائن فحسب، بل ستفتحون على أبناء ملّتكم باباً لا تتمنّونه أبداً، لا في العراق فحسب، بل في مصر والشام وسائر بلدان المنطقة، فلديكم عندنا مئات الآلاف من الأتباع ومئات الكنائس، وكلها ستكون هدفاً لنا إن لم تستجيبوا، والسلام على من اتّبع الهدى».
هذه كلمة «جنود كتيبة الاستشهاديين» في دولة العراق الإسلامية التي نفذ بعض من رجالها عملية كنيسة سيدة النجاة في بغداد، رداً على احتجاز الكنيسة القبطية في مصر وفاء وكاميليا، المتحولتين إلى الإسلام. وهذا الخطاب لم تتطرق إليه وسائل الإعلام، التي اكتفت بالبيان الرسمي الصادر عن وزارة الحرب في دولة العراق الإسلامية، وخاصة أن وسائل الإعلام استخدمت ما ورد على موقع مراقبة الحركات الجهادية الأميركي «أنتل غروب»، لكن الخطاب نفسه الذي خرج به أحد منفذي العملية لم يُشَر إليه، رغم ما يحمله من خطورة.
مصدر الخطاب وصدقيّته مؤكدان. وهو منشور على المواقع الجهادية، وبتوقيع دولة العراق الإسلامية، ونشرته مؤسسات الفجر الإعلامية والفرقان، وعبر وكالة جهاد برس، وبالتالي تعدّد مصادر نشر البيان والكلمة لتأكيد صدقيّتها، والتصاقها بدولة العراق الإسلامية وبالتنظيم الدولي للقاعدة.
خطوة أخرى خطّتها وزارة الحرب في دولة العراق عبر إطلاق تهديد مباشر (يفترض أنه صدر في اليوم الأول من شهر تشرين الثاني الجاري، وبدأ مفعوله بالنفاد بعد يومين)، وينصّ التهديد على الانتقام من أبناء الطوائف المسيحية كافة وكنائسهم ومؤسساتهم في دول المنطقة كلها، على خلفية «وفاء وكاميليا»، وتخصيص ثلاث دول: العراق ومصر والشام.
والشام لمن لا يعرف تشمل لبنان، حيث لا يرى تنظيم القاعدة وجوداً لكيان اسمه لبنان، ويعدّه جزءاً من بلاد الشام، ولدولة العراق الإسلامية، وسلفها تنظيم القاعدة في العراق (منذ أن بدأ الشيخ أبو مصعب الزرقاوي العمل) خط عمل يربط ما بين سوريا (التي تعدّ في عرف الجهاديّين ممراً استراتيجياً) إلى لبنان، وسبق أن عملت دولة العراق بفعالية في لبنان، ولا يزال خطها وإمكان عملها في لبنان قائمين.
في مرحلة ما، لا بد من مناقشة أمرين، هما دور دولة العراق الإسلامية في السياسة المحلية اللبنانية، ودور تنظيم القاعدة الدولي في الصراع مع إسرائيل. ولكن حتى الوصول إلى مرحلة هذا النقاش، لا بد من الإشارة إلى خطورة ما صدر من تهديد موجه إلى المسيحيين في بلاد الشام، فمن طبيعة الأمور أن تعمل وزارة الحرب في دولة العراق الإسلامية على أراضي العراق، ومن الطبيعي أيضاً تخصيص مصر بالتهديد، كون مسألة «وفاء وكاميليا» تجري أحداثها هناك، ولكن ما الذي يستدعي توجيه التهديد إلى المسيحيين في بلاد الشام؟ ثم، لماذا الانتقال من ضرب «الشيعة ومن شايعهم» إلى تهديد «النصارى ومن ناصرهم» (والتعبير البليغ هنا من إبداعات أحد أئمة المساجد في لبنان الذي يبشر المصلّين بضرب الطوائف الأخرى).
1ــ انتقلت خريطة الأهداف في العراق نحو المسيحيين في موجة من تخفيف الهجمات على الشيعة، بعدما أدركت المملكة العربية السعودية خطورة تحرك الشيعة (ومن شايعهم) في اليمن والمضائق الاستراتيجية، وفي دول خليجية عدة. كذلك، فإن العلاقات مع إيران هي بحكم الضرورة، وحزب الله في لبنان يمكنه أن يشطب اليوم أي وجود لمصالح سياسية أو اقتصادية للمملكة، وخسارة المملكة في الملف الفلسطيني تكاد لا تعوض. لكن، رغم ذلك، فإن هناك حاجة إلى ضحايا جدد للسلفيّة الجهاديّة، علماً بأن ملايين من النسوة المسلمات في فرنسا منعن من ارتداء الحجاب، وأُهِين النبي محمد في رسوم كاريكاتورية في الدنمارك، ويجري يومياً تشريد الفلسطينيين والتضييق عليهم في أرضهم، لكنّ هذه أمور لا ضرورة لرد فعل صاعق ومباغت عليها، وهي ليست بإلحاح قضية «وفاء وكاميليا».
2ــ يمكن أن يقدم ضرب المسيحيين عنصر قوة لكل دعاة «التفاوض مع الجهاديين» في حال فشل التفاوض مع ربطات العنق.
3ــ أفضل ما يمكن أن يستخدم كذريعة استراتيجية لدعاة الأمن الذاتي هو وصول «إدارة التوحش» (بحسب عنوان الكتاب النظري لتنظيم القاعدة) إلى لبنان.
4ــ في حالة الاستنفار القصوى والضرورة السياسية، يمكن تأمين عشرات من الجهاديين الاستشهاديين، مع ما يتيسّر من سيارات مفخخة، وإن لم تتوافر فلا بأس بالدراجات المفخخة، لتنفيذ عمليات استشهادية في العاصمة العراقية... أو غيرها، وما ذلك على السفارات بعسير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق