قداس ميدان التحرير والأمل الموعود


جاد ابو جودة-

أن يقام قداس في ميدان التحرير في "أحد الشهداء" المصريين ليس حدثاً عادياً، خصوصاً بعد سلسلة الاعتداءات التي تعرض لها المسيحيون في المدَّة الأخيرة، سواء في مصر أو العراق أو غيرهما من الدول العربية.
فجمهورية السبعين مليون نسمة كانت خلال السنوات الثلاثين الفائتة في مقدمة الدول "العنصرية" في العالم، إذ شهدت اضطهاد المسيحيين الأقباط، وهم من سكانها الأصليين، مشرعنة مباشرة أو مواربة، قتلهم وإذلالهم وتعذيبهم ودفعهم إلى الهجرة، وشنَّ الغزوات ضدَّهم، والتعدي على أعراضهم وممتلكاتهم في بلداتهم وقراهم وأحيائهم، مقيِّدة تشييد الكنائس، ومعرقلة حتى صيانتها.
إن المشكلة المصرية في هذا الإطار موروثة عن العقلية الفوقية التي تجسِّدها مفاهيم الثقافة البالية التي لم تعمل مصر على استبدالها بأخرى تحاكي الإنسانية وتعتمد المبادئ الجامعة كل الأديان، على رغم التحاقها بالركب الغربي سياسياً منذ دخولها مسار السلام مع إسرائيل. إنها ثقافة التحجر والتعصب القائمة على رفض الأخر المختلف بدينه وحضارته، وحرمانه من كلِّ حقوقه.

وبعيداً من كل الأسباب الأخرى التي فيها بعض من الدقَّة، كانت الحكومة المصرية- بمؤسساتها الرسمية والتعليمية والتشريعية والتنفيذية وبدستورها وبقوانينها- مسؤولة بالكامل عن استمرار وقوع الغزوات الجاهلية ضد الأقباط من مواطنيها، لأنها تشرعن ثقافة الحقد والكراهية ورفض الأخر، وهي بالغالب تعاقب الضحايا وتبرّئ القتلة.

وتزامناً مع ادعاء الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى التعاطف مع الشباب المنتفض، ثمة سؤال عن دور الجامعة إزاء الاعتداء على المسيحيين في كل العالم العربي، ذلك أن المحافظة على الوجود المسيحي الحر في مصر وغيرها يشكل حماية للشرق من الأحادية القاتلة، بناء على غنى حضاري وثقافي وانساني وإيماني وأخلاقي وقيمي لمجتمعات متنوعة، من دونها عودة إلى العصور الحجرية وشريعة الغاب.

قداس في ميدان التحرير... حدث غير عادي في زمن غير عادي... فهل يكون مؤشراً إلى عهد مصري جديد يسوده الانفتاح الذي يشكل الباب الوحيد لعودة مصر إلى موقعها المفقود؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق