عيد البشارة للمرأة المسيحية والمسلمة/ حُسن عبود


في العام الماضي كان سؤال المسيحيين والمسلمين في لبنان، "لماذا نحتفل بعيد البشارة في 25 آذار من كل عام؟"، ولماذا اصبح العيد عيداً وطنياً؟
اليوم نسأل عن اهمية عيد البشارة للمرأتين المسيحية والمسلمة، والهم واحد في حقوق المرأة، ان من جانب القوانين الوضعية أو من جانب القوانين الفقهية، وكان الكل يتفق على قهر المرأة، ويصعب عليهم تحويلها. وهذا الجانب النسوي ننبه اليه في كل اجتماع تحضيري للعيد في مدرسة الجمهور، هذه المدرسة الواسعة الصدر التي تستضيف الاحتفالات بعيد البشارة في كنيستها، مشكورة، على أمل ان يستضيف يوماً ما هذا الاحتفال احد مساجد بيروت الجامعة. والزيارة للاحتفال بهذا العيد، في هذا المكان، ككل زيارة تتطلب عقد النية على السعي الى التلاقي والاستمتاع بطاقاتنا الايمانية والروحية. اعني اننا لا يمكن ان نحتفل بعيد البشارة معا على الفايس بووك او الصفحات الالكترونية الاجتماعية. قد تتم الدعوة اليها الكترونيا كضرورة عصرية ودعوة شباب الثورات الشعبية العربية، التي الغت اوهاما كبيرة باننا شعوب لا تطمح الى التغيير والعيش الكريم. علينا اذا الا نكتفي بالدعوة الالكترونية، بل نلتقي مع بعض، ونقصد المكان للمشاركة اينما كان هذا الاحتفال بالعيد، فهل تسأل أمك عن مكانها لتراها وتطمئن الى وجودها؟
في الجانب النسوي لصورة مريم، لا يجب ان نعتبر السيدة العذراء نموذجاً نسوياً للمناداة بحقوق المرأة، فهذا الجانب النسوي لهذا الرمز الكبير في مريم له معطى نفهمه في ثلاثة عناصر معرفية اخلاقية ندعو اليها، هي على مستوى الوطن ومجتمعه المدني في صميم مفهوم البشارة. البشارة ضد قهر المرأة اولا، البشارة ضد قهر الطبيعة ثانيا، والبشارة ضد قهر التواضع ثالثا.
ضد قهر المرأة: موقف الاناجيل والقرآن الكريم هو ضد اتهام مريم في عفتها واضح، لذلك ورد اسمها، خاصة في الانجيل، مرتطبا بصفة "العذراء"، وكأن المقولة هي "ممنوع اتهام المرأة في عفتها". وهذا السلوك الخلقي اليوم ضروري في صورة تحررية للمرأة والرجل، هما معا يريدانها خارجة عن كون المرأة محطة الاتهام والأذية، صورة مرتبطة بمنظومتها المعرفية. وهذه المنظومة تختلف عن منظومة الرجل المعرفية، وقد كتبت الكثيرات من الباحثات في هذا الموضوع. فيكتمل الرجل والمرأة ببعض معرفيّاً، قبل ان يكتملا في الأجزاء الاخرى من وجودهما الانساني والمجتمعي. ولطالما رأينا نساء عبيداً لصورة ورثنها من "جيل الحريم"، ورجالاً عبيدا لصورة ورثوها من "جيل السلاطين" جيل لم يعرف المرأة جيدا، وخسر حضورها، والدليل الى الاندهاش الذي أبداه الطهطاوي في رحلته الى باريس حيال المرأة، وكأنه يراها لاول مرة. فهل لا زلنا مدهوشين الى اليوم؟
لنعود الى الدفاع عن عفة المرأة كما دافع عنها لوقا في عفة مريم، ولوقا هو اكثر كتبة الاناجيل حساسية للمرأة والضعيف والفقير. ونرى نفس الخلق اللوقاوي في القرآن الكريم. فمريم تتحدى قومها وتسعى بموقف الشدّة للخلاص، ثم تعود لمواجهة قومها وهي حاملة الطفل بيدها. وتنشط اليوم جمعيات كثيرة ضد عنف المرأة واستغلالها، وتصبح هنا مريم نموذجاً للخلق المسيحي والاسلامي الذي لا يرتكب حماقة العنف بحق المرأة وكرامتها الانسانية الاصيلة.
ضد قهر الطبيعة: ان علاقة مريم بموضوع الخصوبة وولادة الطفل المنتظر الذي يبشر بعهد جديد لا خلاف حولهما وصورة الخصوبة قوية في نشيد "تعظم نفسي الرب" الذي لحنه أكبر الملحنين شرقا وغربا بسبب قوته، اي قوة الاحتفال بقدرة الأنثى على التوالد والخصوبة. وكذلك القرآن الكريم اختار موقع ولادة السيد المسيح تحت النخلة وقرب السري وهذه هي من صور الخصوبة والاحتفال بالحياة بامتياز. ولدينا صور جداريات بديعة، من مجمل حضارات الشرق التي نفتخر بالانتماء اليها، تصور الآلهة بقرب الشجرة ومصدر المياه الذي هو مصدر الحياة.
البشارة ضد قهر التواضع: عندما نسمع المطران جورج خضر يتكلم عن التواضع، بمن نفكر يا ترى؟ "التواضع حسنة لا تعرف ذاتها. هي لا تتكلم اذا ليس لها انا. وجودها يقول ويضع في النفوس عوالم. تبكي لانها مجروحة اذ تقيم في المظلومية. لا تعترف لنفسها بالبهاء. هي ثملة بالجمال الالهي الذي يخفيها فيه".
نفكر بمريم فالتواضع خلق مريمي مبني على قدرة التلقي وكيمياء التواصل، وهما من انثوية المعرفة. ألم تقل مريم لحامل البشارة: "انا خادمة الرب فليكن لي كما تقول" (لوقا:). وعندما نسأل المسيحيين عن أجمل ما قالته مريم في معطاهم الكتابي يجيبون "انها كلمة "نعم". اي الكلمة التي لا ترفض الطلب، الكلمة المستعدة للعمل للآخر، بصمت بلا ضجيج.
لقد اصبحنا في لبنان ضجيجاً بضجيج صاخب غير مجد. كل جماعة تعمل لحسابها، وكأن الآخر غير موجود. تحشد الآلاف من البشر وكأن الصراع صراع كمي" على الوجود عندما نمشي نركض لنكون في أول الصف، فنسرق حق الآخر في الانتظار الجميل. ولصعود الادراج قفزة واحدة نقفز لنتخطى كل من كان يصعد درجة درجة للوصول. عندما ندخن لا نستأذن معالمنا وامكنتنا الجميلة، ندخن بنباريج طويلة وتنبك رخيص، وندخن بسيجار غالي الثمن، كل ما طال حجمه اصبح حامله صاحب سلطة وقوة بعيون الناس. والتكبر على الناس بالدوائر الحكومية شيمة اللبناني واللبنانية، فحين يقصد المواطن لاجراء معاملة ما، يصعد "المسكين" من دور الى دور، ويذل لان معاملته بلا واسطة.
ألم تنشد مريم:
"أظهر شدة ساعده فبدد المتكبرين في قلوبهم، وانزل الجبابرة عن عروشهم ورفع المتضعين، أشبع الجياع من خيراته وصرف الاغنياء فارغين. ألم يبرّ الطفل المولود عيسى بأمه بصوته: وجعلني مباركا اينما كنت، واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياَ".
النهار
(hosnabboud@gmail.com)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق