ما سبب حراسة بيت الخازن لمجمع انتخاب البطريرك الماروني؟


ناظــم نعمــه-

بمناسبة انعقاد مجمع الأساقفة هذه الأيام في بكركي لانتخاب بطريرك جديد للطائفة المارونيّة خلفـًا للبطريرك مار نصرالله بطرس صفير المستقيل طوعًا بسبب تقدمه بالسن، تساءل البعض عن سبب حراسة أبواب المجمع من قبل عائلة بيت الخازن.

استغاثة البطريرك الدويهي ببيت الخازن
ليس هناك من مستند يحتم القيام بهذا الإجراء بل هو تقليد رمزي يعود برأينا إلى العام 1704. ففي هذه السنة استنجد البطريرك اسطفان الدويهي من كرسيه في قنوبين، بالشيخ حصن الخازن من غوسطا ليرد عنه ظلم المشايخ بيت حماده حكام جبة بشري. فجهز الخازني نيفـًا وأربعماية جندي أرسلهم مع أخيه ضرغام (البطريرك لاحقـًا) الذي اشتهر بقوّته، وأمرهم أن يأتوا بالبطريرك إلى كسروان. علِم الشيخ عيسى حماده حاكم الجبة بأمرهم فجاء إلى السيد البطريرك طالبًا منه السماح، فغفر له البطريرك ثم رافق الشيخ ضرغام وصحبه ونزل في دير مار شليطا مقبس في غوسطا ومكث فيه ثلاثة أشهر بحراسة رجال آل الخازن.

نفوذ آل الخازن السياسي
برز نفوذ آل الخازن السياسي مع اعتلاء الأمير فخرالدين المعني الثاني حكم الجبل سنة 1590، هو الذي أمضى قسمًا من طفولته مع أخيه الأمير يونس في كنف الشيخ أبو صقر ابراهيم الخازن وأخيه أبو صافي رباح في بلونة، حيث أودعهما مدبّرهما الحاج كيوان نعمه الماروني من دير القمر إثر مقتل والدهما الأمير قرقماز على يد العسكر العثماني، فكافأهما المعنيّ وولاهما على مقاطعة كسروان. أخذ بيت الخازن يشترون الأملاك من المسلمين ويشجعون موارنة جبة بشري وجبة المنيطرة للقدوم إلى كسروان وساهموا معهم في تشييد الكنائس والأديرة وأوقفوا الأملاك الشاسعة لهذا الغرض.

مشاركتهم في عمليّة انتخاب البطريرك
وتقديرًا منها لخدماتهم الجلّى منحتهم الكنيسة المارونيّة حق مشاركة الأعيان في انتخاب البطريرك، إذ كانت العادة المتبعة منذ القِدم بأن يساهم الأعيان الموارنة والشعب في هذا الانتخاب، ويذكر الدويهي ثلاث عمليّات تمّت على هذا الشكل لدى انتخاب البطريرك يعقوب الحدثي سنة 1445 وانتخاب البطريرك بطرس الحدثي سنة 1458 وانتخاب البطريرك موسى ابن سعاده العكاري سنة 1524، كما منحتهم الكنيسة المارونيّة امتيازًا آخر هو حق اختيار ثلاثة مطارنة لثلاث أبرشيّات هي أبرشيّة بعلبك وأبرشيّة دمشق وأبرشيّة حلب.

المجمع اللبناني وتنظيم الكنيسة المارونيّة
ثم جاء المجمع اللبناني سنة 1736 ليكرّس الزعامة الخازنيّة على الطائفة المارونيّة إذ حضر منهم 30 شيخـًا من عجلتون وغوسطا من أصل 49 حضروا المجمع من باقي الأعيان. لكن بالمقابل، فإن المجمع الذي عقد برئاسة البطريرك يوسف ضرغام الخازن نفسه وبمؤازرة قاصد الكرسي الرسولي يوسف سمعان السمعاني، والذي كان هدفه تنظيم الشؤون الدينيّة والاجتماعية للكنيسة المارونيّة، قرر ضبط عمليّة انتخاب البطريرك وحصرها فقط بالمطارنة والأساقفة كما حصر بالبطريرك وحده تسمية وترقية المطارنة الجدد.

حراسة مقر المجمع الإنتخابي
مقابل الإمتيازات التي نزعت عن أعيان الموارنة فقد تم الإتفاق مع الكرسي البطريركي بأن يقوم المشايخ بيت الخازن، نيابة عن باقي الأعيان، بحراسة أبواب المجمع لدى انتخاب بطريرك جديد. كما تقرر بأن يقوم بالحراسة إثنان أحدهما يكون إلزامًا من غوسطا بلدة البطريرك يوسف ضرغام الخازن الذي أمّن أول حراسة لبطريرك سنة 1704 كما ورد أعلاه، ومعها بلدة جونيه، والثاني إلزامًا من عجلتون القاعدة الأولى لآل الخازن في كسروان عند قدومهم من جاج سنة 1545، ومعها بلدات بقعاتة كنعان وبقعتوته وحراجل وريفون وكفردبيان، يختارهما المشايخ ويوافق عليهما الأساقفة المجتمعون، وعليهما إرتداء زيّ خاص والتقلد بسيف ومنع إي كان من الدخول إلى المجمع.

أسماء من قام بالحراسة
تولّى الحراسة عند انتخاب البطريرك الياس الحويّك سنة 1899 كل من الشيخ رُشيد صالح الخازن من غوسطا و الشيخ كسروان أمين الخازن من عجلتون، وفي انتخاب البطريرك أنطون عريضة سنة 1932 حرس المقر الشيخ فؤاد شيبان الخازن من غوسطا و الشيخ أنطون ميلان الخازن من عجلتون. أما خليفته البطريرك بولس المعوشي فقد جاء تعيينه مباشرة من روما في 25 أيار 1955، وبالتالي لم تعقد جلسات الإنتخاب النظاميّة ولم يعيّن حراس للمجمع، وهو ثاني بطريرك يعيّنه الكرسي الرسولي بعد البطريرك سمعان عوّاد سنة 1743. بعد وفاة المعوشي جرى انتخاب أنطوان خريش بطريركًا سنة 1975 فقام بالحراسة الشيخ شفيق بربر الخازن من غوسطا والشيخ الياس شكرالله الخازن من عجلتون، وفي انتخاب البطريرك نصرالله صفير قام بالحراسة الشيخ رًشيد صالح الخازن من غوسطا ومكررًا الشيخ الياس شكرالله الخازن من عجلتون. والآن يقوم بالحراسة الشيخ فريد هيكل صالح الخازن من غوسطا والشيخ أمين كسروان أمين الخازن من عجلتون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- الدويهي، البطريرك اسطفان: تاريخ الأزمنة، طبعة الأباتي بطرس فهد، دار لحد خاطر، 1983، ص 349، 355...
- ضو الأب أنطوان الأنطوني: مجلة المنارة، السنة 1985، العدد 1و2، ص 71.
- القطار، د. الياس: مجلة المنارة، السنة 1987، العدد الأول، ص 105.
- خليفة، د. عصام ، مجلة المنارة، السنة 1987، العدد الأول، ص 111.
- ملاط، المحامي هيام:، مجلة المنارة، السنة 1983، العدد الأول، ص 205.
- شعبان، أنطون: جريدة الديار تاريخ29/1/1999.
- المجمع اللبناني، 1736، مطبعة الأرز، جونيه، 1900، القسم الثالث، الباب السادس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق