البابا يوحنا بولس الثاني... عملاق أذهل العالم

"وهج الكبير" الذي قال الحقيقة مباشرة
المطران ايلي حداد •


كيف عرفت يوحنا بولس الثاني؟
كنت طالبا في روما، وكان وهج يوحنا بولس الثاني في كل ما نعمل. والطالب في الفاتيكان يتطلع دوما إلى توجهات الكرسي الرسولي يومياً، إذا لم يكن الأمر أيضا في عداد الساعات. كنت أتردد بعض أيام الأربعاء لسماع خطابه في باحة القديس بطرس، حيث يجتمع الآلاف كل أسبوع يتلقفون من نهل البابوية ومن شخصية يوحنا بولس الثاني علما وتقوى.
يوم زار جامعتنا، حيث ندرس في اللاتيران، لا أنسى نظرته إلى كل طالب وكأنها خاصة به. وأشد ما لفت انتباهي هو تعلقه بشخصية السيد المسيح وبأمه مريم، إذ كانا على لسانه وفي قلبه دائما. لاحظت أنه كان على جانب من القوة في شخصيته والوداعة في نظراته، مطبقا فعلا قول المسيح: "كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام"، ويعكس مع هذين البعدين شخصية يسوع نفسه.
كان هذا المشهد يتأكد لي كل مرة كنت أسمع خطاباته وأراقب مواقفه، خاصة خلال زياراته المتعددة لأماكن حساسة في العالم. بل في معظم زياراته كان يواجه تحديات جمة بحكمة وصلابة ووداعة. وكم أعجبني كبره أمام قادة الدول الكبرى، الذين يبدون ظاهريا مرتبطين ببروتوكول استقبال رؤساء الدول، لكن قلوبهم بعيدة كل البعد عن رغبة زياراته لبلادهم. هذا الانطباع ترسّخ لدي عندما زار الدول التي تضطهد المسيحيين عامة أو الكاثوليك بنوع خاص. كان يقول كلمته الشجاعة الصريحة الشاهدة للمسيح، ويمشي.
وبهذا استطاع أن يخترق قلوب الشباب، لأنه قال الحقيقة مباشرة. وكشاب طالب جذبني يوحنا بولس الثاني لأبحث أكثر وأعمق عمّن جعله بهذه الصفات عنيت المسيح. وبقيت في كل مراحل حياتي، ككاهن، أتذكر قوة البابا الراحل في لحظات الضعف، واليوم، كأسقف، أتذكره وأحاول أن أقرأه من جديد وأكتشف التلازم ما بين البابا الراحل والبابا الحالي، لا بل التطابق في الكثير من الأمور، لأتأكد بدوري أن الله قادر أن يخلق للكنيسة رعاة يسوسونها، ومعهم لن تقوى عليها أبواب الجحيم.


راعي أبرشية صيدا للروم الكاثوليك

قلوبٌ تشعلها الرحمة
المطران جورج اسكندر


يقوم كثير من الناس بما يسمونه "أعمال رحمة"، لكن بعضهم تنقصه الرحمة. يقومون بها من باب الواجب والوظيفة، أو تظاهرا، أو ابتغاء لمكاسب دنيــوية، من دون أن تشغــل قلوبــهــم ومشاعرهم الحنّية والمحبة والاحترام والأمانة والعدالة والمجانية، وحب البذل والتضحية، بغية إسعاد الآخرين.
هؤلاء وإن حمل عملهم الرحمة، ليسوا من جماعة الرحمة، وبالتالي لا تعنيهم طوبى الربّ القائل: "طوبى للرحماء".
في العهد القديم تُبانُ لنا عدالة الله تجاه معاصي البشر، وفي الوقت عينه يُظهر لنا الكتاب وفور رحمته.إلا أن البرهان الأسطع لهذه الرحمة تجلّى في يسوع المسيح، في تعليمه وأعماله، إنما بالأكثر في محبة قلبه المتفطّر حنانا أمام كل ناقص ومعذب وخاطئ، والذي، من أجل شفائهم، ارتضى أن يُطعَن بحربة ويبذل آخر نقاط الدم والماء حباً ورحمة بالانسان، كل إنسان.
الأحد الأول بعد القيامة، "الأحد الجديد"، صار ايضا عيدا "للرحمة الإلهية". وكان ذلك من تدبير البابا يوحنا بولس الثاني الذي انتقل من هذه الحياة في مثل هذا اليوم، ويُطوَّب الآن ايضا في مثل هذا اليوم. كان حقا لهذا الطوباوي قلب يشبه بالرحمة قلب معلّمه. صلاتنا الى الرب، بشفاعته، ألا نكتفي "بعمل الرحمة"، بل أن يجعل قلبنا رحوما مثل قلبه، ان يشعله بالرحمة، فنكون شبيهين بأبينا السماوي، ونستحق الطوبى.

راعي جماعات "الرحمة الإلهية" في لبنان.


ذكرياتي مع البابا القديس
انطوان شهوان


في المناسبات العديدة التي التقيت البابا يوحنا بولس الثاني عن قرب، بين 1984 و2001، كأمين عام المجلس الرسولي العلماني في لبنان، على رأس وفد شبيبة لبنان إلى الأيام العالمية للشباب حول البابا، ومن ثمّ كعضو معيّن من قداسته في المجلس البابوي للعلمانيين في روما، اعتقـدت آنذاك أني أسَلِّمُ على أحد الزعماء الأكثر تأثيراً في القرن العشرين. في الحقيقة كنت بين يديّ قديس.
في لقاء الشبيبة للعام 1984، في أوجّ الحرب اللبنانية، حين قدّمت له باسم شبيبتنا مسبحة من خشب الأرز، أَنصَتَ لدقائق بتأثر كبير، إلى مناشدتي له مساعدة لبنان، وكأنه في تأمّل عميق. آنذاك شعرت وكأني، من خلال عينيه الزرقاوين، غصت إلى عمق كيانه، بفعل الصفاء والجاذبيّة المتجلّـييـن في شخصيته. إنها جاذبية القداسة التي لم نفقهها في ذلك الوقت.
في لقاء الشبيبة لعام 1985 صَرَخَت فتاة من الوفد اللبناني « لا تزور لبنان ستتعرض للقتل». ثم ارتمت في احدى زوايا القاعة تجهش بالبكاء. ترك البابا الجمهور وراح يطيّب خاطرها ويطمئنها لسلامته. تلك كانت صورة الراعي الصالح الذي يترك قطيع الخراف ليعيد واحدا بفرح كبير.
في لقاء الشبيبة للعام 1986 أقام قداساً في" كابيلته" الخاصة على نيّة لبنان، دعا إليه الجالية اللبنانية في روما، وذلك بمناسبة زيارة وفد الشبيبة اللبناني. ولسوء الطالع في ذلك الصباح الروماني، عَلِقَتْ سياراتنا بزحمة سير خانقة تسبَّبت بتأخير وصولنا إلى الجناح البابوي المقرر عند السابعة. دخلنا الكنيسة في السابعة والربع، فوجدنا المدعويين يملأون الكنيسة، أما البابا فواقف في السكرستية الملاصقة للكنيسة في انتظار وصول شباب لبنان. لم يشأ أن يبدأ قدّاسه في غيابهم من فرط محبته للبنان. اختار الانتظار، ولو كان خرقاً للبروتوكول، لأنه ككـل أباء العالم الذين لا يطمئنّ قلبهـم الا عند عودة أبنائهـم. كان الأب "القديس" قبل أن يكون رئيس الدولة الفاتيكانية.

عضو المجلس البابوي للعلمانيين سابقاً.

الحريص على الوحدة بين الكنائس
الأب جورج مسوح


لمناسبة "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين" (كانون الثاني 1993) التقيت بصاحب القداسة البابا يوحنا بولس الثاني، بعدما حضرت قداساً احتفالياً بامامته في كاتدرائية "القديس بولس خارج الأسوار" في روما.
حضر القداس وشارك في الاجتماع آنذاك أسقف ايطاليا اليوناني الارثوذكسي والطلاب الارثوذكس الحائزون على منح دراسية من الفاتيكان، وكنت الطالب العربي الوحيد، بالاضافة الى طلاب أتوا من اليونان وروسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا ويوغسلافيا وسواها من البلدان.
ما لفتني في هذا اللقاء هو الحرص الشديد لدى البابا الراحل على انجاز الوحدة بين الكنائس، بعد قرون عشرة من الانشقاق الذي يؤلم، وبلا شكّ، يسوع المسيح المخلص. ويسعنا ان ندرج رسالته "ليكونوا واحداً" (25 أيار 1995) في اطار اهتمامه برؤية المسيحيين جسداً واحداً رأسه المسيح.
وقد حض البابا الدوائر الفاتيكانية المختصة بالحوار المسكوني على العمل الجاد من أجل تحقيق هذه الغاية السامية، وكان من أهم ثمارها الوثيقة المشتركة التي اقرت في دير البلمند العام 1993.
قضيت في روما سنتين قاطناً في المقر العام للآباء البيض الكائن في شارع "فيا أوريليا" المحاذي لسور الفاتيكان. فزاد اقتناعي بضرورة السعي الحثيث لإعادة الوحدة بين المسيحيين. خبرة الحياة الواحدة والشركة اليومية والمحبة الصادقة هي السبيل الأفضل للوصول الى الهدف المنشود.

الإيمان اليوم
أمر صعب، ولكن!
سامر عدنان درويش


لم اكن اعلم ان الفندق حيث كنت انزل في روما، لا تفصله عن مقر الفاتيكان سوى ثلاثة كيلومترات، واكتشفت ذلك صدفة بينما كنت في سيارة الاجرة التي كانت تقلني الى قلعة سانت آنجلو، اذ شاهدت بالعين المجردة المدخل الرئيسي للفاتيكان وقبة كنيسة القديس بطرس المدفون في داخلها، فسألت السائق: ما هذا؟ فأجابني مبتسما: هنا المقر البابوي يا سيدي، فهو على مسافة اقل من كيلومتر من قلعة السانت آنجلو، التي كنت اقصدها على ضفاف نهر "تيبر" الذي يقسم روما الى قسمين.
ولم اكن اعلم في اليوم التالي الذي خصصته بكامله للتعرف الى مدينة الفاتيكان وتماثيلها وأروقتها وساحاتها عن كثب، ان هــذا اليوم ســيبقى محــفــورا في ذاكرتي، لا لشيء الا لامر بسيط هو عند دخولي رواق اضرحة البابــوات (Tombei Di Pappi).
لم اكن انوي سوى زيارة ضريح يوحنا بولس الثاني، واذ بي افاجأ بأن الرواق مملوء اضرحة رخامية فائقة الفخامة والهيبة، ذات لمعان باهر، يمكث فيها باباوات الكنيسة الكاثوليكية منذ العصور الوسطى الى يومنا هذا، والذين تم توزيعهم على طول الرواق الى جهة اليمين واليسار وفق التسلسل التاريخي.
ولم اجد بعد ضريح يوحنا بولس الثاني،
في نهاية الرواق لفت نظري شرطي ايطالي منتصب وامامه شمعتان مضاءتان، بينهما ضريح بمستوى الارض، متواضع جدا، بلا رخام ولا غرانيت، كتب عليه Jean Paul II (1920/4/18 – 2008/4/2) انتابتني قشعريرة فورية عندما قرأت الاسم، ووقفت طويلا بخشوع، ثم آثرت الركوع على الارض.

القديس يوحنا بولس الثاني
كلير السعيد


نعم انه القديس المعلنة قداسته قبل موته. هذا ما اختبرته وما رأته عيناي.
لقد أرادت العناية الالهية أن ألتقي قداسته وجها لوجه، وان يخاطبني خلال لقاء الشبيبة في مانيللا – الفليبين السنة 1995. كان اللقاء الاول، والدائم المستمر.
غريب هذا الانسان الذي يطالك بنظره ليخاطب فيك أعمق أعماقك، ويستقر هناك لكي يكمل المسيرة، ولو من بعد آلاف الكيلومترات، هو الذي قام بحج روحي الى آور – العراق وهو في حاضرة الفاتيكان.
منذ اللقاء الاول لازمني يوحنا بولس الثاني في عمق قلبي وضميري. انه الشاهد لي لحضور يسوع المسيح في وسط العالم والمعزي ان قيم الانجيل ليست من عالم المثاليات التي لا تطال، ومستحيلة، بل هذه القيم تعاش، فجعل القيامة في حياتي حقيقية.
نعم! يوحنا بولس الثاني قديس، وانا شاهدة لذلك في مراحل دقيقة من حياتي. لقد كان المنارة والسند لأضع رجائي في محبة الآب والابن والروح القدس.

نائبة الرئيس العالمي لحركة "ميداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق