متابعة: مصطفى العرب ـ القاهرة (CNN)--
اختلف مراقبون ومتابعون للحالة الدينية في مصر حول طبيعة ملف "التيار السلفي" وسبب ظهوره القوي على الساحة حالياً، واتهامه بهدم القبور والمزارات وتطبيق الحدود على الأقباط، وصولاً إلى تلويح أعدائه التاريخيين، التيار الصوفي بـ"حرب أهلية" معه، بينما يصر قادة التيار على تبرئة أنفسهم، واعتبار ما يجري حملة ممنهجة بسبب قرارهم بالتصويت لصالح تعديل الدستور.
فالتيار السلفي الذي تتركز قواه في محافظات شمال الدلتا، مع تواجده في سائر المدن والقرى، كان قد نشط بقوة مؤخراً، وبرزت له فضائيات تعمل من القاهرة وتبث لكل أنحاء العالم.
ويرى بعض الذين يتابعون الحالة الدينية في البلاد، أن النشاط السلفي لم يكن منسقاً مع النظام السابق، بقيادة الرئيس المتنحي حسني مبارك، ولكن أجهزة الأمن القديمة كانت "تغض الطرف" عنه بسبب مراهنتها على إمكانية أن يقوم بمنافسة خصومها في جماعة "الإخوان المسلمين،" خاصة وأن السلفية غير الجهادية لا تحبذ ممارسة السياسة.
ورغم أن الجدل والانتقادات التي وجهها البعض للتيار السلفي بسبب ضعف مشاركته بالانتفاضة الشعبية التي أدت لتنحي مبارك قابلة للرد عليها من خلال طروحات التيار التي لا تجيز "الخروج على الحاكم،" غير أن الإشكالية ظهرت مع ما يوصف في مصر بحملات "هدم الأضرحة" المنتشرة في البلاد، والتي يقيم لها الآلاف مهرجانات سنوية باعتبار أنها تضم "أولياء."
وينفي السلفيون تماماً أي ضلوع لهم في هذه الأحداث، وهم يؤكدون أن الأضرحة فيها مظاهر "شركية" لأنها "ليست خالصة لله،" وأن الحدود يجب أن تطبق، ولكنهم يعتبرون أن ذلك من مهمة الحاكم.
كما يرون أن هناك حملة منظمة من كافة القوى السياسية المصرية، القبطية والإسلامية والعلمانية، علاوة على الأزهر، التي تحاول محاصرتهم لأهداف سياسية، فهم ينافسون الإخوان شعبياً، ويخشى الأقباط وجودهم بشكل تلقائي.
كما يرفضهم العلمانيون، ويتهمونهم بتشويه الاستفتاء الدستوري عبر "دعوة الناس للتصويت لصالحه وإيهامهم" بأن رفضه سيسقط الفقرة التي تشير إلى الإسلام كدين رسمي للدولي، وتظهر آثار هذه الأفكار لدى الجماعة في البيانات الأربعة الأخيرة على موقع جمعية أنصار السنة المحمدية الرسمي.
ويشير السلفيون ضمناً إلى أجهزة أمنية على صلة بالمرحلة السياسية السابقة، تحاول افتعال مشاكل على الأرض "لخلق فتنة."
وفي هذا السياق، قال الشيخ أحمد يوسف، الأمين العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، القوة الأساسية في التيار السلفي، والتي وجهت التهم إليها، إن "الصراع بين الحق والباطل لن يتوقف، والصراع في هذه المرحلة يخص الإسلام بشكل أساسي لأن تأثيره كان قوياً في الفترة الماضية بسبب ما أظهرته نتائج الاستفتاء الدستوري."
وأضاف يوسف، في حديث لـCNN بالعربية: "ما يفعلونه خطأ كبير لأنهم لو عرفوا رحمة الإسلام وتسامحه لعرفوا أن الجميع سيكونون بأمان، ليس فقط البشر، بل جميع المخلوقات، وحتى الحيوانات."
ورأى يوسف أن ما يجري "مسألة مدبرة منذ زمن،" وتابع: "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون، والدين محفوظ من الله ويجب التمسك به."
وحول اتهام عناصر سلفية بـ"تطبيق الحد" على قبطي في محافظة قنا، بعدما اشتبهوا بأنه يقوم بـ"تسهيل الدعارة،" وقامت العناصر المتشددة بقطع أذنيه، في حادثة أثارت الكثير من التوتر في المحافظة التي سبق لها أن شهدت اضطرابات مذهبية، قال يوسف: "غير المسلم يعيش في وسط المسلمين بشكل عادي، ونبينا محمد عاش وسط اليهود والنصارى ولم يطردهم إلا بعد أن نكثوا العهد والسلام معهم."
وأضاف: "ولو أن السلفيين كانوا يريدون هدم الكنائس أو قتل النصارى لفعلوا ذلك في فترة الانفلات الأمني."
أما ملف هدم الأضرحة، فرد عليه يوسف بالقول: "موقفنا من الأضرحة واضح، فالإسلام يدعو لتسوية القبور وألا تكون مكاناً للعبادة أو التوسل أو الصلاة. وبالنسبة لنا فإننا ندعو إلى هدم الأضرحة من قلوب الناس، وليس على الأرض، فهذا النوع الثاني من الهدم ليس من مهمة الجمعيات والأفراد، بل هو واجب على الحكومات، هذا هو موقفنا القديم ولم نبدله."
ولم يخف يوسف اعتقاد الجماعة بأنها مستهدفة من قوى سياسية منافسة تحرك الأحداث ضدها قائلا: "الصراع بين الحق والباطل هو سنّة ماضية في كون الله، ولكننا نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، والناس تدرك بأن هناك من لا يعتمد على مكيال واحد لكيل الأمور، بل يستخدم ألف مكيال."
أما المؤسسة الدينية المصرية الرسمية التي تعرضت لضرر كبير بسبب ارتباطها بالنظام السابق، فقد عبرت عن سخطها حيال ما وقع لبعض الأضرحة، وقال المفتي علي جمعة، المقرّب من الاتجاهات الصوفية، إن الذين يفتون بهدم القبور "تعلموا الدين على سريرهم من كتاب دون الرجوع إلى شيخ"، واعتبر هذه الأعمال "خروجاً عن صحيح الإسلام."
وكانت وزارة الأوقاف، قد ناشدت القوات المسلحة، التي تدير البلاد حالياً، "الضرب بيد من حديد على أيدي الموتورين وأصحاب الفكر الخاطئ الذين ينتهكون حرمة القبور، ويقومون بهدم الأضرحة.
من جهته، قال رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر، الدكتور عبد الحميد الأطرش، لـCNN بالعربية: "إن ما يقوم به ما يسمى بالسلفيين من الدعوة بهدم الأضرحة أمر جانبه الصواب.. فرغم حديث الرسول عليه السلام 'لا تجعل قبري وثنا يعبد،' فان الأيام اختلفت ولا يتوجه إنسان إلى قبر ليعبده أو يتوسل إليه، فنحن في زمن تقدم فيه العلم وتغير الناس."
وأضاف الأطرش أن هدم الأضرحة في هذه الأيام "يثير الذعر والبلبلة بين الناس، ويؤدي إلى تفرقة الكلمة وإحداث شغب بين المسلمين."
وتابع يقول:"السلفيون الحقيقيون هم من يتشبهوا بسلفنا الصالح ودرسوا الإسلام، ولم يردوا على الإساءة بمثلها، وإنما علموا أن الإسلام دين سماحة، وانه لا يملك أن يقتص أحدا لنفسه."
أما الداعية خالد الجندي، فقال لـCNN بالعربية، إن السلفية "ليست معادية للمجتمع ولا يسمح بمهاجمتها لافتا إلى أن المبالغة في التخويف من السلفيين ليست في صالح الوطن، لاسيما وان من قاموا بمحاولة إثارة الفتن أو تطبيق الحدود ليسوا بجمهور السلفيين، فهي فئة لم تتحلى بروح المواطنة وأخلاق الأمة."
ولفت الجندي إلى أن السلفية "يمكن أن تكون معاونا لنا في لمّ شمل الأمة وتطوير البلاد في جميع المجالات، ونوه بأن، دعوة هدم الأضرحة "مخالفة للشريعة،" لأنها طوال تاريخ وجودها "لم تحوّل المسلمين إلى أمة مشركة،" وإن كان قد لفت إلى ما وصفها بـ"ممارسات خاطئة في شهر رمضان والأعياد،" تحصل ببعض القبور.
وبالنسبة للإخوان المسلمين، الذين كان البعض يعتبر أنهم المتضرر الأول من وجود السلفيين الذين ينافسونهم على الأرضية الشعبية نفسها، إلى جانب الانتقادات التي يوجهها عدد من قادة التيار السلفي لأداء الإخوان السياسي، فقد تناولوا ملف الاتهام الموجه لهذه الفئة - التي تحالفوا معها في استفتاء تعديل الدستور - من زاوية أخرى.
وفي هذا السياق، قال حمدي حسن، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، إن "حرية الرأي الموجودة في البلاد بعد الثورة، جعلت جميع الفئات والتجمعات تعبر عن أهدافها وأرائها بشكل واضح وصريح وعلني،" مشيرا إلى أن دعوة السلفيين بهدم الأضرحة أو تنفيذ الحدود "مرفوضة إذا خرجت عن نطاق الدعوة، وتعد خروجا عن نطاق الدولة."
ولفت حسن إلى أن أزمة السلفيين الأساسية أنهم يتوزعون على "جماعات كثيرة ومتفرقة ليس لهم قيادة كبيرة تعبر عنهم،" وتابع: "الجماعات الإسلامية كثيرة، بعضها على صواب وبعضها على خطأ،" على حد تعبيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق