نلتقي معكم هنا في دار الفتوى لنذكر ونتذكر علماءنا شيوخ القراء الأجلاء، وحفاظ كتاب الله تعالى، ولنقول كلمة زكية في تقديرهم وتكريمهم، فإننا نعلم يقينا أن تكريمهم الحقيقي هو من الله تعالى وعند الله تعالى في دار كرامته ونعيمه. وصيتي لكم أيها الإخوة، رجالا ونساء، آباء وأمهات، أبناء وبنات، أن تتعلموا قراءة القرآن الكريم بقواعد قراءته، وأن تعتنوا بتلاوة آيات منه كل يوم، وتدبر معانيه، والعمل بتعاليمه، وأن تعلموه لأولادكم، فقد قال لكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة"، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله تعالى عنه: "عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".
إننا في هذا اللقاء جئنا لنكرم حملة القرآن، كتاب الله تعالى، فإن من يقرأ القرآن ويقرؤه لغيره ويعلمه قراءته هو حامل راية الإسلام، وأخلاق الإسلام، ورحمة الإسلام، ولقد أكرمنا الله، بما لم يكرم به أمة قبلنا، أكرمنا بالقرآن الكريم، بهدية السماء إلى أهل الأرض، فيه خير الدنيا والآخرة، من اعتصم به نجا، ومن أعرض عنه هلك، كتاب معجز بسوره وآياته وحروفه، كتاب ليس من الأرض منبته، بل من السماء مهبطه، أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشرك بالله إلى توحيد الله، ومن الكفر بالله إلى الإيمان به، ومن الفوضى إلى النظام، ومن الجهل إلى العلم، ومن البداوة إلى التمدن والحضارة، ويوم اتصلت أمتنا بالقرآن بنت مجدا، وأقامت حضارة، وهدت واهتدت إلى ميادين رحبة في العلم والسلوك والأخلاق، هذا كتاب ربنا وهو قرة عيوننا ونور قلوبنا".
أما في الولايات المتحدة الأميركية فيتجرأ أحد القساوسة في الكنيسة الإنجيلية "جونز" ويحرق القرآن الكريم علنا أمام جمهور الناس ويتباهى بذلك، ويتجرأ على مسلمي العالم وعلى دينهم وعقيدتهم وإيمانهم وأخلاقهم، تحت حماية الحرية والديموقراطية له ولجريمته في أميركا، أهذه هي الحرية والديموقراطية التي تعدنا بها الولايات المتحدة الأميركية؟ ثم تتجرأ الولايات المتحدة بعد ذلك، فلا تقوم بردع هذا الحاقد قبل ارتكاب جريمته، وقد أعلن عنها من قبل، بل وتتمادى الولايات المتحدة حين لا تقف عند مشاعر المسلمين في الولايات المتحدة وفي العالم، فلا تقدم اعتذارا لهم على هذه الجريمة النكراء التي ارتكبت ضد القرآن وضد الإسلام والمسلمين في أميركا وفي العالم، بل وفي أحضان ديموقراطيتها وفي ظل حرية الإساءة إلى الأديان فيها".
إن وقاحة الولايات المتحدة الأميركية التي لم تحاسب ولم تعتذر لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى ذروة حقارتها حين اعتقلت ذلك القس "جونز" لا لأنه أحرق القرآن الكريم كتاب الإسلام والمسلمين ، بل لأنه تظاهر بدون ترخيص، ثم تطلق سراحه بكفالة مالية قيمتها دولارا واحدا، هذه هي قيمة الديموقراطية الأميركية التي تريد الولايات المتحدة أن تصدرها إلى العالم فما رأيكم؟ وانظروا أيها الإخوة إلى هذه المفارقة العجيبة في ديموقراطية الولايات المتحدة الأميركية: إحراق قسيس إنجيلي للقرآن الكريم لا بأس به ولا عقوبة عليه في أميركا، ولو كان عدوانا على مليار مسلم ودولهم في العالم، أما إنكارك المحرقة اليهودية أيام هتلر في كتاب أو خطاب أو مقال في صحيفة، مجرد إنكار لحجمها أو تقليل من شأنها، فإنه يدخلك إلى السجن في الولايات المتحدة، ومن كان له أذن فليسمع، ومن كان له عقل فليفهم".
إن الحرب على الإسلام لن تخيفنا ولن ترهبنا، ولن تفت من عضدنا، بل ستزيدنا تمسكا وتشبثا واعتصاما بحبل الله وهو القرآن العظيم، الذي نحتفي اليوم بتقدير وتكريم قرائه وحفاظه، وهو الحبل المتين الذي أمرنا الله تعالى بالاعتصام به والتوحد عليه وعدم التفرق عنه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق