المسيـــحـــي في الدول الإسلامية هل هو ذمي أم مواطن؟/ أنطوني ولسن

أنا أعرف إنني أتطرق من وقت لأخر إلى مواضيع شائكة ، الحكم فيها إما أن يأخذ رأيا واحدا ، أو تتعدد فيه الأراء بين الموافقة وعدم الموافقة أو عدم قبول الموضوع المطروح برمته . لكن بعد أن ركب الأسلاميون على مختلف مذاهبهم موجة ثورة 25 يناير من هذا العام 2011 وكادوا بصوتهم العالي وبمساعدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الظهور على الساحة المصرية إن كان في السياسة أو أمور المجتمع والدين ، أن يضيعوا على شباب الثورة كل فرص الأشتراك الفعلي والعملي لما يمكن أن تكون عليه مصر بعد ثورتهم المجيدة والتي أصبحت مثالا يحتذى به في العالم . وما حدث في قرية صول من حرق وتدمير كنيسة القرية وقتل بعض المسيحيين وتهجير 7000 أسرة مسيحية خارج القرية والسماح لأحد المشايخ بالتدخل في هذا الأمر بعد فشل رجال القوات المسلحة في تهدئة الحال بالقرية مما رفع من قدرة رجال الدين في التحكم في الشارع المصري فوق قدرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوط به حماية الوطن وإدارة شئونه ، وقد تم الإكتفاء بالتعهد لبناء الكنيسة وإعادة المهجرين من الأسر المسيحية ، وعدم تقديم الجناة والمحرضين إلى القضاء لمحاكمتهم والتغاضي عن الجريمة جملة وتفصيلا له أكبر دليل على عدم إهتمام المجلس بشئون المسيحيين والتسليم بعجزه في مواجهة التيارات الأسلامية المتشددة والمتطرفة أو أن يكون له قناعة وحكمة في ذلك لا نعرفها. وإن كنا نشكر المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تحقيق ما وعدوا به من إعادة بناء الكنيسة وتعميرها .
وأيضا تعامل رجال الجيش مع المعتصمين في ماسبيرو من المسيحيين معاملة إختلفت عن المعاملة التي تعامل معها الجيش مع فئات أخري من الشعب سواء إبان فترة التحدي لإسقاط نظام مبارك أو عند أي إعتصامات أخرى . ولا ننسى إطلاق الرصاص الحي وإستخدام البلدوزورات لهدم سور دير الأنبا بيشوي الذي بني للحماية من المساجين الذين أطلقهم حبيب العادلي . وأيضا حادثة قطع أذن المواطن المسيحي أيمن أنورديمتري في قنا وحرق سيارته وشقته التي يتعايش منها هو وأسرته بتأجيرها وإجباره بالتنازل عن حقه في مقاضاة من أسأوا إليه لغير جرم إرتكبه وهدم حياته وتشويه جسده وسمعته بين الناس ، والتي أيضا لم يتعامل معها رجال القوات المسلحة المعاملة العادلة القانونية وتم حلها بطريقة لا تتماشى مع مباديء الدولة المدنية التي تحكم بقوانين وضعية وليس بالمجالس العرفية. أنا لا أقلل من قيمة الجيش وقدرته على ضبط الأمور مما ميزه عن غيره من الجيوش العربية التي إستخدمها رؤساء العرب في قمع شعوبهم التي ثارت وطالبت برحيل رؤسائها كما فعل ويفعل كل من رئيس اليمن ورئيس ليبيا حتى كتابة هذه السطور.
لكن أردت فقط أن أذكر القاريء لما يحدث للمسيحيين في مصر من الهيئة العسكرية التي سلمها الرئيس السابق محمد حسني مبارك مسئولية البلاد . زد على ذلك لم نرَ أو نسمع عن وجود ضابط جيش مسيحي كأحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي أعتقد ولا شك في ذلك من وجود ضباط مسيحيين عاملين في القوات المسلحة اللهمَ إلا إذا كان سيادة المشير طنطاوي لا يثق في ضباط جيشه من المسيحيين ، وهذه مصيبة المصائب إن كان الأمر كذلك . أضف نقطة أخيرة قبل أن أنتقل إلى تكملة الموضوع الذي أنا بصدد التحدث عنه " المسيحي في الدول الأسلامية هل هو ذمي أم مواطن ؟؟؟!!! . وهذا الأمر هو عدم وجود رجل من رجالات القانون المسيحيين ضمن اللجنة التي تولت صياغة التعديل للمواد التي جرى عليها الأستفتاء بطريقة فجة وضح فيها نية المعنيين بإدارة شئون البلاد على الأقل في ورقة الأستفتاء والدائرة السوداء والتي ترمز بـ لا ، والدائرة الخضراء والتي ترمز بـ نعم .طبيعي المعنى واضح وصريح .
والأن نتحدث عن ما إذا كان المسيحي في الدول الأسلامية ذميا أم مواطنا ...
المادة الأولى من دستور1971 تنص على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنه .
أما الذمية فقد أوجدها العرب ليتعاملوا بها مع شعوب الدول التي غزوها أو كما يحلو للبعض فتحوها حتي يتم تطبيق الشروط العمرية والتي أساسها ، الأسلام أوالجزية أو القتال . وواضح أن دفع الذمي للجزية شرط أساسي للدفاع عنه وحمايته ، ودخل مؤكد لذلك البدوي المحتل لأنه لم يترك البلاد التي فتحها ويعود إلى حيث آتى بعد أن أتم مهمته مشكورا بإنقاذ شعوب الدول المحتلة من مستعمرين ومحتلين وتنال تلك الشعوب حريتها . بدلا من ذلك بقي ووضع شروطا أكثر ظلما من ظلم من جاء لطردهم تلبية لطلبات البلاد التي ناشدته وتوسلت إليه أن ينقذها بعد أن خبر بعين رأسه ما عليه تلك الدول من غني في الأرض الخضراء والماء اللذان لا مكان لهما في الصحراء التي أتى منها فتمسك ببقائه ليأتيه نصيبه من الجزية والخراج والسبايا.
ثورة شباب يناير نجحت في شيء ولم تنجح في أشياء أخرى . نجحت في الإصرار على رحيل مبارك ، وهذا في حد ذاته يعتبر إنجازا حقيقيا بكل المعاير . ولم تنجح لأنه لم تكن لديهم أجندة يقومون بتفعيلها بعد النجاح ، ويبدو أن الرئيس نفسه الذي ماطل في الرحيل إستفاد من المماطلة وعرف أنهم شباب متحمس ولا يملك أهلية الأستمرار فأعلن تخليه لإدارة شئون البلاد ولم يعلن عن تخليه لقيادته للجيش المصري ولا لرئاسته للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وترك لرجال جيشه أمور إدارة البلاد كما ذكرت معتمدا على الوقت وما يمكن أن يحدث لعودته أو إبنه ثانية .
كذلك عدم وجود أجندة لدي شباب الثورة أعطى لجماعة الأخوان المحظورة فرصة ذهبية للقفز على أكتاف الشباب والإستيلاء على إنجازات شباب الثورة والمتمثلة في إلتفاف جميع طوائف الشعب بعد أن كانوا بعيدين " الأخوان " غير مشاركين ومحذرين ومطالبين بعدم الأشتراك أو التواجد في ميدان التحرير . وهذا شجع بقية الجماعات الأسلامية الأخرى بالإسراع أيضا والمشاركة بالتواجد وإبداء الرأي في كيفية إدارة شئون البلاد بالشريعة الأسلامية وما شابه ذلك وظهر ذلك جليا في الأستفتاء على المواد الدستورية التي تم تعديلها. وقد أكد الأساذ عادل حمودة صدق ما نقول في جملة ضمن مقال له تقول " البقاء لله .. ثورة يناير ماتت في مارس وستدفن في سبتمبر .. ولا عزاء للشهداء .." .
بدأ الأخوان والسلفية والجماعات الجهادية وغيرها في الحديث عن الدولة الدينية القادمة وكان من الطبيعي الحديث عن وضع الأقباط المسيحيين والمرأة والكثير من شئون الدين والدنيا . وقد رأينا المتحدث بأسم الأخوان يتطرق إلى موضوع الجزية الواجب على المسيحيين دفعها إسوة بالمسلمين ودفع الزكاة وقد تطرقت إلى هذا الموضوع في مقال سابق تحت عنوان " زكاة وجزية الأخوان " . خرجت علينا أيضا من شيوخ السلفية والجماعات الأسلامية بالحديث عن الأقباط على أنهم ذميون أي عليهم " الجماعات " في ذمتهم مراعاة شئونهم وحفظ حقوقهم وحمايتهم مع البهائم والماشية .وهذا الأمر أضحكني كثيرا فمنذ متى يهتمون بالبهائم والماشية أولا ، وكيف يساون بين الإنسان والماشية عند الوعد بالحماية ورعاية شئونهم ثانيا !!اللهم إلا إذا كانوا سيستفيدون من الأقباط المسيحيين كما سيستفيدون من المواشي والبهائم ، الأقباط المسيحيون يدفعون الجزية وهم صاغرون ، والبهائم والمواشي يستفيدون بألبانهم ولحمهم وهم صاغرون أيضا لأنهم بهائم وماشية لا يستطيعون الأعتراض أو الأحتجاج وليس لديهم مؤسسات حقوق الحيوان والتي تحميهم من بطش الأنسان كما هو الحال لإخوة لهم في البلاد الغربية الكافرة . وما أصعب التشبيه وأقساه ونحن في القرن الحادي والعشرين . كيف يتساوى الأنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى على شاكلته بالحيوان الذي أوجده الله القادر ليتسلط عليه الأنسان بدءا من سيدنا آدم إلى آخر رجل في العالم ؟؟؟؟؟!!!!! ، كيف ؟؟!! ... لا أعرف المنطق الذي يتحدثون به وكأنهم يتحدثون إلى أناس صم بكم لا يفقهون . وهذه إهانة للأنسان والبشرية بغض النظر عن دينه أو معتقده أو جنسه أو لونه
وأسأل أصحاب هذه الأفكار الرجعية :
وأنتم في بلاد الفرنجة الكفرة هل تقبلون على أنفسكم أو على أي مسلم من أي بلد إسلامي عربي أو إسلامي غير عربي أن تكونوا في ذمتهم كما أن المسيحيين في الدول الإسلامية تريدون لهم ذلك ؟وأيضا لو أراد أحد المسلمين المقيمين في دول الكفار أن يرشح نفسه في أي إنتخابات ولم ينجح ، ونجح الكافر الذمي ، هل سيقول لهم " للدولة التي يعيش بها " أنا لا أقبل ولاية أحد منكم لأن الشرع يقول لا ولاية لغير المسلم على المسلم . وإذا إنتقد أحد الإسلام يتهم بإزدراء الأديان ويحل دمه ويهرع المؤمنون بتوظيف الملايين لمن يقتله . بينما ينتقد ويزدري المسلمون شيوخا وآئمة ودعاة الأديان الأخرى ولا يقبلوا أن يتهمهم أحد بإزدراء الأديان .
يا إخوة الأوطان إن كان في مصر أو غير مصرما ترضونه لأنفسكم إرتضوا به لغيركم فلا شيء يميزكم عنهم غير التقوى والعمل الصالح.هل يرتضي أحدكم من المقيمين في بلاد الفرنجة أن تفرض عليه حكوماتهم الجزية لحمايته ورعايته على الرغم أنه يدفع الضرائب مثله مثل أي مواطن أخر ؟؟؟!!! بالطبع لا ولن تفعل أي حكومة من حكومات الكفار هذا العمل المشين .
هل تعلمون أنه عندما يقول أحد الفرنجة الكفار لأي إنسان من أي جنسية وبغض النظر عن دينه أو عقيدته " إذا ما كانش عاجبك سيب البلد وإرجع إلى حيث أتيت " ماذا يكون الرد عليه " أنا مواطن مثلي مثلك وأدفع ضرائبي كاملة . هل يستطيع المسيحي في أي بلد إسلامي أن يقول هذا القول لمن يطلق عليه الذمية وغيرها من المصطلحات التعصبية على الرغم من أنه صاحب حق في الوطن وليس مثل من يعيش في بلاد الفرنجة الكفار الذي ذهب إليهم مهاجرا سواء شرعيا أو غير شرعي ؟ ولا أعرف ماذا سيكون عليه حال مصر بعد السماح لـ 3000 شخصية من القيادات الجهادية بالقدوم إلى مصر من أفغانستان والشيشان وإيران وكنيا !! .
وبالعربي الفصيح لا ولن نقبل أن نكون ذميون في بلادنا إن كان في مصر أو غير مصر طالما أننا نحمل الجنسية المصرية أوجنسية البلد الذي يعيش فيه غير المسلم ويحمل الجنسية لهذا أو ذاك البلد .
نحن في أشد الحاجة " وهنا أتحدث عن مصر " ، إلى دستور جديد أتمنى أن يشمل واضيعيه من جميع أطياف الشعب المصري من المستشارين ورجال الفقه الدستوري ، قبل أي إنتخابات برلمانية أو رئاسية يؤسس نظاما مدنيا ديمقراطيا أساسه المساواة بين جميع المواطنين دون تفرقة ، ولا مكان للأحكام العرفية أو الطواريء ، ولا تميز بين أبناء الوطن الواحد وإعتبار البعض ذميا والآخر حرا ، حتى أن كلمة ذمي فيها إهانة صارخة للأنسانية ، لأنها تحمل إعترافا كاملا بعدم أهلية من يطلقون عليهم " ذميون " لحق المواطنة الكاملة مع إنه من دافعي الضرائب ويحمل الجنسية المصرية لكن عليه يا ولداه أن يقبل أن يكون في ذمة الأخرين حتى لو خربت ذمتهم !!بالله عليكم هل هذا الأمر يرتضيه لنفسه أي عاقل ؟؟!! .لذلك لابد في الدستور الجديد أن تشدد المادة الأولي منه على المواطنة الكاملة غير المنقوصة لأي مواطن يعيش على أرض مصر مهما إختلفت ديانته أو عقيدته أو لونه .
فهل سنجد من يستطيع الفصل التام بين المواطنة والذمية بقانون مدني صارم ؟؟؟!!!
لا أعرف لماذا يساورني الشك في تحقيق هذا المطلب البسيط العادل ، لقناعتي بعدم وجود إنسان واحد حر يستطيع أن يحقق هذا لا في مصر ولا في أي دولة إسلامية عربية أو أي دولة إسلامية غير عربية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق