فارسية التشيع كلمة ليس مثل الكلمات، كلمة لها حد السيف، وعصف المدفع، وحرارة النيران ... لها قوة تدميرية تفوق قوة القنابل النووية والهيدروجينية، وموجات التسونامي التخريبية ... لها فعل جيوش المغول والتتار، وقنابل هيروشيما وناكازاكي، وكل الموجات البربرية في تاريخ البشرية، وكافة الاحتلالات الاستعمارية، والغزوات الإجرامية، ذلك لأنها تحمل جينات الحقد السياسي المغلف بأطر دينية، وعقائدية، وخلافات فرقية، ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لها في مباني العقيدة والفكر الحر من مكان. وهي الجينات التي حركت العناصر أعلاه لتدمر البشرية أكثر من مرة.
هذه الكلمة كانت مجرد كلمة تقال في ساعة غضب، ولا تترك أثرا لدى السامع أكثر من عتب، ولكنها اليوم بفضل توظيف المسلمين للمعطيات العلمية ونتائج الثورات التكنولوجية، وأنشطة وعاظ السلاطين من حملة الأفكار الجاهلية، تحولت إلى نظرية لها منطوق، ومفروض، ومطلوب إثباته، ونتيجة (وهو المطلوب) وصار المنافقون يتاجرون بها في سوق النخاسة الطائفية باسم العقيدة المحمدية، فلا يخلو من ذكرها مقال من مقالاتهم، ولا تغيب عن سجال من مجابهات المسلمين فيما بينهم.
وهي نظرية أقل ما يقال بحقها أنها تثير في النفس الأسى والانفعال، لأنها تملك كما كبيرا من الحقد، وتثير الكثير من الحقد. حقد من يتاجر بها باسم الدين فيسّوقها للطعن بالمسلمين، وحقد من يراها ألصقت به جهلا وأطلقت عليه ظلما، فألحقت به العار، لا لأنها عار، ولكن بسبب كونها تشكك بأصلٍ وبنسبٍ، ونحن العرب، أدمنا تقديس الأصل والنسب، وألا ما كنا عربا.
عربا كنا ولغاية سنين مضت نرفض التخلي عن أصلنا حتى ولو حاقت بنا المخاطر وعرضنا أنفسنا للمهالك والمطامر، ولذا تجد عالمنا ومتعلمنا إذا ما سألته عن أصله وهو لا يعرف أصلك يبادر للقول تحديا: (على الزين والشين أنا من ....) ثم يذكر اسم عشيرته، وهذا طبعا بسبب الثارات العشائرية القديمة المستفحلة.
ومن منطلق الاعتداد بالنسب، يشعر من يتهمه أخوته بأنه غير عربي الأصل، بحيف كبير وحنق اكبر، وحقد أشد، ويمتليء قلبه ضغينة على أخيه العربي، فيدعو عليه بالثبور، وسيء الأمور، ولا يذكره بخير، ويتحين الفرص ليشمد به إذا ما أصابه مكروه من صروف الزمان.
ومع تلك الحساسية، تجد بيننا كثرة مفرطة من أهلنا وقومنا وأخوتنا وعشائرنا العربية، تدعي أن العرب الشيعة كلهم فرسا مجوسا، وأن ولاءهم لإيران أكثر من ولائهم لبلدانهم، دون وجه حق، وبلا دليل نقلي أو عقلي أو عرفي أو نسبي. لمجرد أن الرامي في الليلة الظلماء يستند في دعواه الجائرة إلى أصول زائفة، حرف معناها عن حقيقة حدوثها لتعطي انطباعا آخر بعيدا عن حقيقتها، منها:
حقيقة فتح المسلمين العرب لبلاد فارس في عصر سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقالوا: أن الفتح أوغر قلوب الفرس، فأرسلوا قزمهم القميء (أبو لؤلؤة فيروز) الذي كان مولى للصحابي المغيرة بن شعبه، ليقتل خليفة المسلمين.
وقالوا: أن الفرس، بعد ذلك قاموا بخلق المذهب الشيعي لتدمير وتخريب الإسلام، بعد أن نجحوا بتزويج إحدى بنات ملكهم المهان المقبور، إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) وهي الأخرى واقعة حقيقة تزوج خلالها، بيوم واحد، وبأمر واحد، صادر من خليفة المسلمين، سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ثلاثة شبان من المسلمين بثلاث بنات لكسرى، هم عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) و محمد بن أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما) والحسين بن علي (رضي الله عنهما)
وقالوا أيضا: أن الفرس المجوس قاموا بإدخال ثقافتهم وفكر عقائدهم المجوسية إلى الإسلام بواسطة التشيع تبعا لما يعرف اليوم باسم (المثاقفة) أو التناقل الثقافي الموجه والمقنن.
ولكي نفهم حقيقة هذه الأصول، وصدقها، ومطابقتها للأحداث، وأسباب وضعها، ومدى صحتها، وعلى من يصدق إطلاقها، ومدى التخريب الذي يحدثه الإيمان بها. ونفهم بالمقابل مدى الإصلاح الذي يبثه تفنيد مبانيها، بعد إعادة قراءة التاريخ قراءة علمية منطقية سليمة قويمة، ووضع النقاط على الحروف، نجد أننا نقف قبالة عمل تخريبي جبار، هدفه زرع الفرقة بين المسلمين، وتوهين بعض العرب، والتشكيك بأصولهم الباسقة، وأن هناك قوى خارجية معادية للإسلام وللعروبة هي التي تغذي هذه النظرية، وتثقف العامة عليها وتدفعهم إلى التصديق بوهم حقيقتها، مستغلة العداء المذهبي الذي غذاه ونماه وطوره ورعاه ونظره وشرعنه، وعاظ السلاطين والإفتائيين الجهلة المخربين.
من هذا المنطلق وبموجب تكليفي الشرعي، وحرصي على عروبتي، وأصل أرومتي، ونقاوة حسبي، وعلو نسبي، وحبي للإسلام، ولمذهبي العربي الخالص، قضيت ثلاث سنين، متابعا، ومتفحصا، ومدققا، وممتحنا، ومحللا، ومقارنا، ومفككا، وباحثا. فتوصلت إلى نتيجة ترضي العقلاء، والشرفاء، ومن في قلبه حرص على العروبة والإسلام. وتغيض من في قلبه مرض، ومن أعمى الحقد الأسود قلبه، ومن نذر نفسه لخدمة الأجنبي، ومن لا يريد للعرب أن يتفقوا على كلمة سواء. وجمعت كل النتائج التي توصلت إليها، في كتاب أسميته (نظرية فارسية التشيع بين الخديعة والخلط التاريخي والمؤامرة) وأودعته إحدى دور الطباعة والنشر اللبنانية المشهورة بحرصها، ودقتها، ونزاهتها، والتزامها، وصدقها، لتقوم بطبعه وتوزيعه بين المسلمين، خدمة للحقيقة والدين. وآمل أن الكتاب سيطرح في الأسواق مطلع شهر حزيران القادم بعون الله تعالى، ويومها سوف يتغير المقام، وسيكون لنا بعون الله ومدده ونصره وتسديده، مقالا آخر يتناسب مع ذلك المقام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق