مع احترامي لكل الردود التي توصلت بها، وبخاصة تلك التي هاجمتني في شخصي، فإنني أتجرأ على القول بأن القارئ الكريم، أساء فهماً فأساء إجابة.
إن الإنسان حر ومسؤول عن نفسه، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسوف يدان على أعماله، أو بالأحرى على ضميره ونياته، لأنه لا يستطيع أن يمارس حريته تمام الممارسة إلا داخل ضميره. ومن هنا تظهر أخلاقية النية والإحسان ونقاوة القلب، والقيمة الأخلاقية للندم والتوبة. ومن هنا أيضا تقدم لنا الشريعة الإسلامية شعوراً بامتياز يتفرد به الإنسان في الكون، وبامتياز في الإنسان للعقل والإرادة وحرية الاعتقاد.
وقد أجد من يختلف معي في الرأي، وهذا أمر طبيعي في الفكر الإنساني، وأتمنى أن يكون هذا الاختلاف في حدود المنطق وأن لا يصل إلى درجة التناقض والعداء والسب والشتم. والناس عموماً يختلفون لأسباب تستعصي على الحصر، ولكن أبرزها اختلاف المصالح، واختلاف المكونات الحضارية والثقافية، مما يؤدي إلى اختلاف النظرة العقلية إلى الأمور.
إن القدرات العقلية المغلقة، لا تستطيع المقاومة، وبالتالي فهي تثور وتسخط لأتفه الأسباب، وتستخدم الألفاظ السوقية ولا تستحي منها، ثم تكتشف بعد حين أنها كانت مغفلة. وربما كان هذا هو القانون العام أو الرأي العام. إن تغير الظروف لا يمكن أن يصلح عيباً من عيوب العامة أو العوام. إننا نفخر بتحررنا من كثير من الخرافات، بيد أنا إذا كنا حطمنا صنماً من الأصنام، فإن ذلك إنما كان لانتقالنا إلى عبادة صنم آخر، وهو الرأي العام، وصنماً أكبر منه وهو العادات والتقاليد، التي يخشاها الناس في بلادنا أكثر من الدين نفسه. وأكثرهم جاهلون.
فإذا كنا لا نضحي اليوم بعجل كبير لهبل، فما الجدوى من ذلك إذا كنا نتزلزل للرأي أو الرأي العام، أو نخشى التهديد بالهجوم، أو التعبير، أو جيران السوء، أو الفقر، أو التشويه، أو القتل، فقد كان الناس يقدمون الأضحية للأصنام، خوفاً من أن تفسد حياتهم وتجارتهم وأموالهم، فيشترون سكوتها أو رضاها، بما يقدمونه لها، ولا يقولون الحق. أنظر إلى قوله تعالى مخاطبا نبيه: "وكذب به قومك وهو الحق". وإذا كان لدينا استعداد للخوف من الرأي العام، أو من العوام، فإنا سرعان ما نجد ما يفزعنا. ولا نقول الحق.
إن الجماعة الطائشة مستهترة، ولا تريد أن تفهم. تطالب بالحرية ولا تريد أن تتحرر. تطالب بالحوار ولا تفهم لغة الحوار. فهي دائماً وأبداً تعد في المجتمع مشكلة وتهديداً. إن الرأي العام نفسه، هو الذي ثار ضد العلماء والمفكرين والمخترعين، الذين أوقدوا نار الثورة، وأضاءوا منار الحرية، وحملوا لواء التقدم والتطور، وبالفكر المستقل استطاعوا أن يبثوا في حياتنا العقلية، معنى الحرية بأقوى ما تدل عليه، وبعثوا فينا نزعة التجديد بأكرم ما نشير إليه. ولكن العامة بجهلهم ثاروا ضدهم، فمنهم من أعدم، ومنهم من أحرق حياً، ومنهم من نفي من موطنه. وكأن الإيمان بالغيبيات، حمل أفراد المجتمع، في كل العصور، على رفض تصديق الحقائق، مهما قربت من واقعهم. كثير من الأشخاص المتحمسين للدفاع عن قيم المجتمع وعاداته، يضعون أنفسهم في مكانة تبعث على الضحك والسخرية، عندما يكتشفون أنهم لا يملكون من ضرورات التفكير، سوى ما يكرهون وينكرون، بينما عقولهم تكون مستريحة، وعيونهم خلف الرأس.
فهل أجانب الحقيقة، إذا قلت أن الرجال والنساء في بلادنا، يعيشون في الخفاء خارج النص الشرعي، ويتمسكون بالمظاهر الاجتماعية الجامدة في خطاباتهم الإنشائية، ويظهرون أمام الناس بمظهر اجتماعي محافظ؟ وهل من العيب أن نطالب بإزالة هذه الأقنعة الزائفة عن الوجوه، وإظهار الرجال والنساء على حقيقتهم، دون خوف أو خجل؟ إن على المجتمع أن يتقبل ذلك بسهولة، من أجل الإصلاح بعيداً عن كل مظاهر الدجل، والنفاق، والتدين المغشوش.
فأين الخطأ في المطالبة بحرية المرأة وتحريرها وقد سبقنا في ذلك كل أمم الأرض وشعوبها؟ فهل كل هذا العالم في ضلال مبين، ونحن فقط أصحاب الريادة والحق والعلم؟ متى نفيق من غفوتنا ونتبين حاجتنا إلى التفكير السليم، بعيداً عن هوس الحرب وانفعالات القتل والرغبة في الموت؟! متى نميز بين الحقائق والأساطير، ونبحث في الأسباب ونعلل النتائج؟!
إن التعليم وحده لا يكفي، فلا قيمة للقراءة إذا لم تؤيدها التجربة والمشاهدة، ولذلك لا بد من التوسيع بالمعرفة على المرأة برفع الحجاب، لأن حجاب المرأة يحبسها في هذا التقليد الضيق، ويحول بينها وبين العالم الحسي، عالم الفكر، والحركة، والعمل، ويجعلها لا ترى، ولا تسمع، ولا تعرف، إلا ما يقع بعالمها الضيق من سفاسف الأمور. وهذا ما أنكره جل المفكرين ورجال الإصلاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق