السيد المسيح: مسجد يعزز التعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين في الأردن


عمون - خاص - كتب حمد العثمان -
تقول احدى القصص : بأنه قبل مايزيد عن 50 عاما مرض إمام مسجد في قرية في شمال الأردن مرضا شديدا في شهر رمضان منعه عن إعلام الناس بموعد الإفطار ، فلاحظ هذا الأمر أحد القائمين على الكنيسة المجاورة للمسجد الذي اعتاد على سماع صوت الأذان الذي ينبئ بموعد الإفطار ، عند تأخر الإمام ، علم هذا الرجل المسيحي بأن خطبا ما قد حدث لجاره المسلم فقام بقرع أجراس الكنيسة ليعلم المسلمين بأن موعد الإفطار قد حان.

تكررت القصة في القرن الماضي عندما قام احد أبناء العشائر المسيحية من عائلة “مرار” بالتبرع بقطة أرض لبناء مسجد في مأدبا التي تقع جنوب العاصمة عمان في الأردن ، وقامت الدولة ببناء مسجد عليها أطلق عليه اسم مسجد الحسين بن طلال. صمم المسجد على نمط العمارة العثمانية و يعد أكثر مساجد مأدبا اكتظاظا بالمصلين في يوم الجمعة.

قبل ثلاثة أعوام شعر رجل الدين المسلم جمال جمعة السفرتي بأن عليه أن يرد الدين للمسيحيين الذين ساهموا بشكل كبير في تعزيز قيم التعايش بين المسيحيين و المسلمين في مأدبا ، فسمع بأن أحد السكان المحليين المسلمين وهو غالب المحسن محمد العتيبي أردني مقيم في أوكرانيا، سوف يقوم ببناء مسجد ، فسارع إليه مقترحا بتسمية الجامع باسم السيد المسيح عيسى ابن مريم ، و بالفعل رحب الرجل بهذا الأمر و تم تسمية المسجد بذلك ، يقول السفرتي” ما دفعني لإطلاق اسم السيد المسيح عيسى ابن مريم على المسجد هو أنني تنقلت كثيرا في الدول الإسلامية فوجدت مساجدا بأسماء جميع الأنبياء باستثناء السيد المسيح لذا شعرت بالتقصير وقررت تبني الفكرة”.

يؤكد السفرتي الذي يعمل حاليا كإمام لهذا الجامع ، بأن الفكرة تبلورت في عام 2008 بعدما تم نشر صورة كاريكاتورية عن النبي محمد صلى الله عليه و سلم ، الأمر الذي أدى إلى تعميق الانقسام بين المسلمين والمسيحيين ، لذا فكر في إن إطلاق اسم السيد المسيح على المسجد يعتبر بادرة نحو المسيحيين في مأدبا في ظل تزايد العداء للإسلام في الدول الغربية حسب قوله.

يشكل هذا المسجد الآن علامة فارقة في المدينة التي يشكل المسيحيون فيها 5% من إجمالي عدد السكان المقدر بـ 150 ألف نسمة اذ أضحى نبراسا يؤكد التعايش الديني في المدينة بين المسلمين والمسيحيين.

يقع المسجد على مسافة قريبة من كنيسة في المنطقة ، زين داخله بالعديد من اللوحات عليها آيات من القرآن عن السيد المسيح والسيدة مريم . وتبلغ مساحته 1000 متر مربع ، وهو مؤلف من 3 طوابق فهناك طابق أرضي ومصلى للنساء وآخر للرجال ورواق وقبة طولها حوالي 51 مترا، كذلك بلغت كلفته 600 ألف دينار.

فكرة السفرتي بتسمية الجامع بالسيد المسيح لم تجد أي اعتراض من أية جهة شرعية أو قانونية داخل أو خارج الأردن ، إلا أنها سببت دهشة وحيرة في بداية الأمر من قبل كلا الطائفتين، يقول السفرتي مبتسما :” ليس الغريب أن يبني المسلمون مسجدا ويطلقون علية اسم السيد المسيح ولكن الغريب هو في التأخر في هذا الأمر لأن مكانة سيدنا عيسى علية السلام عظيمة في الإسلام”.

سرعان ما لاقت الفكرة قبولا واسعة عند افتتاح المسجد ،و كانت ردة الفعل الأولى هي قيام أحد المسيحيين بالتبرع بإفطار أول يوم من رمضان في هذا المسجد ، اذ أحضر الرجل بنفسه الوجبات للمسلمين ، الأمر الذي زاد من التآلف في المدينة التي لم تشهد أي أحداث إطلاقا على أسس طائفية بحسب السفرتي.

يمتاز السفرتي بوجه بشوش مبتسم ، درس الشريعة واللغة العربية ، و أمضى ثلاثين عاما من حياته في دمشق تتلمذ فيها على يد علمائها ، عاد بعدها إلى وطنه الأردن لإكمال مهمته في نشر الصورة السمحة عن الإسلام لمزيد من التعايش بين الطائفتين المسلمة و المسيحية كما يوضح بكل ثقة :” أسعى لنشر صورة الإسلام الحقيقية لإنهاء حالة القلق الموجودة في المنطقة و السعي لتأكيد التعايش بين الإسلام و المسيحيين”.

لا يتشابه السفرتي مع الكثير من رجال الدين الذين يدعون لأهمية هذا التعايش بشكل نظري ، اذ فضل الدعوة و لكن بشكل ملموس أكثر، فهو يعمل على هذا من خلال المحافل التي يزورها بحكم عملة في المنتدى العالمي للوسطية و الثقافة ، بالإضافة إلى قيامة بالقاء عدد كبير من المحاضرات والندوات داخل الأردن وفي سوريا ولبنان ، لنبذ التطرف ورفض الآخر إلا أن بعض المشاكل تواجهه :” الحقيقية هناك العديدين من المتعصبين من الطرفين يتناسون حقيقة التعايش الجاري في المنطقة العربية بين المسلمين و المسيحيين”.

توافقه الرأي ليندا المعايعة وهي مسيحية تعيش في مأدبا، لاتفرق وفق حديثها بين المسلمين والمسيحيين في تعاملاتها الاجتماعية على الإطلاق تقول : “أغلب صديقاتي مسلمات وتربطني بهن صداقات حميمة “، وتؤكد أن عشيرتها “المعايعة” تنقسم إلى قسمين مسيحيين ومسلمين يشتركون بروابط الدم.

تتميز العلاقات الاجتماعية بين المسلمين والمسيحيين في محافظة مأدبا بأنها علاقات متينة ومتجذرة حتى أنها وصلت إلى حدود “المصاهرة” ، لذا تجد العائلات في مأدبا تشترك بروابط الدم وتختلف في الديانة ، كذلك تجد عائلات نصفها مسيحي ونصفها الآخر مسلم.

يرى أحد مرتادي مسجد الحسين بن طلال ، محمد فريح شهوان 26 عاما أن صلاته في مسجد بني بأيد مسيحية أمر طبيعي ، اذ يشترك المسلمون والمسيحيون بأنماط معيشية مشتركة مثل الطعام و العادات فكلاهما ينتميان إلى عشائر قبلية.

يعرف سكان مأدبا بأن كل من المسلمين و المسحيين هم من العشائر البدوية لذا يقطنها عدد من العشائر المسيحية ومن أهمها العزيزات، المعايعة، الكرادشة والحمارنة، أما العشائر المسلمة فهي من بني صخر الطائية.

يضيف شهوان ” غالبا ما نرى المسيحيين والمسلمين يتسامرون بقصص عشائرهم القديمة عن تربية الإبل والأغنام وحياة الصحراء القاسية “. ويؤكد ذلك محمد سلايطة وهو مسلم من سكان مأدبا ، الذي يشارك أصدقائه المسيحيين في أعيادهم لأن أساليب الحياة وأنماطها والتي تمتد إلى حياة البداوة تعتبر رابط مشترك بين المسيحيين والمسلمين.

يتمتع المسيحيون الأردنيون بتمثيل سياسي جيد في مجلس النواب الأردني كذلك في مختلف المناصب المدنية والعسكرية في الدولة، بالإضافة إلى الحياة الثقافية.

يمتدح السفرتي المسيحيين في بلاده قائلا ” المسيحيون في الأردن اثبتوا أنهم وطنيين شرفاء فدائما وقفوا إلى جانب الوطن ضد أي اعتداء عليه وهذا أمر يسجل لهم بكل تقدير واحترام”.

يرى ممثل كنيسة الروم الأرثوذكس الأب معين الحلو ” بأن الدين الإسلامي مثل بقية الديانات السماوية يحث على المحبة والتسامح لذا علينا بقبول الآخر دائما و قبول التعددية كذلك”.
يعتب السفرتي على دول الغرب التي تشوه صورة المسلمين و يدعوها لتعلم التعايش من هذه المحافظة الصغيرة الواقعة في الأردن ، اذ يقول ” يوجد لدينا قرابة 30 كنيسة في هذه المحافظة التي يشكل المسيحيين منهم قرابة العشر آلاف شخص ، بينما يتجاوز عدد المسلمين في الغرب هذا الرقم بكثير و لكن يجدون صعوبات لدى بنائهم مساجد”.

يعمل السفرتي الآن على إنشاء مركز ديني للتعايش ، و رغم أنه لا يملك تمويلا لذلك إلا أنه يؤكد بأن سوف يسعى جاهدا لإكمال رسالته حول الاندماج و التعايش (سايلنت هيروز – انفيزيبل بريدجز).

هناك تعليق واحد:

  1. كذابون ومنافقون يصح عليهم قول الرب يأتونكم في ثياب حملان وفي داخلها ذئاب مفترسة من ثمارهم تعرفونهم

    ردحذف