عيب المرأة المطلقة..!/ صالح خريسات

عاشت المرأة في بلادنا حياة صعبة، تتسم بالقسوة والضيق والهوان، من جميع أطرافها، وفي جميع مستوياتها. لكن هذه المرأة، وعلى الرغم مما تقدمه من جلائل الأعمال، وما تنشره في البيت من الألفة والمحبة، وما تجسده في المجتمع من معاني الشرف والاستقامة وتربية النشء، فلا تتركهم وشأنهم إلا بعد أن ترسخ فيهم العادات الجميلة، وتستقيم أخلاقهم وتسمو نفوسهم. هذه المرأة المضحية بشبابها ومسراتها، لا تكاد تشعر بالأمان في بلادنا، بسبب ما يمتلكه الرجل من حق الطلاق، وما يترتب عليه من عيوب تلحق بشخصية المرأة، وألقاباً لم تكن هي تستحقها. أقلها أن تعرف بين الناس بمطلقة فلان، وتقيد حريتها في الزمان والمكان، وتمارس عليها رقابة مشددة، فلا تخرج من بيت أهلها إلا نادراً، ويرافقها أحد أفراد أسرتها، ويساء الظن بكل ما يصدر عنها من تصرفات، وتتحرج النساء من صحبتها خوفاً على أزواجهن..
ولكن من المسؤول عن سوء استخدام هذا الحق الشرعي؟ ولماذا يتهاون الرجل في الطلاق ويستخدمه لأتفه الأسباب؟ فيكفي أن يدعو زوجته فتبطئ في الجواب، وإذا هو ثائر فائر، يلقي في وجهها كلمة الطلاق، ويكفي أن لا يعجبه الطعام، أو أنها لم تجد ما تطبخه لزوجها، فيلقي عليها يمين الطلاق. وقد وجدنا الرجل في المجتمع الشعبي، يتلفظ بالطلاق ويمين الطلاق، في كل صغيرة وكبيرة، وكأنه لا يشعر بالرجولة والتميز عن المرأة إلا بهذا الحق الشرعي. وهكذا كانت حياة الرجال في بلادنا، زواجاً وطلاقاً، وطلاقاً وزواجاً، واحتمالاً لما يقتضيه ذلك من نفقات، واحتمالاً لما تفضيه كثرة الولد من نفقات أيضاً، وإهمالاً لهؤلاء الولد الذين يكثرون من يوم إلى يوم، وهو إهمال مصدره كثرتهم من جهة، وتنافس أمهاتهم من جهة أخرى. فيصير الفقر مضاعفاً، وتصبر المرأة على الذل والقهر لعلمها أن الحياة في بيت زوجها، مهما بلغت من القسوة والمرارة، تظل أخف وطأة تحت سلطة الأب والأم والأخ والعم والخال، فإن لم تكن للزوجة ضرائر من الحليلات الشرعيات، فالأرجح أن تكون لها ضرائر من العشيقات غير الشرعيات. فالجيل السابق مذعناً أشد الإذعان، مكبلاً بأثقل الأغلال التي صاغ فولاذها العرف الموروث منذ عدة قرون، فليس له حق بشري مستقل ممكناً، يمكن أن يخطر على بال المرء من أنواع الحقوق الظاهرة والباطنة.
ومعلوم أن الطلاق كان مشروعاً عند اليهود والفرس واليونان والرمان، ولم يمنع إلا في الديانة المسيحية، بعد مضي زمن من نشأتها. وليس الطلاق عيباً، والذين يريدون بالزواج أن لا يحل عقدته إلا الموت، إنما يطمحون للكمال المطلق، ولا يراعون الطبيعة البشرية والضرورات التي تجعل الصبر على عشرة من لا تمكن معاشرته فوق طاقة البشر. وهذا هو السبب الذي دعا الأمم المسيحية إلى الضغط على الكنيسة، حتى أباحت الطلاق. ولكن أباحة الطلاق بدون قيد، على النحو الذي ذكرناه، لا تخلو من ضرر، وإن كانت منافعه أكثر من مضاره، ولذلك وضعت الشريعة الإسلامية للطلاق أصلاً يجب أن ترد إليه جميع الفروع. وهو أن الطلاق محظور في نفسه، مباح للضرورة. وإنه لا ينبغي أن يقع الطلاق بكلمة لمجرد التلفظ بها مما كانت صريحة، فاللفظ لا يجب الالتفات إليه في الأعمال الشرعية، إلا من جهة كونه دليلاً على النية، ولا يتم فيه الطلاق إلا أمام القاضي، في وثيقة رسمية بحضور شاهدين، بعد نصح الزوج أولاً في تحكيم أهل الشروط، وأهل الزوجة ثانية على أن يتقدما بتقرير في حالة إخفاق مسعاهما في الصلح.
إذا كان من حق الرجل أن يطلق زوجته، إذا تعذرت سبل الحياة بينهما، فإن للمرأة أيضاً أن تطلب من القاضي هذا الحق. وإذا اقتنع القاضي بالأسباب التي قدمتها، فإن المرأة لا تفقد أي حق من حقوقها، وتحتفظ بمهرها وامتيازاتها. ومع ذلك لا بد أن نقر بأن ليس ثمة ما يشين امرأة مطلقة، فهي تستطيع العثور على زوج آخر بسهولة، لكن حياة الناس تتأثر على الدوام، من مثل هذه الحرية المعيبة، وإن كان التقدم الحضاري قد جعل مثل هذا الفعل المعيب، أقل انتشاراً بين الطبقات العليا في المجتمع.
لكن الفقهاء يتمسكون بطاهر النص، دون مراعاة لما يترتب على تقليدهم من خطورة وأضرار، تلحق بالأسرة ومستقبل أفرادها. وقد تفننوا في ذلك إلى أبعد حد ممكن إلى درجة حتى أنهم اعتبروا اللفظة القريبة من لفظة الطلاق، تجعل الطلاق واقعاً لا محالة، ويفرقون بها بين المرء وزوجه.
وقد أقسم عميد الأدب العربي الراحل طه حسين، أنه احتقر العلم والعلماء، منذ اليوم الأول الذي حضر فيه درس الدين في المسجد. فقد كان قد سمع الشيخ يقول: "ولو قال لها أنت طالق، أو أنت ظلام، أو أنت طلال، أو أنت طلاه وقع الطلاق، ولا عبرة بتغيير اللفظ "يقول ذلك متغنياً به مرتلاً له ترتيلاً، في صوت لا يخلو من حشرجة، لكن صاحبه يحتال أن يجعله عذباً، ثم يختم هذا الغناء بهذه الكلمة التي أعادها طوال الدرس".
ومضى طه حسين ساخراً بهذا النوع من العلم، الذي يتعالم به ويلقنه لعشرات من طلاب العلم، بعض من اشتهروا من المشايخ الأكابر من علماء الجيل القديم. وكانت هذه السخرية إيذاناً بالثورة العارمة على الجمود والرجعية، وإعلاناً للحركة التقدمية في بلاده العربية، وانضماماً إلى ركب الحضارة العالمية، وتأييداً للمنهج العلمي الذي يحمل مشاعل النور ويطلق الحرية للفكر والضمير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق