الغربة ـ فريد بو فرنسيس
تراس رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده قداس عيد الشعانين، في كنيسة مار مارون في طرابلس، عاونه الخوراسقف انطوان مخايل، خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، والخوري جوزيف فرح، وبحضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل القى بو جوده العظة التالية:" الإستقبال الحافل الذي لقيه يسوع يوم دخوله إلى أورشليم يعبّر عن حالة الترقّب عند الشعب الذي كان ينتظر الخلاص الذي وعده به الرب منذ القديم. ذلك أنّ الإنسان كان قد حكم على نفسه بالموت يوم إستسلم لتجربة الشيطان، بشخص أبوينا الأوّلين آدم وحواء، فرفض وعصا أوامره وأكل من ثمرة معرفة الخير والشّر، أي إنّه قرّر أن يجعل من نفسه إلهاً لنفسه وأن يبني ذاته واضعاً الله جانباً. لكنّ الله الذي هو محبّة وخلق الإنسان بمحبّة على صورته ومثاله ونفخ فيه روحه، وعده بمخلّص يُعيده إلى الفردوس، مخلّص مولود من إمرأة يسحق رأس الحيّة الشيطان، ويرمّم صورة الله فيه، وكان الله باستمرار يُذكّر الإنسان، بواسطة الأنبياء، بالمعاهدة التي عقدها معه، ويكرّر القول: أنتم تكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً. وكانت الصورة قد بدأت تتوضّح مع إبرهيم ثمّ مع موسى الذي دعاه الرب ليُخرج شعبه من أرض مصر، أرض العبوديّة إلى أرض الميعاد. ثمّ أعطاه مَلكاً بناءً لطلبه، فكان أوّل الملوك شاول، ثمّ جاء بعده داود، الذي وعده الله بأن يكون المخلّص المزمع أن يأتي من نسله ومن عشيرته".
وتابع المطران بو جوده :"في هذا الجو من الترقّب والإنتظار دخل يسوع إلى أورشليم والشعب كلّه يهلّل ويصرخ هوشعنا لإبن داود، مبارك الآتي بإسم الرب. وعندما حاول رؤساء الكهنة والفرّيسيّون إسكات الصغار الذين كانوا يهلّلون فرحين، قال لهم يسوع: إن أنتم أسكتموهم، فإنّ الحجارة سوف تهلّل وتصرخ عنهم وتقول: مبارك الآتي بإسم الرب. لكنّ الصورة التي كان ينتظرها الشعب عن المسيح المخلّص المزمع أن يأتي لم تكن متوافقة مع الصورة التي أعطاها المسيح. كانوا ينتظرون مسيحاً زمنياً وقائداً سياسياً وعسكرياً يجمع الشعب حوله ويحارب المستعمر الروماني ويعيد الملك إلى إسرائيل، فجاءهم يسوع وديعاً ومتواضعاً، راكباً على جحش إبن آتان، عنه قال النبي أشعيا في ما سمّي نشيد العبد: هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي رضيَتْ عنه نفسي. قد جعلتُ روحي عليه، فهو يبدي الحق للأُمم. ولا يصيح ولا يرفع صوته، ولا يُسمع صوته في الشوارع. القصبة المرضوضة لن يكسرها، والفتيلة المدخّنة لن يُطفئها، يُبدي الحق بأمانة، لا يني ولا ينثني إلى أن يُحل الحق في الأرض(أشعيا: 42/1-3)".
واضاف المطران بو جوده:"المسيح جاء ليَخدُم لا ليُخدَم وقال عن نفسه أن ليس له حجر يضع عليه رأسه. وعندما سأله بيلاطوس يوم محاكمته إن كان هو ملك اليهود أجاب وقال:" مملكتي ليست من هذا العالم، ولو كانت مملكتي من هذا العالم، لدافع عنّي أتباعي حتى لا أُسلّم إلى اليهود. لا! ليست مملكتي من هنا" (يو:18/36). ولأنّ يسوع لم يظهر للشعب بالصورة التي كان هذا الشعب ينتظرها فقد إستطاع رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيّين أن يؤثّروا عليه ويغيّروا موقفه جذرياً. وهكذا وبعد ثلاثة أيام كان هذا الشعب يصرخ ويقول: لا ملك لنا سوى قيصر، أمّا هذا فإرفعه على الصليب".
وقال المطران بو جوده في عظته:"إنّنا بإحتفالنا اليوم، أيها الأحباء، نعبّر عن إيماننا بالمسيح المخلّص ونهلّل بفرح قائلين هوشعنا لإبن داود، مبارك الآتي بإسم الرب. لكنّ إحتفالنا ليس إحتفالاً دنيوياً ولا سياسياً إنّما هو إحتفال إيماني، إحتفال صلاة وتمتين علاقة بيننا وبين المسيح. فالمسيح ليس، بالنسبة لنا مجرّد قائد عسكري أو سياسي بل إنّه مخلّص جاء ليُنجّينا من العبوديّة الأساسيّة التي تسيطر علينا، وهي عبوديّة الخطيئة، لأنّنا غالباً ما زلنا نتصرّف كأبوينا الأوّلين آدم وحواء ونحاول أن نبني ذاتنا بذاتنا وأن نجعل من أنفسنا آلهة لأنفسنا، فنضع الله جانباً ونرفضه ونرفض تعاليمه ووصاياه ونسنّ القوانين والشرائع المتنافية مع المبادئ والقيم الأخلاقيّة التي علّمنا إياها. فهو قد جاء ليُعلّمنا المحبّة، فكانت وصيّته الوحيدة والأساسيّة لنا، فإذا بنا نبني علاقاتنا مع الآخرين على الحقد والبغض والضغينة والأنانيّة وحبّ الذات".
واردف:" قال لنا بإنّه هو الطريق والحق والحياة، وإذا بنا نتصرّف بحياتنا وحياة الآخرين في ما يمكننا أن نسمّيه حضارة الموت، فنسمح لأنفسنا بقتل الآخرين بهمجيّة ووحشيّة كما حصل عندنا طوال سنوات طويلة، وكما يحصل اليوم في العديد من البلدان القريبة والبعيدة. كما أنّنا نسمح لأنفسنا بقتل الأجنّة في الأحشاء ونشرّع هذا التصرّف بالقوانين التي نسنّها في الكثير من البلدان. يعلّمنا ويقول لنا كونوا شهوداً للحق، لأنّي أنا الحق، فإذا بنا نبني كل تصرفاتنا على الغش والرياء والكذب، من خلال إستعمالنا السيء لوسائل الإعلام الإجتماعيّة التي وجدت لنشر الحقيقة والعدالة والمحبّة، فحوّلناها إلى وسيلة لتلفيق الأخبار ونشر الإشاعات الهدّامة والتشجيع على الغش والفساد".
وختم المطران بو جوده عظته:" فلنرفع الصلاة اليوم، أيها الأحباء، وخاصة أنتم يا أحباءنا الصغار الذين تهلّلون هوشعنا لإبن داوود، طالبين من المسيح أن يكون ملكاً على عقولنا وقلوبنا وبصورة خاصة على عقول وقلوب المسؤولين عنّا، من رجال سياسة وإعلام وإقتصاد، كي يسعوا للعمل لمصلحة الشعب، فيتخطّون حساسياتهم وعداواتهم وسعيهم إلى مصالحهم الشخصيّة فيعيدون إلى البلاد أمنها وإستقرارها ويؤمّنون للشعب ضروريّات الحياة كي يستطيع الجميع أن يعيشوا حياة هادئة ووديعة، فيأتي تهليلهم للرب في هذا العيد المجيد تمجيداً للمسيح المخلّص إله المحبّة والسلام".
بعد القداس اقيم زياح الشعانين حيث طاف المشاركون في القداس خارج الكنيسة في الطريق الممتد من شارع المطران الى شارع عزمي وصولا الى الكنيسة، وقد حمل الاطفال الشموع المزينة واغصان الزيتون وسعف النخيل، وسط تراتيل واناشيد دينية للمناسبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق