الغربة ـ فريد بو فرنسيس
توقّف رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، في رسالة الفصح لهذا العام، التي وجهها الى ابناء الابرشية اكليروسا وعلمانيين، عند موضوع " يشغل بال اللبنانيين ويقضّ عليهم مضاجعهم، في هذه الأيام العصيبة التي تعيشها منطقتنا، والتي تؤثر علينا جميعاً في لبنان، وهي القضية الإجتماعية وحالة الفقر والبؤس، التي يعيشها الكثيرون بعدما إضمحلت الطبقة الوسطى وتلاشت وأصبح عدد المحتاجين الذين يعيشون تحت درجة الفقر كبيرا للغاية. وبعد كل ما نراه من فساد يهدد حياتنا جميعا جراء ما نسمعه كل يوم عن أطعمة فاسدة تباع بالأسواق وتعرض الجميع للمخاطر والأمراض".
وتابع بو جوده في رسالته :" إن للكنيسة موقفا واضحا وجليا من هذه القضايا، وهي تدعو جميع أبنائها للإهتمام بالشأن الإجتماعي، وقد أصدر الأحبار الأعظمون عدة رسائل عامة وإرشادات رسولية حول هذا الموضوع منذ العام1891، ورسالة البابا لآون الثالث عشر، "الشؤون الحديثة"، حول شؤون العمل والعمال، وحتى رسالة الحبر الأعظم البابا بندكتوس السادس عشر، "المحبة في الحقيقة"، حول الإنماء الإنساني الشامل في المحبّة والحقيقة سنة 2009".
اضاف بو جوده :" في الواقع، يأخذ البعض على الكنيسة تعاطيها بالشأن الإجتماعي، وإتخاذها المواقف المدافعة عن المظلومين والمهمشين والمساكين والفقراء، ويدعونها إلى حصر إهتمامها بالأمور الروحية فقط، وبتحضير الناس للولوج إلى ملكوت السماوات، من غير الإهتمام بأمور الأرض. ومن ناحية ثانية، وعلى النقيض من ذلك، يأخذ الكثيرون عليها عدم الإهتمام الكافي بأمور أبنائها وخاصة الفقراء منهم، إذ أنّها لا تؤمن لهم المساعدات الكافية في ضيقاتهم وصعوباتهم، فمؤسساتها، وبصورة خاصة التربوية منها والإستشفائية، تتقاضى الأموال من الناس، وأحيانا بمبالغ كبيرة كي تؤمن لهم الخدمات الضرورية".
وقال :" إن في هذين الموقفين نظرة خاطئة عن دور الكنيسة ورسالتها، أو بالأحرى نظرة جزئية وغالبا ما تكون عاطفيّة وإنفعالية، فالأولى تعبر عن موقف سياسي، والثانية عن موقف إتكالي. فالكنيسة عندما تهتم بالشأن الإجتماعي أو السياسي أو الوطني، لا تتخطى صلاحياتها، ولا تتعدى على صلاحيات الغير، فهي ليست مجرد مؤسسة دينية تهتم بالأمور الروحية فقط، بل هي في الوقت عينه مؤسسة بشرية مكونة من أعضاء يعيشون في العالم ويتفاعلون معه، ولا يمكنهم ولا يحق لهم أن يتنصلوا من تحمل المسؤوليّات فيه، ومن الإلتزام بقضاياه ومشاكله. فالإيمان المسيحي ليس نظريات وأفكارا مجردة، ولا هو إيديولوجية إجتماعية أو سياسية، إنه إيمان التجسد، إيمان بإله صار إنساناً ليخلص الإنسان".
وختم بو جوده رسالته:" ليست الكنيسة مؤسسة إقتصادية وإجتماعية كغيرها من المؤسسات البشرية، اي انها ليست مدعوة للحلول محل السلطات المدنية، السياسية والإجتماعية والإقتصادية، لمعالجة قضايا الإنسان والمجتمع، وإيجاد الحلول الناجعة والنهائية لها، بل إنها تساعد قدر المستطاع في الحالات الطارئة، وعندما تدعو الحاجة، وتعطي الإرشادات والتعليمات اللآزمة كي تتحمل كل سلطة على الأرض مسؤولياتها. فالقضايا الإدارية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية هي من صلاحيات الدولة، وهي التي من واجبها العمل على إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها الإنسان في حياته اليومية، وكل واحد منا مسؤول عن الاخرين بصفتنا جميعا اعضاء في جسد واحد هو جسد المسيح السرّي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق