الجنس والله/ د. أفنان القاسم

في هذه الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة المقالات التي أكتبها عن نقد الفكر الديني، لن أتعرض للجنس في الدين، لن أكتب عن عاهرات المعابد ابتداء من العصر البابلي مرورًا بعصر التوراة وانتهاء بعصر الحجاب، ولا عن الحبل بلا دنس في مصر وفارس والهند قبل أن ينسخ الحواريون عن هذه البلدان أهم ما جاء في عقيدتهم من الزواج الأيقوني للعذراء، أو لماذا الزوجات أربع في بداية عصر الإسلام، عصر كانت المرأة فيه مستلبة لا اعتبار لها كإنسانة بحاجة إلى سقف تعيش تحت كنفه، هذا الإجراء الثوري في زمنه الزجري في زمننا، لن أسوق الجينز دليلاً ولا الهامبرغر أو مادونا على العولمة دينًا للاستهلاك الخصائي، ولكنني سأعرض للجنس كعلاقة شهوانية بين المتدين والله.

يعزو علماء النفس صورة الشيطان إلى الخيال الشعبي الذي يرى فيه تمثيل الفضلات له، وعندما ربط هذا الخيالُ الشهوةَ وإرضاءَها عن طريق آخر غير الزواج الديني بالقذارة، توصل هؤلاء العلماء إلى أن الشيطان من بنات نزوة شرجية لم تُشبع، وأن الشيطان هو الجنس لمن يرى في الجنس شيئًا قذرًا.

لهذا تجدني أعتبر أن للجنس في الدين مكانًا هامًا على الرغم من الشيطانية التي وُصف بها، فبسبب هذه الشيطانية الكامنة في الجنس كانت الروحانية الكامنة في النفس، وكان السعي الحثيث إلى نوع من التوازن بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح. ولكن بالنسبة للمتدين ليس من توازن هناك عندما يعجز أمام السيقان الجميلة تحت التنانير القصيرة عن تلبية متطلبات الجسد، فيغدو الجنس وسواسًا فكريًا بدلاً من كونه وسواسًا شهوانيًا، ويقضم الجنس بذلك كل أناه، وكمتدين نجده يسعى إلى علاقة جنسية بالله.

لا ينجو المتدين من النار الشيطانية للشهوة بسهولة كما قيل للنار في وضع إبراهيم الإباحي "يا نار كوني بردًا وسلامًا" لأن لا حدود تقوم بين النزوات، جنسية أم دينية، ولأن التعبد، وبكلام آخر ممارسة الجنس مع الله، لا تطفئ نار الشهوة الجسدية.

لهذا يحاول المتدين إطفاء شهوته بقطع علاقته بالله، وليس بقطع علاقة الله به. بمعنى أن يكون كما يريد الله أن يكون في علاقته به لا كما يريد هو أن يكون في علاقته بالله، وفي هذه الحالة نوجز كل اليهودية تحت الوعد الإبراهيمي والوصايا العشر وانتصارات الجيش الإسرائيلي، وكل المسيحية بمؤسساتها الكهنوتية ومراتبها الإكليركية وسلطتها البابوية، وكل الإسلام بشرائعه وخلفائه وأئمته وجماعاته الذكورية الممارسة للنُّعوظ الجمعي تحت غطاء الدين وصرخات الله أكبر الشبقية، وهذا ما غاب عن أنطونيو غرامشي عندما طرح الاشتراكية كدين استبدال، وكذلك نوجز كل الدِّعاية بأجهزتها الإعلامية وأبواقها الرسمية ووسائلها الكونية الموازية للعولمة في غزو العقل. هكذا يولد الرباني فيه، فيكون الاتحاد بينه (الله) وبينه (المتدين)، اتحاد النحن، وخارج النحن يُلقى باقي البشر كما يُلقون في الجحيم، بينما هم ها هنا شواهد بأجسادهم على الاتحاد ما بين المتدين والله، شواهد بشهواتهم التي تتحول إلى استعارة لأنهار مني ودم تجرف الكون، فيكون الاغتراب، ويكون ضياع الهُم، وتكون الآلام من مآلها، لأن الهُم التي هي في غاية العزلة، هذه العزلة التي غدت مصيرها، لا تجد من طريق آخر لاحتمال هذا المصير إلا بممارسة الاستمناء الديني تحت غطاء الإيمان، وذلك بِشِقّ الأنفس، ولأن الهُم، لأن الأجساد، بالألم تَخترق أو تُخترق طالما بقيت خاضعة للنحن، ولا سلوى لها تكون بشمبانيا الدين أو بدون شمبانيا الدين، والنحن في السياق العلائقي هي الله والمتدين، الله والأنا، فتقذف الأنا الدين كما تقذف المني، وتسن قوانينها التعسفية لتلتذ بالله. وكلما ابتردت الأنا عادت إلى ملء نفسها بالله، والاتحاد به، الاتحاد بأمره لتأتمر بها الهُم، وتمارس سلطتها عليها.

وفي الواقع، يخترق الجسد الجسد كما تخترق الروح الروح، وليست هناك أية علاقة للفعل الأول كالفعل الثاني بالدين، فالجسد هو هذا النظام العضوي الذي يعمل بإملاء ذاته، والروح هي هذه النفسية الحسية التي تتغذى بالوهم كما تتغذى بالجمال بإملاء ذاتها، لهذا ما يدعى بالخطيئة لهو الجنس دون الله، وقد انتهت العلاقة كما يريد الله، وبدأت العلاقة كما تريد الأنا، كما يريد الجسد، كما يريد الإنسان في علاقته بالإنسان.

ramus105@yahoo.fr

هناك تعليق واحد: