بوجوده في تدشين كنيسة القديس شربل في كرمسده ـ زغرتا
ليبقى انتماؤكم للكنيسة انتماء عضويا لجسد المسيح السري.
ليبقى انتماؤكم للكنيسة انتماء عضويا لجسد المسيح السري.
الغربة ـ فريد بو فرنسيس
دشن رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، كنيسة القديس شربل، في بلدة كرمسده في قضاء زغرتا، التي شيدت تخليدا لذكرى الشاب رامي جورج ساسين، وذلك خلال قداس اقيم في مناسبة عيد القديس شربل، تراسه المطران بو جوده وعاونه فيه رئيس دير مار يعقوب في كرمسده المونسنيور يوسف الطحش، رئيس دير مار انطونيوس قزحيا الاب انطوان طعمه، خادم الرعية الخوري سليم مناع، ومشاركة لفيف من كهنة الرعايا المجاروة، وحضره حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده كلمة قال فيها:" في زيارة قمتُ بها إلى المكسيك منذ سنتين فوجئتُ، وأنا أزور إحدى الكنائس الأثريّة والتاريخيّة، بأن أرى فيها تمثالاً لراهب يرتدي الملابس المميّزة للرهبان الموارنة، فتقدّمتُ منه وإذا به تمثال للقديس شربل مخلوف، وعندما عبّرتُ عن تعجّبي لهذه الظاهرة إذا بمرافقي، اللبنانيّ الأصل والمولود في المكسيك، يقول لي بأنّ في معظم كنائس العاصمة وعدد كبير من المدن المكسيكيّة يوجد تماثيل لقديس لبنان، ويتوافد المؤمنون إليها للتبرّك وطلب النعم من الرب بشفاعته بشرائط متعدّدة الألوان يعبّرون عليها كتابةً عن شكرهم لنعم وشفاءات حصلوا عليها بشفاعته أو لطلبات لمثل هذه النعم والشفاءات".
اضاف :"وَرَدَ على تفكيري أمام هذا الأمر سؤال: ما الذي أعطى هذا الراهب اللبناني الماروني هذه الشهرة في هذه البلاد البعيدة وفي غيرها من البلدان؟ وهو الذي أتى من قرية صغيرة من شمال لبنان وعاش في دير وصومعة في قرية صغيرة أخرى من بلاد جبيل يمضي وقته في العمل في الأرض والإختلاء مع الرب للصلاة؟ كثيرون اليوم، من الذين يبحثون عن الفعاليّة الماديّة والذين يهتمّون بأمور الأرض أكثر من إهتمامهم بأمور الروح والسماء، يتساءلون ويقولون: وما هي الإفادة من حياة إنسان يعيش في صومعة بعيداً عن الناس، ولا يسعى للقيام بالأعمال الخيّرة لإفادة المجتمع منها. ألم يكن من الأجدى له أن يكرّس إمكانيّاته وطاقاته لخدمة أبناء جيله وبلاده بدلاً من أن يعيش منفرداً في البراري والقفار فلا تفيد منه البلاد والعباد؟". وتابع :"الجواب السريع والبديهي الذي بإمكاننا أن نعطيه هو التالي: من كان يعرف بقاع كفرا وعنايا اليوم لولا القديس شربل؟ من منّا بإمكانه أن يعرف من هم الكبار والعظماء والقادة والمتسلطون الذين عاشوا وفرضوا وجودهم وسيطرتهم على الناس والمجتمع في الفترة التاريخيّة التي عاش فيها شربل مخلوف، إذا لم يعد إلى الوثائق وكتب التاريخ ليجد أنّهم بدلاً من أن يفيدوا مجتمعهم قد كانوا على العكس يسعون إلى مصالحهم الشخصيّة وإلى الإفادة من المجتمع ومما تعطيه الأرض بدلاً من أن يفيدوه؟. شربل مخلوف هو إبن الكنيسة وإبن بلدة مسيحيّة مارونيّة وعائلة مؤمنة تربّى فيها على الإيمان وسمع كلام الرب يسوع وعمل بمقتضاه. سمعه يقول: من أحبّ أباه وأُمّه أكثر مما يحبّني فلا يستحقّني، ومن أحبّ إبنه أو إبنته أكثر مما يحبّني فلا يستحقّني، ومن لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستحقّني، ومن حفظ حياته يخسرها، ومن خسر حياته من أجلي يحفظها (متى10/37-39)".
كما سمعه يجيب على بطرس الذي قال: ها قد تركنا نحن كل شيء وتبعناك: الحق أقول لكم: ما من أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أُماً أو أباً أو بنين أو حقولاً من أجلي وأجل البشارة، إلاّ ونال الآن في هذه الدنيا مائة ضعف من البيوت والإخوة والأخوات والأُمهات والبنين والحقول، مع الإضطهادات، ونال في الآخرة الحياة الأبديّة (مرقس10/29-30). سار شربل في خط الكثيرين من النسّاك والمتوحّدين، الذين منذ القديس أنطونيوس الكبير في القرن الرابع كرّسوا وقتهم للإختلاء بالرب في البراري والقفار وللصلاة والتأمّل معطين الأفضليّة لأمور الروح لا لأمور المادة، فكانوا مثل حبة القمح التي تكلّم عنها السيّد المسيح حين قال إنّ حبّة القمح إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة أمّا إذا ماتت فإنّها تعطي ثمراً كثيراً".
وقال :"إنطلقت الحياة النسكيّة في الشرق من صحراء مصر ثمّ إنتشرت بسرعة في فلسطين وسوريا ولبنان وكان من أهم الذين إعتنقوها بعد أنطونيوس سمعان العامودي ومارون وغيرهم الكثيرون الذين كان لهم الفضل الكبير في المحافظة على الإيمان وإنتشاره بفضل حياة الصلاة والتأمّل التي عاشوها وبفضل عملهم في الأرض التي إستصلحها أولئك الذين إقتفوا خطاهم فيما بعد، وبصورة خاصة في جبال لبنان الوعرة ووديانه، وأفضل مثل على ذلك وادي قنوبين الذي أصبح يسمّى الوادي المقدّس نسبة للعدد الكبير من الرهبان والنسّاك الذين عاشوا فيه ففتّتوا صخوره وحوّلوها إلى جنّات خضراء. من كتف هذا الوادي في بلدة بقاع كفرا إنطلق شربل لتنتشر روحانيّته في لبنان أولاً ثمّ بعد وفاته وإعلان قداسته إلى كل العالم في الشرق والغرب".
واردف:" كرّس وقته للصلاة والتأمّل والعمل في الأرض التي أحبّها وجبل ترابها بعرقه، فأعطته كما أعطاها وكان في ذلك قدوة للكثيرين من إخوته الرهبان الذين حافظوا وما زالوا يحافظون على هذه الأرض فأصبحت المعادلة واضحة وقد عبّر عنها المجمع البطريركي الماروني الذي أصدر وثيقة مهمّة عنوانها: الماروني والأرض، حيث قال: يجب الإنتباه إلى ما للأرض من قيمة، ولذا فعلينا أن نعي بعمق تلك الحقيقة ونحب الأرض التي عاش عليها الآباء والأجداد، وإنتقلت إلينا إرثاً مادياً وروحياً تكوّنت من خلاله وعليه الهويّة المارونيّة، وهو معرّض اليوم إلى الذوبان والتناقص بسبب عوامل عديدة (عدد1): فالأرض في تقليدنا ليست ملكاً نتصرّف به على هوانا، بل هي إرث أشبه بوديعة ثمينة أو "ذخيرة مقدّسة" (عدد7). الكثيرون من أبناء لبنان اليوم، وبصورة خاصة الموارنة في هذه المنطقة وفي مناطق أخرى من لبنان صاروا يجهلون أو يتجاهلون هذه الحقيقة، ففقدوا معنى الأرض ولم تعد تعني بالنسبة إليهم إلاّ حفنة من المال. يبيعونها غالباً ليس ليؤمِّنوا لأنفسهم ولعائلاتهم ضروريات الحياة، بل الكماليات والأمور التي تتبخّر بسرعة، فيفقدون في الوقت عينه الأرض، ويفقدون البلاد".
وقال :"القديس شربل، كغيره من النسّاك والرهبان الذين عاشوا على هذه الأرض، عرفوا قيمتها فاستصلحوها وجعلوا منها، بالرغم من كونها أراضٍ صخرية، جنّات غنّاء فعملوا فيها مع الشركاء، وعاشوا من خيراتها وأمّنوا لأنفسهم المستقبل الزاهر لكنّهم عندما تخلّوا عنها أصبحوا عنها غرباء ولم يعد لها في نظرهم أيّة قيمة. لقد أردتم اليوم، أيها الأحباء، أن تبنوا هذه الكنيسة على إسم القديس شربل تذكاراً للشاب المرحوم رامي ولراحة نفسه، فباشر أهله بالبناء ودبّت الغيرة والحماس في قلوب الكثيرين منكم فجعلتم منها مشروعاً جماعياً وكنسياً بكل معنى الكلمة، فجاءت التبرعات والمساهمات التي حقّقت هذا المشروع بسرعة ملفتة للإنتباه".
وختم :" الذي أتمنّاه عليكم اليوم ألاّ تكتفوا بالمساهمة الماديّة بل أن تقتدوا بحياة القديس شربل وروحانيّته، ليس بالإستحباس والعيش مثله في صومعة، بل في حياة الصلاة والعلاقة الوثيقة مع الرب، وفي عيش متطلبات الإيمان كي لا يبقى إنتماؤكم إلى الكنيسة إنتماء إجتماعياً وعددياً وطائفياً بل يصبح إنتماء عضوياً إلى جسد المسيح السري تساهمون في الشهادة لإسم المسيح وفي البشارة الجديدة التي تدعونا إليها الكنيسة. وأن تقتدوا كذلك بحياة من سبقنا من آباء وأجداد في تعلّقكم بالأرض والمحافظة عليها، لأنّ المحافظة عليها هي محافظة على الذات وعلى الإيمان. كما أنّنا نتمنّى أن تكون هذه الكنيسة مكاناً مخصّصاً للصلاة يتوافد إليها المؤمنون للتأمّل في حياة القديس شربل ومن سبقه من الرهبان والنسّاك فتستحق أن تكون، وهي على كتف الوادي المقدّس، أرضاً مقدّسة يتقدّس كل من جاء إليها للسجود أمام القربان المقدّس والتأمّل في حياة القديس شربل، القديس السكران بالله، كما قال عنه أحد الآباء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق