لأن قول الحق شرط لصحة الإيمان: المسجد الأقصى موجود بالسعودية/ الشيخ د. مصطفى راشد


 لماذا يقدس المسلمون المسجد الأقصى؟ وماهى الحقيقة التاريخية لهذا المسجد الذى بسببه يدور منذ عشرات السنين صراع دموى بين العرب وإسرائيل  ومن  هو الأحق؟  هذا السؤال ورد إلينا من الأستاذ عدنان الراجحى من السعودية وللإجابة على هذا التساؤل  نقول: إن المسجد الأقصى الموجود بالقدس بناه الخليفة الأموي الخامس عبد الملك بن مروان  عام 73 هجرية لأسباب سياسية محضة، ذكرها وبيّنها وفصلها عُلماء مسلمون  كبار عاصروا بني أمية، من أمثال الكلبي والواقدي واليعقوبي. وايضا الطبرى والحلبى والكواكبى وابن رشد وغيرهم، وقد ذكر هؤلاء أن بني أمية بدأوا يستشعرون أن حكمهم وسلطانهم الذي انتظروه طويلا بات مهدداً بالزوال، بعد أن بايع أهل الحجاز عبد الله بن الزبير، فيما بايع أهل الشام بني أمية، ليشهد العالم الإسلامي وجود خليفتين في آن واحد: أمير المؤمنين في الشام وأمير المؤمنين في الحجاز، في سابقة هي الأولى منذ عهد الخلفاء الراشدين.
 وقد لجأ بنو أمية الذين عرف عنهم الدهاء والحنكة إلى بناء مسجدين في محاولة منهم لتعزيز مُلكهم العضود في بلاد الشام، حيث بُني المسجد الأول في إيلياء (القدس) فيما شرعوا في بناء مسجد كبير في دمشق عرف بالجامع الأموي.
وأما جامع إيلياء فقد أرادوا له ان تُشد إليه الرحال لمضاربة المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة، وكان لهم ما أرادوا من تحويل الحجيج الى مسجد إيلياء،  فالتاريخ يشهد ان المسلمين حجوا الى بيت المقدس ثلاث سنوات!! لأسباب سياسية .
ومن المعروف أن بناء مسجد إيلياء (القدس) قد تم في فترة احتدم فيها الصراع بين القطب الأموي والقطب الحجازي، ومن السذاجة بمكان القول ان بني أمية إنما أرادوا بناء مسجد في بيت المقدس عملا بالآية القرآنية رقم 1  من سورة الإسراء  قوله تعالى (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير ) ص ق
 التي تتحدث عن "المسجد الأقصى"، او إقتداء بالاحاديث النبوية التي تذكر بيت المقدس، ففي مثل هذه الفترة العصيبة وفي ظل هذا الصراع الدامي، وتأليب المسلمين ضد بني أمية بعد مقتل الحسين حفيد الرسول ( ص )، وخشية بني أمية من تحوّل الناس عنهم لو أنهم سمحوا لهم بشد الرحال الى مكة والمدينة حيث يصبحون آنذاك في قبضة أهل الحجاز الموالين لعبد الله بن الزبير فيحرّضوهم على بني أمية أو حتى يفتكوا بهم انتقاما لمعركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي ، ووقعة الحرة التي إستباح فيها جند يزيد المدينة المنورة ثلاث ليال  ، قتلا وسبيا ونهبا.
وفي خضم هذا الوضع العصيب وعندما أصبح بنو أمية في وضع لا يحسدون عليه، تفتق ذهنهم عن القيام ببناء صرح عظيم لتحويل الحجيج إلى بلاد الشام بدلا من الحجاز، وعندما بحثوا عن مكان مناسب لاقامة هذا الصرح، لم يجدوا أفضل من مدينة ايلياء التي عُرفت ايضا باسم بيت المقدس، الذي كان يطلقه اليهود على المدينة لأحتوائها أقدس مقدسات اليهود "بيت المقدس" اليهودي الذي كان حطاما في ذلك الزمان منذ هدمه الرومان إبان القرن الأول الميلادى . 
 أقدمَ الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان  عام 73 هجرية على بناء مسجد قبة الصخرة في باحة بيت المقدس، ثم تابع إبنه الوليد البناء من بعده فأضاف المسجد القبلي وإنتهى البناء عام 96 هجرية ، ثم شُرع في زمن الوليد ببناء المسجد الأموي في دمشق.
وظل مسجد ايلياء يسمى بهذا الاسم طوال العصر الأموي، فيما ظل اسم ايلياء يطلق على المدينة، ولم يتغير هذا الوضع إلا في عصر المأمون العباسي الذي صك نقوداً  نقش عليها اسم "قدس" لأول مرة في التاريخ الإسلامي، ومن ثم شرع علماء المسلمين بالربط بين مسجد ايلياء وبين المسجد الأقصى ،  الذي ورد ذكره في سورة الإسراء، لكن اسم ايلياء ظل يدور على الألسن حتى العهد المملوكي، حيث صار المسلمون يطلقون على مسجد ايلياء اسم "المسجد الأقصى"، كذلك حلّ اسم "القدس" بصورة نهائية محل اسم "ايلياء" إضافة الى "بيت المقدس"، وساهم في ذلك الصراع  الذى دار بين المسلمين والصليبيين، والذي بدأ في زمن الحكم الفاطمي مرورا بالعصر الأيوبي وإنتهاء بالعهد المملوكي. وأضيفت إلى ذلك عبارة "القدس الشريف" و "الحرم القدسي" التي انتشرت في العهد العثماني.
وبتأثير كتابات الفقهاء بالعصر العباسي حول فضائل بيت المقدس الذي ورد ذكره في الأحاديث النبوية، والمسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن دون تحديد لمكانه ، إرتفع شأن مسجد بني أمية في إيلياء وصار يظهر في المراجع الإسلامية ويتداوله العامة على أنه المسجد الأقصى المذكور في سورة الإسراء وبيت المقدس الذي ورد ذكره في الأحاديث النبوية.. وشاعت بين المسلمين الأحاديث النبوية التي تذكر شد الرحال إلى مسجدي مكة والمدينة ومسجد بيت المقدس في ايلياء، كما إنتشرت الأحاديث التي تذكر أن المسجد الأقصى بني بعد الكعبة بـ 40 عاما ، وهى أحاديث غير متواترة أى غير صحيحة ، ولم تقف الأساطير عند هذا الحد بل ذهب البعض الى ان مسجد اليهود "بيت المقدس" في أورشليم "ايلياء" الذي بناه ملوك اسرائيل داوود وسليمان هو مسجد اسلامي! قائلين إن داوود وسليمان كانوا أنبياء مسلمين! زاعمين ان اليهود حرّفوا توراتهم وان المسجد الأقصى "بيت المقدس" اليهودي هو حق خالص للمسلمين ، وهو كلام لا سند له فى الدين الإسلامى !!  
وتمادى  هؤلاء فى أساطيرهم حتى زعموا أن بيت المقدس اليهودي الذي بناه داوود وسليمان ما هو إلا حلقة في تاريخ المسجد الأقصى الإسلامي! منذ بناه آدم النبي المسلم! وسخّر الله لهذا المسجد من عباده الصالحين من قام على تجديد بنائه وإقامة شعائر الله في مسجده على مر العصور!
وإزاء هذه المزاعم والأباطيل نحن نتساءل: اذا كان آدم قد طاف في أرجاء الكرة الارضية عندما كانت مقفرة.. وخلال تجواله بنى الكعبة... ثم واصل ترحاله الى بيت المقدس فبنى المسجد الأقصى... فمتى حصل كل هذا؟ وما هي الأدلة الشرعية  والأثرية والتاريخية على ذلك ؟ هل هذا تاريخ غيبي ام تاريخ موثق؟ و لماذا لم يذكر النبي (ص) انه زاره خلال رحلاته التجارية إلى الشام قبل البعثة علما أن  النبى (ص) كان تاجراً يٌكثر من الرحلات التجارية إلى الشام؟ طيب.. المسلمون بعد ما فتحوا بيت المقدس لماذا لم يسافروا أفواجا أفواجا للصلاة في المسجد الأقصى الذي بناه آدم!؟ لم يذكر التاريخ شيئا من هذا؟! بل من الثابت ان المسلمين لم يلتفتوا الى هذا المكان ولم يولوه اي اهتمام قبل بناء المسجد الحالي في زمن عبد الملك الأموي؟! فأين قدسية مسجد آدم طالما انه كان موجودا قبل ذلك!؟ ولماذا لم يتسابق الخلفاء الراشدون على كسب شرف إعمار مسجد آدم بل ظل المكان مقفرا لا يعيره المسلمون اي اهتمام حتى فطن إليه الخليفة الأموي الخامس لأسباب سياسية محضة!؟ ألم يعلم أسلافه أن ثمة مسجد بناه آدم للمسلمين ينتظر الإعمار!؟ ولماذا لم يُصلّ به  الخليفة عمر بن الخطاب عندما دخل بيت المقدس ودعاه  البطرك صفرونيوس إلى الصلاة في كنيسة القيامة فرفض  الخليفة عمر، وخرج فصلى خارج الكنيسة. كان بإمكان  الخليفة عمر ان يقول لصفرونيوس عندنا مسجد بناه آدم للمسلمين وهو يبعد على مسافة بضعة أمتار من هذا المكان سأذهب لأصلي به ثم أعود...؟!!
اما التساؤل التالي يأتى من القرآن الكريم  الذى لم يذكر فلسطين مرة واحدة  وذكر إسرائيل 43 مرة ، مما يعنى أن هذه المنطقة حتى تمام القرآن  كانت خالصة لشعب إسرائيل  ومقدساته  متفقاً فى ذلك مع ماسبقه من كتب سماوية مثل الإنجيل والتوراة  ، هذا بالاضافة الى كون الديانة الإسلامية لم تنشأ في فلسطين (ارض اسرائيل) ولم تدوّن فيها المراجع الدينية. بمعنى ان القدس تقع في المرتبة الثالثة من حيث درجة التقديس لدى المسلمين فيما تحتل المرتبة الاولى لدى اليهود والمسيحيين؟!
فى حين أن المسجد الأقصى المذكور فى سورة الإسراء  كان موجوداً فى شمال السعودية ، وكان يوجد مسجد آخر  فى الجنوب منه، يسمى المسجد الأدنى ، والكثير من الآثريين يعلمون ذلك ، نعم، إنّ المسجد الأقصى كان في خارج مكة ب ٢٠ كيلومتر في منطقة تسمى جعرانة وهناك مسجد أقرب منه إلى مكة ويسمى بالمسجد الأدنى.
جاء ذلك في;
- كتاب، أنساب ألأشراف للبلاذري، ج١ ص١١٠ .
-سيرة إبن إسحاق، المبتدأ والمبعث.
- كتاب المغازي، للواقدي، ج٢ ص٣٥٥.
يقول الواقدي;
ذهب محمد (ص) إلى الجعرانة ليل الخميس، فأقام بالجعرانة ١٣ ليلة، فلما أراد الأنصراف من الجعرانة إلى المدينة، خرج ليلاً فأحرم من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، وكان مصلى رسول الله لما يكون في الجعرانة.
جاء كذلك في كتاب، سمط النجوم العوالي في أبناء الأوائل والتوالي، لأبن عبد الملك العاصمي، ج٢ ص٢٨٨. يقول;
;;المسجد الأدنى بناه رجل من قريش، وهو المسجد ألأدنى الذي إعتمرت منه  السيدة عائشة.
والتساؤل الثالث : - إذا كان المسجد الأقصى بنى عام 73 هجرية ، مما يعنى أن المسجد الأقصى بنى بعد وفاة الرسول (ص) بحوالى 63 سنة ، فكيف يتم الإسراء بالرسول (ص) إلى مسجد ويصلى فيه مع الأنبياء  وبناؤه غير موجود ؟
وما زلنا لا نفهم كيف كان المسجد الأقصى موجودا قبل بنائه بـ 70 عاما علما ان المسجد الأقصى الحالي بني في العهد الأموي بعد حوالي 70 عاما من نزول سورة الاسراء في الحقبة المكية؟؟! وكيف ظل مكان المسجد الأقصى الذي بناه آدم مجهولا وغامضا حتى اكتشفه عبد الملك بن مروان؟!! هل أجرى حفريات أثرية؟؟! كيف كان المسجد الأقصى قائما قبل بنائه في العصر الأموي؟! ولا أحد من المفسرين المسلمين يعلم في اي سنة كانت رحلة الاسراء تحديداً؟! ولا أحد من المسلمين يعلم أين بدأت رحلة الاسراء؟! ولا أحد يعلم أين انتهت؟! ولا أحد من المفسرين يجزم فيما اذا حصلت رحلة المعراج مباشرة بعد الاسراء ام كانت رحلة منفردة؟! ولا أحد من المفسرين يجزم في مسألة كون الإسراء رحلة حقيقية ام رؤيا ام حلم؟! لكن كل المسلمين  نشأوا وتعلموا ان بيت المقدس هو حق إسلامي خالص!!! ، بمعنى أن الحقائق تصبح أساطير فيما الأساطير هي حقائق علمية دامغة؟!! ، بينما أنبياء اليهود الذين عاشوا بالعشرات في بيت المقدس هم غاصبون ووهميون؟!!
كذلك لا بد أن نسأل أنفسنا : إذا كانت القدس بهذه القداسة لدينا كمسلمين ، فلماذا لم يتخذها أحد من الخلفاء والسلاطين المسلمين ولو لمرة واحدة خلال التاريخ الاسلامي عاصمة لمُلكه!!؟ --  ولماذا إختار علي بن ابي طالب الكوفة عاصمة لخلافته دون القدس؟---  ولماذا حوّل بنو أُمية عاصمة مُلكهم الى دمشق وليس إلى القدس؟----- ولماذا إختار بنو العباس بغداد عاصمة لحكمهم وأهملوا القدس؟----- ولماذا حوّل سلاطين الاخشيد والسلاجقة والفاطميين والأيوبيين والمماليك، مقر حكمهم الى القاهرة وليس القدس؟  ---  ولماذا نقل السلاطين العثمانيون مركز حُكمهم إلى الأناضول وليس القدس؟  ----  ولماذا فَضّل الهاشميون مدينة عمان على القدس عندما خضعت الأخيرة لسيطرتهم بعد قيام المملكة الأردنية؟  ---- فى حين أن اليهود هم الشعب الوحيد الذي إتخذ بيت المقدس عاصمة لملكه منذ دخلوها في العصور الغابرة...!؟  فهل نتوقف عن القتال  لتعرف شعوبنا مرة حياة السلام ؟؟؟ --- سامح الله المشايخ والفقهاء الذين ضللوا الناس .

الشيخ د \ مصطفى راشد   أستاذ الشريعة
وعضو نقابة المحامين  وإتحاد الكتاب الأفريقى الأسيوى
من أبناء جامعة الأزهر كلية الشريعة  بدمنهور  عام 87
E -  rashed_orbit@yahoo.com

CONVERSATION

1 comments:

  1. .بهاء حجارى31 مارس 2013 في 10:54 م

    إنى مصدوم من هذه المقاله.
    د.بهاء حجارى
    bhegazi@yahoo.com

    ردحذف