الغربة ـ فريد بو فرنسيس
احتفلت ابرشية طرابلس المارونية، ورعية داربعشتار في قضاء الكورة، بترقية الخوري جورج عبود الى رتبة "برديوط"، وذلك بوضع يد راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، وذلك خلال قداس احتفالي اقيم في الباحة الخارجية لكنيسة مار جرجس في البلدة، عاون المطران بو جوده في القداس المونسنيور يوسف الطحش رئيس دير مار يعقوب كرمسده، والكهنة يوسف الزعبي، ادوار الشالوحي، شارل قصاص، جان كلود شالوحي، وفادي شمعون. بمشاركة لفيف من كهنة الابرشية. وخدمت للقداس جوقة قاديشا بقيادة الاب يوسف طنوس.
حضر القداس النائب فادي كرم، قائمقام الكورة كاترين الكفوري، رئيس بلدية داربعشتار غاوي غاوي، ماري حبيب ارملة النائب الراحل فريد حبيب، جورج عطالله عضو الهيئة التاسيسية للتيار الوطني الحر، رئيس رابطة مخاتير الكورة توفيق نقولا، الى عدد من الرهبان والراهبات واهالي البلدة والجوار وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المران بو جوده عظة قال فيها: يتكلّم المجمع اللبناني الذي عقد في دير سيّدة اللويزة سنة1736 في الباب الثالث: الكاهن خادم الرعيّة والبرديوط والخوري أي كبير الكهنة والخوري الأُسقفي فيقول: إنّ وظيفة الكاهن أن يقدّس جسد الرب ودمه ويحلّ التائبين من خطاياهم ويناول المؤمنين القربان المقدّس ويعمّد ويمسح المرضى بالزيت المقدّس ويقيم الصلاة الجمهوريّة في الكنيسة لأجل الأحياء والأموات، وأن يعظ ويبارك ويترأس. ويضيف بأنّ الكهنة في بيعة الله هم بمثابة الشيوخ السبعين الذين إختارهم موسى وبمنزلة التلاميذ السبعين الذين إصطفاهم السيّد المسيح ليرصدوا عملهم وقفاً على خير الكنيسة. ثمّ يتكلّم عمّا بإمكاننا أن نسمّيه تسلسل المسؤوليّات بين الكهنة فيقول: أيام كان عدد الأساقفة والكهنة قليلاً في صدر الكنيسة مسّت الحاجة إلى أن يرعى شعب الله ويغذّيه بالأسرار أسقف لا قسوس معه في بعض المواضع، وفي بعضها الآخر قسّ لا يؤازره غيره من القسوس. بيد أنّه لمّا إزداد عدد المؤمنين زاد عدد القسوس فأسند إليهم الأساقفة عدّة خطط فقام بعضهم بخدمة النفوس في القرى والمدن وهي ما يسمّيها آباؤنا رعايا، فلقّبوا من ثمّ بخدمة الرعايا. وبعضهم جعلوا في المزارع والقرى بمنزلة نوّاب للأساقفة وسمّوا خوارنة أسقفيّين، وبعضهم عهد إليهم الإهتمام أن يزوروا ويدبّروا الرعايا القرويّة المستقرّة في أبرشيّة الأسقفة الواسعة فسمّوا برادطة أي متجوّلين أو زائرين".
واضاف بو جوده:"المجمع اللبناني متحدّثاً عن دور كل من هؤلاء المساعدين للأُسقف في إدارة شؤون الأبرشيّة فيقول: لا محل للريب في أنّه كما أنّ الإثني عشر رسولاً يمثّلون الأساقفة كذلك الإثنان والسبعون تلميذاً يمثّلون القسوس أي الطبقة الثانية من الكهنة فقد كان في كل أين وآن من بعد إنتشار الإنجيل رعاة أدنى رتبة يسوسون كنائس المدن والقرى برئاسة الأساقفة كما يشهد الرسول بولس في رسالته إلى تيطس: إنّما تركتك في كريت لتتمّ تنظيم ما بقي من الأمور وتقيم شيوخاً في كل بلدة كما أوصيتك، تقيم من لم ينله لوم، غير معجب بذاته ولا غضوباً ولا مدمناً للخمر ولا عنيفاً ولا حريصاً على المكاسب الخسيسة، بل عليه أن يكون مضيافاً محباً للخير، قنوعاً عادلاً تقياً متمالكاً، يلازم الكلام السليم الموافق للتعليم ليكون قادراً على الوعظ في التعليم السليم والرد على المخالفين (تيطس1/5-9)".
وتابع بو جوده:" أمّا كاتب الرسالة إلى العبرانيّين فيقول، كما سمعنا في القراءة الأولى، متحدّثاً عن المسؤوليّة في الكنيسة، بأنّ كل حبر متّخذ من الناس يقام لأجل الناس فيما هو لله، ليقرّب تقادم وذبائح عن الخطايا، جديراً بأن يشفق على الذين يجهلون ويضلّون، لكونه هو أيضاً متلبّساً بالضعف، ولهذا يجب عليه أن يقرّب عن الخطايا لأجل نفسه كما يقرّب لأجل الشعب"(عبرا 5/1-4). من ناحية ثانية فإنّ الروحانيّة التي يجب أن يتحلّى بها المسؤول في الكنيسة فهي تلك التي تحلّى بها المسيح بالذات، كما نرى ذلك في مناسبات عديدة في الإنجيل فإنّه عندما مثل للمحاكمة أمام بيلاطس البنطي سأله هذا الأخير: أأنتَ ملك اليهود؟ فأجابه يسوع: أمن عندك تقول هذا الكلام أم قاله لك فيّ آخرون؟ فأجاب بيلاطس: أتراني يهودياً؟ إنّ أُمّتك وعظماء الكهنة أسلموك إليّ، فماذا فعلتَ؟ أجاب يسوع:" ليست مملكتي من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لدافع عنّي حرسي كي لا أُسلّم إلى اليهود. ولكن مملكتي ليست من هنا" (يوحنا18/33-36)".
وقال :"يروي لنا الإنجيل في عدّة مناسبات أنّ الجموع، بعد أن رأت ما قام به يسوع من آيات ومعجزات، كانت تأتي وتحاول أن تجعل منه ملكاً، فكان يرفض. أمّا هو فإنّه عندما يتكلّم عن سلطته ودوره القيادي فيشبّه نفسه براعي الخراف ويقول:" أنا الراعي الصالح، أعرف خرافي وخرافي تعرفني، كما أنّ أبي يعرفني وأنا أعرف أبي وأبذل نفسي في سبيل الخراف"(يو10/14-15). وقد سمعنا ما قاله في إنجيل متى اليوم بعد أن جاءت أم إبني زبدى لتطلب منه أن يقيم ولديها وأحداً عن يمينه والآخر عن يساره في مملكته، وبعد تذمّر سائر الرسل من ذلك فقال: تعلمون أنّ رؤساء الأُمم يسودونها وأنّ عظماءها يتسلّطون عليها، فلا يكن هذا فيكم، بل من أراد أن يكون عظيماً فيكم فليكن لكم خادماً ومن أراد أن يكون الأوّل فيكم فليكن لكم عبداً. وهكذا إبن الإنسان جاء لا ليَخدُمَه الناس بل ليخدُمهم ويفدي بحياته كثيراً منهم".
وتابع :الخادم في الكتاب المقدّس هو رجل الثقة عند رب العمل الذي يكلّفه بالمهمّات الدقيقة والحسّاسة كما حصل مع إبرهيم ورئيس خدمه عندما أوفده إلى عشيرته ليأخذ منها إمرأة لإبنه إسحق، فقال له: ضع يدك تحت فخذي، فاستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض أن تأخذ زوجة لإبني من بنات الكنعانيّين الذين أنا مقيمٌ في وسطتهم، بل إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لإبني إسحق (نك24/2-4). أمّا النبي أشعيا فإنّه عندما يتكلّم عن المسيح المزمع أن يأتي فإنّه يصفه بالعبد والخادم فيقول في النشيد الأوّل: هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي رضيَتْ عنه نفسي، قد جعلت روحي عليه فهو يبدي الحق للأُمم. لا يصيح ولا يرفع صوته ولا يُسمع صوتُه في الشوارع. القصبة المرضوضة لن يكسرها والفتيلة المدخّنة لن يُطفئها، وهو يبدي الحق بأمانة (أشعيا42/1-3)".
وقال :" يقول في النشيد الثاني: إنّ الرب دعاني من البطن وذكر إسمي من أحشاء أُمّي وجعل فمي كسيف ماضٍ، وفي ظل يده خبّأني وجعلني سهماً محدّداً وفي جعبته سترني، وقال لي أنت عبدي فإنّي بك أتمجّد (أشعيا 49/1-3). المسيح يسوع جاءنا فادياً ومخلّصاً وقد إختار عدداً من التلاميذ الذين تبعوه وسمّاهم رسلاً فدرّبهم ثمّ أرسلهم إثنين إثنين أمامه ليمهّدوا له الطريق. وقبل أن يغادرهم، بعد موته وقيامته من بين الأموات وعدهم بالروح القدس المعزّي وقال لهم: لن أترككم يتامى، بل ارجع إليكم، فإذا كنتم تحبّوني عملتم بوصاياي وسأطلب من الآب أن يعطيكم معزّياً آخر يبقى معكم إلى الأبد وهو الذي سيعلّمكم كلّ شيء ويجعلكم تتذكّرون كل ما قلته لكم (يو14/15 و26). وعلى هذا الأساس أرسلهم وقال لهم: الروح القدس يحلّ عليكم ويهبكم القوّة فتكونون لي شهوداً في أورشليم واليهوديّة كلّها والسامرة حتى أقاصي الأرض (أعمال1/8). الرب يسوع هو الذي إختارنا نحن الكهنة ولسنا نحن من إخترناه. هو الذي دعانا بإسمنا وقال لكل واحد منّا إتبعني، فلا يكون أبوك وأُمّك وإخوتك وأخواتك أعزّ إليك منّي وإلاّ فلا تستحق أن تكون لي تلميذاً لأنّه ماذا ينفعك أن تربح العالم كلّه إذا خسرت نفسك. ولهذا طلب منّا روح التجرّد وعدم التعلّق بأمور الأرض. وإنّنا بموجب كهنوتنا قد أصبحنا أنبياء حاملين كلمة الله إلى إخوتنا البشر، وهو الذي وضع كلامه على لساننا لكي نقول ما يقوله لنا ونذهب إلى من يرسلنا إليه. كما أصبحنا معه ومثله رعاة نبحث عن الخروف الضال كي نعيده إلى الحظيرة. ولكي نستطيع القيام بذلك فإنّه جعل منّا رجال صلاة وتأمّل نقدّم له القرابين ونقدّم له ذاتنا مع القرابين ولذلك فالمطلوب منّا هو أن نكون على مثاله رجال صلاة وحوار دائم مع الرب فلا نقوم بأي شيء دون أن نلجأ إليه".
وتوجه بو جوده الة الخوري جورج بالقول:" لقد إختارك الرب لتخدمه في سلك الكهنوت على خطى والدك المرحوم الخوري يوسف الذي عرف بروحه الكهنوتيّة وبروح الخدمة التي تميّز بها إذ أنّه خدم العديد من الرعايا المجاورة في أيام صعبة جداً كانت تمرّ بها المنطقة، فلم يأبه للصعوبات والمضايقات التي تعرّض لها ولا للأحداث الخطيرة التي كانت تحصل فيها، إذ كان يتنقّل غالباً سيراً على الأقدام ليقدّم الخدمات الروحيّة للرعايا التي كان يخدمها. وقد تميّز، كما عرفناه شخصياً، بروحه الطيّبة تحت مظاهر الهيبة والجديّة، إذ كانت النكتة تخرج من فمه بصورة طبيعيّة وقد سِرتَ على خطاه وما زِلتَ، فأحبّك من خدمتهم وما زلت تخدمهم بروح التجرّد، كما أحبّك وإحترمك إخوتك الكهنة في هذه المنطقة وكل الذين عرفوك من كهنة الأبرشيّة، من يوم كنت وكيلاً وقيّماً في الإكليريكيّة في كرمسدّه. وهم الذين ألحّوا عليّ في طلب رتبة البرديوطيّة لك من صاحب الغبطة أبينا السيّد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، فلم أتردّد لحظة في تلبية طلبهم نظراً لما عرفته عنك منذ زمن طويل من روح كهنوتيّة مميّزة، لكنّك، عندما أبلغتك بالنبأ كانت ردّة فعلك الرفض بالرغم من إلحاحي، إلى أن تدخّل غبطته شخصياً، خاصة بعد الإستقبال الحافل الذي نظّمته مع أبناء الرعيّة وإبن رعيّتك حضرة الخوري إدوار الشالوحي، يوم قام بزيارته الرعويّة إلى داربعشتار في شهر تموز من العام الماضي. وقد كلّفنا غبطته تمثيله في هذه الرتبة وتقديم التهاني لك ولعائلتك ولوالدتك الخوريّة وأشقّائك وشقيقتك ولأبناء رعيّتي دار بعشتار ووطى فارس اللتين تخدمهما. وإنّنا، معهما ومع إخوتك الكهنة في هذا القطاع وفي الأبرشيّة، وهذا الجمع المشارك في هذا الإحتفال نتمنّى لك التوفيق والنجاح في هذه المسؤوليّة الجديدة الملقاة على عاتقك، ونمنحك بركتنا الأبويّة بإسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد".
في ختام القداس شكر الخوري عبود كل الذين شاركوه هذه الترقية وفي مقدمتهم البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي الذي منحه الرتبة الكهنوتية الجديدة، وراعي الابرشية المطران جورج بو جوده الذي طلبها له من البطريرك الراعي. من ثم تقبل الخوري الجديد التهاني من الحضور واقيم كوكتيل في المناسبة في قاعة الرعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق