المطران بو جوده تراس قداس الميلاد في مار مارون في طرابلس


الغربة ـ فريد بو فرنسيس
... وفي طرابلس تراس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده قداس منتصف الليل لمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح في كنيسة مار مارون في وسط طرابلس، عاونه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، والخوري جوزيف فرح. وقد حضر القداس المقدم مصطفى الايوبي ممثلا المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي، وحشد من ابناء المدينة والمناطق المجاورة.
بعد الانجيل المقدس القة المطران بو جوده عظة قال فيها :" عمّانوئيل! إنّه الإسم الذي أعطاه الرب للمخلّص المزمع أن يأتي، على لسان أشعيا النبي في الفصل السادس من نبوءته. الكلمة تعني "الله معنا" إذ أنّ الله، من خلال هذا المولود سوف يعبّر عن أنّ العلاقة بينه وبين الإنسان لم تنقطع، بالرغم من موقف الإنسان الرافض له. فهو قد خلق الإنسان على صورته ومثاله، ونفخ فيه روحه، أي إنّه أعطاه ذاته. وهو إذا قطع العلاقة معه يكون كأنّه ينتحر وينكر ذاته. الإنسان هو الذي قطع العلاقة مع الرب كما يروي لنا ذلك سفر التكوين، إذ إنّه إستسلم لإغراءات الشيطان المجرّب الذي أقنعه بأنّه يصير إلهاً لنفسه إن هو رفض الله وقطع العلاقة معه. الإنسان لم يحقّق ذاته بإتّخاذه هذا الموقف بل على العكس فإنّه إكتشف عريه ومحدوديته وسمع الرب يذكّره بأنّه من التراب أُخذ وإلى التراب يعود. الإنسان هو الذي حكم على نفسه بالموت، أمّا الله فقد حكم له بالحياة. فقال للشيطان بأنّه سيجعل عداوة بينه وبين الإنسان، إبن المرأة الذي سيسحق رأسه، بينما هو لن يستطيع إلاّ أن يرصد عقبه.
اضاف:" الله خلق الإنسان بفعل محبّة منه لا متناهية، وبفعل محبة لا متناهية سوف يعيد إليه الحياة، بإبن له مولود من إمرأة. وهو على مرّ الزمن يُذكّر الإنسان بهذا الوعد ويدعوه للإلتزام به. وفي ملء الزمن، كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية، أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة، هي مريم العذراء التي لقّبها آباء الكنيسة بحوّاء الثانية نظراً لأنّها على عكس حواء الأولى، سمعت كلام الرب وعملت بمقتضاه. والمولود منها هو يسوع المسيح الذي نحتفل بميلاده ليس فقط مرّة في السنة كما يحصل مع غيره من أبناء البشر، بل كل يوم وكل لحظة، لأنّ الميلاد هو حدث دائم، لأنّه يعبّر عن المصالحة بين الله والإنسان. مريم العذراء هي حواء الثانية والمسيح يسوع هو آدم الثاني، الإنسان الحق والإله الحق الذي مع أنّه في صورة الله لم يعدّ مساواته لله غنيمة، بل تجرّد من ذاته متّخذاً صورة العبد، وصار على مثال البشر، وظهر بمظهر الإنسان، إنّه كلمة الله الذي صار بشراً وحلّ بيننا، فرأينا مجده مجد وحيد من الآب ملؤه النعمة والحق، من ملئه نلنا بأجمعنا، وقد نلنا نعمة على نعمة، والنعمة والحق قد أتيا عن يد يسوع المسيح(يو1/14 و16-17).
وتابع :" يسوع المسيح، الذي نحتفل بميلاده اليوم، وحّد بأقنومه الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة. ومع كونه إلهاً فإنّه ولد في مغارة حقيرة في بيت لحم كانت مأوى للرعيان لأنّ والديه لم يجدا لهما موضعاً في الفندق نظراً لفقرهما. لقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تعرفه. ولكنّه بالرغم من ذلك إسترعى إنتباه الرعيان أولاً وقد أبلغهم الملائكة بالخبر المفرح وهم ينشدون المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام لبني البشر، كما إسترعى إنتباه الملوك المجوس الذين رأوا نجمه في المشرق فجاؤوا إليه ليعبدوه، وقد أهداهم إلى مكان ولادته نجم في السماء، وأثارت ولادته خوف الملك هيرودس الذي أرسل فقتل كل أطفال بيت لحم من عمر سنتين فما دون. كلّها أحداث بشريّة تلفت الإنتباه، لكنّ الأهم هو أنّ هذا المولود الجديد هو الذي بشّر به الأنبياء منذ القديم والذي تكلّم عنه أشعيا في الفصل السادس من نبوءته حيث قال: إسمعوا يا بيت داود، أقليل عندكم أن تُسئموا الناس، حتى تُسئموا إلهي أيضاً؟ فلذلك يؤتيكم السيّد نفسه آية: ها إنّ العذراء تحمل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمّانوئيل، يأكل لبنناً حليباً وعسلاً إلى أن يعرف أن يرذل الشّر ويختار الخير(أشعيا6/13-14). في كلام النبي أشعيا هذا تحذير وتنبيه للشعب الذي، بالرغم من محبة الله له، وبالرغم من كل المعاهدات التي أبرمها معه، ما زال يرفضه ويبتعد عنه ويحاول أن يبني ذاته بذاته، وأن يجعل من نفسه إلهاً لنفسه مقتدياً بأبويه الأولين. لكنّ الرب، وبالرغم من كل المواقف الرافضة له ما زال مصمّماً على خلاص الإنسان. وهو يتساءل من يرسل إليه ليُذكّره بالمعاهدة، فيقول له النبي: ها أنذا فأرسلني، فيقول له الرب: إذهب وقل لهذا الشعب:إسمعوا سماعاً ولا تفهموا، وأنظروا نظراً ولا تعرفوا. غلّظ قلب هذا الشعب وثقّل أذنيه وأغمض عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى (أشعيا 6/8-10).
وقال :" الله يريد خلاص الشعب، ولذلك يُرسل له العمّانوئيل ليُقيم معه. إنّه يسوع المسيح الذي عاد فجمع بأقنومه الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة. تضامن مع الإنسان في كل شيء ما عدا الخطيئة فمات من أجله على الصليب وإنتصر على الموت بالقيامة فوطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. وقبل صعوده إلى السماء وعدنا بأنّه سوف يبقى معنا إلى منتهى الدهر، وهو ذاهبٌ ليُعدّ لنا مكاناً لأنّ في بيت أبيه منازل كثيرة(يو14/1-3). هذا هو العمّانوئيل، الله معنا، الذي نحتفل بميلاده اليوم، فلا نتوقّف عند المظاهر الخارجيّة لهذه المناسبة، على أهميّتها، بل نحن مدعوّون للدخول في عمق معناها اللآهوتي والروحي، كي نستحقّ الخلاص الذي أتانا به المسيح.
وختم :" إنّنا نعيش اليوم، في الكثير من المرّات مقتدين بأبوينا الأوّلين، مستسلمين غالباً غلى تجربة الشيطان الذي يقنعنا بأنّه بإمكاننا الإستغناء عن الله والعيش بدونه وضده، خاصة بعد التقدّم الكبير الذي وصلت إليه البشريّة اليوم من تطوّر ورقي في مختلف الحقول، فصرنا نعيش العلمنة المطلقة والنسبيّة الإيمانيّة والأخلاقيّة، فنسن القوانين والشرائع التي نريد والتي تتنافى جذرياً مع تعليم الرب. فصرنا نضع الله جانباً ونطلب منه أن يبقى حيث هو ولا يتدخّل في شؤوننا لأنّنا نعتبر أنفسنا أحراراً من كل القوانين، وهكذا، وبتصرّفنا هذا لا يعود لله أي دور في حياتنا، ولا يعود الله معنا أو بالأحرى لا نعود مع الله. فليكن إحتفالنا بعيد الميلاد اليوم تجديداًُ للعلاقة معه وليبقَ المسيح كما بشّرنا بذلك الرب العمّانوئيل، الله معنا الذي يأتينا بالخلاص، ويعيدنا إلى الملكوت، فنعيش السلام الداخلي في حياتنا والسلام مع الآخرين، كي نستطيع أن نعيش السلام الحقيقي مع الرب.   
بعد القداس تقبل المطران بو جوده وخادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، والخوري جوزيف فرح تهاني العيد من المشاركين في القداس في قاعة كنيسة مار مارون في طرابلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق