ناجي س. البستاني - مقالات النشرة
منذ لحظة إعلان البابا بنديكتوس السادس عشر إستقالته من منصبه، إعتباراً من الساعة الثامنة من مساء الثامن والعشرين من شباط الحالي، بدأت التكهّنات بشأن الخليفة المنتظر. وكثرت في لبنان التحاليل بشأن إمكان إنتخاب البطريرك مار بشاره بطرس الراعي "بابا" لروما! فما هي الفرص المساعدة وتلك غير المساعدة في وصول الكاردينال الراعي إلى سدّة الكرسي الرسولي في الفاتيكان؟
بالنسبة إلى الفئة المتفائلة إزاء هذا الموضوع فهي تستند إلى المعطيات الآتية:
أولاً: مسارعة الفاتيكان إلى تعيين البطريرك الراعي كاردينالاً في تشرين الثاني من العام الماضي، بعد فترة قصيرة من انتخابه بطريركاً لأنطاكيا وسائر المشرق، الأمر الذي شكّل سابقة في تاريخ الكنيسة المارونية لجهة وجود كاردينالين في وقت واحد، هما البطريركان بشاره الراعي ونصرالله صفير. وكذلك مسارعة الفاتيكان إلى تعيين الكاردينال الراعي في دوائر فاتيكانية عدّة، منها واحدة مخصّصة لدراسة وضع المسيحيّين في الشرق، وكل ذلك يصب في خانة دعم موقعه، ودعم مسيحيّي الشرق الأوسط عبره.
ثانياً: معرفة البابا الحالي بنديكتوس السادس عشر بالبطريرك الراعي، والطلب منه شخصياً إعداد صلوات "درب الصليب" لهذا العام في روما، في خطوة مشابهة لطلب البابا الراحل الطوباوي يوحنا بولس الثاني من الكاردينال جوزف راتزينغر (البابا الحالي) إعداد صلوات "درب الصليب" في العام 2005، قبل أن يتوفّى ويتم إنتخاب الكاردينال راتزينغر خلفاً له في العام نفسه!
ثالثاً: حرص الفاتيكان على مسيحيّي الشرق الأوسط، والحؤول دون هجرتهم، مع التذكير أنّ زيارة الحبر الأعظم الراحل البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان في العام 1997، وإلى مصر في العام 2000، وإلى غيرها من دول الشرق الأوسط كانت تصبّ في هذا الإتجاه. وحرص البابا بنديكتوس السادس عشر على زيارة لبنان في أيلول من العام الماضي، على الرغم من المخاطر الأمنيّة. ولا ننسى تعيين ثلاثة كرادلة من الشرق الأوسط في السنوات القليلة الماضية، وهم إضافة إلى البطريرك الراعي، وقبله البطريرك صفير، الكاردينال عمانوئيل دلي، بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق، والكاردينال أنطون نجيب، بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر.
في المقابل، وبالنسبة إلى الفئة المتشائمة إزاء فرص إنتخاب الكاردينال الراعي على رأس الكنيسة الكاثوليكيّة في العالم، فهي تستند إلى المعطيات الآتية:
أولاً: إنّ إنتخاب قداسة البابا الحالي المستقيل، جاءت بعد منافسة حامية مع الكاردينال الغاني بيتر كودو أبايا تركسون (64 عاماً)، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس السلام البابوي، والذي يتقن لغّات عدّة، ويتميّز بمرونة في التعاطي مع وسائل الإعلام مع تمتّعه بخلفيّة جيّدة للقضايا السياسية العالمية. وفرص هذا الأخير كبيرة جداً اليوم، للوصول إلى المركز الذي كان قريباً كثيراً منه سنة 2005، خاصة بعد كسر الحاجز العنصري المتمثّل بانتخاب شخص إفريقي ملوّن، في ضوء تجربة إنتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية لدورتين متتاليتين. كما أنّ من شأن انتخاب "بابا" من إفريقيا، أكان الكاردينال تركسون، أو المرشّح الثاني القوي من إفريقيا الكاردينال النيجيري فرانسيس أرينز (79 عاماً)، أن يشكّل بحد عينه تغييراً جوهرياً، قد يرضي مطالبي الكنيسة بالمباشرة بالتغيير وبمواكبة متطلّبات العصر الحالي.
ثانياً: الكثير من رجال الكنيسة اليوم يعتبرون أنّ مستقبل الكنيسة الكاثوليكية هو في أميركا الجنوبيّة وفي إفريقيا، حيث يستمرّ المؤمنون بالتكاثر وبممارسة الشعائر الدينيّة بشغف، وليس في أوروبا حيث تراجع حضور الكنيسة إلى أدنى مستوياتها منذ ألفي عام حتى اليوم!
ثالثاً: إذا كان يوجد ثلاثة كرادلة من الشرق الأوسط يحق لهم التصويت (الكاردينال الرابع صفير لا يحق له التصويت، باعتبار أنّه تجاوز السن القانوني لذلك والمحدد بسقف 80 عاماً بحسب شروط الفاتيكان) من أصل 120 كاردينالاً، فإنّ ربع مجمع الكرادلة يحملون الهويّة الإيطالية، ويوجد مرشّحين للمنصب من إيطاليا، وأبرزهم الكاردينال أنجيلو سكولا (70 سنة) الذي يتمتّع بشعبيّة واسعة بين الكرادلة والضليع بشؤون الحوار بين الأديان، وكذلك الكاردينال جيانفرانكو رافاسّي (70 سنة) الذي يتمتّع بثقافة عالية وبخبرة عميقة في الشؤون الكاثوليكية. كما يوجد مرشّحون من أميركا الجنوبيّة، حيث يتوزّع 42 % من مجمل كاثوليك العالم، في مقابل 25 % في القارة الأوروبيّة. ومن أبرزهم الكاردينال الأرجنتيني ليوناردو ساندري (69 عاماً) الذي شغل مناصب دبلوماسية عدّة لصالح الفاتيكان، والكاردينال البرازيلي أوديلو شيرير (63 عاماً) اللاهوتي المعتدل. ومن بين الأسماء المطروحة بقوّة وجدّية في الدوائر الفاتيكانيّة أيضاً، الكاردينال الفرنسي-الكندي مارك أويلت (68 عاماً) والذي يتولّى منصباً مؤثّراً في الفاتيكان حالياً، حيث أنه رئيس مجمع الأساقفة. والأسماء المرشّحة الأخرى كثيرة ولا مجال لتعدادها كلّها.
رابعاً: إذا كان صحيحاً أنّ ملف إضطهاد وهجرة مسيحيّي الشرق الأوسط يهمّ الفاتيكان بشكل كبير، خاصة وأنّ هذه الأرض هي مهد السيّد المسيح، فإنّ الأصحّ أنّ ملفّات أخرى منوّعة تؤرق الدوائر الكنسيّة في عاصمة الكثلكة، وهي لا تقلّ أهمّية إطلاقاً، علماً أنّ الحديث عن مسيحيّي الشرق يخصّ نحو 20 مليون نسمة (أغلبيتهم غير كاثوليك)، من أصل 1.2 مليار كاثوليكي في العالم، طبعاً من دون إحتساب باقي المذاهب المسيحيّة! ومن بين الملفّات المهمّة المنوطة بالحبر الأعظم المقبل، العلاقات المسيحية الكاثوليكيّة مع كل من المسلمين واليهود وحتى مع الكنيسة الأنغليكانية وغيرها، وسبل جذب الشباب الناشئ إلى الكنيسة مجدّداً، وإلى حمل الديانة الكاثوليكية على مستوى الممارسة وليس بالإسم فقط، على سبيل المثال. ويضاف إلى ذلك، مسألة الضغوط التي تتعرّض لها الكنيسة من داخلها وخارجها، لإجراء إصلاحات جذريّة في كثير من المواضيع، ولإعتماد تغييرات في أسلوب التعاطي مع مسائل تحديد النسل، ومنع الحمل، والإجهاض، وكذلك مع مواضيع شائكة مثل دور المرأة في الكنيسة، والسماح بزواج الكهنة، وحتى زواج مثليّي الجنس. وعليها أيضاً مواجهة مشاكل الإتهامات التي يتعرّض لها بعض رجال الدين، إلى ما هناك من مواضيع أخرى.
وممّا تقدّم، لا تبدو فرص الكاردينال بشاره الراعي كبيرة في الوصول إلى أعلى منصب للكرسي الرسولي، كما تأمل كنائس الشرق الأوسط، علماً أنّ ما يهمّ هو أن تبقى قضيّة حماية مسيحيّي الشرق الأوسط محط إهتمام ومتابعة من قبل قداسة البابا المقبل، أياّ تكن جنسيّته وهويّته، في ظلّ كثرة الملفّات الشائكة التي ستلقى بين يديه!
أولاً: مسارعة الفاتيكان إلى تعيين البطريرك الراعي كاردينالاً في تشرين الثاني من العام الماضي، بعد فترة قصيرة من انتخابه بطريركاً لأنطاكيا وسائر المشرق، الأمر الذي شكّل سابقة في تاريخ الكنيسة المارونية لجهة وجود كاردينالين في وقت واحد، هما البطريركان بشاره الراعي ونصرالله صفير. وكذلك مسارعة الفاتيكان إلى تعيين الكاردينال الراعي في دوائر فاتيكانية عدّة، منها واحدة مخصّصة لدراسة وضع المسيحيّين في الشرق، وكل ذلك يصب في خانة دعم موقعه، ودعم مسيحيّي الشرق الأوسط عبره.
ثانياً: معرفة البابا الحالي بنديكتوس السادس عشر بالبطريرك الراعي، والطلب منه شخصياً إعداد صلوات "درب الصليب" لهذا العام في روما، في خطوة مشابهة لطلب البابا الراحل الطوباوي يوحنا بولس الثاني من الكاردينال جوزف راتزينغر (البابا الحالي) إعداد صلوات "درب الصليب" في العام 2005، قبل أن يتوفّى ويتم إنتخاب الكاردينال راتزينغر خلفاً له في العام نفسه!
ثالثاً: حرص الفاتيكان على مسيحيّي الشرق الأوسط، والحؤول دون هجرتهم، مع التذكير أنّ زيارة الحبر الأعظم الراحل البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان في العام 1997، وإلى مصر في العام 2000، وإلى غيرها من دول الشرق الأوسط كانت تصبّ في هذا الإتجاه. وحرص البابا بنديكتوس السادس عشر على زيارة لبنان في أيلول من العام الماضي، على الرغم من المخاطر الأمنيّة. ولا ننسى تعيين ثلاثة كرادلة من الشرق الأوسط في السنوات القليلة الماضية، وهم إضافة إلى البطريرك الراعي، وقبله البطريرك صفير، الكاردينال عمانوئيل دلي، بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق، والكاردينال أنطون نجيب، بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر.
في المقابل، وبالنسبة إلى الفئة المتشائمة إزاء فرص إنتخاب الكاردينال الراعي على رأس الكنيسة الكاثوليكيّة في العالم، فهي تستند إلى المعطيات الآتية:
أولاً: إنّ إنتخاب قداسة البابا الحالي المستقيل، جاءت بعد منافسة حامية مع الكاردينال الغاني بيتر كودو أبايا تركسون (64 عاماً)، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس السلام البابوي، والذي يتقن لغّات عدّة، ويتميّز بمرونة في التعاطي مع وسائل الإعلام مع تمتّعه بخلفيّة جيّدة للقضايا السياسية العالمية. وفرص هذا الأخير كبيرة جداً اليوم، للوصول إلى المركز الذي كان قريباً كثيراً منه سنة 2005، خاصة بعد كسر الحاجز العنصري المتمثّل بانتخاب شخص إفريقي ملوّن، في ضوء تجربة إنتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية لدورتين متتاليتين. كما أنّ من شأن انتخاب "بابا" من إفريقيا، أكان الكاردينال تركسون، أو المرشّح الثاني القوي من إفريقيا الكاردينال النيجيري فرانسيس أرينز (79 عاماً)، أن يشكّل بحد عينه تغييراً جوهرياً، قد يرضي مطالبي الكنيسة بالمباشرة بالتغيير وبمواكبة متطلّبات العصر الحالي.
ثانياً: الكثير من رجال الكنيسة اليوم يعتبرون أنّ مستقبل الكنيسة الكاثوليكية هو في أميركا الجنوبيّة وفي إفريقيا، حيث يستمرّ المؤمنون بالتكاثر وبممارسة الشعائر الدينيّة بشغف، وليس في أوروبا حيث تراجع حضور الكنيسة إلى أدنى مستوياتها منذ ألفي عام حتى اليوم!
ثالثاً: إذا كان يوجد ثلاثة كرادلة من الشرق الأوسط يحق لهم التصويت (الكاردينال الرابع صفير لا يحق له التصويت، باعتبار أنّه تجاوز السن القانوني لذلك والمحدد بسقف 80 عاماً بحسب شروط الفاتيكان) من أصل 120 كاردينالاً، فإنّ ربع مجمع الكرادلة يحملون الهويّة الإيطالية، ويوجد مرشّحين للمنصب من إيطاليا، وأبرزهم الكاردينال أنجيلو سكولا (70 سنة) الذي يتمتّع بشعبيّة واسعة بين الكرادلة والضليع بشؤون الحوار بين الأديان، وكذلك الكاردينال جيانفرانكو رافاسّي (70 سنة) الذي يتمتّع بثقافة عالية وبخبرة عميقة في الشؤون الكاثوليكية. كما يوجد مرشّحون من أميركا الجنوبيّة، حيث يتوزّع 42 % من مجمل كاثوليك العالم، في مقابل 25 % في القارة الأوروبيّة. ومن أبرزهم الكاردينال الأرجنتيني ليوناردو ساندري (69 عاماً) الذي شغل مناصب دبلوماسية عدّة لصالح الفاتيكان، والكاردينال البرازيلي أوديلو شيرير (63 عاماً) اللاهوتي المعتدل. ومن بين الأسماء المطروحة بقوّة وجدّية في الدوائر الفاتيكانيّة أيضاً، الكاردينال الفرنسي-الكندي مارك أويلت (68 عاماً) والذي يتولّى منصباً مؤثّراً في الفاتيكان حالياً، حيث أنه رئيس مجمع الأساقفة. والأسماء المرشّحة الأخرى كثيرة ولا مجال لتعدادها كلّها.
رابعاً: إذا كان صحيحاً أنّ ملف إضطهاد وهجرة مسيحيّي الشرق الأوسط يهمّ الفاتيكان بشكل كبير، خاصة وأنّ هذه الأرض هي مهد السيّد المسيح، فإنّ الأصحّ أنّ ملفّات أخرى منوّعة تؤرق الدوائر الكنسيّة في عاصمة الكثلكة، وهي لا تقلّ أهمّية إطلاقاً، علماً أنّ الحديث عن مسيحيّي الشرق يخصّ نحو 20 مليون نسمة (أغلبيتهم غير كاثوليك)، من أصل 1.2 مليار كاثوليكي في العالم، طبعاً من دون إحتساب باقي المذاهب المسيحيّة! ومن بين الملفّات المهمّة المنوطة بالحبر الأعظم المقبل، العلاقات المسيحية الكاثوليكيّة مع كل من المسلمين واليهود وحتى مع الكنيسة الأنغليكانية وغيرها، وسبل جذب الشباب الناشئ إلى الكنيسة مجدّداً، وإلى حمل الديانة الكاثوليكية على مستوى الممارسة وليس بالإسم فقط، على سبيل المثال. ويضاف إلى ذلك، مسألة الضغوط التي تتعرّض لها الكنيسة من داخلها وخارجها، لإجراء إصلاحات جذريّة في كثير من المواضيع، ولإعتماد تغييرات في أسلوب التعاطي مع مسائل تحديد النسل، ومنع الحمل، والإجهاض، وكذلك مع مواضيع شائكة مثل دور المرأة في الكنيسة، والسماح بزواج الكهنة، وحتى زواج مثليّي الجنس. وعليها أيضاً مواجهة مشاكل الإتهامات التي يتعرّض لها بعض رجال الدين، إلى ما هناك من مواضيع أخرى.
وممّا تقدّم، لا تبدو فرص الكاردينال بشاره الراعي كبيرة في الوصول إلى أعلى منصب للكرسي الرسولي، كما تأمل كنائس الشرق الأوسط، علماً أنّ ما يهمّ هو أن تبقى قضيّة حماية مسيحيّي الشرق الأوسط محط إهتمام ومتابعة من قبل قداسة البابا المقبل، أياّ تكن جنسيّته وهويّته، في ظلّ كثرة الملفّات الشائكة التي ستلقى بين يديه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق