استقبال مميز وحاشد للسيدة العذراء ام النور في رعية شكا

 


 الغربة ـ فريد بو فرنسيس

نظمت رعية سيدة الخلاص في شكا، واللجان الاقليمية للاخويات في الشمال، استقبالا حاشدا ومميزا، للسيدة العذراء ام النور " المؤمنة الاولى "، وذلك عند المدخل الرئيس للبلدة من جهة البترون، حيث احتشد المئات من المؤمنين على جانبي الطريق الرئيس للبلدة، يتقدمهم راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، مطران السريان الكاثوليك انطوان بيلوني، ولفيف من كهنة الابرشية، رئيس بلدية شكا فرج الله الكفوري، مخاتير البلدة وفعالياتها، الى حشد كبير من المؤمنين من البلدة والبلدات المجاورة.
وعلى وقع الزغاريد ونثر الورود والأرز، وترانيم المؤمنين، سار موكب العذراء مريم، محاطا بالطلائع والفرسان والاخويات وفرق الكشافة،  ورفع تمثال مريم أمّ النور على الاكتاف، وصولا الى كنيسة سيدة الخلاص، حيث اقيم قداس احتفالي للمناسبة، تراسه المطران بو جوده، والمطران بيلوني، وعاونهما المرشد العام للاخويات في لبنان الاب سمير بشاره، وخادم الرعية الخوري فادي منصور، الى لفيف من كهنة الابرشية. والقى الخوري نتصور كلمة في بداية القداس شكر فيها كل من تعب وساهم في انجاح هذا الاستقبال المميز، والذي يعبر عن ايمان كبير وتعلق ي شخص مريم العذراء المؤمنة الاولى.
وبعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها :" تأتي زيارة العذراء أُم النور إلى مختلف المناطق اللبنانيّة في إطار إستذكار زيارتها التاريخيّة إلى كل الرعايا في لبنان سنة 1954 التي أرّخها الأب جورج خوري اليسوعي، مؤسّس رابطة الأخويّات في كتابه الذي بعنوان "الدرب المريمي".
اضاف بو جوده :" يروي لنا القديس لوقا في الإنجيل حادثة زيارة العذراء مريم لنسيبتها أليصابات بعد أن بشّرها الملاك جبرائيل بأنّها ستكون أُماً للمخلّص الموعود وأبلغها أنّ أليصابات هي أيضاً حامل في شهرها السادس، بالرغم من تقدّمها في العمر. أهميّة هذه الزيارة لا تقتصر على كونها ذات بُعد إجتماعي بل تتخطّاها إلى البُعد اللآهوتي لأنّها ستكون لقاء بين العهدين القديم والجديد بشخص يوحنا المعمدان والمسيح يسوع، وهما لا يزالان جنينين في أحشاء والدتيهما. ويعبّر عن هذا البُعد كلام أليصابات التي قالت لمريم: من أين لي أن تأتي إليّ أُم ربّي. فما إن وقع صوت سلامك في أُذني حتى إرتكض الجنين إبتهاجاً في بطني. فطوبى لمن آمنت، فسيتمّ ما بلغها من عند الرب (لوقا 1/43-44).
وقال :" نحن لا نهمل البُعد الإجتماعي للحدث. فالعذراء مريم أقامت عند أليصابات نحو ثلاثة أشهر، كما يقول لوقا، ثمّ عادت إلى بيتها (لوقا1/56). وهذا يعني أنّها بقيت عندها إلى أن حان وقت ولادتها، كي تكون في خدمتها، وهي كما يقول الإنجيلي نسيبة لها. العذراء مريم قالت للملاك جبرائيل إنّها أمَة للرب وخادمة له. وقد تجلّت هذه الخدمة بالطبع في كل حياتها على الأرض تسمع كلام الرب وعمل بمقتضاه وتبقى مرافقة لإبنها أثناء حياته العلنيّة وحتى أقدام الصليب، فتستحق بذلك الطوبى الحقيقيّة منه عندما يقول جواباً على المرأة التي طوّبتها لأنّها حملته في بطنها وأرضعته من ثدييها (لوقا11/27). كما تجلّت عملياً في الخدمة التي أدّتها إلى أليصابات وهي المرأة المتقدّمة في السّن والتي حملت بيوحنا المعمدان آخر أنبياء العهد القديم والذي سيكون كما قال عنه المسيح يسوع أكبر مواليد النساء (لوقا7/28)".
وتابع "لكنّ دور العذراء مريم لم يقتصر على هذه الناحية الإنسانيّة والإجتماعيّة بل تخطّاها ليكون مشاركة لإبنها في رسالته الخلاصيّة. وأنّ تكريمنا المميّز في الكنيسة لمريم العذراء يأتي في هذا المجال. فالعذراء مريم هي المرأة التي سيتمّ فيها قول الرب للحيّة الشيطان في سفر التكوين بعد أن أغوت أبوينا الأولين آدم وحواء وأقنعتهما بأنّهما سيصبحان آلهة إن هما خالفا أمر الرب. فيومها لم يحققا ذاتهما بل إكتشفا عريهما ومحدوديتهما وسمعا الرب يذكّرهما بأنّهما من التراب أُخذا وإلى التراب يعودان. ويومها، ولأنّه لا يريد موت الخاطئ بل توبته وعدهما الرب بمخلّص مولود من إمرأة سوف يسحق رأس الشيطان (تك3/15). كما سيقول للحيّة الشيطان. بهذا الكلام إبتدأ التدبير الخلاصي الذي سيتمّ في ملء الزمان كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية، حين أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة، مولوداً في حكم الشريعة، ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، كي نحظى نحن بالتبنّي (غلا4/4)".
اضاف بو جوده :" هذه المرأة هي مريم التي بواسطتها تمّ فعل الخلاص ولذلك لقّبها آباء الكنيسة حواء الثانية. ذلك أنّ حواء الأولى وآدم الأوّل أتيانا بالموت، بينما حواء الثانية وآدم الثاني، يسوع المسيح أتيانا بالخلاص، على ما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما. فكما أنّ زلّة إنسان واحد أفضت بجميع الناس إلى الإدانة، فكذلك برّ إنسان واحد يأتي جميع الناس بالتبرير الذي يهب الحياة. فكما أنّه بمعصية إنسان واحد جعلت جماعة الناس خاطئة، فكذلك بطاعة واحد تجعل جماعة الناس بارّة (روم5/19)".
وقال :" إختار الرب مريم لتقوم بهذا الدور وهذه الرسالة، أي لتكون حواء الثانية، ولذلك خلقها نقيّة طاهرة بريئة من الخطيئة كي تتمتّع بملء الحريّة لتقول للملاك عندما بشّرها، أنا خادمة للرب، فليكن لي بحسب قولك. هذا وإذا أردنا أن نستفيض في شرح هذا الكلام، فإنّنا نقيم مقارنة بين نصّين من الكتاب المقدّس، واحداً من العهد القديم والآخر من العهد الجديد. من العهد القديم نتوقّف عند حادثة مخالفة أبوينا الأوّلين، آدم وحواء ، كما رواها سفر التكوين في الفصل الثالث. ومن العهد القديم نتوقّف عند بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم، كما رواها لوقا في الفصل الأوّل من إنجيله. في كلا النصّين، في الواقع عندنا إمرأة ومرسَل وحوار وموقف ونتيجة. المرأة في سفر التكوين هي حواء، والمرسَل هو الحيّة الشيطان والحوار يدور حول طاعة الله أو مخالفته، إذ لا يعود له أي سلطة على الإنسان، والموقف هو قبول حواء بالأمر، والنتيجة هي الموت وإكتشاف المحدوديّة وتذكير الإنسان بأنّه من التراب أُخذ وإلى التراب يعود".
واردف يقول :"أمّا المرأة في إنجيل لوقا فهي مريم العذراء، والمرسَل هو الملاك جبرائيل والحوار هو وعد بمخلّص هو عمّانوئيل، لأنّ كل شيء مستطاع عن الله، والموقف هو قول مريم أنا خادمة للرب والنتيجة هو إبن إسمه يسوع، إبن العلي يدعى، يملك على بيت يعقوب، ولا يكون لملكه نهاية (لو1/31-33). في هذا الإطار يأتي تكريم العذراء في الكنيسة وليس فقط في الإطار العاطفي والإجتماعي. فالعذراء لم تطوّب فقط لأنّها أعطت الحياة الجسديّة ليسوع وإهتمّت به طوال حياته على هذه الأرض. بل هي تلك التي سمعت كلام الرب وعملت بمقتضاه فإستحقّت أن تُطوَّب وأن تُرفَع بعد رقادها إلى السماء لتعيش مع إبنها المنتصر على الموت، عربوناً عن أنتقالنا نحن أيضاً إلى السماء بعد موتنا لأنّنا نسل هذه المرأة ولأنّه صار بإمكاننا بهذه الصفة أن نسحق رأس الحيّة الشيطان. ولكن هذا لن يتمّ إلاّ إذا عرفنا نحن أيضاً أن نكون في حالة إصغاء دائم إلى الله وسماع كلامه والعمل بمقتضاه".
وختم بو جوده يقول :"في كل واحد وواحدة منّا، أيها الأحباء، آدم الأوّل وآدم الثاني، حواء الأولى وحواء الثانية. كلّنا خلقنا الله على صورته ومثاله ونفخ فينا روحه وأعطانا حياته، وكلّنا نتعرّض للتجربة والسير في الطريق الذي يغرينا الشيطان بأن نسلكه، وغالباً ما نستسلم للتجربة ونحكم على نفسنا بالموت، ولكن كلّنا بإمكاننا أن نكون على مثال مريم في حالة إصغاء إلى كلام الرب والتأمّل فيه والعمل بمقتضاه ، فيحكم لنا الرب بالحياة. هذا الصراع نعيشه كما يقول بولس الرسول في الفصل العاشر من رسالته إلى أهل روما: الرغبة في الخير هي بإستطاعتي، وأمّا فعله فلا، لأنّ الخير الذي أريده لا أفعله، والشر الذي لا أريده إياه أفعل. فما أشقاني من إنسان. فمن ينقذني من هذا الجسد الذي مصيره الموت؟ الشكر لله بيسوع المسيح إبناً. فها أنذا عبد بالعقل لشريعة الله وعبد بالجسد لشريعة الخطيئة(روما10/18-20 و 24-25). تكريمنا للعذراء اليوم، أيها الأحباء، يجب أن يتمّ في هذا الإطار. فلا نتوقّف عند المظاهر الخارجيّة، على أهمّيتها، ولا على الأمور العاطفيّة مع ضرورتها لأنّنا بشر، بل نتخطّاها لندخل في عمق السر الخلاصي  ونحاول الإقتداء بمريم فنجعل من حياتنا على هذه الأرض حياة إصغاء دائم إلى كلام الرب والعمل بمقتضاه كي نسمع الرب يقول لكل واحد وواحدة منّا: "طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق