الغربة ـ فريد بو فرنسيس
دشن رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، الصليب الاسمنتي الضخم، الذي تم تثبيته عند مدخل بلدة ايطو في قضاء زغرتا على اوتوستراد زغرتا ـ اهدن، بحضور المطران بولس اميل سعاده، ولفيف من كهنة الابرشية، رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا رئيس بلدية ايطو طوني سليمان، الرئيس السابق لبلدية زغرتا واتحادها العميد جوزيف معراوي، السيد سركيس يمين وعقيلته اللذين تبرعا بتكاليفه، الى فعاليات ومخاتير من البلدة والقضاء، وحشد من ابناء بلدة ايطو والبلدات المجاورة. بعد صلاة قصيرة في موقع الصليب عند الكوع الذي يحمل اسم "كوع الصليب" رش المطران بو جوده المياه المباركة على قاعدة الصليب ومحيطه.
من ثم انتقل الجميع الى كنيسة مار سركيس وباخوس في البلدة حيث اقيم قداس احتفالي تراسه المطران بو جوده بمشاركة المطران بولس اميل سعاده، وخادم الرعية الخوري عزت الطحش، والخوري طوني بو نعمه، وبعدما تلا المطران سعاده الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها :" "إنّ كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أمّا عندنا نحن المخلّصين فهي قوّة الله " بهذه الكلمات يعبّر القديس بولس عن المعنى الحقيقي للصليب بالنسبة لنا نحن المسيحيّين، إذ أنّ المسيح قد غيّر معناه جذرياً وحوّله من رمز وعلامة للذّل والهوان، إلى رمز وعلامة للفخر والإنتصار. كان الصليب يرفع في مكان بارز من المدينة بعد أن يعلّق عليه المجرمون وبصورة خاصة المجرمون الكبار، كي يلعنهم كل مار في الطريق ويتفل في وجههم ويعبّر لهم عن حقده وضغينته وإحتقاره بسبب الجرائم التي أرتكبوها. وكانت العبارة المستعملة لذلك هي ما يقوله الكثيرون: ملعون من علّق على خشبة. المسيح يسوع، مع كونه إبن الله، ومع كونه قد صار إنساناً ليّخلّص الإنسان من براثن الشيطان ويعيده إلى الفردوس، عومل معاملة المجرمين الكبار وعلّق على الصليب. وزيادة في تحميله العذاب المريع أرغم على حمل صليبه وقد وقع تحته ثلاث مرّات نظراً لثقله. وهكذا فإنّه رفع بين لصّين، تأكيداً من أبناء شعبه عن رفضهم له وعن تحمّلهم مسؤوليّة معاقبته هذا العقاب".
اضاف المطران بو جوده :" وكان هو بنفسه قد دعا رسله والتلاميذ إلى الإقتداء به وإلى حمل صليبهم وإتّباعه عندما قال لهم: من أراد أن يتبعني فليُنكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأنّ الذي يريد أن يخلّص حياته يخسرها، ولكن الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها". أمّا بولس الرسول، فإنّه في رسالته الأولى إلى أهل قورنثيه، فيقارن بين حكمة الله وحكمة الناس مركّزاً على التناقض بينهما ويقول: "البشارة بالصليب حماقة عند الذين يسلكون طريق الهلاك، أمّا عندنا نحن الذين يسلكون طريق الخلاص، فهو قوّة الله" . ولمّا كانت حكمة الله أن لا يعرفه العالم بالحكمة، شاء الله أن يخلّص المؤمنين به بحماقة البشارة. فالمسيح هو قدرة الله وحكمة الله، وما يبدو أنّه حماقة من الله هو أحكم من حكمة الناس، وما يبدو أنّه ضعف من الله هو أقوى من قوّة الناس".
وتابع المطران بو جوده عظته يقول:" المسيح لم يسعَ إلى الصليب حبّاً بالصليب، ولا للألم والعذاب حبّاً بالألم والعذاب، فذلك مرض نفسي يسمّيه علماء النفس المازوخيّة. المسيح قَبِلَ بالعذاب والألم كفعل محبّة لا حدود لها منه حيث قال:" ليس من حبّ أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل من يحب" . بموته على الصليب أراد المسيح أن يكفّر عن خطيئة أبوينا الأولين اللذين إستسلما لإغراءات الشيطان ورفضا الله وإعتقدا أنّهما بذلك يحقّقان ذاتهما ويصبحان كآلهة. يومها لم يحكم الرب عليهما بالموت، بل ذكّرهما بأنّهما من التراب أُخذا وإلى التراب يعودان، وقال لهما، بعد أن حكم لهما بالحياة، بأنّ عليهما أن يأكلا خبزهما بعرق جبينهما، وأن يشقيا كي يستحقا الخلاص. وهكذا فإنّ الألم صار بالنسبة للإنسان ألماً خلاصياً وليس ألماً عقابياً. وقد وعدهما بمخلّص يسحق رأس الشيطان المجرّب ويساعدهما للحصول على الخلاص، كي يعودا إلى الملكوت".
وقال :" بهذا المعنى قَبِلَ المسيح الصليب وقَبِل أن يُرفَع عليه، ولكنّه حوّله من علامة للذّل والهوان، إلى علامة للمجد والإنتصار. وصار المؤمنون به يحملونه على صدورهم ويرفعونه في الكنائس وأماكن عبادتهم ويفتخرون به، كما يرفعونه على قمم الجبال والطرقات ساعين بذلك للتذكّر بأنّه هو وسيلة خلاصهم وبأنّ عليهم أن يقبلوا به إذا كانوا يريدون العودة إلى الملكوت. في بداية القرن الرابع، وبعد ثلاثة قرون من الإضطهادات ضد المسيحيّين، وبعد أن إهتدت إلى الدين المسيحي، إستطاعت الإمبراطورة هيلانه أن تؤثّر على إبنها قسطنطين، فوضع حداً للإضطهاد وظهر له الصليب أثناء معركته للوصول إلى روما، وقد كتب حوله: بهذه العلامة تنتصر. فإهتدى هو بدوره إلى المسيحيّة، وإعتمد بعد سنوات من هذا الحدث وعندما إحتّل الفرس أورشليم أخذوا معهم خشبة الصليب إلى بلاد فارس، فأعلن الإمبراطور هرقل الحرب عليهم وإستعاد منهم عود الصليب. فأشعلت النيران على الجبال إبتهاجاً ولإيصال الخبر إلى المؤمنين. وعندما حاول الدخول به إلى أورشليم وهو يرتدي لباس الملك شعر بقوّة تصدّه وتمنعه من الدخول. فقال له البطريرك صفرونيوس أنّ من حمل الصليب قبله كان عرياناً ويتعرّض للجلد. فتخلّى عن ثيابه الملوكيّة وإستطاع الدخول بالصليب إلى المدينة المقدّسة".
وختم بو جوده عظته بالقول:" اليوم يُرفَع الصليب، بمناسبة هذا العيد على هذا الكوع من الطريق المعروف من زمن طويل بكوع الصليب، بمبادرة من السيّد سركيس يميّن وعلى نفقته، تعبيراً منه عن إلتزام إيماني بأنّ الصليب هو علامة خلاصنا، وبأنّ كل هذه الصعوبات والآلام التي نعانيها في لبنان والشرق الأوسط كمسيحيّين هي آلام خلاصيّة وقد دعانا المسيح إذا أردنا أن نكون له تلاميذ إلى حمل هذا الصليب والسير معه. فلا يكون عملنا هذا تحدّياً لأحد، بل وسيلة للتوبة والندامة والتجدّد في حياتنا المسيحيّة فنساهم هكذا في نشر الإيمان حولنا في سنة الإيمان هذه، ونساهم كذلك في التبشير الجديد لعالمنا ومجتمعنا المعاصر الذي أصبح بأمسّ الحاجة لذلك".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق