يوحنا المعمدان/ نسيم عبيد عوض

يخصص شهر كيهك بقراءة الإصحاح الأول من بشارة الإنجيل حسب ماكتبه القديس لوقا البشير على مدار أربعة آحاد ‘ وفى الأحد الأول يقرأ فصل الإنجيل (1-25)‘ وهذا الفصل مخصص للبشارة بولادة يوحنا المعمدان على إعتبار أنه الملاك المرسل من الله ‘ ليتقدم أمام وجه الرب ليعد له طرقه ‘ ويعد له شعبا مستعدا بالتوبة ‘ والتأهيل لإستقبال المسيا المنتظر من شعب بنى إسرائيل.

وقد قدم القديس لوقا هذا الإصحاح بمقدمة فى غاية الإبداع الأدبى ‘ فيقول "اذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة فى الأمور المتيقنة عندنا .كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدأ معاينين وخداما للكلمة .وإلى آخر العدد 4.وإذ كان كثيرون قد حاولوا كتابة أناجيل بدون إرشاد الروح القدس ‘ بعكس البشيرين متى ومرقس ‘ لم يقوموا بالتأليف إنما بعد أن إمتلئوا بالروح القدس وتحت إرشاده ومسوقون به كتبوا لنا بشارتهم (لم يكن القديس يوحنا قد كتب بشارته بعد) ولذلك القديس لوقا يخبرنا بان هذه البشارات هى القانونية.  هؤلاء التلاميذ كانوا معاينين وخداما للكلمة أى شهود عيان ومكرزين بكلمة الله . وهذه الأمور بعد تفحيصها وإستقصائها من أفواه أصحابها ‘ صارت هذه الأمور متيقنة عندنا أى أكيدة .

لقد عرف القديس لوقا وهو أصلا يعمل طبيبا ‘عرف القصة بكل يقين وتأكيد ويثقة الإيمان والعقل الحكيم ‘ وهذا حال المؤمن ‘ فالإيمان القويم هو إيمان يقوم على الفهم الروحى والإدراك والتمييز بين الحق والباطل ‘ وكل هذا الإستعداد ومسوقين بروح الله القدوس تستحق ان يقال عنها كلمة الله القدوس. لأن ماسجله القديس لوقا البشير وبإرشاد الروح القدس قبله خلال التسليم والتقليد المعمول به فى كنيسة الله ‘وهو الوديعة المعاشة فى حياة الكنيسة بالروح القدس ‘ تتسلمها الأجيال خلال التسليم الشفوى أولا ثم الكتابة وخلال العبادة والسلوك تثبت كلمة الله فى داخلنا.

وكلمة معاينين لا تعنى مجرد الرؤية الحسية ‘ ولكن المعاينة الروحية النى يستعلنها الله له ‘ أو الإدراك الروحى الملتحم بالعمل ولذلك قال "خداما للكلمة" ولذلك ومع ان إنجيل يوحنا كتبه القديس الإنجيلى فى نهاية القرن الأول الميلادى ‘ وهناك فرق حوالى 30 عاما بين البشارتين ‘ إلا ان القديس لوقا هنا يتفق مع ماكتبه القديس يوحنا عندما كتب" الذى كان من البدأ . الذى سمعناه .الذى رأيناه بعيوننا. الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة .فان الحياة أظهرت لنا."1يو1: 1و2. وأيضا " والكلمة صار جسدا وحل بيننا .ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا." يو1: 14.

وجه القديس بشارته للعزيز ثاؤفيلس ومعناها (محب الله ) ورغم إختلاف الأراء فى شخصية ثاؤفيلس والتى ذكرها أيضا موجها له سفر أعمال الرسل‘ إلا انه يوجهها لكل محب لله: فإذا كنت محبا لله فهذه البشارة مكتوبة لك‘ وإن كانت مكتوبة لأجلك فأقبلها وديعة واحتفظ بها فى أعماق نفسك ‘ حسب أمر الرب لهم فى مت 28: 20 " وعلموهم ان يحفظوا جميع ما أوصيتكم به."‘ وكقول الرسول لتلميذه تيموثاوس "احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا."2تيمو1: 14 .وكل من هو ثاؤفيلس " المحب لله " يتمتع بالقوة والإيمان الصادق لأن مصدر قوته وقدرته هو كلمة الله.

البشارة لزكريا الكاهن بميلاد يوحنا المعمدان :

كان ظهور رئيس الملائكة غبريال لزكريا بدأ فتح أبواب السماء على الساكنين على الأرض‘وصفحة جديدة يفتحها الله فى علائه للبدء فى تحقيق تدبيراته الإلهية بتحقيق الخلاص للبشرية ‘ وبعد النبوات الكثيرة والمتكررة من موسى الى ملاخى النبى عن الخلاص ‘ إلا ان السماء قد صمتت حوالى 300 سنة بعد نبوة ملاخى النبى وحتى هذه البشارة. ودعونا كمدخل ان نقدم بعض الأسماء المذكورة: - هيرودس المذكور هنا هو هيرودس ملك اليهودية ‘الإبن الثانى لأنتيباس ‘وهو أدومى الأصل (من أحفاد عيسو) أى ليس يهوديا ‘ وهو الذى أمر بقتل أطفال بيت لحم.  – توقفت النبوات كما سلف لتدهور وإنحطاط الحياة الأخلاقية وتركهم عبادة الله وفساد أحوالهم الدينية ‘ وفى جو كله فاسدا إجتماعيا وسياسيا ودينيا ‘إلا انه كان هناك زكريا واليصابات الذين قال عنهم الكتاب " بارين أمام الله"‘ وزكريا اسم معناه الله يذكر‘واليصابات معناه الله يقسم أو يمين الله ‘ ويوحنا المختار اسمه من الله معناه الله حنان أو حنان الله.

كان كلاهما بارين أمام الله ‘ سالكين فى جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم. وقول الكتاب بارين أمام الله له معنى عميق ‘ وخصوصا فى زمن قال عنه بولس الرسول " كما هو مكتوب انه ليس بار ولا واحد. ليس من يفهم .ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد."رو3: 10-12. وأيضا أنهم بارين أمام الله وليس أمام الناس ‘ فليس كل الابرارامام الناس أبرارا امام الله ‘ لأن هناك من يدعوهم الله (لك اسما انك حى وانت ميت ) رؤ3‘ ولكنهم بارين امام الله كقول الرب لصموئيل النبى " لأنه ليس كما ينظر الانسان .لأن الإنسان ينظر الى العينين وأما الرب فانه ينظر الى القلب."

"1صمو16: 7‘ فالمجازاة الحقيقية ان نكون بارين امام الله. وكقول الرسول أيضا " الذى مدحه ليس من الناس بل من الله." رو2: 29‘ وبلا لوم بالفعل والعمل فى جميع وصايا الرب وأحكامه ‘ فالبر الحقيقى الخفى مرتبط بطاعة الوصية وقبول أحكام الله ‘ ولأن زكريا كان كاهنا ‘ فإن بره قائم على عمل المسيح الذبيحى الخلاصى من خلال ممارسته الكهنوت وتقديمة الذبائح الحيوانية الرمز لذبيحة المسيح ‘ وقطعا كان زكريا يقدم عن نفسه ذبيحة عن خطاياه.

فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور:  

النبوة بميلاد يوحنا جائت داخل الهيكل وأمام مذبح البخور ‘ ويسمى بالمذبح الذهبى وهو فى القدس‘ وأمام الحجاب حيث تابوت عهد الله‘ ومذبح البخور هو رمز لشفاعة السيد المسيح الكفارية‘يمينه  مائدة خبز الوجوه ويساره المنارة الذهبية ‘ ولأن ظهورات الله لملائكته تتوقف على ارادة الله ورغبته فى رؤيته ‘ فالله حاضر معنا كل حين (انا معكم كل الأيام والى انقضاء الدهر) وولكننا لا نراهم ‘ ويفسر العلامة أوريجانوس ذلك" ظهر الرب لإبراهيم ولأنبياء آخرين حسب نعمة الله ‘ فنعمة الله هى التى وهبت لإبراهيم رؤيتة ." ‘وظهور ملاك الرب عن يمين مذبح البخور أى بين المذبح الذهبى (الصلاة) ومائدة خبز الوجوه (سر الأفخارستيا ) ‘ تعنى ان من يريد لقاء مع القوات السمائية عليه أن يبسط يده بالصلاة كذبيحة حية مقدسة ‘ وان يدخل الى مائدة الرب يلتقى برب السمائيين ويحمله داخله .

يوحنا المعمدان:

يقول الملاك الواقف أمام عرش الله وجاء ليبشر بميلاد يوحنا يخبر زكريا برسالة سماويه

" لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا "‘ وهو اسم لم يسمى به أحد قبل المعمدان ‘ ولكن الملاك يقدم لنا شخصية يوحنا:

1- أنه سيكون سر فرح لكثيرين "ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته" لقد أرسل الله يوحنا لينادى بالتوبه ومهيئا طريقا للرب فى قلوب الكثيرين فيفرح السمائيين كما يفرح الأرضيون ‘ فغاية الله ان يردنا بالتوبه لفرحنا الأبدى .

2- لأنه يكون عظيما أمام الرب: يوحنا لم يولد بعد بل لم يحبل به بعد ‘ ولكن الملاك يدعوه "عظيما امام الرب" ‘ لأن عظمة يوحنا لن تكون بسبب قدرته الجسديه بل الروحية (روح إيليا ) ‘ صوت صارخ فى البرية صارعا لكل الملذات الجسدية ‘ وسمو روحه وقوتها السمائيه ‘ لقد كان صغيرا فى الأمور العالمية ولكنه عظيما فى الروحيات.

3- ومن بطن أمه يمتلئ بالروح القدس: كنذير للرب لم يكن لملذات العالم  وبهجتها موضعا فى قلبه أو جسده ‘ لأنه خمرا ومسكرا لا يشرب وهذا جانب سلبى أما الجانب الإيجابى فى حياته أنه من بطن أمه يمتلئ بالروح القدس ‘ ومن ينال الروح القدس يبلغ قمة الفضائل ومن يمتلك روح النعمة لا يفتقر لشئ.

4- ويرد كثيرون من بنى إسرائيل الى الرب إلههم: وذلك بتمهيد الطريق أمام الرب بالتوبة لقبول المسيا المخلص الحقيقى ‘ ويقدم شخص ابن الله للمجتمع اليهودى فيقول لهم "هذا هو حمل الله الذى سيرفع خطية العالم" " وأنا قد رأيت وشهدت ان هذا هو ابن الله"

وقال لهم أيضا" ان الذى أرسلنى لأعمد بالماء قال لى الذى ترى الروح نازلا ومستقرا عليه فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس."

5- ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته: وكقول العلامة أوريجانوس " لم يقل نفس إيليا بل قال بروح إيليا وقوته ‘ الروح والقوة الذى سكن فى إيليا سكن فى يوحنا ‘ وهذا هو المعنى المقصود ‘ وقد تشابه مع إيليا فى عيشته فى البرية وفى لبسه وأكله ‘ تشابه مع إيليا الذى كان يصرخ فى وجه آخاب الملك ‘ وهو يصرخ فى وجه هيرودس ويقول له " لا يحل لك زوجة أخاك" شجاعا قويا ‘ لا يهاب قول الحق حتى لو دفع رأسه ثمنا .

هذه رسالة بشارة سمائية مقدمة للوعد الإلهى بالخلاص ‘ وبتجسد الله الكلمة ذبيحة الله للفداء والخلاص لكل البشرية ‘ كانت اليصابات تحمل فى أحشائها الذى وصفه الرب " وأعظم من نبى ‘ وأعظم مواليد النساء" هذا هو يوحنا السابق والصابغ (المعمدان) الذى وصفته النبوة 750 عاما قبل ميلاده أش39: 3و5 " صوت صارخ فى البرية .أعدوا طريق الرب .قوموا فى القفر سبيلا لالهنا. فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر معا لان فم الرب تكلم." ورسالة الله لنا اليوم واضحة ‘ فما ورد فى البشارة بميلاد يوحنا صالح لكل نفس بشرية ترغب فى الحياة الأبدية ‘ التى نطلبها للجميع .آمين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق