"المحسن" حاكم الشارقة "قاده الله حتماً الى هاغاردزين"
و.ص.ف
واقفا الى جانب برج الجرس المرمم حديثاً، يقول الكاهن اريستاكيس ايفازيان ان الامر تطلب تدخلاً إلهياً لإنقاذ دير هاغاردزين (Haghardzin) في ارمينيا الذي يرجع الى القرون الوسطى. غير انه استوجب ايضاً مالاً كثيراً من محسن غير متوقع اطلاقاً: حاكم إمارة الشارقة الغنية بالموارد، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي.
"لا أستطيع أن أتذكر ان امراً مشابهاً حصل في تاريخنا، أن شيخاً عربياً ما، مسلماً، ساعد في تجديد كنيسة مسيحية أرمينية وانقاذها"، يقول الاب ايفازيان بثوبه الاسود الطويل. "من دون شك، الله هو الذي قاد الشيخ الى هاغاردزين".
جاثماً في شكل مذهل وسط غابات جبلية كثيفة على مسافة 100 كيلومتر شمال شرق يريفان، يشكل دير هاغاردزين تحفة فنية من العمارة الكنسية الأرمينية من القرون الوسطى. تأسس في القرن العاشر، ويضم 3 كنائس، وكان يأوي في ما مضى نحو 250 راهباً، وصمد امام هجمات الغزاة العرب والعثمانيين والحملات المعادية للدين تحت الحكم السوفياتي خلال تاريخه المضطرب.
بعد مواجهته كل تلك العواصف، جعلته عقود من الإهمال في الاعوام الأخيرة يتجه نحو الانهيار، في وقت تشابكت النباتات عبر جدران مبانيه وهددتها الشقوق بالسقوط. "كان الدير يحتاج إلى إعادة إعمار جدية. لكن الإصلاحات أُجِّلت دائما بسبب نقص الموارد المالية"، يقول ايفازيان.
كان ذلك حتى الزيارة غير المتوقعة للقاسمي الذي كان الرئيس السابق لارمينيا روبرت كوتشاريان وجه اليه دعوة ليزور البلاد، في رحلة نظمها مجتمع رجال الأعمال الأرمن في الإمارات العربية المتحدة. "العام 2005، زار صاحب السمو الملكي أرمينيا، وعرض بسخاء ترميم المجمع، ضمن جولة في مختلف المناطق الأرمينية"، يفيد فاروج نرغيزيان، وهو رجل أعمال أرميني يعيش في الشارقة، وهو الذي نصح الشيخ.
نرغيزيان رفض الكشف عن المبلغ الذي تبرع به الشيخ لتجديد المكان. لكن وسائل اعلام محلية قالت ان المبلغ ربما وصل الى نحو 1.7 مليون دولار. اليوم، وبعد اعوام من اعمال البناء التي شملت ايضا بناء طريق جديد يصل إلى الدير للمساعدة في زيادة أعداد الزوار، افتتح المجمع الشهر الماضي، ببنيته المجددة. "العمل الخيري يندرج في السياق الطبيعي لصاحب السمو الملكي، كما احترام الأديان الأخرى"، يقول نرغيزيان.
جاثمة في الخليج الفارسي بعد أبو ظبي ودبي، تشكل الشارقة ثالث أكبر الإمارات السبع التي تكوّن دولة الإمارات العربية المتحدة. العام 1972، وصل القاسمي (74 عاماً) الى الحكم، بعد مقتل أخيه، الذي كان الملك آنذاك، في محاولة انقلاب فاشلة، وسعى الى تعزيز الإمارة كمركز سياحي وثقافي في المنطقة. ورغم مجتمع مزدهر من رجال الأعمال الأرمن الذين يفتخرون حالياً بكنيستهم الخاصة في الامارات ذات الـ 900 الف نسمة، كانت هناك روابط قليلة بين يريفان والشارقة.
بالنسبة الى الذين يعملون في الدير، لا تزال المفاجأة التي شكلتها رؤية زعيم عربي يزور الموقع المسيحي المقدس، حية في الذاكرة. "جاء مع حاشية من 10 اشخاص، وتفقد لبعض الوقت كل الكنائس والصلبان الحجرية، قبل أن يطلب الذهاب الى كنيسة السيدة الرئيسية"، يروي أرتاك ساهاكيان الذي يبيع المصلين الزوار الشموع. "عندما خرج، قال إنه يعتقد أن كلمة الله مسموعة بالفعل هنا".
وتعتبر أرمينيا أقدم بلد مسيحي في العالم. وتنتمي كنيستها الرسولية إلى الأرثوذكسية الشرقية القديمة. والكنيسة مؤثرة في شكل كبير في البلاد، وقد وضع ديران لها وكاتدرائيتها الرئيسية على قائمة "الاونيسكو" للتراث العالمي.
بعد تاريخ من الصراع بين أرمينيا وجيرانها المسلمين في تركيا وأذربيجان، يقول أولئك العاملون في الدير انهم يأملون في ان يبيّن الدعم الذي تلقوه من حاكم مسلم أن الديانتين (المسيحية والاسلامية) يمكن ان تتعايشا. "الشيخ رجل متدين جدا. وبرؤيته الدير بحالته السيئة، لم يكن مستغربا أنه شعر بالتأثر"، يقول الاب ايفازيان. "كأنه يقول بلفتته الكريمة تلك ان علينا أن نكون متسامحين مع الديانات الأخرى، اذ اننا في النهاية نعبد جميعا الهاً واحداً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق