العجيبة 4 من عجائب القديسة مريم

العجيبة 4
بعد صعود المسيح الى السموات بخمسة عشر سنة، رجم اليهود أول الشهداء اسطفانوس، وطردوا من أورشليم جميع الرسل الذين يكرزون باسم المسيح، ومن جملتهم تلميذ اسمه مكسيمينوس رافق مريم ومرتا أختيْ أليعازر، ومكسيملا جارتهما، ومريم المجدلية، وكاليصونيوس المولود أعمى وفتح الرب عينيه، فهؤلاء، أوصاهم بطرس الرسول أن لا يبتعدوا عن بعضهم البعض، لأن اليعازر قد هرب الى قبرص خوفاً على حياته من اليهود. وأما أختاه فلبستا في أورشليم مع سيدتنا مريم العذراء الى يوم انتقالها.
بعدها، باعوا كل ما يملكون وأعطوه للمساكين، وأمرهم الرسل أن يهربوا، ولكن اليهود قبضوا عليهم، ووضعوهم في مركب صغير بدون مجاذيف، وتركوا ذلك المركب تحت رحمة الرياح، وكان في المركب جميع الذين ذكرناهم سابقاً، فأخذوا يتضرعون لله كي يهديهم الى المكان الذي يشاء.
وبمعونة الله وصلوا الى مدينة عظيمة في بلاد اسبانيا تدعى مرسيليا، فخرجوا من المركب ومجدوا الله، وذهبوا الى السوق فلم يعطهم أحد صدقة أو أرغفة خبز يقتاتونها، لأن سكان المدينة كانوا من عبدة الاوثان، وكان حاكم المدينة بدون ولد يرثه، فأتته بالحلم امرأة جليلة وقالت له:
ـ ما بالك نائم في الفراش مع زوجتك، وعبيد الله يموتون جوعاً؟ اذهب الى السوق وفتّش عن الغرباء الستة، وأنزلهم على الرحب والسعة في قصرك، وإلا ستموت موتاً رديئاً.
فهب الحاكم من فراشه، وراح يفتّش عنهم الى أن وجدهم وأحسن ضيافتهم، وبينما مريم تتكلّم عن عجائب السيد المسيح الكثيرة، بادرها بالقول:
ـ اذا كان المسيح قادراً على كل شيء، أريد منه ولداً يرثني، وسأحطّم كافة الأصنام في المدينة.
فقالت له:
ـ آمن بالمسيح وسيعطيك كل ما تطلب.
وبعد أيام قليلة، حبلت زوجته، فاعتمد مع سائر سكان مدينته، وأصبح متعبداً ورعاً، وقرر الذهاب الى أورشليم وباقي الاماكن المقدسة.
أما زوجته، فطلبت أن يأخذها معه كي تتبارك هي أيضاً بالتراب الذي سار عليه المسيح. فوافق بعد أن أوكل مريم أخت أليعازر على المدينة، وأعطاها أوامر ملكية بأن تعمل ما تشاء. وأن تهدم كافة بيوت الاصنام، وتبني مكانهم الكنائس.
في أول يوم من ابحارهم أراد الله أن يمتحن ايمان هذا الحاكم، فهبت عواصف هوجاء أجبرتهم على اللجوء أياماً الى أحد الموانىء، وفي الطريق، أدرك الطلق زوجته، فتعبت في ولادتها وتألمت الى أن أنجبت طفلاً ذكراً وماتت دون أن تراه، فحزن الحاكم على زوجته كثيراً، وبدأ الشك في قدرة الله، يتقاذفه، فقرر العودة الى مدينته، بعد أن أمر حراسه أن ينزلوا الى اليابسة ويضعوا جثة زوجته مع طفلها المولود في احدى المغاور. وراح يبكي ويتضرع ويقول:
ـ أيتها القديسة والدة الله أم اليتامى، كما ولدت ابنك الاله في مغارة، أرجوك أن تحفظي هذا الطفل، وأن تردي عنه الأذى، أنت القادرة على كل شيء.
وبدلاً من أن يعود الى مرسيليا، وصل مركبه الى مدينة يافا، ومنها ذهبوا براً الى أورشليم المقدسة. هناك التقى ببطرس الرسول، فأخبره كل ما حدث معه، فمدحه الرسول وقال له:
ـ لا تحزن على زوجتك وابنك، لأن الرب قادر على كل شيء، وتأكد من ان حزنك سينقلب فرحاً بإذنه تعالى.
وبعد مكوثه سنة في الأماكن المقدسة بصحبة الرسول بطرس، قرر العودة الى مدينته، وقلبه مفعم بالايمان، وما أن وصل الى المكان الذي ترك فيه جثمان زوجته مع طفله، حتى دخل المغارة، فهاله ما رأى، إذ وجد ابنه يرضع من صدر امه الميتة، التي لم ينخر الفساد جسدها رغم مرور أكثر من عام على وفاتها، بل بقيت كما تركها، فخر على الارض ساجداً وهو يبكي ويصيح:
ـ أيها الاله القادر على كل شيء، يا من أرضعت ابني من صدر أمه الميتة أشهراً طوالاً كي لا تحرمني طفلاً أنت وهبتني اياه، أرجو أن لا تحرمه من حنان أمه.. أعطها الحياة أيها القدوس المبارك.
وللحال تحركت الجثة، وتنهدت الميتة وهي تتمتم:
ـ مبارك اسمك الكلي الحلاوة، أيتها العذراء مريم، فهو الذي سترني ودبّرني في الولادة، وأعان ابني كل هذه الايام كي نبقى على قيد الحياة.
وكم كان تعجّب زوجها شديداً عندما أخبرته، بأنها كانت معه ومع الرسول بطرس تزور الأماكن المقدسة التي زارها، وراحت تسميها بأسمائها.
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق