ديديموس إنسان أعمى منذ لحظة قدومه الى هذه الدنيا، ولكنه كان متعبداً لله، لا يفوّت قداساً على الاطلاق، ويتلذذ كثيراً بوعظ الكهنة، حتى أصبح ضليعاً بأمور الكنيسة والدين بشكل ملفت للنظر.
صحيح أن الله حرمه من نعمة النظر، ولكنه وهبه نعمة الذكاء الحاد، فأصبح عالماً كبيراً يحفظ الأشياء غيباً، أو كما يقولون عن ظهر قلبه، لذلك كان يخيف الهراطقة الوثنيين عندما يجادلهم.
وذات يوم، لم يتمكن الوثنيون من مجادلته في أمور الدين، وخاصة فيما يتعلّق بالله، والبتول مريم، وابنها يسوع المسيح، فوقفوا بوجهه وصاحوا:
ـ لماذا تنصر إلهاً لم ينصرك؟ لماذا تمجد سيدة عذراء لم تأبه بك؟ ولماذا تقدّس السيد المسيح وقد غض بنظره عنك؟ إذا كانوا حقاً كما تقول فليفتحوا عينيك لترى.
وما أن سمع كلامهم الجارح حتى صاح بهم:
ـ تعالوا بعد ثلاثة أيام، وسأريكم عجائب سيدة العالمين أجمع.. وستفتح عيني لتفتحوا أنتم قلوبكم السوداء وتؤمنوا بالله.
قال هذا، وأسرع الى بيته، وبدأ بتوزيع الصدقات، وبالصوم المتواصل ليلاً ونهاراً، وبالصلاة للعذراء مريم وهو يبكي ويتضرع اليها كي لا تخذله أمام الوثنيين، وتمنحه نور عينيه، ليس ليتمتع بهذه النعمة، بل ليخذل بها أعداء الله.
وفي اليوم المحدد اجتمع داخل احدى الكنائس جمهور كبير من الناس، معظمهم من الوثنيين الذين جاؤوا ليسخروا من ذاك الأعمى المؤمن.
وما أن دخل الأعمى الى الكنيسة حتى خرّ ساجداً أمام أيقونة أم الرحمة، وصاح بأعلى صوته:
ـ ولدت كفيفاً يا سيدتي ولم أتذمّر أو أتأفف، فلقد كنت فرحاً بمحبتك ورضاك عني، فآليت على نفسي أن تصبحي أنت نوري، لأعوض بك عن نور عينيّ، ولكن كما تعلمين، هناك من يريدني أن أشكك بقدرتك السماوية، وبأنك عاجزة عن منحي النور لأرى، فلا تخذليني يا حنونة، يا محبة للبشر، لأنك قادرة على كل شيء.
وفجأة سطع نور قوي في الكنيسة، وسمع صوت يقول:
ـ إفتح عينيك يا بني..
وما أن فتح عينيه حتى راح يبكي ويقول:
ـ أشكرك يا أمي.. يا شفيعتي.. يا قديستي العذراء البتول.
فتعجّب الوثنيون وضربهم الذهول، وراحوا يطلبون المغفرة من الله على خطاياهم، ويترجون الكهنة الموجودين هناك كي يعمّدوهم في الحال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق