الغربة ـ طرابلس ـ
تراس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده قداس منتصف الليل لمناسبة عيد الفصح المجيد في كنيسة مار مارون في طرابلس، عاونه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، والخوري جوزيف فرح. بحضور المقدم عبد الناصر غمراوي ممثلا مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها :" يسرّني أن أتقدّم منكم بأطيب التمنيات بمناسبة هذا العيد المجيد، عيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات وأن أنطلق معكم في تأمّلي بهذه الكلمات من بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنثية التي هي شهادة حياة وفيها تحذير وتنبيه للذين آمنوا وتبعوا المسيح كي لا ينسوه ويعودوا إلى حياتهم الماضية. إنّها شهادة حياة لأنّ بولس الرسول يعطيهم فيها خبرته التي عاشها بنفسه، وهو لا يكتفي بإعطائهم تعاليم إستمدّها من غيره، ولا هي مجرّد نظريات فكريّة وفلسفيّة وإيديولوجيّة كتلك التي يعطيها الفلاسفة والمفكرون وتأتي غالباً عصارة تفكير ونتيجة لتأملاتهم الشخصيّة.
اضاف:" بولس الرسول يتكلّم عن حدث واقعي إختبره هو بنفسه، لأنّه، بعد أن كان عدوّاً لدوداً للمسيح، تزعّم المجموعة التي قتلت أحد المؤمنين به، الشمّاس إستفانوس، رجماً بالحجارة، أخذ أمراً من الرؤساء والمسؤولين بملاحقة المؤمنين بإسم يسوع حتى أقاصي الأرض. وبينما هو في طريقه من أورشليم إلى دمشق، إذ به يفاجأ بنور عظيم أعمى باصريه وبصوتٍ من السماء يقول له: يا شاول لماذا تضطهدني، فسأله شاول من أنت يا سيّد، فأجاب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده... لكن صعبٌ عليك أن ترفس المهماز".
شاول بولس لم يعرف المسيح بالجسد أي أثناء حياته العلنيّة، بل إلتقاه بعد موته وقيامته من بين الأموات. ولذلك فإنّ إيمانه يستند على حدث واقعي. رآه وسمعه وتعرّف عليه بصورة مختلفة وهو يقول أنّ المسيح قد إستولى عليه لكي يجعل منه رسولاً مميّزاً ويرسله بين الأُمم والشعوب ليُبشّر بإسمه، ولذلك لُقّب برسول الأُمم. هذا هو الحدث الذي نحتفل به اليوم، أيها الأحباء، فالمسيح بموته وقيامته أعاد إلينا الحياة التي فقدناها يوم قرّرنا أن نستغني عن الله ونرفضه ونبني حياتنا بدونه. فشوّهنا صورته فينا دون أن نصل إلى مبتغانا كما وعدنا بذلك الشيطان، بل إكتشفنا عرينا ومحدوديتنا وحكمنا على نفسنا بالموت، وذكّرنا بذلك الرب عندما قال لنا أنّنا من التراب أُخذنا وإلى التراب نعود.
يقول النبي حزقيال في الفصل السابع والثلاثين من نبوءته "إنّ روح الرب أخذني ووضعني في وسط السهل وهو ممتلئ عظاماً وأمرّني عليها من حولها، فإذا هي كثيرة جداً على وجه السهل، وإذا بها يابسة جداً. فقال لي: يا إبن الإنسان، أتُرى تحيا هذه العظام؟ فقلتُ: أيها السيّد الرب، أنت تعلم. فقال لي: تنبّأ على هذه العظام، وقل لها: أيتها العظام اليابسة، إسمعي كلمة الرب... فتنبّأتُ كما أُمرت، وإذا بإرتعاش، فتقاربت العظام كل عظم إلى عظمه ونظرت فإذا بالعصب واللحم قد نشأ عليها وبُسط الجلد عليها ولم يكن فيها روح. فقال لي تنبّأ للروح وقل هلم أيها الروح، فتنبّأتُ فدخل فيهم الروح، فعاشوا وقاموا (حزقيال: 37/1-11).
ويقول القديس يوحنا في إنجيله أنّ يسوع، عندما أبلغوه أنّ صديقه لعازر قد مات، قال أنّه رقد، ثمّ قال إنّه مات، ويسرّني ذلك، من أجلكم، كي تؤمنوا. وعندما وصل إلى بيت عنيا، ذهب إلى القبر وصاح بأعلى صوته: يا لعازر، هلمّ فاخرج، فخرج الميت ملفوف الوجه مشدود اليدين والرجلين بالعصائب. فقال لهم يسوع، حلّوه ودعوه يذهب" (يوحنا11).
وإستناداً إلى هذا الحدث قال يسوع ما قاله لمرتا أخت لعازر: أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا. إقامة يسوع للموتى كما حصل مع لعازر ومع إبن أرملة نائين ومع إبنة قائد المئة هي البرهان الساطع على أُلوهيّة يسوع التي ستتجلّى بالواقع عندما سيقوم هو بنفسه من بين الأموات. بقيامة المسيح كان الله يعيد خلقنا من جديد فيجمع عظامنا البالية لنعود إلى الفردوس، إلى حياة لا نهاية لها مع الرب فيصبح بإمكاننا أن نقول: لقد إبتلع النصر الموت، فأين نصرك يا موت وأين شوكتك يا جحيم (1قور: 15/54-55).
إنّ إحتفالنا اليوم بقيامة الرب هو إحتفال بقيامتنا نحن أيضاً، أيها الأحباء، فالله قادر أن يعيد جمع عظامنا البالية ويعيد إليها العصب ويكسوها باللحم والجلد كما حصل مع العظام البالية التي تنبّأ عليها حزقيال. وإنّنا مدعوون للتبشير بهذا الحدث ولدعوة إخوتنا البشر للإيمان بالمسيح سيّد الأحياء، والأموات، كي نذهب مع الرسل، وكما فعلوا، ونعلن للناس هذا الحدث ونقول المسيح قام من بين الأموات، ونحن شهود على ذلك، ولا يمكننا إلاّ أن نقول ما رأينا وما سمعنا، لأنّ هذا هو الحدث وهذه هي الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك.
وقال:" إنّنا نعيش في هذه البلاد، كما تعيش بلاد أخرى كثيرة في هذا العالم وفي عالمنا العربي والشرق أوسطي منذ زمن طويل، مرحلة الموت، تساقط ويتساقط فيها الأموات بالأُلوف وكأنّنا مع المسؤولين عنّا، نبني حضارة الموت لا حضارة الحياة. يسعى كل واحد منا إلى مصالحه الشخصيّة وينسى أنّ الله يدعوه للسعي إلى مصلحة الجميع كي يقود القطيع إلى مرعاه الأمين. لكنّهم جميعاً، على مثال أولئك الرعاة الذين تكلّم عنهم حزقيال: يرعون أنفسهم بدلاً من أن يرعوا الخراف. يأكلون الألبان ويلبسون الصوف ويذبحون السمين لكنّهم لا يرعون الخراف، فصارت مشتّتة من غير راع وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقول، وهي مشتّتة. لذلك ها أنذا أطلب خرافي من أيديهم وأكفّهم عن رعي الخراف، فلا يرعى الرعاة أنفسهم بعد اليوم لأنّي سأنقذ خرافي من أفواههم، فلا تكون لهم مأكلاً (حزقيال 24)".
وختم :"ألا يصحّ في معظم حكّامنا والمسؤولين عنا اليوم، أيها الأحباء، وإنّنا ولو كان كلامنا قاسياً، نتوجّه إليهم بإسم الشعب لندعوهم للعودة إلى ضمائرهم ويفهموا أنّ الشعب إختارهم ليقودوه إلى المرعى الخصيب وليؤمّنوا له مقومات الحياة، لا ليبشّروا بالمظالم وعظائم الأمور. إنّه يريد أن يعيش في النور لا في الظلام مصغياً إلى كلام المسيح الذي يقول أنا نور العالم، من يتبنعي ويسمع كلامي لا يمشي في الظلام. شعبنا يريد الحياة التي وعده بها المسيح، فلا تحكموا عليه أيها المسؤولون بالموت لا الموت السريع ولا الموت البطيء. فالمسيح القائم من بين الأموات يقول إنّه جاء ليُعطينا الحياة وتكون هذه الحياة وافرة. ونحن اذ ندعو في هذه الفترة من السنة وفي هذا العيد المجيد الى ان يعي حكامنا والمسؤولين عنا خطورة الاوضاع في لبنان، نسال الله ان يلهم نوابنا الى التوصل لاختيار رئيس للجمهورية، في الجلسة المقبلة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الاربعاء في الثالث والعشرين من الجاري، سائلين الرب يسوع في ذكرى قيامته المجيدة من بين الاموات، ان تواكبها قيامة للوطن من الصعوبات التي يعاني منها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق