لم أقرأ ولن أقرأ عن نموذجٍ يقاتل الإستعلاء وقهر الإرادة الإنسانية في الدنيا جميعها كنموذج الإمام الحسين، ولا أشك بأنه فخرٌ لكل مسلم عبر التاريخ أن يكون الإمام الحسين عبدا لله قد اعتنق الإسلام دينا.
إن القرآة المنصفة للتاريخ بفهمٍ راق بعيدا عن المغالاة والتصغير أو التحيز دون اعتدال تجعلك على مستوى فهم تناول هذا الحدث التاريخي العظيم فهما يليق به، ويتضح ذلك عندما تعرف أن خيارات عدم خروج الإمام الحسين لمحطته الأخيرة بالدنيا ( كربلاء ) كان متاحا له، وقد كان متاحا له أيضا أن يخرج بجيشٍ جرار لتحقيق فكرته وتلبية لنداءات المسلمين مستبعدا لأهل بيت النبوة مخافة الإطاحة بهم كما حدث بالفعل!، بل الأعظم من ذلك وبعد أن أحاطوا به في كربلاء، رفض أن يتقبل عرض العودة بأهله وأصدقائه سالما مقابل إعلانه بقبول يزيد بن معاوية أميرا للمؤمنين، وهذا العرض الأخير كان يمكن أن يتحايل عليه ويتأهب من بعده للخروج مرة أخرى بجيش يحقق فكرة إحترام المواثيق وحرية المسلمين في اختيار أميرهم، لكنه لم يرض لنفسه أن يكون سياسيا في هذا المشهد التاريخي الكبير يقبل أن يطعن الناس في ذمته أو ينحاز له من ينحاز
باختصار الإمام الحسين اختار ما لا يمكن أن يختاره أحد من الناس.
فقد يضحي الإنسان النبيل من أجل ترسيخ فكرة احترام القيم بماله ونفسه، ولكن أن يقدم من أجل هذه القيم مع نفسه أبناءه جميعا شبابا وأطفالا وإخوانه وجميع أهل بيته رجالا ونساء وصفوة أصدقائه بإرادتهم وطواعية منهم بعد أن عرض عليهم العودة ليلا لأن لا حاجة لقاتيله بهم فهم يريدون شخص الحسين فقط وإذلال إرادته وقبوله يزيدا أميرا للمؤمنين ليس أكثر!.
إن خوف الإمام الحسين على جماعة المسلمين وانحرافهم عن قيم إسلامهم ومبادئه كان أكبر بكثير في منطقه وفهمه من حياته وحياة جميع أبنائه وإخوانه والدنيا وما فيها.
هذا هو الجديد الذي لم يحدث من قبل وجود الإمام الحسين بالدنيا ولم يحدث بعده حتى كتابة هذه الحروف ولن يحدث أبدا، فقد تتفق معه وقد تختلف - ولكنك - لا يمكن في كل حال أن تفعل ما فعله، ولكنني بالمثابرة بحثا وجدت منطقا مقبولا لنموذج التضحية الفريد الذي قدمه الإمام الحسين عندما أقرأ في صحيح البخاري المقولة الشهيرة لسيدنا رسول الله ( ص ): حسين مني وأنا من حسين – هنا فقط – عرفت لماذا قدم الأمام الحسين هذه الملحمة المتفردة في كل شيء، ويمكنك أن تقرأ هذا التلاحم الفكري بينه وبين رسول الله ( ص ) عندما تتابع في السيرة النبوية لابن هشام مقولة النبي ( ص ): ( يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه )، إذا هي عظمة النفس الإنسانية عندما تكون في أعلاها، وهل كان الإمام الحسين إلا بضعا من هذا النبي الخالد خلود الزمن ( ص ).
وأخيرا أقول بأنني شاهدت فيديو يقول فيه إمام الحرم المكي أستاذنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ: أن بيعة يزيد شرعية والحسين غير مصيب باعتباره قد خرج عن هذه البيعة الشرعية في رأيه.
وأنا لست شيئا في علم الشيخ وأُجله وأحترمه، ولكنني أطرح عليه سؤالا إذا ما كان خروج الإمام الحسين غير شرعي، وأنه قد أخطأ خطأً ترتب عليه إزهاق روحه المباركة وأرواح صفوة أصدقائه وأبنائه أطفالا وشبابا وكذلك أهل بيت النبوة ألا يمكننا القول وفقا لهذا الحكم أن الإمام الحسين بكل تأكيد سيبعث متهما بين يدي الله بعمل غير شرعي انبثق عنه جريمة قتل جماعي في مشهدٍ غير مسبوق، وكيف يستقيم هذا فيمن قال رسولنا الكريم عنه وعن أخيه ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) صدق رسولنا الكريم ( ص ).
اللهم ارض عن شهيد الإسلام أمامنا الحسين وابعثنا في حضرته بين أكتاف المبعوث رحمة للعالمين.
m_mohamed_genedy@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق