زغرتا ـ الغربة
ودعت ابرشية طرابلس المارونية، ولفيف كهنة الابرشية، وعائلة الطحش، المونسنيور يوسف الطحش، رئيس دير مار يعقوب كرمسده، في ماتم مهيب، اقيم في كنيسة دير مار يعقوب في كرمسده قضاء زغرتا. تراس صلاة الجنازة رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده بمشاركة المطارنة يوسف بشاره، بولس اميل سعاده، منير خيرالله راعي ابرشية البترون المارونية، ادوار ضاهر راعي ابرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الملكيين، الى لفيف من كهنة الابرشية، ورؤساء اديرة، ورهبان، وراهبات، وعائلة المونسنيور الراحل.
كما حضر المحامي فادي الشامي ممثلا وزير العدل اشرف ريفي، والاستاذ ايلي عبيد ممثلا الوزير السابق جان عبيد، وحشد من ابناء بلدة سير في قضاء الضنية، الى عدد من رؤساء البلديات، والمخاتير، والاخويات المريمية، وابناء قرى وبلدات قضاء زغرتا.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" اتّصل بي غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي هذا الصّباح، معزّياً بالمونسنيور يوسف الطّحش. وطلب إليّ شخصيّاً أن أنقل إلى أشقّائه وشقيقاته وعيالهم، وإلى أبرشيّة طرابلس المارونيّة تعازيه القلبيّة الحارّة.
وعبّر غبطته عن أسفه لفقدان المونسنيور الطحش الذي عرفه شخصيّاً، وقدّر مزاياه، وروحه الكهنوتية، وروح الخدمة التي تميّز بها، والتّواضع الذي تحلّى به. راجياً من الله أن يستقبله في فسيح جنانه، مع الأبرار والصدّيقين.
وقال بو جوده:" صفحة عمرها خمسون سنة من تاريخ دير مار يعقوب في كرمسده تطوى اليوم مع رحيل المونسنيور يوسف عزت الطحش وعودته الى بيت الاب. خمسون سنة بالتمام والكمال تحمل فيها المسؤوليّة في هذا الدير، منذ 1965 ولغاية اليوم. فكان الوكيل الأمين والمعلّم والمرشد والرئيس. وقد تميّز بروحه الطيبّبة وبتواضعه ومحبّته للجميع وبروح الخدمةالصامتة. إنَّه إبن سير الضنيه حيثُ ولد، وابن كفرياشيت حيث إستقرّت عائلته فيما بعد، دون أن تتخلى عن ملكيّة أراضيها في بلدتها الأصليّة التي حافظ اشقاؤه وشقيقاته على أرضهم وإستمرّوا في العمل فيها وإستثمارها".
وتابع بو جوده:" سيم كاهناً سنة 1963 وخدم لمدة سنتين رعيتي الرماية أردة وعشاش، ثم عينه المثلث الرحمات المطران أنطون عبد في كرمسدّه حيث بقي لغاية اليوم في خدمة الدير والإكليريكية في عهد المطران عبد والمطران أنطون جبير والمطران جبرائيل طوبيا والمطران يوحنا فؤاد الحاج الذي طلب له رتبة حبر روماني من البابا القديس يوحنا بولس الثاني تقديراً لخدماته. إهتم طوال هذه الفترة بالأملاك وبالزراعة وفي الوقت عيته بالإشراف على المطبخ حيث كان في خدمة الطلاب الإكليريكيّين والكهنة المقيمين في الدّير، وعلّم اللّغة العربيّة في الإكليريكيّة الكبرى والإكليريكيّة الصّغرى وفي المدرسة التّكميليّة التي أنشأها المثلّث الرّحمة المطران أنطون جبير، كما أنّه بقي في الوقت عينه يخدم رعيّة سيّدة الإنتقال في مراح السفيرة حين يعود سكّانها للسّكن فيها في فترة الصّيف".
تميّز المونسنيور يوسف الطحش بروح العمل الصّامت والدّؤوب في خدمة الدّير وأملاكه. فكان يعرف كلّ حجر من حجاره وكلّ شجرة من أشجاره، ويُجيب على كل سؤال أو تساؤل عن الأعمال والتّرميمات التي كانت تحصل فيه وأشرف مع المونسنيور أنطون دهمان وبتكليف من المثلّث الرّحمة المطران جبرائيل طوبيا على أعمال الإكليريكيّة الكبرى الجديدة، لكنّه وبروح التجرّد التي ميّزته لم يهتمّ بنفسه فبقي ساكناً في الدّير القديم الذي كان بحاجة الى الترميم، ولم تكن الامكانات المادية تسمح بالقيام بها. فكان يخرج من غرفته الى الممر الذي كانت تدخله المياه عندما يهطل المطر والذي كانت نوافذه القديمة قد نزعت ولم تثيت فيه النوافذ الجديدة. هذا ما دفعني شخصيا حالما تسلمت مقاليد ابرشية طرابلس المارونية للاهتمام بالامر حفاظا على صحته اذ تعجبت كيف بقي يعيش حياة " البهدلة " هذه من دون اي تذمر او شكوى. ولقد تميز المونسنيور يوسف كذلك بلسانه الدافىء وبروح المحبة والاحترام للجميع، لم يسمع عنه مرة انه تكلم بالسوء عن احد، بل على العكس تماما فانه كان دائما يبرر بروح المحبة وتصرفات من كانوا يخطئون في اقوالهم واعمالهم. ويحاول مساعدتهم على تخطي هذه التصرفات، مستلهما في ذلك قول القديس يعقوب عن اللسان في رسالته حيث يقول عنه:" انه عضو صغير يفتخر بعظائم الامور، به نبارك ربنا وابانا، ويتحاشى ان يستعمله للضرر بالناس الذين صنعوا على مثال الله".
وتابع بو جوده يقول :" دون ان يتحمل ايه مسؤولية ادارية في الاكليريكية الكبرى، اهتم المونسنيور يوسف بالاكليريكيين بصورة ملفتة، فكان بنظرته الصائبة، يميز بين اولئك الذين يستحقون الوصول الى درجة الكهنوت واولئك الذين من الافضل لهم الا يتابعوا هذه المسيرة، خوفا من ان يكونوا سبب عثرة او شك للمؤمنين، فكان يبدي رايه بصراحة في مجلس الاكليريركية دون ان يشوه سمعة احد منهم، ولذلك احترمه جميع الاكليريكيين الذين اصبحوا كهنة اولئك الذين لم يتابعوا مسيرتهم فبقوا يزورونه ويسترشدون عنده باستمرار الى درجة ان اسمه تماهى مع اسم الاكليريكية واسم دير مار يعقوب، فان قلت يوسف الطحش قلت تلقائيا كرمسده، وان قلت كرمسده قلت تلقائيا يوسف الطحش. اما عن حياته الكهنوتية، فحدث ولا حرج، فقد عاش حياته الكهنوتية المكرسة للرب ولخدمة الاخرين بصورة مميزة، فانه ولو لم يكن راهبا فقد عاش الفضائل الانجيلية على مثال الرهبان "روح التجرد، والفقر الانجيلي، روح الطهارة والعفة، وروح الطاعة والاحترام للسلطة الكنسية. يتناول الطعام ويسهر مع العمال ويتعامل معهم بروح الاخوة المسيحية ويتفهم اوضاعهم الاجتماعية ويسعى قدر المستطاع لمساعدتهم على تنظيم حياتهم ىوترتيب امورهم المادية".
واردف بو جوده قائلا:" في اجتماعات الكهنة الشهرية، واثناء الرياضة السنوية، يبقى الحاضر الدائم لخدمتهم وتلبية حاجاتهم بروحه الطيبة وببسمته الدائمة. لا يجلس للطعام معهم بل يتنقل بين الطاولات ليرى ان كان ينقصهم شيء، وليقوم بخدمتهم دون الاتكال على العمال، فيستطيع بذلك تبادل الحديث ليرى مع كل واحد منهم بصوته الهادىء والرصين. في المونسنيور يوسف يصح المثل الذي اخترنا منه الجملة التي سطرنا بها ورقة النعوة والماخوذة من الانجيل بحسب متى، وهي مثل الوزنات، والتي يقولها الرب للذي تاجر بالوزنات وربح: احسنت ايها الخادم الصالح الامين، لقد كنت امينا في القليل فساقيمك على الكثيرؤ ادخل الى فرح سيدك. لقد اعطاه الله وزنات عديدة فاستثمرها في مختلف المجالات التي عمل فيها: في خدمة الرب. اولا بالكهنوت، في التربية والتعليم، في الخدمة المادية وغيرها، وها هو اليوم يؤدي الحساب مرتاح الضمير فيعود الى البيت الابوي حاملا ثمار اعماله ليقدمها للرب قائلا:" لقد اعطيتني يا رب المكافاة، وسائلا اياك الا تعاقبني عما يكون مر في حياتي من هفوات ونقائص فانك انت الرحوم الحنون".
وختم بو جوده عظته يقول:" ارقد اذن بامان ايها المونسنيور يوسف، عد الى بيتك الابوي مرتاح الضمير، ونحن نرافقك بالصلاة والدعاء ونطلب منك ان تصلي من اجلنا امام الرب. هذه تعزيتنا اليوم وقد فارقتنا بعد عذاب مرير طوال اشهر عدة، كانت بالنسبة لك كالنار التي تنقي التراب ليخرج منه الذهب الرنان. هذه هي التعزية الحقيقية لاشقائك وشقيقتيك وعائلاتهم ولابن شقيقك الخوري عزت الطحش، ولابناء بلدتك الاصلية سير الضنية، وبلدتك بالتبني كفرياشيت، ولابناء رعيتك مراح السفيرة، ولاخوتك الكهنة ولي انا شخصيا، وقد علافتك منذ اكثر من اربعين سنة وتوطدت بيننا علاقات الصداقة والمحبة والاحترام وكلنا واثقون بان الرب قد استقبلك في ملكوته السماوي منذ اللحظة التي فارقت فيها دنيانا الفانية، وقال لك: احسنت ايها الخادم الامين، لقد كنت امينا في القليل، فساقيمك على الكثير، ادخل الى فرح سيدك".
بعد الجناز تقبل المطران بو جوده وكهنة الابرشية وعائلة المونسنيور الطحش، التعازي من الحضور، في صالون الدير في كرمسده زغرتا، وتستمر التعازي طيلة يوم غد السبت من العاشرة صباحا حتى السابعة مساء، على ان تقام يوم الاحد عند التاسعة والنصف صباحا، صلاة عن روح المونسنيور الراحل في كنيسة مار جرجس في بلدة كفرياشيت في قضاء زغرتا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق