اجرى المقابلة يوحنا بيداويد
"التحدي الكبير الموجود في تاريخ الكنيسة هو كيف يتم جعل المؤسسة الكنسية في خدمة هدف الجماعة المؤمنة التي هي الكنيسة الحيّة المتكونة من اعضاء مؤمنين، وليس ان تكون المؤسسة هدف بحد ذاتها."
سيادة المطران اميل نونا هو من مواليد القوش سنة 1967، وفيها أنهى الدراسة الاعدادية، الفرع العلمي، بعدها دخل معهد شمعون الصفا الكهنوتي في بغداد، ورُسم كاهنًا في 11/1/1991.
خدم المطران نونا في خورنة القوش ككاهن مساعد لخوري البلدة الى سنة 1997 ثم استلم مسؤوليتها. في سنة 2000 سافر الى روما – ايطاليا لإكمال دراسته اللاهوتية العليا وحصل على شهادة الدكتوراه في الانتروبولوجية اللاهوتية من جامعة اللاتران الحبرية سنة 2005 بأطروحته الموسومة: (انتروبولوجية العلاقة الزواجية في كتابات مار افرام السرياني).
رسم رئيسًا لأساقفة الموصل في 8/1/2010. وعلى اثر التهجير القسري الذي جرى لأبناء ابرشيته مع بقية المسيحيين انتقل الى عنكاوا ومن هناك راح يقوم بمهام كرئيس للجنية تقديم المساعدات والاهتمام بالمهجرين الى ان تم ترشيحه من قبل سينودس الكنيسة الكلدانية المنعقد بعينكاوة – اربيل من 24-27 حزيران 2014 راعيا لأبرشية مار توما في استراليا ونيوزلندا خلفا لمار جبرائيل كساب الذي تقاعد بسبب بلوغه سن التقاعد. تم تنصيبه من قبل سيادة المطران بشار وردة مطران ابرشية حدياب-أربيل بتكليف من غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو الجزيل الاحترام في 7 اذار 2015 في كنيسة مار توما سدني.
بعض إصدارات المطران نونا:
الكتب المؤلفة:
1. كتاب: افرحوا في الرب – تأملات في السنة الطقسية لكنيسة المشرق الكلدانية – الاشورية، الموصل 2011.
2. كتاب: رتبة درب الصليب، الموصل 2012.
3. كتاب: العائلة والمجتمع، 2013
الكتب المترجمة:
1- تفسير الخدم الكنسية لابراهيم القطري، بغداد 1996.
2- كلمة الله في روايات البشر، اربيل 2007.
3- 100 سؤال في الحب والزواج، اربيل 2009.
وحينما طلبنا منه اجراء هذه المقابلة قبلها مشكورا برحابة الصدر على الرغم من التزاماته الكثيرة.
س1 سيدنا اهلا وسهلا بكم في استراليا كراعي جديد لأبرشية مار توما الرسول للكلدان في استراليا ونيوزلندا خلفا لسيادة المطران جبرائيل كساب الذي تقاعد من الخدمة بسبب العمر بحسب القانون الكنسي. كيف كان انطباعك قبل وصولك؟ وكيف هو الان بعد ان حصلت لك لقاءات واجتماعات بين ابناء الابرشية في سدني وملبورن؟
الجواب
قبل وصولي كان الانطباع العام هو الترقب لمعرفة وضعية الابرشية بشكل صحيح وليس عن طريق الاصغاء، لهذا لم يكن هناك تحديد دقيق لما كنت اشعر به لان من الطبيعي ان نكّون انطباع عن شيء حين نبدء نتعرف عليه او نعيشه. بعد وصولي ارى ان ابناء الابرشية لا زالوا ملتزمين بإيمانهم ومتطلباته وهم بشكل عام محبين لكنيستهم وكل ما تتطلبه تعاليم الكنيسة.
س2 اثناء قداس يوم الخميس المصادف 18 اذار 2015 في كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع، سمعنا من خلال كرازتك، إنك تحمل شعارا تقول فيه:" صورا طاوا لبني علما -اي الرجاء الصالح لبني البشر". لماذا اخترت هذا الشعار الذي هو جزء من انشودة الملائكة حينما بشروا الرعاة بولادة المخلص. وكيف تطبقه في حياتك؟ وما اهميته لأبناء الابرشية لأنهم الحقل الذي ستقضي عمرا مديدا ان شاء الله معهم في تطبيق هذا الشعار؟
الجواب
شعار اسقفيتي من البداية كان حول الرجاء المسيحي، وقد اخترت كبداية مسيرتي في ابرشية مار توما هذا النداء الذي أطلقه الملائكة، كونه يرتكز على الرجاء. في ايماننا الرجاء هو اساسي وجوهري للحياة، لأنه لا يعطي فقط قوة للمستقبل بل يحقق في الحاضر ما نطلبه في المستقبل. لذا الحياة الانسانية اليومية بحاجة ماسّة للرجاء كي تستطيع ان تحقق الفرح والسعادة المرجوة من الله في تفاصيل الحياة اليومية. اعتقد ان ابرشيتنا تحتاج الى رجاء قوي يعطيها زخم وقوة في مواجهة تحديات عالم اليوم ومتغيراته.
س3 من خلال حفلة العشاء يوم الاحد المصادف 22 اذار في اخر لقاء لك مع ابناء رعية ملبورن، قلت كلمة قصيرة ولكن كانت جوهرية وكثيفة على مسامعنا، حينما قلتم ما معنها: "ان الكنيسة يجب ان تستدير وجهها 180 درجة، ان تستدير وجهها الى المؤمنين وتقوي علاقة المحبة والاخوة في الايمان أكثر من العلاقات الادارية الرسمية او البيروقراطية بين الإكليروس والشعب (المؤمنين). وقلت ايضا هذه تعليمات الكنيسة الكاثوليكية في عهد قداسة البابا فرنسيس الجديد". الان هل تستطيع توضح لنا هذه الفكرة أكثر لقرائنا المؤمنين؟ وماذا كنت تقصد بوجود ركنيين في الكنيسة، المؤسسة او الهيكل الإداري والعائلة الواحدة حسب المفهوم الروحي؟
الجواب
الكنيسة هي جماعة الرب يسوع المسيح المؤمنة به والتي تحاول ان تحقق رسالته الخلاصية في العالم في كل مكان وزمان. هذه الجماعة هي نفسها لها هيكيلية مؤسساتية مهمة جدا لديمومة رسالة الجماعة المؤمنة. التحدي الكبير الموجود في تاريخ الكنيسة هو كيف يتم جعل المؤسسة الكنسية في خدمة هدف الجماعة المؤمنة التي هي الكنيسة الحيّة المتكونة من اعضاء مؤمنين، وليس ان تكون المؤسسة هدف بحد ذاتها. في ايماننا المسيحي نحن نؤمن بان رسالة الكنيسة هي جعل الخلاص متاحا للجميع، لذا من المهم ان يكون كل ما عند الكنيسة موجّه لهذا الهدف، وان لا يكون هناك فصل او مسافة كبيرة بين المؤسسة الكنسية والجماعة المؤمنة.
س4 سيدنا هل ممكن نعرف اهم خمسة أولويات لك ستقوم بها في خدمتك لهذه الأبرشية؟
الجواب
لقد تكلمت في خطاب التنصيب عن برنامج عملي الذي سأعمل على تحقيقه في الابرشية، وممكن ان نلخصها في بعض النقاط، وهي التعليم الايماني والانساني بكافة جوانبه، الممارسة الطقسية للإسرار بروحية وايمان عميق، الاهتمام بالعائلة بكافة جوانبها، الاهتمام بالأجيال الناشئة هنا والشباب، تقوية العلاقات داخل جسم الابرشية بين مختلف الشرائح.
س5 ما مدى اهمية الهوية الإنسانية التي تحملها ككلداني؟ وما أهمية اللغة بالنسبة لك؟
الجواب
الهوية للإنسان جوهرية في مسيرته الحياتية، فمن المهم ان يكون لكل شخص هوية يعتز بها وتعطيه خصوصيته التي يُغني بها الحياة والعالم، بشرط ان لا تعمل على الغاء خصوصيات الاخرين بل تساعدهم على ابراز ما لهم كونه سيعطي زخم لهويته الشخصية. انا انسان كلداني، وهذه هي هويتي الانسانية التي تعطيني خصوصية معينة مؤَسَّسة على تاريخ وحضارة وانتماء كنسي معين. هذه الخصوصية يلزم ان اضعها في خدمة الخصوصيات والهويات الاخرى ايضا كي اغتني بها واحاول ان اغني الاخرين بما عندي.
اللغة بالتأكيد هي واحدة من اسس تشكيل الهوية والانتماء القومي لاي جماعة او شعب، ولغتنا هي تصوغ شخصيتنا بكل ابعادها، وايماننا ايضا هو مُصاغ بهذه اللغة الخاصة بنا. من المهم اذن ان نحافظ عليها ونحاول ان نجعلها حيّة عند جميع الاجيال الحالية.
س6 ما الإيجابيات التي لاحظتها من خلال خبرتك القصيرة في رعايا ابرشية ما توما؟ وما هي النواقص التي تحتاج الاهتمام والعمل على إصلاحها؟
الجواب
لا زالت الفترة التي قضيتها قصيرة لعمل تقييم او انطباع دقيق عن الابرشية، لكن أستطيع ان اقول ان الكنز الاساسي في الابرشية هو الجماعة المؤمنة التي لا زالت محافظة بشكل عام على ايمانها وتقاليدها وطريقة عيشها لهذا الايمان. اما ما يحتاج العمل عليه فاعتقد كل شيء، ليس لان كان هناك نقص فقط بل لان العمل لا ينتهي والطموح يلزم ان يكون نحو الاحسن دائما.
س7 انت كنت رئيس أساقفة لأبرشية عريقة وقديمة يعود تاريخها الى أكثر 18 قرنا، وفجأة بين يوم وليلة اجبرتم كلكم الى الهجرة والترحيل القسري. ماذا تستطيع ان تخبرنا عن تلك الأيام العصيبة التي مريتم فيها كراعي وكأبناء رعية؟
الجواب
ممكن ان اقول انها كانت ايام سوداء بكل معنى الكلمة ومن كل الجوانب: من الناحية الانسانية ليس سهلا ترك، وبشكل اجباري، المحيط والبيئة التي ينشأ ويتربى بها الانسان والتي تعطيه طابعه الخاص، لذا كان تأثير الازمة ولا يزال على مؤمنينا كبيرا جدا، بحيث افقدتهم الثقة بالبيئة والبلد والاخرين وأحيانا بالمستقبل. من الناحية الكنسية نحن خسرنا تاريخا ايمانيا طويلا وتراثا معماريا وحضاريا عميقا جدا في التاريخ بحيث لا يعوّض، مثل الكنائس القديمة في الموصل. من ناحية اخرى ليس سهلا ترك كل شيء من مقتنيات واملاك وبيوت وحاجيات ومكتبات. شخصيا خسرت مكتبتي التي كانت موزعة بين الموصل وكرمليس، بينما استطعت ان انقل الجزء الموجود في تلكيف. وهكذا حال بقية المؤمنين الذي خسروا الكثير جدا. لكن في ايماننا هناك الرجاء ونحن متأكدين ان اهم شيء هو الحياة، ونشكر الله انه لم تراق دماء ابنائنا او يتم سبيهم. نطلب من الله ان يعطي القوة للجميع ليكملوا حياتهم بايمان عميق بالحياة المسيحية.
س8 من خلال استماعي الى أحاديثك وجدتك مهتما كثيرا بالثقافة. على الرغم من قصر مدة استلامك مهمة راعي الأبرشية، لا بد ان نسألك، ما هي مشاريعك في هذا المجال؟ ما الذي تنتظر ان تجلبه الثقافة للمؤمنين؟ هل للثقافة أهمية في حياة الانسان فعلا؟
الجواب
الثقافة في ايماننا لها بعدان اساسيان: الثقافة الايمانية، والثقافة العامة. انا ارى ان من الجوهري اليوم ان يكون المؤمن مثقفا ايمانيا بشكل كبير، وخاصة في بلدان الانتشار مثل استراليا ونيوزلندا، لان التحديات التي يواجهها كبيرة جدا ضد كونه مؤمنا. ولهذا سأحاول كل جهدي التركيز على نقل وتوضيح وزيادة الوعي والثقافة الايمانية عند مؤمنينا لأنها سلاحهم الاساسي في حياتهم الحالية. وقد بدأت بمحاضرات اسبوعية عامة للجميع، ونحاول الان تنظيم الامور ليكون هناك شمول لكل الفئات بالتعليم والتعمق الايماني.
من جانب آخر هناك الثقافة العامة التي تخص الجوانب الاخرى في الحياة غير الايمانية. هذا البعد للثقافة هو اساسي ايضا لأنه يعطي دافعا للسؤال والاستفسار عن الايمان ويجعل المؤمن متحركا نحو المطالبة بمعرفة اكثر عن ايمانه استنادا الى ثقافته العامة. سنحاول ان نعطي اهمية كبيرة لكل ما يخص هذا الجانب إن كان بالاهتمام بالمكتبات او النشاطات المسرحية او غيرها من الجوانب الاخرى.
س9 ما هي القاعدة الذهبية في حياتك؟
الجواب
هي القاعدة الذهبية التي قالها الرب يسوع المسيح (اعمل للآخرين ما تريد ان يعمله الاخرين لك).
س10 هل من كلمة أخيرة لإخوتنا في ارض الوطن والمهجر؟
الجواب
مؤمنينا من ابنائنا في الوطن هم اساسنا وسند لوجودنا كمؤمنين مشرقيين في بلدان الانتشار. ايمانهم وقوة رجائهم تعطي لنا كلنا هنا دافعا لنشر رسالة ربنا بحياتنا ونموذجنا الانساني. لذا نحن ممتنين لهم لوجودهم ولايمانهم. سوف نعمل لك جهودنا – بقدر لامكانيات الموجودة هنا - من اجل ان تكون ظروف حياتهم افضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق