زغرتا ـ الغربة
تراس رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، قداسا احتفاليا، لمناسبة وصول ذخائر القديسة رفقا الى دير مار سمعان ايطو، من دير مار يوسف جربتا، ضريح القديسة رفقا في البترون، عاونه فيه الكهنة، طوني بو نعمه، راشد شويري، يوسف جنيد، وجوزيف ايوب، بحضور رئيسة الدير الاخت هيغات مخائيل، وجمهور وراهبات الدير وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" بهذه الكلمات يُعبِّر بولس الرسول عن القيمة الخلاصيّة للألم، الذي تحوّل، مع آلام المسيح وموته من سبب لليأس إلى وسيلة للخلاص. فالكثيرون كانوا يعتقدون ويؤكّدون أنّ الألم والعذاب هو عقاب من الله يفرضه على الذي يخالف إرادته، بينما نرى على العكس ونسمع المسيح يقول لنا أنّ الله لا يريد موت الخاطئ بل توبته وعودته إليه ليحيا. إذ ليس الله من يفرض العذاب والألم على الإنسان، بل هو الإنسان من يفرض ذلك على نفسه، عندما يعتقد أنّ بإمكانه تحقيق ذاته ومبتغاه بالإبتعاد عن الله ورفضه، لكنّه لا يلبث أن يكتشف عريه ومحدوديّته، ويبتعد عن الله ويختبئ من وجهه خوفاً منه، على ما يقول سفر التكوين، بعد خطيئة أبوينا الأولين".
اضاف بو جوده:" العذاب والألم هما نتيجة موقف الإنسان الرافض لله، الذي هو بنفسه يحكم على نفسه لكنّ الله الذي بفعل محبّة خلقه، بفعل محبّة كذلك يريد أن يخلِّصه، وهذا ما يقوله يسوع بذاته لنيقوديموس في حواره معه: هكذا أحبّ الله العالم حتى أنّه بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة، ثم يعود فيؤكّد على ذلك فيما بعد عندما يقول بأنّ الحب الحقيقي يُبنى على التضحية حتى بالذات، إذ ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل من يحب".
وتابع بو جوده يقول:" القديسة رفقا التي نحتفل اليوم بذكراها، قبلت الألم والعذاب بهذا المعنى إذ كانت آلامها آلاماً خلاصيّة، لم تسعَ إليها حباً بها، بل مشاركةً منها في آلام المسيح. والآلام التي عانت منها رفقا لم تكن فقط آلاماً جسديّة، بل كانت قبل ذلك أيضاً آلاماً نفسيّة وعائليّة وإجتماعيّة، ولربما تكون هذه الآلام مرّات كثيرة أشدّ إيلاماً من الآلام الجسديّة. ومن أهمّها موت والدتها وهي في السابعة من عمرها، وإضطرارها للعمل كخادمة في إحدى العائلات في دمشق مدّة أربع سنوات، ثمّ زواج والدها من إمرأة ثانية والخلاف بين خالتها، أُخت أُمها، التي كانت تريد تزويجها بإبنها، وزوجة والدها التي كانت تريد تزويجها بأخيها، وسماعها للمشادة التي حصلت بين الإثنتين وهي عائدة من العين إلى البيت، حاملة جرّة الماء، وإستياءها من ذلك وحزنها".
وختم بو جوده عظته:" إنّ الآلام التي عانتها رفقا في حياتها الشخصيّة شبيهة بالآلام التي نعاني منها جميعاً في هذه البلاد منذ سنوات طويلة. لقد أُصبنا بالعمى الإجتماعي والأخلاقي في لبنان فأصبحنا وأصبح المسؤولون عنّا لا يرون إلاّ مصالحهم الشخصيّة. كما تفكّكت روابط الوطن الذي أصبح المسؤولون فيه يتناتشونه كلّ من مصلحته، ففكّكوه وفكّكوا أوصاله وما زالوا على موقفهم ثابتون لا يعرفون أن يتنازلوا ولو قليلاً عن أنانيّتهم كي يصحّحوا أوضاع البلاد. فلنطلب من الرب اليوم نعمة الثبات في الإيمان والقبول بما يرسله لنا من صعوبات في حياتنا قد تُسبّب لنا الإزعاج مرّات كثيرة، ولكنّها بالتأكيد توصلنا إلى الخلاص إذا ما قبلنا بها وقلنا مع أيوب البار الرب هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ، فليكن إسمه مباركاً... وإنّنا كما نقبل منه الخير نقبل منه كذلك الألم والعذاب، كي نستحقّ الخلاص والعيش معه في السماء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق