لو تابعنا قراءات الأحد السابع من الخمسين المقدسة ‘ فسنجدها تحتفل مع شعب الله بعيد حلول الروح القدس على التلاميذ فى علية صهيون والمسمى :عيد العنصرة " كما أسماه القديس يوحنا ذهبى الفم ‘ وهو آخر الأعياد السيدية السبعة فى كنيستنا المقدسة‘ على النحو التالى:
1- فى إنجيل عشية من يو (27:7) : " وفى اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلا ‘إن عطش أحد فليقبل الي ويشرب . من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنين به مزمعين أن يقبلوه.لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد. لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد."..والرب هنا يعرفنا بأن روح الله القدوس هو ينبوع الحياة الذى يمتلئ به كل من آمن بإبن الله ‘ والذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله بقبول الروح القدس فيهم."أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم."1كو3: 16.
2- فى إنجيل باكر يو(14: 26): ومن فم الرب الكريم" وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب بإسمى فهو يعلمكم كل شيئ ويذكركم بكل ماقلته لكم." ويعرفنا الرب هنا ان الروح القدس 1- هو المعزى ..فهو الله الذى يعمل فينا فى وسط الضيقة والتجربة والألم ..كقول الرب على فم أشعياء النبى" كطفل تعزيه أمه أعزيكم أنا."‘2- يعلمنا كل شيئ . 3- يذكرنا بتعاليم ووصايا الرب ‘ فهو الفاعل فى الأسرار المقدسة. 4- يبكت العالم على خطية وعلى بر ناقص . 5- مانح المواهب فى الكنيسة.
3- ومن إنجيل القداس (يو 15: 26‘ 16: 8‘13) يعلمنا الرب يسوع:" ومتى جاء المعزى الذى سأرسله انا اليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى . " ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة..." وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق‘ لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل مايسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية." وأيضا "ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِى كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. يو16: 14و15.
والمعنى هنا واضح أن أقنوم الروح القدس منبثق من الآب أى خارج منه ‘ وهو له تميز عن باقى الأقانيم أنه منبثق من الأب كما أن إقنوم الإبن مولود من الأب ‘ فالله الآب هو الأصل والجوهر واقنوم الإبن وأقنوم والروح القدس واحد مع الآب فى الجوهر‘ ولكن لكل أقنوم تميز ‘ ولذك كنيستنا تؤمن بان الروح القدس منبثق من الآب لأنه الأصل ‘ وليس منبثق من الإبن لأنه كلمة الله المولود من الآب قبل كل الدهور ‘ كما ان الروح القدس منبثق من الآب قبل كل الدهور. ‘وهذا حقيقة إيماننا المستقيم." نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحي المنبثق من الآب نسجد له ونمجده مع الآب والإبن."
4- من قراءة الكاثيليكون 1يو(2: 27)" وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد‘ بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيئ .وهى حق وليست كذبا.كما علمتكم تثبتون فيه." وهذا ما فسره لنا معلمنا القديس بولس الرسول ‘ ان من بركات الله الروحية السماوية لنا بعدإعتمدنا بإسم الآب والإبن والروح القدس ‘ يقول" إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس‘ الذى هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده." أفس 1: 13 و 14 ‘ وهو ختم يميز أولاد الله عن باقى البشر ‘ وثابت فينا ولا أحد يستطيع أن ينزعه منكم‘وهو الى يعيدنا الى الفردوس ‘ ويعطينا التميز لنصلى الى الله الآب ونقول آبانا الذى فى السموات أى يعيدنا الى البنوة لله ‘ وهو الذى يمنحنا الإستحقاق للصعود الى السماء ‘ وهو الذى يشركنا فى نعمة السيد المسيح ‘ وهو الذى يجعلنا مستحقين أن نسمى أبناء النور ونور العالم‘ وملح الأرض.
5- الروح القدس هو يهوه ‘الله ‘ السيد ‘ الملك رب الجنود كما قالت النبوة فى أشعياء الإصحاح 6 ‘ وقال عنه القديس بولس الرسول ، الذى تكلم هو الروح القدس " أنه حسنا كلم الروح القدس آباءنا بإشعياء النبى ."أع28: 25‘ وقال الكتاب عن الروح القدس أنه الله كقول القديس بطرس الرسول لحنانيا" لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس ‘ ثم عاد وقال له" أنت لم تكذب على الناس بل على الله." أع 5: 4‘ وأيضا قال عنه الكتاب أنه الرب كقول الكتا ب " واما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية. ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة نتغير الى تلك الصورة عينها من مجد الى مجد كما من الرب الروح."2كو3: 17و 18 ‘ وأيضا " ومن رسالة معلمنا بولس الرسول الى كورنثوس الاولى (12: 3) " وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب الا بالروح القدس."
6- وسفر يوئيل النبى هو السفر الوحيد فى العهد القديم الذى تنبأ بحلول الروح القدس فى العهد الجديد (يوئيل 2: 28)كما قال القديس بطرس الرسول يوم الخمسين" 14 فوقف بطرس مع الأحد عشر ورفع صوته وقال لهم: أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون، ليكن هذا معلوما عندكم وأصغوا إلى كلامي
15 لأن هؤلاء ليسوا سكارى كما أنتم تظنون، لأنها الساعة الثالثة من النهار
16 بل هذا ما قيل بيوئيل النبي
17 يقول الله: ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما
18 وعلى عبيدي أيضا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون."أع 2‘ والعجيب أنه فى ذلك اليوم بينما كان اليهود يحتفلون بعيد الخمسين وهو أيضا عيد الحصاد ‘ وبينما كانوا يقرأون سفر حزقيال النبى كعادتهم فى ذلك اليوم ‘ وبينما كانوا يقرأون" فنظرت واذا بريح عاصفة جاءت من الشمال. سحابة عظيمة ونار متواصلة وحولها لمعان ومن وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار."حز1: 4‘ وإذ هم يشهدون من على بعد الى علية صهيون ‘ كقول الكتاب " . وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم .وامتلأ الجميع من الروح القدس " أع2: 2و3
هذا هو الروح القدس الذى نحتفل بعيد حلوله اليوم فى كنيستنا القبطية ‘ وإذا كان ميلاد الرب هو بداية خلاص البشرية أيضا بميلادنا الثانى من الماء والروح نولد من فوق ونصير خليقة جديدة وطبيعة جديدة على صورة الله ومثالة فى القداسة وروح الحق‘ وهاهو يوم الخمسين ويمتلآ الجميع من الروح القدس فيبدأ ميلاد كنيسة الله على الأرض برعاية الروح القدس وإرشاده.
وهذا هو إيماننا المسيحى بالروح القدس( واحد هو الروح القدس المعزى الواحد باقنومه .منبثق من الآب يطهر كل البرية .يعلمنا أن نسجد للثالوث القدوس بلاهوت واحد وطبيعة.
وأيضا فى قانون الإيمان المسيحى ( نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحي المنبثق من الآب .نسجد له ونمجده مع الآب والابن.الناطق فى الأنبياء .) وهذ يوم عظيم وعيد عظيم فى كنيستنا هو عيد حلول الروح القدس ‘الأقنوم الثالث فى الثالوث القدوس ‘ وتأملنا اليوم يأخذ بعدا عميقا لنعرف بداية وعود وإنجاز إلهنا الواحد وعمله الخلاصى بنعمته فينا:
1- الوعد بإرسال الروح القدس : وكانت البداية فى مياه نهر الأردن عندما تقدم الرب يسوع ليوحنا المعمدان ليعتمد منه ‘ ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تأتى الي. فاجاب يسوع وقال له اسمح الآن.لانه يليق بنا ان نكمل كل بر . حينئذ سمح له . فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء.واذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه. وصوت من السماء قائلا هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت . الرب يسوع لم يكن محتاجا أن يمتلآ من الروح القدس ولكنه كما قال ليوحنا المعمدان لنكمل كل بر ‘ من أجلنا حتى يكون بدأ وعده بالميلاد الثانى من الروح القدس ونمسح به ليعيدنا الى طبيعتنا الأولى قبل السقوط ويقود حياتنا على الأرض‘ وهاهو اليوم رسل المسيح يمتلأون من الروح ليرسلوا للبشرية ويعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس. ولذلك قبل ان يرتفع الرب عن تلاميذه ويصعد الى السموات قال لهم" ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهودا فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض."
2- تحقيق الوعد: ولما حضر يوم الخمسين أرسل الروح القدس وأمتلأ الجميع منه‘الذى هو فجر تأسيس الكنيسة ‘ وبداية الميلاد الجديد للبشرية بالروح القدس ‘ وهو العامل فى كل أسرار الكنيسة ‘ وهو الذى الذى يسكن فينا ‘ وهو الذى يبكت العالم غير المؤمن على خطية لأنهم لا يؤمنون به ‘وأيضا على بر لأنهم لا يرجعون ويتوبون عن خطاياهم قبل أن يغلق الباب. وعلى دينونة لأن رئيس هذا العالم إبليس وملائكته قد أدينوا وأصبح لا سلطان لهم على أولاد الله .
والروح القدس فى يوم الخمسين أخذ مظهرين :
1- ريح عاصفة: والريح لاهوتيا فى اللغة العبرية هى نفسها كلمة الروح ‘ ولذلك يقول الرب لنيقيديموس "الحق الحق أقول لك ان كان أحدا لا يولد من الماء والروح لن يدخل ملكوت السموات.ويقول أيضا مفسرا له. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتى ولا أين تذهب .هكذا كل من ولد من الروح."يو3: 8‘ ولذلك نرى الرب يكلم أيوب من العاصفة(أي38: 1)وإيليا النبى العظيم يروى لنا" واذا الرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب ." 1مل19: 11‘ وناحوم النبى أيضا يقرر" الرب فى الزوبعة وفى العاصفة طريقة." نا 1: 3
2- النار لاهوتيا: معلمنا بولس الرسول يعلمنا أن " إلهنا نار آكلة" عب12: 29‘ وكان حضور الله كنار يقود بنى إسرائيل فى الليل ‘ والنار المشتعلة فى العليقة هى حضور الله وتعبير عن طبيعة الله‘ وأيضا "ولما إنتهى سليمان من الصلاة فى تدشين الهيكل نزلت النار من السما واكلت المحرقة والذبائح وملأ مجد الرب البيت"2أي7: 1‘ ونار يوم الخمسين لم تحرق التلاميذ ‘ لأن خطاياهم قد حملها الرب فى جسده على الصليب ‘ فكانت نار يوم الخمسين للإستنارة والتطهير ‘ وهذا هو مفعول الروح القدس داخلنا ‘ وألسنة النار تشير الى معرفة الحق والنطق به‘ كما جاء قول الرب " متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق ."يو16: 13.
ورأينا الروح القدس يقود العمل الكرازى ويتكلم مع التلاميذ مباشرة‘ وهكذا ورد فى سفر أعمال الرسل " وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما اليه. فصاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى ثم اطلقوهما. فهذا اذ أرسلا من الروح القدس انحدرا الى سلوكية..."أع13: 2و3
الروح القدس له تأثير كبير فى النفس البشرية المؤمنة: فقد إستقر الآباء القديسين على أن النفس إذا كان لها إقامة فى شركة الروح القدس‘ فان بطول اقامتها فى نار الروح القدس يحصنها ضد أى أرواح شريرة‘ لأنها تحترق بنار الروح الإلهى. والنعمة التى وهبها الله لنا هى "وهوذا ملكوت الله داخلكم ‘ ومسحة ونعمة الروح القدس الساكن فينا له بركات كثيرة وبدونه : أ – لا يمكن ان تقام صلاة مقبوله أمام الله.
ب- بدونه يستحيل أن تهدأ الأفكار الشريرة والطائشة وتحاربنا خصوصا عن الصلاة.
ج- بدون شركة الروح القدس يستحيل الجهاد الروحى وبالصوم والصلاة فهو يعيننا على العبادة الطاهرة النقية.
د- يساعدنا ويعزينا ويجعلنا نتحمل الضيقات والآلام و المظالم العالمية.
ولذلك لنتعلم من معلمنا بولس الرسول الذى يرشدنا كيف نلهب نار الروح داخلنا فيقول لنا ليعلمنا واجبنا نحو الروح القدس داخلنا: 1- "لا تطفئوا الروح." 1تس5: 19 بإنغماسنا فى شهوات الجسد والمعيشة وملاهى العالم. 2 - لا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم ليوم الفداء" أفس 4: 30. الخطية هى التى تحزن الروح . 3- لا تقاوموا الروح أع7: 51. " إذا سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم." عب3: 7. لا تعاندوا الروح. 4- لا تجدفوا على الروح القدس بعدم التوبة وعدم الإيمان بعمل روح الله فى توبتنا وتطهيرنا لأنها خطية لا تغفر فى هذا الدهر ولا الدهر الآتى. لأنه هو روح التوبة ‘ ورفض عمل الروح القدس حتى الموت بعدم التوبة هو التجديف على الروح القدس.
كيف نمتلئ بالروح القدس
1- بالصلاة الدائمة لطلب روح الله القدس ليعمل داخلنا لأنه قال" يعطى الروح للذين يسألونه." ونصلى كما فى صلاة الساعة الثالثة" روحك القدوس لا تنزعه منى. ايها الملك السمائى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان والمالئ الكل ‘كنز الصالحات ومعطى الحياة‘ هلم تفضل وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا."
2- حياة التوبة الصادقة.
3- تواضع القلب .. كقول الرب للسامرية" الله روح . والذين يسجدون له فبالروح والحق سنبغى أن يسجدوا."يو4: 24 ‘ ونحن اليوم نصلى صلاة السجدة ‘ ولأن القلب المنكسر والمتواضع لا يرزله الله
4- حياتنا الروحية تشملها عناية الروح القدس وتنميها بتمتعنا بوسائط النعمة التى نجاهد فيها مثل أسرار الكنيسة ‘ كلمة الله ‘ التناول من جسد الرب ودمه ‘ الإيمان العامل بالمحبة..الخ
روح الله القدوس النارية داخلنا هو جوهر الحياة الروحية ومصدر القوة الوحيد الدافع للنفس وتربطها بالسماء وسط متاعب هذا العالم ومحاربات العدو. فلنصلى لإلهنا( روحك القدوس يارب الذى أرسلته على تلاميذك القديسين ورسلك المكرمين فى الساعة الثالثة ‘ هذا لا تنزعة منا . أيها الصالح . لكن جدده فى أحشائنا) .أمين.