الغربة ـ طرابلس
لمناسبة اعلان قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس سنة 2016 سنة الرحمة الالهية، اقيم قداس احتفالي في كنيسة سيدة النجاة في الميناء في طرابلس، تراسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، بمشاركة متروبوليت طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران إدوار ضاهر، الرئيس العام للرهبانية الانطونية المارونية الاباتي داوود رعيدي، الارشمندريت يوحنا البطيش ممثلا متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الارثوذكس المطران افرام كرياكوس، رئيس دير سيدة النجاة الاب شكري الخوري، ولفيف من الكهنة، والرهبان والراهبات، وحشد من المؤمنين.
في بداية القداس القى الرئيس العام للرهبانية الانطونية المارونية الاباتي داوود رعيدي كلمة قال فيها:" يدعونا قداسة البابا فرنسيس للتامل في معطيات الوحي،وفي تعاليم الاديان السماوية، لكي لا تبقى التعالم حبرا على ورق، بل لكي نترجم الوحي الى اعمال نتبناها ف حياتنا اليومية، ولكي نغلب لغة الله الحقة، اي لغة الرحمة، على كل التفاسير البشرية، التي تناطح لتجعل من النص المقدس اداة في يدها تطوع فيه الاخرين، في حين جاء الوحي ليطوع قلب الانسان المتحجر فيجعله قلبا من لحم ودم، وقلبا على مثال قلب الله، يفيض رحمة على الخليقة والكون".
اضاف رعيدي:" في هذه السنة يدعونا البابا الى ان نفتح بابا للرحمة، بابا نعبر فيه ومن خلاله الى المراعي الالهية الخصيبة، بابا نعبره في رحلة حج نحو الانسان ونحو الله، فتتحول حياتنا من استهلاك يومي نتكالب فيه على الماديات، الى سعي روحي نحمل فيه كل اخ لنا في الانسانية ليقوم بمسيرة الحج المقدس الى بيت الله".
وختم رعيدي كلمته:" لا اعتقد انني بحاجة لاقنعكم، ونحن في جو شرق اوسطي محقون بالحقد والدماء، والتشفي، والتخوين، والدفاع عن الله، لنعرف اهمية الصلاة والدخول في علاقة مع الله والاخر على اسس الرحمة. لا يمكننا ان نترك رجالا مسعورة تكشر عن انياب الظلم والموت، لتحجب رحمة الله الابدية. نحن مدعوون لان نفتح في ظلمة هذا العالم بابا يدخل منه نور الله الى عقول وقلوب كل انسان، ويجبل قلوبنا بالرحمة لنعيش الاخوة الشاملة والحضور المحب لبعضنا البعض".
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" أن يختار قداسة البابا يوم عيد الحبل بلا دنس بالعذراء مريم بإعتبارها البريئة من الخطيئة الأصليّة، لإفتتاح سنة الرحمة الإلهيّة فلذلك بُعد روحي ولآهوتي عميق نظراً للدور الذي لعبته مريم العذراء، وما زالت تلعبه في التدبير الخلاصي، والذي يدعو الكنيسة لتكريمها بهذه الصورة المميّزة. فالعذراء مريم هي المرأة التي تكلّم عنها الله في سفر التكوين بعد الموقف الرافض له من قِبَل أبوينا الأوّلين، آدم وحواء، اللذين، مع أنّ الله خلقهما على صورته ومثاله ونفخ فيهما روحه، قد رفضاه وإستسلما لإغراءات الشيطان المجرّب الذي أقنعهما بأنّهما، إذا أكلا من ثمرة معرفة الخير والشّر، صارا إلهين ولم يعد لله أي سلطة عليهما”.
اضاف بو جوده:" في الواقع، فإنّ الذي حصل على أثر هذا الموقف الرافض، كان عكس ذلك تماماً، إذ أنّ نتيجته كانت، حسب ما ورد في سفر التكوين، أنّهما إكتشفا عريهما ومحدوديّتهما، وسمعا الله يُذكّرهما بأنّهما من التراب أُخذا وإلى التراب يعودان (راجع الفصل الثالث من سفر التكوين عدد14 إلى 23). برفض الإنسان لله قد حكم على نفسه بالموت، وليس الله من حكم عليه بذلك. الله حكم له بالحياة فهو الغني بالرحمة قد حكم للإنسان بالحياة ووعده بمخلّص يكون مولوداً من إمرأة، وهذا ما حصل في ملء الزمن، كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية. حكم الله للإنسان بالحياة، وحكم على الحيّة الشيطان بالموت حين قال لها: أجعل عداوة بينك وبين المرأة، بين نسلك ونسها، أنتِ ترصدين عقبها أمّا هي فتسحق رأسك(تك3/14-15).
وقال:" المرأة التي ستلد هذا المخلّص الموعود هي العذراء مريم التي على عكس حواء أعلنت عندما بشّرها الملاك بأنّها خادمة للرب، وهي التي ستعوّض عن موقف المرأة الأولى، ولذلك لقّبها آباء الكنيسة بحواء الثانية. وهكذا، وكما خلق حواء الأولى نقيّة طاهرة لا عيب فيها ولا دنس لأنّها صورة الله، فرفضت ذلك وحكمت على نفسها بالموت، فإنّه خلق مريم كذلك بريئة من الخطيئة الأصليّة لتكون عندها الحريّة المطلقة لعمل إرادة الرب. وهذا ما سيقوله عنها إبنها فيما بعد عندما طوّبته إحدى النساء قالت له: طوبى للبطن الذي حملك وللثديّين اللذين أرضعاك، فيجيبها قائلاً: بل الطوبى لمن يسمع كلام الله ويعمل به.
وتابع :" أن العيد الذي نحتفل به اليوم، عيد الحبل بمريم بدون دنس هو أوّل تجلّ لمحبة الله التي لا حدود لها. الله الذي لم يعاقب الإنسان على فعلته، بل بادله موقفه الرافض له بموقف المحبّة والمسامحة والرحمة، لأنّه لا يريد موت الخاطئ بل توبته وعودته إليه. وهذا ما يقوله يسوع في حديثه مع نيقوديموس: هكذا أحبّ الله العالم حتى أنّه جاد بإبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة. فإنّ الله لم يرسل إبنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليُخلّص به العالم(يو3/16-17). وهذا ما يقوله أيضاً في الفصل الخامس عشر من إنجيل يوحنا داعياً تلاميذه لعيش المحبّة بين بعضهم البعض، إذ ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل أحبّائه(يو15/13).
واردف قائلا:" إذا كان قداسة البابا فرنسيس قد إختار عيد الحبل بلا دنس لإطلاق سنة الرحمة فلأنّه يَعتَبر عن حق أنّ هذا العيد الليتورجي يشير إلى أسلوب عمله من فجر التاريخ. فإنّه بعد خطيئة آدم وحواء، لم يشأ أن يترك البشريّة وحدها تحت رحمة الشّر. ولذلك فكّر وأراد أن تصبح مريم القدّيسة، التي هي بلا عيب في المحبة، أُمّاً لفادي الإنسان. فإزاء خطورة الخطيئة يشير الله بملء المغفرة. فالرحمة ستكون على الدوام أكبر من أي خطيئة ولن يمكن لأحد أن يضع حدّاً لمحبّة الله التي تغفر. وتأكيداً منه على دور مريم كأُم ليسوع في فعل المحبة والمغفرة والرحمة، قرّر قداسته أن يفتح الباب المقدّس الذي سيكون باباً للرحمة يتمكّن كل من يدخل من خلاله من إختبار محبّة الله الذي يُعزّي ويغفر ويعطي الرجاء. بهذه الروح نحن مدعوّون اليوم للإحتفال بعيد الحبل بمريم بلا دنس، وللإقتداء بها في تواضعها وروح المحبّة التي ميّزتها والتي دفعتها للذهاب إلى أليصابات لتضع نفسها في خدمتها، ولكي تُعبّر عن إلتزامها الروحي والإجتماعي وعن شكرها لله وإعترافها بالجميل له لأنّه نظر إلى تواضعها قد صنع إليها أموراً عظيمة لأنّ رحمته هي من جيل إلى جيل للذين يتّقونه وهو ذاكر رحمته من جيل إلى جيل لإبرهيم ونسله إلى الأبد.
وختم بوجوده:" فليرافقنا نظر مريم العطوف في هذه السنة المقدّسة كي نتمكّن جميعاً من إعادة إكتشاف فرح حنان الله. فما من أحد كريم قد عرف عمق سر الله الذي صار إنساناً، فإنّ كل شيء في حياتها قد طبع بحضور الرحمة التي صارت بشراً. وإذ إختيرت لتكون أُماً لإبن الله المتجسّد فقد حضّرتها محبّة الآب منذ الأزل كي تكون تابوت العهد بين الله والبشر. فلقد حفظت في قلبها الرحمة الإلهيّة بتناغم كامل مع إبنها يسوع. وأنّ نشيد التسبيح عند عتبة بيت أليصابات قد كرّس للرحمة التي تمتدّ من جيل إلى جيل. ونحن أيضاً حاضرون في تلك الكلمات النبويّة للعذراء مريم، وسيكون عزاء وعضداً فيما نَعبُر الباب المقدّس لإختبار ثمار الرحمة الإلهيّة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق