الأسباب الداعية إلى إنزال الكلام منزلة المقدس ترجع إلى الحجج التي تثار من قبل أصحاب الشأن الذين وجدوا أنفسهم في المكانة الرفيعة دون وجه شرعي أو استحقاق فعلي لما هم فيه من خصوصيات بعيدة عن الأحكام المشرعة من الحق سبحانه أو القانون الوضعي، ولذلك فقد تظهر النتائج أو العوامل المساعدة لاستمرار هؤلاء في نهجهم على غير المألوف، ومن هنا فقد تصاب المجتمعات بالغفلة تلو الأخرى إذا ما قيست تلك النتائج إلى ما يملى على ضعاف الناس من قوانين حافظة لحقوقهم، وأنت خبير بأن فقرات هذه القوانين لا تخرج عن كونها بيانات عرضية لا يطالها التطبيق وذلك نظراً لوجود الأرضية المناسبة التي كان يطمح إليها أولئك العلماء أو الطغاة الذين أصبح لديهم نفوذاً لا مثيل له وقدرة لا حدود لها في تجريد الناس من جميع مستحقاتهم مع نسبة ذلك إلى الله تعالى دون مراعاة لحرماته، ولهذا تجد لأفعالهم الحظ الوافر في التصديق عند بثها في نفوس العامة من الناس الذين لا يسعهم التحقق من صحة ما عرض عليهم جراء البيان اللفظي الذي لا يستند إلى دليل من الواقع المعاش أو الكلام الذي يجدونه مكتوباً بطريقة لا تقبل اللبس الذي اعتاد عليه المتسلطون على رقاب الناس
فإن قيل: ما هو الدافع المساعد لاستمرار هذا الفعل؟ أقول: الدافع الأقوى لهذا الفعل لا يتعدى إلى أكثر من إحدى الحالات التي يرى الطغاة أو العلماء من خلالها أن لهم حقاً تأريخياً أو دينياً يجعلهم في المكانة الرفيعة التي تهيئ لهم أسباب التحكم بمصير الناس أو الحصول على عرض زائل أو مطمع من مطامع الحياة الدنيا كالسيادة أو الجاه، ومن هنا كانت لديهم بعض الحجج التي تنسب إلى ما يتوافق مع نهجهم أو إلقاء عبء أفعالهم على عاتق التشريع الذي لا يكون للضعاف نصيب في فهم مقرراته، ولذلك كان اتخاذهم لفن التحريف هو المنقذ الأكبر لما هم فيه من التسلط حتى وصل بهم الأمر إلى قولهم إن هذا الفعل هو من عند الله، وهذه الكتابة الحافظة لحقوق الآخرين لا يمكن أن يكون مصدرها إلا من السماء، وهذه هي الطريقة المثلى التي اتبعوها في خداع عامة الناس، ولا يخفى على المتأمل بأن هذا الاتجاه سوف يضفي على أفعالهم صفة الشرعية التي ليس لها ما يبررها إلا التسليم الأعمى من قبل المغفلين من الناس، وهذه المنزلة تعد من المنازل التي لا تفوقها منزلة في الكذب على الله سبحانه، ولهذا كان الوعيد من سنخ أعمالهم التي قدموها للآخرين وذلك بسبب ما كتبت أيديهم وبسبب ما كسبوا من تلك الكتابة التي نسبوها للحق جل شأنه.
وهذا المثال لا ينطبق على أمة بعينها ولا على فئة خاصة بل يتعدى إلى جميع المكونات البشرية في كل وقت ومكان، وما تطرق إليه القرآن الكريم من وصفٍ لظاهرة من ظواهر أهل الكتاب ما هو إلا مصداقاً لهذا الفعل الذي تطرقنا إلى بيان تفاصيله، علماً أن لهذا المصداق خصوصية تجعله في قمة الأفعال البغيضة التي تجنى أصحابها على أحكام الله تعالى، وذلك بسبب إخفاء صفات النبي الخاتم (ص) وإيهام الناس بإظهار صفات أخرى بعيدة عن صفاته الحقيقية، وهذا ما يفهم من الوعيد الذي توعدهم به الحق سبحانه وتعالى كما سيمر عليك من خلال تفسير آيات البحث.
وقفة مع آيات البحث:
قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) البقرة 79. الآية الكريمة فيها إشارة إلى قسم آخر من بني إسرائيل فبعد أن كان الحديث عن الأميين الذين كان همهم نشر الفتن والأكاذيب بين الناس دون دراية أو فهم لما يتلقونه من علمائهم، انتقل السياق إلى هؤلاء الذين يقومون بنفس الفعل الذي كان يفعله الأمييون إلا أن أفعالهم لم تأت عن عدم فهم لما ينشرونه، ولذا فهم يكتبون ما يحرفون من الحق إلى الباطل بأيديهم ثم ينسبون ذلك إلى الله تعالى، ولذا توعدهم سبحانه بتكرار الويل، وكما ترى فإن سبب هذا الفعل يرجع إلى حصولهم على الثمن الذي وصفه القرآن الكريم بأنه ثمن قليل وذلك لتحقير شأنه قياساً إلى ما عند الله تعالى من الثمن الذي وعد به عباده المؤمنين.
فإن قيل: الكتابة لا تكون إلا باليد فلمَ هذا التكرار؟ أقول: أنزل الكلام منزلة التأكيد، وهذا كثير في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (يقولون بأفواههم) آل عمران 167. وكذا قوله: (ولا طائر يطير بجناحيه) الأنعام 38.
قوله تعالى: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) البقرة 80. جمع الله تعالى في هذه الآية غرورهم الذي هو سبب انحرافهم ثم رد عليهم بما يناسب أقوالهم التي يرجع سببها إلى ما كانوا يدعونه من التفوق على جميع الأجناس البشرية ولهذا السبب كان اعتقادهم بأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة لأنهم شعب الله المختار، ولذلك أمر الله تعالى نبيه (ص) بأن يخاطبهم كما في سياق الآية أي هل كان بينكم وبين الله عهد ينقذكم من النار، أم تقولون على الله أقوالاً لا تستند إلى علم، فالآية تريد أن تبين لهم عدم صدق أقوال أسلافهم، ولذا عقب سبحانه بنتيجة هذا الفعل وذلك في قوله: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة 81. وكما ترى فإن منطوق الآية يدل على إبطال قولهم السابق بأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة، والسيئة المشار إليها في الآية فيها تخصيص يناسب أقوالهم ولذلك عطف عليها إحاطة الخطيئة، وكأن الخطيئة قد أحاطت بأفعالهم فلن تترك لهم مجالاً في الرجوع إلى قول الحق، والآية نظير قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) الجاثية 23.
قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) البقرة 82. هذا التذييل يفيد تعقيب الإنذار بالبشارة، وهو ما دأب عليه القرآن الكريم في ذكر التحلية بعد التخلية.
فإن قيل: ما معنى الويل الذي ذكر في سياق البحث؟ أقول: ذكر المفسرون أن للويل عدة معاني منها:
أولاً: إنه جبل من نار.
ثانياً: إن الويل واد يجري بفناء جهنم ويتكون من صديد أهل النار.
ثالثاً: الويل باب من أبواب جهنم.
رابعاً: يقصد من الويل شدة الشر.
خامساً: المشقة بسبب العذاب.
سادساً: الويل يعني الحزن.
سابعاً: دعاء يقال عند الإشراف على الهلاك.
وعندي أن الويل إذا كان من الله تعالى فهو تهديد ووعيد، وإذا كان من الإنسان فهو أقرب إلى الدعاء الذي يقال عند الشدة والكرب.
ويشهد للأول قوله تعالى: (ويل لكل أفاك أثيم) الجاثية 7. وكذا قوله: (ويل يومئذ للمكذبين) المرسلات 15. سورة المطففين 10. وقوله تعالى: (ويل للمطففين) سورة المطففين 1. وكذلك قوله: (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة 1. وقوله: (فويل للمصلين) الماعون 4.
ويشهد للثاني قوله تعالى: (ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) الكهف 49. وكذا قوله: (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين) الأنبياء 14. وقريب منه الأنبياء 46. القلم 31. وقوله تعالى: (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا) الأنبياء 97. وقوله: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) يس 52. وكذلك قوله تعالى: (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) الصافات 20. وكذا قوله: (قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) المائدة 31. وقوله تعالى: (قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً) هود 72.
ومنه قول امرئ القيس:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة... فقالت لك الويلات إنك مرجلي
وله أيضاً:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن
فإن قيل: ما هو الدافع المساعد لاستمرار هذا الفعل؟ أقول: الدافع الأقوى لهذا الفعل لا يتعدى إلى أكثر من إحدى الحالات التي يرى الطغاة أو العلماء من خلالها أن لهم حقاً تأريخياً أو دينياً يجعلهم في المكانة الرفيعة التي تهيئ لهم أسباب التحكم بمصير الناس أو الحصول على عرض زائل أو مطمع من مطامع الحياة الدنيا كالسيادة أو الجاه، ومن هنا كانت لديهم بعض الحجج التي تنسب إلى ما يتوافق مع نهجهم أو إلقاء عبء أفعالهم على عاتق التشريع الذي لا يكون للضعاف نصيب في فهم مقرراته، ولذلك كان اتخاذهم لفن التحريف هو المنقذ الأكبر لما هم فيه من التسلط حتى وصل بهم الأمر إلى قولهم إن هذا الفعل هو من عند الله، وهذه الكتابة الحافظة لحقوق الآخرين لا يمكن أن يكون مصدرها إلا من السماء، وهذه هي الطريقة المثلى التي اتبعوها في خداع عامة الناس، ولا يخفى على المتأمل بأن هذا الاتجاه سوف يضفي على أفعالهم صفة الشرعية التي ليس لها ما يبررها إلا التسليم الأعمى من قبل المغفلين من الناس، وهذه المنزلة تعد من المنازل التي لا تفوقها منزلة في الكذب على الله سبحانه، ولهذا كان الوعيد من سنخ أعمالهم التي قدموها للآخرين وذلك بسبب ما كتبت أيديهم وبسبب ما كسبوا من تلك الكتابة التي نسبوها للحق جل شأنه.
وهذا المثال لا ينطبق على أمة بعينها ولا على فئة خاصة بل يتعدى إلى جميع المكونات البشرية في كل وقت ومكان، وما تطرق إليه القرآن الكريم من وصفٍ لظاهرة من ظواهر أهل الكتاب ما هو إلا مصداقاً لهذا الفعل الذي تطرقنا إلى بيان تفاصيله، علماً أن لهذا المصداق خصوصية تجعله في قمة الأفعال البغيضة التي تجنى أصحابها على أحكام الله تعالى، وذلك بسبب إخفاء صفات النبي الخاتم (ص) وإيهام الناس بإظهار صفات أخرى بعيدة عن صفاته الحقيقية، وهذا ما يفهم من الوعيد الذي توعدهم به الحق سبحانه وتعالى كما سيمر عليك من خلال تفسير آيات البحث.
وقفة مع آيات البحث:
قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) البقرة 79. الآية الكريمة فيها إشارة إلى قسم آخر من بني إسرائيل فبعد أن كان الحديث عن الأميين الذين كان همهم نشر الفتن والأكاذيب بين الناس دون دراية أو فهم لما يتلقونه من علمائهم، انتقل السياق إلى هؤلاء الذين يقومون بنفس الفعل الذي كان يفعله الأمييون إلا أن أفعالهم لم تأت عن عدم فهم لما ينشرونه، ولذا فهم يكتبون ما يحرفون من الحق إلى الباطل بأيديهم ثم ينسبون ذلك إلى الله تعالى، ولذا توعدهم سبحانه بتكرار الويل، وكما ترى فإن سبب هذا الفعل يرجع إلى حصولهم على الثمن الذي وصفه القرآن الكريم بأنه ثمن قليل وذلك لتحقير شأنه قياساً إلى ما عند الله تعالى من الثمن الذي وعد به عباده المؤمنين.
فإن قيل: الكتابة لا تكون إلا باليد فلمَ هذا التكرار؟ أقول: أنزل الكلام منزلة التأكيد، وهذا كثير في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (يقولون بأفواههم) آل عمران 167. وكذا قوله: (ولا طائر يطير بجناحيه) الأنعام 38.
قوله تعالى: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) البقرة 80. جمع الله تعالى في هذه الآية غرورهم الذي هو سبب انحرافهم ثم رد عليهم بما يناسب أقوالهم التي يرجع سببها إلى ما كانوا يدعونه من التفوق على جميع الأجناس البشرية ولهذا السبب كان اعتقادهم بأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة لأنهم شعب الله المختار، ولذلك أمر الله تعالى نبيه (ص) بأن يخاطبهم كما في سياق الآية أي هل كان بينكم وبين الله عهد ينقذكم من النار، أم تقولون على الله أقوالاً لا تستند إلى علم، فالآية تريد أن تبين لهم عدم صدق أقوال أسلافهم، ولذا عقب سبحانه بنتيجة هذا الفعل وذلك في قوله: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة 81. وكما ترى فإن منطوق الآية يدل على إبطال قولهم السابق بأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة، والسيئة المشار إليها في الآية فيها تخصيص يناسب أقوالهم ولذلك عطف عليها إحاطة الخطيئة، وكأن الخطيئة قد أحاطت بأفعالهم فلن تترك لهم مجالاً في الرجوع إلى قول الحق، والآية نظير قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) الجاثية 23.
قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) البقرة 82. هذا التذييل يفيد تعقيب الإنذار بالبشارة، وهو ما دأب عليه القرآن الكريم في ذكر التحلية بعد التخلية.
فإن قيل: ما معنى الويل الذي ذكر في سياق البحث؟ أقول: ذكر المفسرون أن للويل عدة معاني منها:
أولاً: إنه جبل من نار.
ثانياً: إن الويل واد يجري بفناء جهنم ويتكون من صديد أهل النار.
ثالثاً: الويل باب من أبواب جهنم.
رابعاً: يقصد من الويل شدة الشر.
خامساً: المشقة بسبب العذاب.
سادساً: الويل يعني الحزن.
سابعاً: دعاء يقال عند الإشراف على الهلاك.
وعندي أن الويل إذا كان من الله تعالى فهو تهديد ووعيد، وإذا كان من الإنسان فهو أقرب إلى الدعاء الذي يقال عند الشدة والكرب.
ويشهد للأول قوله تعالى: (ويل لكل أفاك أثيم) الجاثية 7. وكذا قوله: (ويل يومئذ للمكذبين) المرسلات 15. سورة المطففين 10. وقوله تعالى: (ويل للمطففين) سورة المطففين 1. وكذلك قوله: (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة 1. وقوله: (فويل للمصلين) الماعون 4.
ويشهد للثاني قوله تعالى: (ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) الكهف 49. وكذا قوله: (قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين) الأنبياء 14. وقريب منه الأنبياء 46. القلم 31. وقوله تعالى: (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا) الأنبياء 97. وقوله: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) يس 52. وكذلك قوله تعالى: (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين) الصافات 20. وكذا قوله: (قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) المائدة 31. وقوله تعالى: (قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً) هود 72.
ومنه قول امرئ القيس:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة... فقالت لك الويلات إنك مرجلي
وله أيضاً:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق