آية يونان النبى/ نسيم عبيد عوض

شهد الرب يسوع المسيح عن يونان وأهل نينوى عندما قال لقوم من الكتبة والفريسيين جاءوا اليه يسألونه       " يامعلم نريد ان نرى منك آية" "فأجاب وقال لهم "جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبى" ‘ ولو سألنا لماذا يارب؟ ‘ يجئ الجواب على فمه الكريم " لانه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان فى قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال." وعن أهل نينوى قال رب المجد " رجال نينوى سيقومون فى الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم من يونان ههنا."مت12: 38 – 41‘ وأيضا أعاد القديس لوقا البشير نفس كلام الرب بأسلوب آخر عن جيل بنى إسرائيل الواقف أمامه" هذا الجيل شرير‘يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبى‘لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الانسان ايضا لهذا الجيل" لو11: 29-30.

آية يونان النبى

ماجاء على فم الرب يسوع المسيح عن آية يونان النبى تحمل معانى متعددة :

1- كلام الرب يسوع فى العهد الجديد يؤكد بما لا يدع مجال للشك أن شخص يونان شخص حقيقى ‘ وان الحوادث المذكورة فى السفر كلها حقيقية ‘ وليست رمزية كما إدعى البعض ان ماورد فى هذا السفر فكر رمزى تكرارا لما ورد فى أسفار أخرى (إرميا وهوشع ) وكذلك ردا على من شككوا فى إمكانية بقاء إنسان فى بطن الحوت ثلاثة  أيام ‘ وجاء الجانب العلمى فى العصر الحديث ليؤكد إمكانية ذلك وخصوصا أن الكلمة المترجمة الى حوت تعنى حقيقة سمكة كبيرة.

2- ما أشار اليه الرب يسوع لقصة يونان كقصة حقيقية وليست رمزية بدليل ان اليهود لم يعترضوا عليه ‘ ولم يرفضوا حقيقة توبة أهل نينوى على يد يونان النبى ‘ وان شخصية يونان شخصية حقيقية وخصوصا ذكره لإسمه واسم والده (يونان بن أمتاي) وهم شخصين معروف مكان نشأتهما كما ورد فى سفر 2مل 14: 25 " هو رد تخم اسرائيل من مدخل حماة الى بحر العربة حسب كلام الرب اله اسرائيل الذى تكلم به عن يد عبده يونان بن أمتاي النبى الذى من جت حافر." 

3- وضع السفر بين الاسفار النبوية وليس الاسفار التاريخية لا ينفى وقائعة التاريخية ‘ فالواقعة تحمل جانبا نبويا ‘ وخصوصا ماورد فى تسبحة يونان التى تعلن عن الخلاص المنتظر على يد يسوع المسيح‘ والاعتراض على أن توبة أهل نينوى جاءت سريعة بمجرد دعوة يونان لهم بالتوبة مستحيلة ‘ ولكن الرد على ذلك بسيط للغاية هو شهادة الرب بتلك التوبة بكونهم يدينون إسرائيل.

4- ماورد فى واقعة توبة أهل نينوى على يد يونان النبى تتفق مع الفكر الإنجيلى الذى يفتح باب الرجاء أمام الأمم ‘ وقد ظهر ذلك فيما فعلة النوتية الأمميين بالصلاة والصراخ لآلهتهم قبل ان يقذفوا بالأمتعة من السفينة ‘ وكذلك استعداد ملك نينوى الوثنى لقبول محبة الله الفائقة للبشر ‘ وهذا ماحدث بالفعل ‘ فقد روى لنا سفر الأعمال بداية إيمان الأمميين بإيمان قائد المائة الرومانى(كرنيليوس) فى قيصرية ‘ والذى فتح الباب أمام كنائس الأمم.

يونان

كلمة يونان أو "يونا" فى اللغة العبرية تعنى "حمامة" ولذا يرى أن السفر يشير الى الروح القدس الذى ظهر على شكل الحمامة التى جاءت واستقرت على الرب يسوع المسيح فى عماده فى نهر الاردن‘ وأيضا تعنى المسيح المتألم الذى دخل القبر كما الى جوف الحوت ثلاثة أيام وقام من الاموات ليقيمنا معه‘ ووهبنا روحه القدوس ليعمل فينا. ويونان بن أمتاي تنبأ فى أيام يربعام الثانى ملك المملكة الشمالية (2ملو14: 25)عاش فى بلدة جت حافر التى من الناصرة‘ وكانت نبوته هو خلاص اسرائيل من ظلم الآراميين‘ وجاءت نبوته بعد عودته من نينوى. وقد جاء فى التقليد اليهودى ان يونان هو ابن ارملة صرفة صيدا التى أعالت إيليا النبى وقت المجاعة ‘ وهو نفسه ولدها الذى أقامه إيليا من الموت كما ورد فى سفر ملوك الاول18: 10 – 24. ويعرفنا الله بشخصية يونان أن الأنبياء ليسوا من طبيعة أخرى غير طبائع البشر ‘بل هم أشخاص تحت الآلام مثلنا ‘ كما قال يعقوب الرسول عن إيليا النبى " كان إيليا إنسانا تحت الالام مثلنا.يع5:17"‘ لهم ضعفاتهم ونقائصهم وعيوبهم ‘ ويمكنهم السقوط كباقى البشر‘ ولكنهم ينالون نعمة الله التى تعمل فيهم ‘ فتعطيهم قوة الروح القدس العامل فيهم‘ وهكذا كان يونان من ضعفاء العالم الذين إختارهم الله ليخزى بهم الأقوياء ‘ وفى نفس الوقت كان يونان له فضائله وكان نبيا قديسا عظيما .

نينوى

هى عاصمة الإمبراطورية الآشورية فى ذلك الزمان ‘ والتى أعتبرها سنحاريب الملك عاصمة له(2ملو 19: 36) ‘وهى المدينة التى شيدت على الضفة الشرقية من نهر دجلة ‘ ومدينة الموصل اليوم تقع على نصف مدينة نينوى كما كانت من قبل‘ وأهل نينوى بابليون الأصل (تك 10: 11) وكانوا يعبدون الآلهة عشتاروت‘ وكانت مدينة معروفة بغناها وثرائها وعظمتها وجمالها ‘ وقد سمى ناحوم النبى نينوى "مدينة الدمار" الملآنة كذبا وخطفا‘ كما تنبأ صفنيا النبى بخرابها ‘ وقد تحولت المدينة الى أطلال وأسطورة بعد فيضان نهر دجلة وغرقه شوارعها وبيوتها. وهى  المدينة الأممية الوحيدة التى وجه لها الله نبية يونان كرمز عن قبول الأمم للكرازة واعلان توبتهم ورجوعهم الى الله. وجاءت سرعة توبة أهل نينوى ملكا وشعبا مثلا يحتذى ويضرب به المثل ‘ فقد قال لهم يونان عبارة واحدة قصيرة " بعد اربعين يوما تنقلب نينوى." والذى قصده النبى إنذارهم بالتوبة والرجوع لله ‘ وفرصتهم أربعين يوما والعقاب لو لم يتوبوا خراب ودمار المدينة بكل مافيها‘ وجاءت إستجابتهم سريعة بعكس أهل سدوم ‘ قال لهم لوط "ان الرب مهلك المدينة فقالوا انه مهزار.(تك19: 14) فحرقها الرب بالنار والكبريت ‘ وأيضا أنذر نوح أهل الارض بالتوبة والدخول فى الفلك ولم يستمع اليه أحد فكان الطوفان الذى أهلك كل ماكان على الارض من انسان وحيوان ونبات‘ وحتى أبونا آدم أنذره الله بعدم أكله من شجرة الخير والشر ويوم تأكل منها موتا تموت ‘ ولم يطيع آدم فأسقط البشرية كلها‘ وسرعة توبة أهل نينوى نتعلم منها الكثير:

1- قوة الاستعداد الداخلى فى القلوب لطاعة وصية الله ‘ ولعل النوتية على السفينة كانوا مثلا أيضا ( فقالوا ليونان قم أصرخ الى الهك  عسى ان يفتكر الإله فينا فلا نهلك."يو1: 6‘  وكانوا مثل أبونا ابراهيم الذى أطاع دعوة الله بالخروج من أرضه وعشيرته تك 12:1.

2- استعداد روحى لسماع كلمة الله فورا إنذارهم بمعرفة نبيه يونان ‘ وهو نفس إيمان المرأة الشونمية بالنبى إليشع التى إعتبرته رجل الله الذى سيقيم ابنها من الموت.

3- كانوا يملكون إرادة قوية مستعدة لتنفيذ وصية الرب  بالتوبة والرجوع اليه " فآمن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم ‘ وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد وناد جميع شعبه وحيواناتهم بالصوم ‘ والصراخ الى الله بشدة ويرجعا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذى فى ايديهم."3: 5- 8.

سقطات يونان

1- المخالفة والعصيان.. وهى نفس سقطة آدم " فقام يونان ليهرب الى ترشيش من وجه الرب."يون1: 3

2- سقطة الكبرياء المتمثلة فى إعتزازه بكلمته" آه يارب أليس هذا كلامى إذ كنت بعد فى أرضى‘ لذلك بادرت الى الهروب الى ترشيش لانى علمت انك اله رءوف ورحيم بطئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر."يو4: 2.

3- الجهل وقلة الإيمان لقيامة وذهابه ليهرب من وجه الله ‘ وهو غير قول المرتل " أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب. ان صعدت الى السموات فانت هناك ‘ وان فرشت فى الهاوية فها أنت ‘ إن أخذت جناحي الصبح وسكنت فى أقاصي البحر .."مز139: 7

4- فى الوقت الذى نال فيه نعمة الله بالإرسالية الخلاصية لأهل نينوى ‘ ذهب ودفع أجرة الخطية " ووجد سفينة ذاهبة الى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم الى ترشيش  من وجه الله." يون1: 3 .

وعلى العكس كان النوتية وركاب السفينة لديهم فضائل أفضل من نبى الله :

1- كانوا رجال صلاة" فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد لإلهه." فصرخوا الى الرب وقالوا آه يارب لا نهلك من اجل نفس هذا الرجل ولا تجعل علينا دما بريئا .."

2- كانوا يبحثون عن الله ..يصرخون اليه ويقولون " لأنك يارب فعلت كما شئت." وأيضا" فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورا."يو1: 14-16.

3- يتسمون بالبساطة فى الإيمان..فلم يكتفوا بالصلاة بل القوا قرعة ليعرفوا بسبب من حدثت تلك البلية ‘ لإيمانهم بان هناك مايغضب الرب ‘ وقولهم ليونان" قم اصرخ الى الهك عسى ان يفتكر الاله فينا فلا نهلك." يون1: 6.

الله يستخدم الكل للخلاص:

كقول الكتاب " يخرج من الآكل أكلا ومن الجافى حلاوة ."قض14: 14‘ فالله يستخدم كل خليقته فى سبيل خلاص الانسان ‘ لأنه إله لا يشاء موت الخاطئ مثل ما يرجع ويحيا ‘ ولذلك فى آية يونان نجد الله يستخدم كل شيئ :

1- الأمميون ركاب السفينة " فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد الى الهه وطرحوا الأمتعة التى فى السفينة الى البحر ليخففوا عنهم." يون1: 5.

2- الريح.. فأرسل الرب ريحا شديدة الى البحر فحدث نوء عظيم فى البحر حتى كادت السفينة تنكسر." يون1: 4.

3- البحر ..الذى حمل السفينة وحمل الحوت.

4- الحوت.." وأما الرب فأعد حوتا عظيما ليبتلع يونان ‘ فكان يونان فى جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال‘ ثم أمر الرب الحوت فقذف يونان الى البحر." يون2: 10.

5- الشمس .." فضربت الشمس على رأس يونان فذبل وطلب لنفسه الموت." يون4: 8.

6- اليقطينة.."فأعد الرب الإله يقطينة فأرتفعت فوق يونان لتكون ظلا على رأسه لكى يخلصه من غمه."  يون4: 6.

7- الدودة.." ثم أعد الله دودة عند طلوع الفجر فى الغد فضربت اليقطينة فيبست ..يون4: 7.

من آية يونان النبى كما حدثت ورواها لنا الوحي الإلهى تعلمنا الكثير ‘ واهم مانتعلمه كما قال يونان عن إلهنا " انك إله رؤوف ورحيم بطئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر"‘ وهذا هو إيماننا المستقيم الأكيد ‘ فلنطيع الوصية ونستظل بإلهنا ومخلصنا ‘فهو إله الوعود الصادقة الإله العادل الذى يعطى لكل واحد حسب أعماله‘ ونتعلم من سقطات يونان ولا نقع فيها ‘ ونتعلم من فضائل النوتية وركاب السفينة الذين اتسموا بالعدل ‘ وكانوا يتصفون بالرحمة والشفقة ‘ والمهم كانت قلوبهم مستعدة لعمل الله فيها. أمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق