أحد الشعانين في طرابلس




الغربة ـ طرابلس
ترأس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، قداس أحد الشعانين في كنيسة مار مارون في طرابلس، عاونه فيه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض والخوري جوزيف فرح في حضور حشد من المؤمنين.

بعد الانجيل ألقى بو جوده، عظة قال فيها: "اليوم تبلغ حياة يسوع العلنية وبشارته ذروتها قبل دخوله مرحلة الآلام والموت والقيامة. ذروة هذه البشارة والحياة العلنية هي اعتراف الشعب كله بيسوع المسيح على أنه إبن داود، وهو الآتي بإسم الرب، وهذا ما ردده الأطفال الذين استقبلوه، وما ردده الكبار معهم قائلين: "هوشعنا لإبن داود، مبارك الآتي بإسم الرب". على لسان الأطفال والرضع، أسست لك مجدا أيها الرب، يقول المزمور. والأطفال والأولاد ببراءتهم يعلنون هذه الحقيقة، وليس في موقفهم وصراخهم وهتافهم أي رياء أو مواربة. إنهم شهود الحقيقة لأنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة المراوغة والإزدواجية في حياتهم. وإنهم على خلاف الكبار يقولون ما يفعلون ويفعلون ما يقولون، بينما الكبار المدعون والمتكبرون والذين يدعون غالبا بأنهم نوع من آلهة لأنفسهم إلى جانب الإله الحقيقي، فهم في معظم الأحيان يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون".

أضاف: "لأن الأطفال يتمتعون بالبراءة، فإن هتافهم هو الحقيقة وإذا هم لم يستطيعوا الهتاف، فإن الحجارة سوف تهتف مكانهم، على ما يقول السيد المسيح. اليوم يدخل المسيح أورشليم دخول الفاتحين والملوك، وهو ملك على كل حال، لكن مملكته ليست في هذا العالم كما يقول. مملكته ليست مملكة زمنية، ولا هو ملك سياسي وعسكري، كما كانت الفكرة سائدة عند أبناء جيله وعند الرسل والتلاميذ. وليس هو الذي سيعيد الملك الزمني إلى إسرائيل كما طرح عليه الرسل السؤال لحظات قبل صعوده إلى السماء. مملكة المسيح هي في قلوب البشر، مبنية على المحبة والتضحية لا على الهيمنة والتسلط كما كل هذا العالم".

وتابع: "المسيح جاء ملكا لكي يحرر الإنسان من العبودية الحقيقية، عبودية الخطيئة، لأنه، كما قال: من صنع الخطيئة صار عبدا للخطيئة". والإقرار بملوكية المسيح لا تكون باتخاذ موقف سياسي مبني على المواربة والإزدواجية، بل على الصدق والشفافية. وهو إقرار يجب أن يختلف تماما عن إقرار الكبار واعترافهم يوم الشعانين، وفي الأيام التي تلته. يوم الشعانين، كانوا يهتفون ويقولون: "مبارك الآتي بإسم الرب، هوشعنا لإبن داود". وبعد أيام قليلة، كانوا هم بأنفسهم يقولون أمام بيلاطس: "لا ملك لنا سوى قيصر، أما هذا فارفعه على الصليب". في يوم الشعانين هذا، أيها الأحباء، فلنرفع الصلاة إلى الرب لكي يعطينا نعمة البراءة كبراءة الأطفال، ونعمة الصدق والشفافية في حياتنا، لكي نكون شهودا حقيقيين له، لا شهود زور، ولكي نعترف به حقيقة على أنه هو إبن الله، وهو الآتي ليخلص الإنسان ويفتديه من براثن الخطيئة والشيطان".

وقال: "لنصل، بصورة خاصة من أجل لبنان، بلد الحضارة والرسالة والشهادة، ومن أجل المسؤولين فيه، لكي يعملوا على نشر المحبة والوئام والسلام وينبذوا عنهم روح الحقد والأنانية والسعي إلى المصلحة الشخصية، فيعملوا على المصالحة بين جميع اللبنانيين، ويتخطوا وينبذوا عنهم روح الإزدواجية والرياء ويجعلوا من السياسة فنا لقيادة الشعب نحو بر الأمان لا وسيلة لترسيخ الضغينة والحقد بين أبناء الشعب. كما نصلي من أجل استمرار الحوار الدائر في البلد بين مختلف الفئات والتيارات السياسية، وأن يؤدي هذا الحوار إلى خاتمة سعيدة تفضي إلى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي هذا اليوم نصلي من أجل إخوتنا المسيحيين الذين يتعرضون للمضايقات والإضطهادات والذبح والقتل وتهديم مقدساتهم في العراق وسوريا وبعض البلدان الأخرى. ونشكر الرب على أن طرابلس استعادت شيئا فشيئا حياتها الطبيعية ووجهها الأصيل بفضل وعي وإدراك القوى السياسية فيها، وتضحيات وجهود القوى الأمنية خاصة وحدات الجيش التي تسهر على توفير الأمن والإستقرار فيها.
ونود بالمناسبة ان نوجه كلمة شكر وامتنان الى مجلس بلديتها ورئيسه الاستاذ عامر الرافعي لموافقتهم على اطلاق اسماء المطارنة انطون عبد، انطون جبير، جبرائيل طوبيا، ويوحنا فؤاد الحاج، على اربعة شوارع من شوارعها، تاكيدا منهم على اهمية العيش المشترك فيها بين المسيحيين والمسلمين، وبكونها قد عرفت منذ القديم بانها مدينة لجميع اللبنانيين من دون استثناء.
كما اننا نتقدم باصدق التهاني من المجلس الجديد للرابطة المارونية برئاسة النقيب الاستاذ انطوان قليموس، متمنين ان يشمل اهتمامهم جميع المناطق اللبنانية، ولا سيما الاطراف، فيدعوا القادرين والمتمولين، ورجال الاعمال، على استثمار امكانياتهم في هذه المناطق، عملا بمبدأ الانماء المتوازن، الذي قررته وثيقة الوفاق الوطني.

وختم بو جوده: "ليكن هذا الأسبوع العظيم الذي نبدأه اليوم، مناسبة لدفن الحقد والضغينة فنسير فيه مع المسيح درب الجلجلة ونحن نسيرها منذ عشرات السنين، في الواقع، لكي نبلغ معه في نهاية هذا الأسبوع إلى القيامة والإنتصار على الموت، ويصبح بإمكاننا القول مع بولس الرسول: "أين شوكتك يا موت، وأين ظفرك يا جحيم... فالحمد لله الذي أتانا الظفر على يد ربنا يسوع المسيح". فلنبق راسخين ثابتين، مواصلين تقدمنا في حقل الرب، عالمين أن جهدنا في الرب لا يذهب سدى".

بعد القداس أقيم زياح الشعانين وطاف المؤمنون خارج الكنيسة حاملين أغصان الزيتون، والشموع، هاتفين "هوشعنا في العلى مبارك الاتي باسم الرب"، واخترقت مسيرة الزياح الشوارع المحيطة بالكنيسة مرورا بشارع عزمي الى الكنيسة مجددا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق