الغربة ـ طرابلس
احيت رعية مار مارون في طرابلس رتبة "خميس الغسل" في احتفال ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، يعاونه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض، والخوري جوزيف فرح، في كنيسة مار مارون في طرابلس، بحضور حشد من المؤمنين. بعد الانجيل المقدس قام المونسنيور نبيه معوض برتبة الغسل، فغسل ارجل 12 طفلا، تجسيدا لما قام به السيد المسيح في مثل هذا التاريخ حيث غسل ارجل تلاميذه الـ12 وقبلها.
ثم القى المطران بو جوده عظة، اشار فيها الى "ان هذا الخميس من أسبوع الآلام هو خميس الغسل شعبيا، وخميس الأسرار ليتورجيا وروحيا، لأنه اليوم الذي رسم فيه المسيح سري الكهنوت والقربان المقدس". وقال: "إن ساعة موته على الصليب قد إقتربت، وهو على وشك ترك تلاميذه جسديا، إذ إنه في هذه الليلة بالذات سوف يسلخ عنهم بعد أن خانه يهوذا وأسلمه إلى الكتبة والفريسيين الذين سوف يسلمونه بدورهم إلى الرومان. المسيح كان قد وعد تلاميذه بأنه سوف يبقى معهم إلى منتهى الدهر، وفي هذه الليلة بالذات سوف يتمم هذا الوعد بصورة سرية، إذ أنه سيبقى مع الكنيسة تحت شكلي الخبز والخمر. نتوقف اليوم إذن في تأملنا حول معنى الأسرار التي نمارسها في الكنيسة والتي ترافق حياتنا كمؤمنين من ولادتنا حتى نهاية حياتنا على الأرض".
وتوقف مطولا عند معاني كلمة "ألاسرار"، فاشار الى انها "في المسيحية ثلاثة أسرار: التجسد والفداء والثالوث الأقدس"، وقال: "الأسرار، كعلامات حسية ترافق الإنسان وتعطى له طوال حياته كي تساعده وتقويه جسديا وروحيا"، لافتا الى "ان الكنيسة حددت عددها بسبعة إستنادا إلى تعليمها عبر الأجيال وإلى ممارستها من قبل المؤمنين: ترافقه في ولادته وطفولته بأسرار التنشئة وهي المعودية والتثبيت، كما ترافقه في حياته العلنية عندما يدخل معترك الحياة ويختار دعوته ملبيا دعوة الله له، إن بالزواج من أجل بناء العائلة والمساهمة في بناء المجتمع وترافقه في حال الضعف والمرض، جسديا كان أم روحيا بواسطة سر التوبة، أم بسر مسحة المرضى، وترافقه بإستمرار بسر الحياة الذي هو القربان المقدس وحضور المسيح دائما معه كي يقويه ويشجعه على الثبات في الإيمان".
اضاف: "يبدو للبعض في بعض الأحيان أن بعض هذه الأسرار صعب الفهم وغير مقبول وعبروا عن ذلك في حالتين على الأقل: الأولى عندما قال إن المعمودية ولادة جديدة، فسأله نيقوديموس كيف يمكن أن يكون ذلك، أيعود الإنسان ويدخل بطن امه ثانية ويولد، والثانية عندما أدار له البعض ظهرهم وذهبوا بعد أن قال أنه هو خبز الحياة، وبأن من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، فقالوا هذا الكلام صعب فمن يستطيع أن يفهمه؟ وبالواقع فإننا لن نستطيع فهم ذلك بإمكانياتنا البشرية مهما بلغنا من درجة علم وفكر وثقافة ولذلك مدعوون للقول له مع بطرس عندما سألهم إذا كانوا هم أيضا سيتركونه ويذهبون: إلى من نذهب يا رب، وأنت وحدك عندك كلام الحياة".
وتابع ": في خميس الأسرار، أعطانا المسيح سري الكهنوت والقربان المقدس. سلم أمره للكهنة الذين صار بإمكانهم، كما يقول القديس يوحنا فيانيه أن ينزلوه على الأرض، بكلمتين يتلفظون بها في القداس: كلوا هذا فهو جسدي، وإشربوا هذا فإنه دمي. ولكي لا يتكبر الكهنة وهم يمارسون هذا السلطان الإلهي، كما عندما يمارسون سائر الأسرار، وبصورة خاصة سر التوبة المقدس الذي بموجبه يغفرون الخطايا بإسمه، فإنه تنازل وتصرف كالعبد في ليلة العشاء السري وغسل أرجل تلاميذه، بروح تواضع لا مثيل لها، إذ أن هذا من واجبات العبد. أنتم تدعونني المعلم والرب وأصبتم فيما تقولون. فهكذا أنا، فإذا كنت أنا الرب والمعلم قد غسلت أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض، فلقد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا أنتم أيضا ما صنعت إليكم (يوحنا13/13-15).
واردف: "رتبة غسل الأرجل، هي أمثولة لنا من المسيح كي نجعل من حياتنا حياة محبة وخدمة لله وللآخرين.نعيش في هذا الأسبوع المقدس، محبة الله لنا: محبة الآب الذي هكذا أحب العالم حتى أنه بذل إبنه الوحيد في سبيل فدائه ومحبة الإبن الذي قال عن نفسه: ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه عن أحبائه ومحبة الروح الذي هو محبة الآب والإبن. فلنجعل من هذه الأعياد المباركة مناسبة لنا للتقرب من الله ومن الآخرين. لمحبة الله ومحبة الآخرين. إذ أن محبة الله لا تتم إلا عبر الآخرين، كما يقول لنا القديس يوحنا في رسالته الأولى: إن من يقول أنه يحب الله وهو لا يحب الآخرين هو كاذب، إذ كيف نستطيع أن نحب الله الذي لا نراه ونحن لا نحب القريب الذي نراه".
واكد "اننا بحاجة إلى مثل هذه المحبة في عالمنا ومجتمعنا وبصورة خاصة في بلادنا التي تعيش منذ زمن طويل زمن عدم المحبة، لا بل أكثر من ذلك، زمن البغض والكراهية والحقد تجاه بعضنا البعض، أكنا أبناء دين واحد وطائفة واحدة أم أبناء دينين وطائفتين مختلفتين. فالأنانية وحب الذات هي المسيطرة على تصرفاتنا وأقوالنا وأعمالنا والسعي إلى مصلحتنا الشخصية هي غالبا هدفنا الوحيد".
وختم: "بمواقفنا هذه نتابع تهديم البلاد وخرابها بدلا من أن نكون من بناتها على الأسس السليمة. فلنطلب من الرب إذن نعمة المحبة في زمن المحبة هذا، زمن الآلام الخلاصية والفصح المجيد والقيامة والإنتصار على الموت، ليصبح بإمكاننا أن نردد مع بولس الرسول: لقد إبتلع الموت بالغلبة، فأين قوتك يا موت، وأين شوكتك يا جحيم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق