سورة البقرة: الآية 114/ عبدالله بدر اسكندر


المسجد الإصلاحي لا يعتمد على إظهار الشعائر الدينية بمقتضياتها الشكلية التي تؤول إلى عدم الالتزام بالمنهج السليم الذي يرتبط بالنواحي الفكرية، ولهذا يتعين الأخذ بما هو مخالف للمنهج السائد لدى شريحة كبيرة من الناس الذين يظهرون الدين على أنه عمل من الأعمال التي تمارس فطرياً أو وراثياً دون دراسة أو تمحيص لما يجري حولهم، ومن هنا نشأت الأفكار الهدامة التي أصبح لها أسياد في كل البقاع التي ينتمي إليها المؤمنون ما يؤدي بأمر دينهم إلى زوال وتباب، وبناءً على هذا نرى أن السعي في خراب مساجد الله لا يراد منه هدم الأحجار المكونة للبناء المادي، لأن ذلك لا يحتاج إلى جهد كبير نظراً لليسر الحاصل في إعادة تشييده على وجه مماثل أو أكثر رقياً، وقياساً إلى هذا الطرح نلاحظ أن هناك من اتخذ من هذا المنطلق ما يرضي غريزته الذاتية بغض النظر عن المراقبة الفعلية التي تجعل العمل متلازماً مع الغايات القريبة من الأفكار التي نزلت بها رسالة التوحيد.
ومما سبق نستنتج أن الأجواء القرآنية قد توحي بالذم المفرط في جميع المواضع التي تتحدث عن هذه الأفعال ما يجعلها في أسفل الدركات إذا علمنا أن عدم الالتزام لا يظهر أثره الفاعل في إعطائها الدور الريادي الذي يجب أن تنطلق منه، وقد أشار الحق سبحانه إلى هذا المفهوم بقوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون... إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين... أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) التوبة 17- 19. 
وعند تأمل الآيات آنفة الذكر نلاحظ أن هناك فرقاً كبيراً بين العمارة المادية للمساجد وبين الإيمان بالله واليوم الآخر أو الجهاد في سبيله، وإذا ما تحقق الجمع بين المعنيين فإن الدرجات تكون رفيعة بلا أدنى شك، وهذا المعنى قد يرفد النتائج الإيجابية للإيمان الذي يرتضيه الحق سبحانه، ويمهد للقائم عليه جميع الأجواء التي تجعل سبيله إلى الرشد قاب قوسين أو أدنى، وبهذه الطريقة يصبح البناء المادي سبباً لنشر الفضيلة بما يتناسب مع الدور الريادي الذي يتكفل بإيجاد المنهج القويم لدين الله تعالى، وفي مقابل هذا النهج نلاحظ دور اليد الثانية التي تسعى إلى التخريب بدلاً من الإصلاح، وهذا النوع لا يتعدى إلى أكثر من تخريب الأفكار دون المباني إذا ما علمنا أن الاعتداء على الشعائر الدينية ومحاربتها يعد من أبشع أنواع الظلم، واستناداً إلى ما تقدم يظهر سبب نسبة المساجد إلى الله تعالى وهي نسبة تشريفية، وسيمر عليك تفصيل هذا المعنى في تفسير آية البحث.
   تفسير آية البحث:
قوله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) البقرة 114. الاستفهام بمعنى النفي أي لا أحد أظلم من أولئك الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه. فإن قيل: هل أن نسبة المساجد إلى الله تعالى تبنى على الحقيقة؟ أقول: في السياق إشارة إلى نوع من التوسع الاصطلاحي وتأسيساً على ذلك تكون الإضافة تشريفية، والإضافات التشريفية كثيرة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: (أيام الله) الجاثية 14. وقوله: (تجري بأعيننا) القمر 14. وكذا قوله: (ولتصنع على عيني) طه 39. وقوله تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) البقرة 125. وكذلك قوله: (ناقة الله) الأعراف 73. هود 64. الشمس 13.
فإن قيل: سياق آية البحث يُظهر أن أظلم الناس هو من يمنع ذكر الله تعالى في المساجد ويسعى في خرابها، إلا أن هذا اللفظ قد يطلق على مصاديق مختلفة، كما في قوله: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته) الأنعام 21. وكذا قوله: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء) الأنعام 93. وقوله: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) البقرة 140. وكذلك قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها) الكهف 57. وهناك آيات أخرى تفيد المعنى نفسه، فكيف الجمع؟ أقول: الآيات التي ذكرت تشير إلى كناية إلهامية لا تخرج عن المبالغة في التعريف ولا يتعين أنها تتعارض من جميع الوجوه إذا علمنا أن أظلم على وزن أفعل التفضيل، وفي هذه الحالة يكون لكل ما ذكر من الآيات وجهاً خاصاً في الظلم بمعنى أن القرينة هي التي تحدد المراد، وتأسيساً لهذا الارتباط تظهر نسبية المتعلق وعدمية إطلاقه، أي أن من يمنع ذكر الله في المساجد هو أظلم ممن يقع عليهم مصطلح المنع بما هو منع في جميع حالاته، وكذا من يفتري على الله كذباً فهذا ينطبق عليه معنى أظلم الناس قياساً إلى الذين يفترون الكذب في مواطن أخرى وهلم جراً.
وقوله تعالى: (أن يذكر فيها اسمه) من آية البحث. أي كراهية أن يذكر فيها اسمه، ومن هنا كان الاتصال مناسباً لقوله تعالى: (وسعى في خرابها) من آية البحث. أي بعد العجز عن المنع تأتي مرحلة الهدم والتخريب على الرغم من الأمر التشريعي القاضي بمنع هؤلاء من دخول المساجد، بمعنى يجب عليكم منع الذين سعوا في هذا الإفساد بشقيه من أن يدخلوا المساجد وإذا ما استجيب للمنع فإن دخولهم سيكون على خوف بلا أدنى شك، ولهذا عقب تعالى بقوله: (أولئك ما كان لهم أن يدخلوها) من آية البحث. أي ليس لهم الحق في دخولها، فكيف يصل بهم الأمر إلى تخريبها، ومفهوم الآية يبين مدى التعريض المناسب للمؤمنين من جهة والوعيد للمانعين من جهة أخرى، وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم) التوبة 28.
فإن قيل: ذكر غير واحد من المفسرين أن الآية تشير إلى الأرض بكاملها دون المساجد المتعارف عليها وذلك استناداً لقول النبي جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فهل لهذا التفسير من وجه؟ أقول الجهة منفكة بين قول النبي (ص) وبين الآية إذا ما علمنا أن اللفظ لا يحمل على العموم في جميع الحالات، وهناك أمثلة كثيرة في القرآن الكريم تبين ما نذهب إليه، كقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) آل عمران 110. وأنت خبير بأن اللفظ لا يدل على الاستغراق، ونظير هذا قوله في بني إسرائيل: (وأني فضلتكم على العالمين) البقرة 47. 122. ومنه قوله: (أو ينفوا من الأرض) المائدة 33. أي ينفوا من بلد إلى آخر لا أن ينفوا إلى السماء، وقوله تعالى: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) يوسف 55. وقريب منه قوله: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) يوسف 80. وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران 173.
 من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن     

مسجد أثري في الهند يسمح بدخول النساء بعد حظر 4 أعوام

بي بي سي ـ
قالت اللجنة المشرفة على مسجد "حاجي علي" التاريخي في مومباي في الهند للمحكمة العليا إنها ستلغي حظرا على دخول النساء المسجد، وذلك امتثالا لقرار المحكمة.
وقالت المحكمة العليا في أغسطس/آب إن الحظر "يمثل تعديا على الدستور" ويميز ضد المرأة.
وفُرض الحظر عام 2012، وقالت اللجنة المشرفة على المسجد آنذاك إنه من "المحرمات" أن تلمس النساء قبور الأولياء الذكور.
ووصفت الناشطات، اللاتي نظمن حملة لدخول المسجد، قرار رفع الحظر بأنه "نصر عظيم".
وقالت زكية سومان، وهي عضوة جمعية حقوقية نسوية، لبي بي سي: "نشعر بالامتنان للمحاكم لدعمها لنا في حملتنا ضد الآراء الذكورية التي يتبناها الرجال القائمون على المزارات الدينية".
ويُسمح للنساء بالتواجد في حرم المسجد وغيره من الأجزاء المحيطة به، إلا أن قرار الحظر منعهن من دخول الحرم الداخلي الذي يحتوي على قبر الولي الصوفي.
وتسمح الكثير من المساجد السنية والشيعية بتواجد النساء في الداخل، في حين تبقيهم مساجد أخرى في أماكن مخصصة لهن.
وشهدت الهند في الشهور الأخيرة عددا من الحملات المطالبة بالسماح للنساء بدخول الأضرحة اللاتي يُمنعن من زيارتها.
وفي مناطق مختلفة من الهند، رفع نشطاء من المسلمين والهندوس قضايا ضد الإدارات الذكورية للمزارات الدينية.
وقالت اللجنة المشرفة على مسجد "حاجي علي" إنها ستسمح للنساء بزيارة الضريح خلال شهر من الآن.
وفي المقابل، قالت سومان إن اللجنة ما كان يجب أن تتحدى قرار المحكمة، خاصة أن "موقفهم من منع النساء لا يقوم على أساس قانوني أو أخلاقي".
وأضافت أن أغلب الأضرحة الصوفية في العالم تسمح للنساء بدخولها. وكان يُسمح للنساء بلمس ضريح "حاجي علي" قبل قرار المنع.

سماع كلمة الله/ نسيم عبيد عوض

يتساءل كثيرين كيف نسمع كلمة الله؟ ‘ والمقصود صوت الله ‘ وخصوصا ونحن نصلى دائما لآبانا الذى فى السموات‘ لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض‘ والتسليم بإرادة الله فى حياتنا تقوية روحية عميقة لكل حياتنا على الأرض ‘ وإرادة الله لنا هى خلاصنا ‘نمونا الروحى‘ حياة التوبة الدائمة‘ القداسة والطهارة ‘ ولكن كيف نسمع الله ‘ أول الطريق هو كتابه المقدس ‘ أسفار واناجيل ورسائل الكتاب المقدس ‘ هى كلمة الله لنا ‘ وفى عمق فهمنا لكلمة الله التى نقرأها بروحنا أولا ‘ حينئذ يظهر الله لنا ذاته ‘ لأن الهدف الأول هو معرفة الله الذى يتكلم معنا من خلال كلماته المسطرة فى الإنجيل ‘ ثم بالتطور فى الحياة الروحية ‘ والتسليم الكامل لإرادة ومشيئة الله ‘سيرن صوت الله فى حياتى ‘ فكر روحى مستديم ‘فالكلمة المكتوبة هى إعلان الله نفسه لنا ‘ ومن هنا تسير حياتنا كما أرادها الله لنا‘ ولعل هذا هو ماخططته لنا الكنيسة فى قراءات القطمارس (قراءات الكنيسة اليومية)‘ لإعلان خطة الثالوث القدوس فى خلاصنا – الآب والإبن والروح القدس- وفى حياتنا على الأرض حتى نصل الى السموات.

وفى الأحد الثانى من شهر بابة يقرأ انجيل القداس من بشارة معلمنا لوقا البشير اصحاح 5: 1-11‘ والمتابع لقراءة كلمة الله ‘ يلاحظ ان القديس لوقا الإنجيلى يتتبع حياة السيد المسيح على الأرض خطوة بخطوة ‘ من بداية البشارة  الى القيامة ثم الصعود فى سفر اعمال الرسل. وفى الإصحاح الرابع نقلنا من بعد التجربة فى البرية 40 يوما يجرب من ابليس ‘ بإختباراتها الثلاثة – الخبز ‘ المجد الدنيوى الباطل‘ إختبار ابن الله – وبعد أن رجع يسوع بقوة الروح الى الجليل بدأ الكرازة وخدمته اللاهوتية للبشرية.

بدأ فى الناصرة كقول الكتاب( واتى وسكن فى مدينة يقال لها ناصرة. لكى يتم ما قيل بالانبياء انه سيدعى ناصريا. مت 2: 23) ‘ وقرأ عليهم فى المجمع ماورد عنه فى نبوة اشعياء النبى 61: 1-.." روح الرب علي لأنه مسحنى ...‘ ثم طوى الكتاب وقال لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب فى مسامعكم ‘أنه هو المسيا المنتظر. وفى كفر ناحوم وداخل المجمع أيضا عرفه الشيطان وقال " انا أعرفك من انت قدوس الله."  لو4: 34‘ ثم بعد ذلك دخل بيت سمعان وشفى حماته من الحمى المميتة بمجرد ان انتهر الحمى فتركتها فى الحال وقامت تخدمهم‘ ‘ وشفى كل المرضى الذين قدموا لبيت سمعان ‘ وبدأ فى الصباح بشارته للمدن والقرى الأخرى ‘ ثم جاء الى بحيرة جينسارت (وهى بحيرة متفرعة من بحر الجليل وتسمى بحيرة طبرية أيضا)  ومن هنا بدأ القديس لوقا يكتب لنا ماحدث :

وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله:

وهذه هى دعوة الله لنا أن نجتمع دائما حول كلمته ‘ لأنه هو كلمة الله ويخاطبنا بها مباشرة بدون وسيط كما كان يحدث من الإنبياء ‘ ويعلمنا القديس بولس الرسول عن كلمة الله أنه " كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ‘ ومميزة أفكار القلب ونياته. وليست خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيئ عريان مكشوف لعيني ذلك الذى معه أمرنا."عب4: 12 ‘ والله نفسه بفمه الطاهر عرف كلمته لنا" الحق الحق أقول لكم ان من يسمع كلامى ويؤمن بالذى ارسلنى فله حياة أبدية ولا يأتى الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة." يو5: 24‘ كلمة الله هى روح وحياة.

وصار يعلم الجموع من السفينة :

ودخل سفينة سمعان وسأله ان يبعد عن البر قليلا‘ إلهنا يريدنا ان نسمع كلمته من داخل كنيسته - رمزها السفينة – ففى سفينة نوح إجتمعت البشرية المؤمنة تحت قيادته للسفينة ‘ وكل من كان خارجها قد هلك فى طوفان العالم. وربنا يريدنا ان نخرج من برية هذا العالم وشروره ‘ وندخل بيته ‘ حائط السلام والأمان والعبادة. ونلاحظ أن الرب كان يعلم الجموع وعينه على سمعان الذى ينظف شبكته ويسمع كلمة الله. ولعل سمعان قد انجذب مما سمعه بالأمس من السيد فى كلمته التى شفى بها حماته ‘ وكلمته التى شفت كل مرضى المدينه ‘ فالرب دائما هو الذى يجذبنا اليه ‘ يطرق على قلوبنا بصفة دائمة وبكل الوسائل ‘ حتى نفتح قلوبنا له ‘ فتدخل كلمته فينا فنشبع بعد جوع ونرتوى بعد عطش الى بر الله. " طوبى للجياع والعطاش الى البر ‘ لأنهم يشبعون" . فالذى يقبل اليه لن يجوع ولا يعطش الى الأبد." كان الرب يرتب لسمعان ماهو مزمع ان يكلفه به" لستم أنتم الذين أخترتمونى بل انا الذى اخترتكم"..ولعل هذا كان بداية دعوته لتلاميذه ال12.

ابعد الى العمق وألقوا شباككم للصيد:

الله دائما يريد منا أن نأخذ كلمته لعمق قلوبنا لتنقيها حتى يتحقق فينا قول الرب" طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله .. ‘فعمق كلمة الله تأخذنا بعيدا عن شباك العالم التى يحاربنا بها ابليس ويجول يريد أبتلاعنا ‘ ولكننا فى عمق كلمة الله وبه حصلنا على السلطان أن نصير أولاد الله ‘ فوهبنا الميراث المتضمن السلطان ان ندوس الحياة والعقارب وكل قوات العدو. ومع الرب الذى يحيا فينا يأخذنا لعمق حياة التوبة والحياة الأبدية وملكوته داخلنا ‘ وهذه هى ساعة الدخول فى العمق مع الله" الحق الحق أقول لكم انه تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون ."يو5: 25.

يامعلم قد تعبنا الليل كله

ويكمل سمعان ..ولم نأخذ شيئا.ولكن على كلمتك القى الشبكة‘  الحياة الدنيا هى تعب وشقاء وسنخرج منها بلا شيئ كقول ايوب الصديق" عريان خرجت من بطن أمى وعريانا أعود الى هناك ‘ الرب أعطى والرب أخذ  فليكن اسم الرب مباركا." أي 1: 21‘ يلفت الرب فكرنا الى حقيقة إيمانية عميقة ‘ قد يئن الإنسان فى هذه الارض من تعبها وأمراضها وشقائها وهمومها‘ ولكن ان القيت شبكتك إتكالا على كلمة الله فالصيد سيكون أكثر مما تتوقعه ‘ نعمة وبركات من الله لا تحسب ولا تعد ‘ فالله لا يعطى بكيل ‘ الله يفتح كوى وشبابيك السموات فتعطينا نعم وبركات لا تحصي ‘ كقول المرتل " جعلت الرب أمامى فى كل حين لأنه عن يمينى فلا أتزعزع.مز16: 8. فعلى كلمة الرب التى أطاعها سمعان وقال له " يامعلم" امسكوا سمكا كثيرا .

أخرج من سفينتى يارب لأنى رجل خاطيئ

هنا القديس لوقا بالوحي الإلهى يقول" سمعان بطرس" مع ان الرب أسماه بطرس (الصخرة) فيما بعد ولكن الحدث إلهى فائق للطبيعة ‘ ولذلك خر سمعان بطرس وسجد له وقال أخرج يارب من سفينتى لأنى رجل خاطئ ‘ اننى لا أستحق وجود قدوسك فى سفينة رجل خاطئ ‘ تماما عندما رأى إشعياء النبى الرب وصرخ ويل لى انى قد هلكت لانى انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد رأتا الملك رب الجنود ."اش6: 5‘ ولكن سمعان بطرس بقوله هذا قد ظهر له إستعلان لاهوت يسوع المسيح بسجودة وقوله يارب‘ والمعنى لقوله أخرج ولانه بطبيعة وجود السفينة وسط البحر تعنى أنه رجل خاطئ ولا يستحق وجود القداسه معه فى نفس المكان ‘ هو استعلان لاهوتى بالخلاص ‘ وإشراقه روحية من بطرس ‘ تماما عندما سأل الرب وانتم من تقولون انى انا"مت16: 17" فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي." وكان هذا أول إعتراف علنى بوجود المسيا  المنتظر " الله ظهر فى الجسد." قال بطرس فى الأول يامعلم ولكن وقد انفتحت بصيرته فقال يارب.

قال يسوع لسمعان. لا تخف

الله الحي فينا والذى أعطانا سلطانا أن نصير أولاده وآياته تتبعنا ‘ دائما وأبدا يقول لنا " لا تخف" فعندما جاءهم ماشيا على الماء قال لهم لا تخافوا‘ وهنا قول الرب لسمعان لا تخف لأنه قد انفتحت بصيرته لإستعلان الله ‘ وهم يؤمنون أن الإنسان لا يرى الرب ويعيش كما قال لموسى. وهنا معنى العمق الذى يقصده الرب فينا ‘ عمق كلمته المقدسه فى كتابه المقدس وبها سنرى الله ونسمع كلمته فهو الذى قال " وأظهر له ذاتى"

تركوا كل شيئ وتبعوه

ولما جاءوا بالسفينتين الى البر تركوا كل شيئ وتبعوه: وهذا كان اول ترتيب الرب  لإختيار تلاميذه الأثني عشر ‘ لقد تبعوه لأنهم رأوا ملكوت الله أمامهم ‘ وهم تبعوه ليرثوا الملكوت المعد لهم ‘ وكما قال لهم بعد ذلك " بالحرى تفرحون لأن اسماءكم قد كتبت فى السماء..فى سفر الحياة." لو10: 20‘ تركوا كل شيئ ولم يهتموا بماذا تركوا ‘ سفينة وكميات سمك تغنيهم ‘ لقد أشرقت روح الله عليهم ‘ فكان الإنجذاب له ووراءه أمرا طبيعيا ‘ كلمة الله فتحت عيونهم وجذبتهم اليه ‘ فإستهانوا بكل شيئ - وأعتبروه نفاية كقول الرسول - من أجل معرفة المسيح ‘ وأين هم اليوم؟  معه فى عرشه فى السموات‘ وهم الذين قال لهم" طوبى للعيون التى تنظر ماتنظرونه . لأني أقول لكم ان انبياء كثيرين وملوكا أرادوا ان ينظروا ماأنتم تنظرون ولم ينظروا‘ وان يسمعوا ماأنتم تسمعون ولم يسمعوا ‘ فطوبى لعيونكم ولآذانكم.." دخلوا فى العمق مع كلمة الله ‘ فأحبوا الحياة معه ‘ ولم يخرجوا الى برية هذا العالم إلا ليستشهدوا على اسم الرب ويكونون شهودا له.

اللهم امنحنا القدرة على ان ندخل معك فى عمق كلمتك الحية لتثمر فى قلوبنا ‘ حتى مانترك كل شيئ ونتبعك كل أيام حياتنا ‘ وحتى عندما تحين ساعة لقاءك نكون مستعدين ساهرين لنرتفع معك للفردوس المعد لنا. آمين.


المطران جورح بو جوده في يوبيل الاب حليم نجيم الفرنسيسكاني: عمل طوال حياته على بث روح المحبة والتسامح في قلوب كل من أهتمّ بهم



زغرتا ـ فريد بو فرنسيس ـ
احتفلت بلدة رشعين في قضاء زغرتا، باليوبيل الذهبي الكهنوتي للأب حليم نجيم الفرنسيسكاني، الذي نظمته الرعية في البلدة، برعاية رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده. استهل الاحتفال بقداس تراسه المطران بو جوده في كنيسة مار يوحنا المعمدان في البلدة، عاونه فيه الاب المكرم حليم نجيم وخادم الرعية الخوري جو رزق الله، بمشاركة عدد من كهنة الابرشية ورهبان من الفرنسيسكان.  حضر القداس رئيس بلدية رشعين الدكتور مروان العلماوي، مخاتير البلدة، وفعالياتها، عائلة المكرم، وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" يطيب لي أن أحتفل معكم اليوم باليوبيل الذهبي الكهنوتي للأب حليم إبن هذه الرعية المباركة التي أعطت وما زالت تُعطي للكنيسة كهنة ورهبان وراهبات يلبّون دعوة الرب ويخدمونها بروح المحبة والعطاء والتضحية. وُلد الأب حليم في رشعين في العاشر من تشرين الأوّل سنة1938 وإنتسب إلى الرهبنة الفرنسيسكانيّة، وتابع دراسته بين العامين 1959 و1966 في بيت لحم والقدس، ثمّ حصل على الإجازة في علم النفس وعلم الإجتماع من جامعة بيروت العربية سنة1972 وعلى ديبلوم في التربية وعلم النفس من الجامعة الأردنيّة في عمّان  سنة1974. سيم كاهناً في التاسع والعشرين من حزيران سنة1966 وتحمّل مسؤوليّات إداريّة كبيرة في رهبنته وأصبح على عدّة دورات أميناً عاماً للمدارس المسيحيّة في الأردن ووكيلاً عاماً في حراسة الأراضي المقدّسة. ترأس دير مار أنطونيوس البادواني في حريصا ودير السانطا (Santa) في بيروت- الجميزه".
واضاف:" شارك في عدّة مؤتمرات حول موضوع حوار الحضارات والأديان وخاصة بين اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، ومن بينها مؤتمر حول "الأصولية في الديانات التوحيديّة الثلاث سنة1996، ومؤتمر في جامعة الروح القدس في الكسليك بموضوع: إنسان واحد وثلاث ديانات، ومؤتمر العائلات الفرنسيسكانيّة في لبنان بمناسبة اليوبيل المئوي الثامن لتأسيس الرهبنة الفرنسيسكانيّة. إهتمّ الأب حليم بالأمور التربويّة وإدارة المدارس والحوار المسيحي الإسلامي وفي الأبحاث التاريخيّة حول علاقة الفرنسيسكان والكنيسة المارونيّة.
تشرّب الأب حليم الروحانيّة الفرنسيسكانيّة في مدرسة القديس فرنسيس الأسيزي وعاشها بعمق وإلتزام، ويجدر بنا هنا أن نشير إلى ميزة هذه الروحانيّة وروحانيّة مؤسّسها الذي وُلد في عائلة ثرية مرموقة، لكنّ الرب إختاره ودعاه في ظروف قاسية كانت تعيشها الكنيسة في القرون الوسطى، يوم كان المسيحيّون يعيشون حروباً خارجيّة عُرِفت بالحروب الصليبية بين المسيحيّة والإسلام، وحروباً داخليّة بين المسيحيّين مع بعضهم البعض بسبب إنتشار بعض البدع الأصوليّة في بلدان أوروبا الكاثوليكيّة وبصورة خاصة في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا".
وقال:" كانت الكنيسة إذن تعيش جوّاً من الإنقسام والتشرذم كادت تؤدّي بها إلى الخراب، فسمع فرنسيس في قرارة نفسه صوت الرب يدعوه ويقول له: يا فرنسيس أصلح كنيستي ورمّمها... فتخلّى عن كل ثروته وغناه وقرّر أن يعيش الفقر الإنجيلي ويدعو غيره من الشباب والشابات إلى الإقتداء به، وتبعته في ذلك القديسة كلارا... وعندما رفض والده أن يؤيّده في مسيرته هذه وتصرفاته ترك له حتى ثيابه وقال له هذا كل ما أعطيتني إياه، فإستردّه... وهكذا وبعد محاولات عديدة إستطاع أن يقابل البابا ويحصل منه على الإذن بتأسيس رهبنة جديدة يعيش أعضاؤها الفقر الإنجيلي، فلُقِّبَ فرنسيس بالفقير الصغير: الـPoverello. وفي عز أيام الحروب الصليبيّة بين المسيحيّين والمسلمين في الشرق، وبكل بساطة وجرأة وشجاعة ذهب فرنسيس إلى مصر ليُقابل السلطان ويطلب منه أن يصبح مسيحياً... فلم يستجب السلطان بالطبع لهذه الدعوة لكنّه إحترم جرأة فرنسيس وشجاعته وأقام معه علاقات حوار مميّزة".
وتابع:" إلى هذه المدرسة إنتسب الأب حليم، وتشرّب الروحانيّة الفرنسيسكانيّة وهذا ما يبرّر ما عرفناه عنه من عمل في الحقل التربوي والرسولي وفي حقل الحوار بين الأديان وبصورة خاصة بين المسيحيّة واليهوديّة والإسلام، هو الذي أمضى فترة طويلة من حياته في الأرض المقدّسة Terra Santa، محاولاً قدر المستطاع الإقتداء بشفيع رهبنته في ظروف قاسية ومتوتّرة بإستمرار بين أهل البلاد وبصورة خاصة منذ إقامة دولة إسرائيل سنة1948 والحروب المتكرّرة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين. والمعروف أن للرهبنة الفرنسيسكانيّة دوراً هاماً في خلق جو من الحوار بين هذه المجموعات، وفي المحافظة على الوجود المسيحيّ في فلسطين والشرق الأوسط، ومن هنا الإسم الذي إتّخذته هذه الرهبنة في الشرق الأوسط، إسم حراسة الأرض المقدّسة".
واردف:" إلى هذه الرهبنة إنتميت منذ صباك، ومن روحانيّتها تغذّيت فقمت بدور المربّي فيها، وتحمّلت فيها مسؤوليّات كبيرة، وتميّزت بروحك الكهنوتيّة عائشاً روحانيّة القديس فرنسيس الذي يُعيد إليك في وصيّته كما سائر الرهبان الفرنسيسكان أهميّة الرابط بين الكاهن والكنيسة ويُذكّر بأن هذه الأمور كلّها ليست من واجب الكهنة فقط، أنّما هي واجب كل رجل وإمرأة في هذا العالم. وقد عملتَ طوال حياتك الكهنوتيّة على بث هذه الروح في قلوب كل من أهتمّيت بهم، إن من التلاميذ أو من الإداريّين، كي تجعل منهم معك رسلاً يعيشون روحانيّة المؤسّس التي هي الروحانيّة التي إختاره لها الله في أن يُرمّم كنيسته وبصورة خاصة على الصعيد الروحي".
وختم:" أودّ في ختام كلمتي أن أُكرّر عليك ما سمعته من حارس الأراضي المقدّسة في القدّاس الذي إحتفلت به في دير مار أنطون البادواني في حريصا حيث قال لك: لقد بدأت كلمتي بالتهاني ولكنّي الآن أُريد أن أنهيها بتقديم الشكر لك: شاكراً لك لأنّك تجاوبت مع دعوة الله لك بكل سخاء، شكراً لأنّك أجبت عليها طيلة خمسين عاماً. شكراً لك لأنّك أجبت عليها من خلال الخدمات الكثيرة التي أوكلت إليك وأتممتها بكل سخاء. شكراً من أجل السنين التي أمضيتها في خدمة مدارس حراسة الأراضي المقدّسة، وفي التعليم. شكراً للجهود التي قمت بها على صعيد الحوار بين الأديان لكي تبني جسوراً للسلام. وأنّ الرب الذي يرى في الخفية ولا ينسى أي خدمة هو الذي يكافئك ويعطيك الصحة والعافية والعمر الطويل، من أجل خير الإخوة وخلاص الإنسانيّة في هذه السنة اليوبيليّة لأن كنت رحوماً مثل الآب".
بعد القداس انتقل الجميع الى قاعة الكنيسة المجاورة، حيث كانت كلمات استهلت بكلمة المهندس طوني نجيم القاها باسم العائلة واشار فيها الى محطات واسعة من حياة الاب المكرم، لافتا الى اهم المراحل التي واكبت مسيرته الكهنوتية وتفانيه في خدمة الله والناس".
تحدث بعده الاب المكرم حليم نجيم فشكر للذين تعبوا وعملوا على تنظيم هذا الحفل التكريمي، من كهنة وعلمانيين، كما شكر للمطران بو جوده حضوره ورعايته لهذا التكريم، مضيئا في كلمته على بعض من مراحل حياته التي عاشها في رشعين بين اهله واصحابه.
وفي الختام سلم المطران بو جوده والخوري رزق الله درع التكريم الى الاب حليم نجيم وسط تصفيق الحضور، من ثم اقيم حفل كوكتيل في المناسبة.

الخلاص فى قراءات الكنيسة/ نسيم عبيد عوض

دبرت كنيستنا المقدسة قراءات الأناجيل الأربعة على مدار السنة القبطية ‘ بما يسمى القطمارس للآحاد وللأيام ‘ وكلها تدور عن عمل الثالوث القدوس ‘ الآب والإبن والروح القدس ‘ فى خلاص وفداء البشرية‘ وترتيب هذه القراءات يشمل قراءات شهر توت عن محبة الله الآب وإرادته ومشيئته فى خلاص البشر ‘ والتى توضح حكمته وبشارة إبنه الوحيد وخلاصه وعزه لمن يخلصون ‘ والشهور من بابة الى بشنس توضح نعمة الإبن الوحيد وعمل الله الإبن فى الخلاص والفداء‘ وكذا الشهور من بؤونة  الى النسئ توضح شركة ومواهب الروح القدس فى تفعيلات الخلاص‘ ولذلك فى كل نهاية القداس الإلهى يبارك الأب الكاهن الشعب بقوله‘ محبة الله الآب ‘ونعمة الإبن الوحيد ‘ وشركة وموهبة وعطية الروح القدس‘ الله الآب خطط ودبر الخلاص‘ والله الإبن (الكلمة المتجسد) دفع الثمن بدمه الكريم لفداء وخلاص الإنسان ‘ وبفعل وشركة الروح القدس يستفيد البشر المؤمن من الصليب و دم الذبيحة.

معجزة شفاء المفلوج

فى قراءات شهر بابة تعلن سلطان المخلص على نفوس البشر ‘ وفى الأحد الأول من الشهر يقرأ فصل الإنجيل من بشارة معلمنا مار مرقس الإنجيلى 2: 1-12 ‘ والتى تعلن معجزة شفاء المفلوج‘ وهى نفسها وردت فى إنجيل متى 9: 1-8  ‘ ولو 5: 18-26‘ وكلها فى صورة متكاملة تشرح ملخص لعمل الله الإبن المتجسد فى خلاصنا ‘ وهذه المعجزة تمت فى نهاية السنة الأولى لكرازة الرب يسوع على الأرض‘ والمعجزة فى حد ذاتها هى قصة خلاص الإنسان ‘ فالإنسان الساقط فى الخطية التى وقع فيها أبونا آدم ‘كان مطروحا فى عبودية إبليس يحتاج الى الشفاء ‘ وجاءت هذه المعجزات التى صنعها يسوع وهى كثيرة لا تعد ‘ حسب قول الإنجيلى يوحنا الحبيب " وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب فى هذا الكتاب‘ واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع المسيح هو ابن الله ولكى تكون لكم اذا آمنتم حياة بإسمه." يو20: 30-31‘ وأيضا شهد يوحنا بشهادة الحق وكتب قائلا" وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة."يو21: 25‘ والقصد واضح من قصة شفاء المفلوج ‘ بأن يقدم الله الإبن نفسه للبشرية وهدفه من التجسد وهو تطهير النفوس من الخطية بغفرانها ‘ وأما شفاء المرض فهذا أيسر بالنسبة لله القادر على كل شيئ والشافى من الأمراض ‘ وفى هذه المعجزة يعلن المخلص الأتى:

1- أنه الله الكلمة المتجسد كقول الكتاب ( والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقا .يو1: 14‘ وأيضا " عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد." 1تيمو3: 16 ‘ لذا يقول للمفلوج " ثق يابنى مغفورة لك خطاياك."مت9: 2‘ وهنا يعلن للبشر سلطانه الإلهى على مغفرة الخطايا ‘ وهذا هو الغرض الأساسى من التجسد الإلهى ولذا يعلن" لكى تعلموا أن لإبن الإنسان سلطانا على الأرض ان يغفر الخطايا."مت9: 6‘ والمعنى فى غاية الوضوح ‘إذا كان الكتبة يعلنون ان الله وحده هو غافر الخطايا ‘ فهو وإن كان فى صورة ابن الإنسان إلا أنه الله الذى له السلطان على الأرض أيضا أن يغفر الخطايا.

2- له السلطان على شفاء الأمراض ‘ وهذا تحقيقا للنبوة التى وردت عنه كعلامة على تجسده وهى كقول النبوة" هوذا الهكم .الإنتقام يأتى . جزاء الله. هو يأتى ويخلصكم. حينئذ تتفتح عيون العمى وآذان الصم تتفتح‘ حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الاخرس."أش35: 4-6‘ وهو بنفسه أعلنها فى مجمعهم بعد أن قرأ النبوة على مسامعهم وأغلق الكتاب وقال لهم" اليوم قد تم هذا المكتوب فى مسامعكم."لو4: 21‘ فإذا كان له السلطان أن يغفر الخطايا فالأيسر له أن يشفى من الأمراض لذا قال للمفلوج" لك أقول قم واحمل سريرك وأذهب الى بيتك."مر2: 11‘ ولعل إصرار الأربعة على تقديم المفلوج أمام يسوع كان فيه الإيمان بسلطانه على شفاء الأمراض ‘ لذا قال الكتاب" فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج مغفورة لك خطاياك ."مر2: 5.

3- هو العالم بسرائر الإنسان ‘ وهذا ظهر واضحا جليا عندما فكر الكتبة فى قلوبهم لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف – أى بمغفرة الخطايا – علم الرب وهو الفاحص القلوب والكلى كقول الكتاب عنه ‘ عرف خبايا قلوبهم ‘وكقول الكتاب " فللوقت شعر بروحه انهم يفكرون هكذا فى أنفسهم فقال لهم لماذا تفكرون بهذا فى قلوبكم ."ولعل قول الكتاب ( بهت الجميع ) كان أيضا لمعرفته الخبايا وهذا من سلطان الله وحده.

ثمرة الخلاص

قول الرب يسوع للمفلوج "ثق يابني مفغورة لك خطاياك" فيها المعنى الواضح أن من ثمرة خلاصنا ‘ ان أعطانا سلطانا أن نصير أولاد الله ‘ كقول الكتاب " أما الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله ‘ وهذه البنوة لله كنعمة محبته للمؤمنين به صرنا له أولاد بالتبنى ‘ وليس لغير المؤمنين المسيحيين من على الأرض له الحق فى البنوة لله  والصلاة  له  قائلين " أبانا الذى فى السموات"‘ وهذا نتيجة طبيعية للميلاد الثانى من الماء والروح الذى يجدد خلقتنا ويعيدنا الى صورتنا الأولى قبل السقوط.

  الأصدقاء الأربعة

وللعلم أن القديس مرقس الرسول هو الإنجيلى الوحيد الذى ذكر رقم الأربعة ‘ وهذا صورة مجسمة ورمز للأناجيل الأربعة – كلمة الله الحية – التى هدفها تقديم الإنسان الخاطئ والمريض جسديا أمام الله فى كل وقت وفى كل زمان ‘ حتى ينعم عليه الرب بالغفران والشفاء‘  والتى آمنوا بها وصدقوها ووثقوا فيها ‘ لذا رأى الله إيمانهم‘ وأيضا رأى الله رجاءهم فى شفاء صديقهم المفلوج إذا ماعملوا مجاهدين ‘ورغم كل الصعوبات لتقديم رجاءهم أمام الله الشافى ‘ والأهم رأى الله فيهم مقدار المحبة العامرة فى قلوبهم ‘ والتى تتضح من تعبهم وتضحيتهم وبذلهم الجهد فى سبيل تقديم الخدمة للغير ‘ وهذه هى قمة المحبة التى يطالبنا بها الله ‘ فكانوا مثالا للإيمان والرجاء والمحبة ‘ التى يتسلح بها كل مؤمن حتى ينال الغفران والشفاء.

الجموع وأنواع البشر

يقول الكتاب انه عندما سمع انه فى بيت‘ " وللوقت اجتمع كثيرين حتى لم يعد يسع ولا ماحول الباب‘ فكان يخاطبهم بالكلمة."مر2: 1و2‘ وهؤلاء الجموع يمثلون أنواع البشر الذين إستقبلوا خبر تجسد الله الكلمة فكانوا نوعيات مختلفة:

1- جموع من البشر لم تتقبل كلمة الله ‘ ولم تؤمن بلاهوته ‘ ورغم كل النبوات التى وردت على لسان أنبياء العهد القديم ‘ إلا أنه قالوا له أنك تجدف ‘ لأنك وأنت إنسان تعادل نفسك بالله ‘ والحقيقة أنه الله الظاهر فى جسد إنسان ‘ ويمثلهم هؤلاء الكتبة الذين إلتفوا حلوه ‘ ولكنهم فى قلوبهم قالوا "لماذا يتكلم هذا هكذا بتجادف." وقد ظهرت فى القرون الخمسة الأولى الميلادية بدع وهرطقات كثيرة حول رفض ألوهية السيد المسيح مثل آريوس ونسطور وأوطاخى‘ ولعل وحتى وقتنا هذا بعض الأديان تؤمن بهذا ومنهم جماعة شهود يهوة‘ ومن هذه الجموع أيضا المؤمنين المسيحيين الذين إسما يدعون مسيحيين ولكنهم يعبدونه برياء ومظهرية كاذبة ‘ فهم الذين لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون فاعليتها‘ هؤلاء معثرين لغيرهم وموجدين فى كل زمان ومكان .

2- جموع حول المسيح ولكنهم متذمرون ومنتقدون وغير واثقين فى كلمة الله ‘ وهؤلاء الذين فى كفر ناحوم ينطبق عليهم القول بأنهم رغم الآيات والمعجزات والعجائب التى صنعها يسوع ‘ كان لا يؤمنون ويقولون أنه يجدف ‘ ولهذا قال الرب عنهم ولكل أمثالهم " وانت ياكفر ناحوم المرتفعة الى السماء ستهبطين الى الهاوية. لأنه لو صنعت فى سدوم القوات المصنوعة فيك لبقيت الى اليوم. ولكن أقول لكم ان أرض سدوم تكون لها حالة اكثر إحتمالا يوم الدين مما لك."مت11: 23و24‘ وأمثال هؤلاء الفريسيين والكتبة من اليهود ‘ وفى حياتنا العملية نرى مثل هؤلاء المشككين فى كلمة الله ‘ ومنهم من قال عنهم القديس بولس الرسول" من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرين يرقدون."1كو11: 30‘ هؤلاء المشككين ولا يستحقون التناول من جسد الرب ودمه‘ ونسأل الله فى هدايتهم.

3- الجموع الذين قال عنهم الكتاب" بهت الجميع ومجدوا الله قائلين مارأينا مثل هذا قط."مر2: 12‘ ولعلنا إذا راجعنا أنفسنا فى حياتنا على الأرض ‘وتحققنا فيما فعله الرب معنا طوال سنين حياتنا ‘ فسنبهت ونمجد الله على الفور على ماصنعه معنا ‘ ونسجد له شاكرين حامدين على صنيعه معنا ‘ ونعيش معه فى حياة توبة ونقاوة قلب ‘ حتى يجعلنا مستحقين لملكوته الإلهى. ولربنا المجد الدائم. أمين.

المطران طربيه: الكنيسة واحة رجاء لأبنائها الذين يعانون من الأمراض العصبية والعقلية



في اطار تسليط الضوء والتوعية حول موضوع الصحة العقلية والنفسية، أطلقت مؤسسة MaroniteCare مبادرة "بذور الأمل"Seeds of Hope وهي الأولى من نوعها في الجالية اللبنانية والمارونية حيث تقوم المبادرة على المشاركة والحديث عن الصحة العقلية في رعايا الأبرشية المارونية خلال شهر تشرين الأول المخصص عالمياً لمناقشة هذا الموضوع والتحديات التي تواجه الأفراد الذين يعانون من مشاكل عقلية وعصبية. والمبادرة عبارة عن سلسلة لقاءات ومحاضرات تدور حول الصحة العقلية والتي افتتحها سيادة المطران أنطوان شربل طربيه بقداس الهي يوم 2 تشرين الأول في كاتدرائية سيدة لبنان هاريس بارك حيث ركز في عظته على أهمية الصحة النفسية السليمة وتحدياتها لاسيما عند فئة الشباب.
وقال المطران طربيه في عظته:" ان واحداً من أصل خمسة أطفال ومراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يشكو من مشاكل عقلية، كما ان نسبة اليأس مرتفعة في المتجمعات المتعددة ثقافياً حيث يعاني هؤلاء بصمت جراء الصعوبات اللغوية والمادية والعلمية بالاضافة الى الحواجز الدينية والثقافية التي تقف دون انخراطهم في المجتمع الذي يعيشون فيه."
وأضاف المطران طربيه " لا تزال مجتمعاتنا مرتبكة حول موضوع  الصحة العقلية ومترددة بطلب المساعدة وذلك بسبب الصورة السلبية الموجودة  حول الاشخاص الذين يعانون من مرض عقلي ،  فيبقى المريض وحيداً يعاني دون أي دعم خوفاً من نظرة المجتمع له. وفي ضوء هذه الحالة التي يعيشها مجتمعنا انطلقت مبادرة "بذور الأمل" Seeds of Hope تحت مظلة MaroniteCare لمحاربة هذه الصعوبات وتوعية ابناء الكنيسة المارونية خصوصاً حول الصحة العقلية وتشجيعهم لطلب المساعدة والقول لهم انهم ليسوا وحدهم في مواجهة هذه المشكلة  وتحدياتها. "
وختم المطران طربيه عظته بدعوة جميع أبناء الكنيسة الى الشهادة لمحبة ورحمة الله بأن يكونوا أدوات أمل في محيطهم، والانضمام الى رسالة "بذور الأمل" التي تتلخص أهدافها بالتالي: أولا، توعية الذين يعانون من هذه المشكلة  من خلال توفير توجيه راعوي والاستعانة بأصحاب الاختصاص لمساعدتهم، ثانياً، تقوية الشبيبة  من خلال توفير الدعم والخدمات اللازمة، عبر الكنيسة وعبر MaroniteCare، لمساعدتهم في مسيرتهم العلاجية نحو الشفاء من الأمراض العقلية. وأخيراً، تشجيع الشبيبة وكل الذين يعانون من مشاكل عصبية أو عقلية على مواجهة مشكلتهم من خلال اختبار عيش حب الله ورحمته. وشدد المطران طربيه أن الكنيسة موجودة دائماً لمرافقة وتقديم الدعم اللازم للأفراد الذي يعانون كما لعائلاتهم، مشجعاً اياهم على الاتكال على رحمة الله ومحبته اولا وعلى طلب المساعدة من الاخصائيين بالتالي.
وتهدف MaroniteCare من خلال مبادرة "بذور الأمل" الى زرع الأمل في حياة من فقده، لأن فقدان الأمل هو من أخطر ما يمكن أن يواجهه من يعانون من مشاكل نفسية. وسوف  يحتفل سيادة المطران طربيه بالقداس الختامي يوم الأحد 30 تشرين الأول في كنيسة مار شربل- بانشبول عند الساعة 7 مساءاً.  للاطلاع على برنامج المحاضرات واللقاءات يمكن زيارة صفحة Seeds of Hope  على الرابط التالي .facebook.com/SeedsofHope.MaroniteCare/?fref=ts

فلما رأى يسوع إيمانهم/ نسيم عبيد عوض

المؤمن المسيحى يعرف تماما أن مشيئة وإرادة الرب ‘ هى ان الجميع يخلصون والى معرفة الحق يقبلون ‘ فبعد الخلاص تأتى الحياة الروحية فى حياة التوبة ‘ والنمو الروحى يستلزم الطلب الدائم لمغفرة الخطايا ‘ وفصل إنجيل اليوم نقرأ من بشارة معلمنا مرقس الرسول (مر2: 1- 12 )‘ وهوالذى بدأ بشارته قائلا" بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله."‘ ويقدم لنا دخول الرب كفر ناحوم والذى دخل مجمعها فى يوم سبت وصار يعلم ‘ وكان فى المجمع رجل به روح نجس ‘ فصرخ قائلا" آه مالنا ومالك يايسوع الناصرى أتيت لتهلكنا.أنا أعرفك من أنت قدوس الله. فإنتهره يسوع قائلا إخرس وأخرج منه ."مر1: 23-25‘ ثم فى بيت سمعان تم شفاء حماة سمعان ‘ وفى القرى المجاورة يأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثيا "إن أردت تقدر أن تطهرنى.فتحنن يسوع ومد يده ولمسه وقال له أريد فأطهر." مر1: 40و42‘ وهكذا قدم الرسول لمجتع الرومان يسوع المسيح ابن الله الذى له سلطان على الأرواح الشريرة وشفاء الأمراض‘ وهذا ماقاله رب المجد نفسه "فقال لهم لنذهب الى القرى المجاورة لاكرز هناك أيضا لأنى لهذا خرجت." مر1: 38 ‘ ويقصد لهذا خرج من السموات وأتى لنا على الأرض‘ وبالحقيقة هذا هو مأوردته النبوة عنه فى أش 61: 1" أن روح السيد الرب علي لأن الرب مسحنى لأبشر المساكين أرسلنى لأعصب منكسرى القلب لأنادى للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق." .

كفر ناحوم

وفصل إنجيل اليوم يبدأ ..ثم دخل كفر ناحوم ‘ واسم هذه المدينة معناه كفر التعزية والنياح ‘والرب قد ولد فى بيت لحم وهى أصلا مدينة الملك داود ‘والتى جاءت النبوة عنها فى الكتاب قبل ميلاد الرب بأكثر من 300 عام " أما أنت يا بيت لحم إفراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل." ميخا5: 2‘ والتى أخذها المجوس وفسروها وعرفوا مكان ميلاد الملك ‘ و"لحم" معناها الخبز أي بيت الخبز ‘ رمزا لأنه سيقدم لنا جسده فهو الخبز النازل من السماء ‘ وبعد عودة الرب من مصر جاء الى الناصرة ‘ ومدينة كفر ناحوم هى عاصمة منطقة الجليل ‘ ومنها الناصرة ‘ واعتبرها موطنه ولذلك يقال عنه الناصرى وأيضا أنه جليلى. وفى الحقيقة فمدينته هى"سماء السموات" كما قال عن نفسه" ليس أحد صعد الى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو فى السماء. " يو3: 13‘ وإذا دخلنا معه كفر ناحوم فنكون معه فى مكان التعزية والنياح الحقيقى ‘ فوجودنا معه وبه يهبنا النياح والراحة الداخلية حتى لو القينا مع الثلاث فتية فى أتون النار‘ أو مع دانيال فى جب الأسود ‘ أو مع يونان فى عمق المياه إ فمدينة الرب الحقيقية هى قلوبنا الساكن فيها ‘ ولذا نصلى مع المرتل " لاأخاف شرا لأنك أنت معى .."مز 23: 4‘  فهو واهب الراحة والأمان والإطمئنان فى قلوب مؤمنيه.

الكلمة

يقول إنجيل اليوم" وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ماحول الباب. فكان يخاطبهم بالكلمة." مر2: 2‘ والكلمة هنا لها مدلول ومعنى عميق لأنه هو أقنوم الكلمة فى الثالوث القدوس ‘ أو هو الله الكلمة(اللوجس)‘ والكلمة عرفنا بها معلنا بولس الرسول بقوله" لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته‘ وليس خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيئ عريان ومكشوف لعيني ذلك الذى معه أمرنا." عب 4: 12‘ولذلك قيل هنا "فسمع أنه فى بيت " وما البيت إلا إشارة الى القلب الذى يدخله السيد ليملك على عرش نفوسنا الداخلى ويقيم مملكته كقوله " ملكوت الله داخلكم.لو17: 21‘ ومتى حل الرب فى القلب تجتمع كل طاقات الإنسان وقواه الروحية والجسدية وتحيط به كما الجماهير التى أحاطت به ‘ فهو فى القلب كرسيه المفضل ليثبت في وأنا فيه"

مفلوجا يحمله أربعة

كما ينص الكتاب " وجاءوا إليه مقدمين مفلوجا يحمله أربعة. وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع كشفوا السقف حيث كان.وبعد ما نقبوه دلوا السرير الذى كان المفلوج مضطجعا عليه." مر2: 3و4‘ وفى هذا النص تأمل روحى :

1- الأربعة : وإنجيل القديس مرقس هو الوحيد الذى ذكر رقم أربعة ‘ ويمكن أن نقول ان رقم أربعة يشير الى كنيسة الله على ألأرض من أساقفة وقسوس وشمامسة وشعب ‘ هؤلاء الأربعة فى إيمانهم يقدمون للسيد المسيح الإنسان الخاطئ لكى ينال المغفرة لخطاياه ويعيش فى حياة توبة دائمة ‘ والأربعة هم الأناجيل التى فى صورها الأربعة يقدمون المريض بالفالج ‘ الخائر القوى‘ المرتبك الذهن ‘ والخاطئ يقدمونه للسيد المسيح ليسمع منه أنه ابن الله الذى له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا‘والعجيب فى قول الكتاب " ولما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج " يابني مغفورة لك خطاياك."  مع أن هؤلاء الأربعة لم ينطقوا بحرف واحد كل مافعلوه أنهم جاهدوا حتى يضعوا المفلوج أمام الطبيب الشافى ‘ وإيمانهم هو يقينهم وتأكدهم وبكل ثقة أنه سيشفى لو وصل أمام الرب الشافى‘ وما أجمل أن أن نصلى من أجل الآخرين ونقدمهم أمام الرب ليمد يده ويشفيهم" وصلوة البار تقتدر فى فعلها".

2- "كشفوا السقف حيث كان وبعدما نقبوه دلوا السرير."وإذا كان السقف هنا من الطين من الأجر أو من العوارض الخشبية فإن الرمز للحياة المادية وشهوات العالم ومحبته التى تغلف قلوبنا وتبعدنا عن وجود الله فى حياتنا ‘ ولابد من إنتزاعها حتى يتنقى القلب ويقدمنا امام المسيح ‘ وتكون بصيرتنا الروحية بعد زوال معوقات الحياة المادية ‘ فى إدراك روحى مفتوح ننزل بكل إتضاع من علو كبريائنا إلى أقدام المسيح ليقول لى" يابنى مغفورة لك خطاياك."

3- فلما رأى يسوع إيمانهم..وهل الإيمان يرى؟ ‘ والإجابة بنعم فالإيمان الحي لا يعرف أنه إيمان إلا بثمار الأعمال الصالحة ‘ حسب قول الرسول " الإيمان بدون أعمال ميت فى ذاته." يع 2: 17‘ وإيمان هؤلاء الأربعة مؤسس على التضحية وإنكار الذات بعيدا عن كل غرض شخصى ‘ كل هدفهم تقديم المريض للسيد المسيح ‘ ليشفى من مرضه وليغفر له خطاياه فى المقام الأول ‘ ويعلمنا الرسول" لا تنظروا كل واحد الى ماهو لنفسه بل كل واحد الى ماهو لآخرين أيضا.فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضا.الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله.لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا فى شبه الناس.وأطاع حتى الموت موت الصليب ."في 2: 5-8‘ وقدم لنا الرب يسوع نفسه خادما لتلاميذه عندما إئتزر وغسل أرجلهم ‘كان يقدم لنا الوصية" إن كنت أنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض ."يو13: 14‘ وكان مصدر عمل هؤلاء الأربعة المؤمنين عملا مثمرا قدم لهذا المريض‘فقد غفرت خطاياه ‘ عودته صحيحا معافيا ‘فى  فرح وسلام قلبى يذهب به الى بيته يمجد الله.

يابني مغفورة لك خطاياك

إذ رآه السيد المسيح قال له " يابني مغفورة لك خطاياك "الخالق يدعوه إبنا له وهذه نعمة الله لنا ‘ وهذه هى أبوة الله للمؤمنين به ‘ كقول الكتاب" وأما الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله ‘ الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله .يو1: 13و14‘ هذه البنوة أعطيت لنا بسلطان الله بالإيمان والمحبة فصرنا أولاد الله بالتبنى وصرنا وحدنا دونما باقى العالم نصلى الى الله ونقول أبانا الذى فى السموات.

وببصيرة روحية نقية ننال مغفرة الخطايا من واهب المغفرة والشفاء ‘ وحقا ان النفس عندما تصاب بالفالج تسمع صوت الطبيب السمائى ‘ وتنعم بعمله فيها وتتذوق رؤيته وتظل ملتصقة به طوال حياتها.

ليعطينا الرب نعمة حتى لا تقسوا قلوبنا عند سماع صوته الذى دائما ينادينا بالتوبة والإيمان والرجاء والمحبة ولنتذكر قول الرسول " كيف ننجوا نحن إن أهملنا خلاصا هذا مقداره." آمين.       

سورة البقرة: الآية 113/ عبدالله بدر اسكندر

النزاع بين الناس على اختلاف مللهم ونحلهم لم يكن وليد فترة زمنية بعينها أو مرحلة عابرة وإنما هو أمر ملازم للإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض، وما قصة أبناء آدم إلا مثالاً أولياً لما سيحدث في تأريخ البشرية عبر الأجيال، ومن هنا كان وجوباً على الباحثين أن ينظروا إلى هذه القضية العالقة من خلال أسبابها الجذرية المتأصلة، وبالتالي يمكنهم الوصول إلى النتائج المراد تبيانها قياساً إلى متعلقاتها أو الطرق الناشئة عنها والتي لا سبيل إلى حصرها أو إيجاد الحل النهائي الذي يجيز الفرض القاطع لعلاجها، وهذا الطرح يثبت وبلا أدنى جدال أن بُعد الحلول قد أعطى للنزاعات دوراً كبيراً في الانتشار وهذا ما يجعلها في أعلى السلّم المتصدر لعناوين العظام من الناس، واستناداً إلى هذه الحيثية ظن بعض المحققين أن هناك جانباً إيجابياً في كثير من الاختلافات الحاصلة بين أبناء الجنس الواحد، علماً أن الجانب الإيجابي لا يستقل في إظهار الحقائق كما هي في جميع الحالات، وذلك لبعد عامة الناس عن المعرفة الكاملة التي تجعلهم على يقين ثابت لا يتفاعل مع ما عمي عليهم من القرارات المتخذة من قبل أسيادهم، ولهذا كان من الصعب أن يركن الأتباع إلى التصنيف المباشر الذي يساعد على وضع الإرشادات التوجيهية للفرق المتنازعة، وذلك إذا ما نظرنا إلى النتائج والعبر المترتبة على جميع أبعاد النزاع، وقد يلحق بهذا المفهوم العام مجموعة من المصاديق يكون مردها إلى إظهار الحق وإخفاء الباطل دون الميل إلى التأثيرات الخارجية، وفي هذه الحالة تكون الأطراف المتنازعة قد اتخذت مرحلة أخرى تضمن لها جميع الحقوق التي تباعد بينها وبين الأفكار الدخيلة، وإن شئت فقل تباعد بينها وبين المواقف السلبية المتخذة سلفاً من قبل جميع الأطراف المتنازعة. فإن قيل: ما هي الدوافع الأساسية التي لها بالغ الأثر في إذكاء النزاعات بين أبناء الأمة؟ أقول: هنالك عدة دوافع أهمها:
أولاً: الاستبداد بالرأي: وهذا ينشأ بسبب العصبية الجاهلية الغالبة على طباع الناس الذين يتمسكون بها دون اللجوء إلى إيجاد السبل المانعة التي تباعد بينهم وبين معتقداتهم، ولذلك تراهم لا ينظرون إلى المسائل الخلافية بطريقة موزونة، وإنما ينظرون إليها من خلال امتلاكهم للحقيقة المطلقة دون غيرهم، وفي هذه الحالة تصل النزاعات إلى مرحلة يصعب معها الرجوع إلى السلم.
ثانياً: التقليد الأعمى: الجزء الأول من المصطلح  لا يصنف ضمن الأفعال المذمومة، وذلك لتقارب الاتجاهات بين المقلَد وبين من سار على نهجه إذا كان الأول لا يزال ملازماً للطرق الوسطى، أما إذا حدث العكس فإن الثاني يكون وبلا أدنى شك من الذين ينطبق عليهم المصطلح بجميع تركيباته، وبالتالي يتم تصنيفه ضمن الناس الذين ينعقون مع كل ناعق، وههنا تكمن الطامة الكبرى التي يرفض أتباعها التخلص منها وبهذا القدر تستشري الأفكار الهدامة بين الناسب بصورة أكثر توسعاً، وهذه هي البذرة الأولى التي يمكن استقلالها من قبل رؤساء الفتنة لتسيير المغرر بهم إلى طرق الهلاك، وإثارة النزاعات بين الناس. 
ثالثاً: اتباع البدع: البدعة لا تخرج عن معنى إدخال غير المشروع في المشروع، أما إذا اقتصر المصطلح على الفهم الديني فههنا يكون المعنى ملازماً لإدخال ما ليس من الدين في الدين، كما في قوله تعالى: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها) الحديد 27. أي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم دون اعتماد الأدلة الشرعية، ولهذا نرى أن لأهل البدع مجموعة من الأساليب التي بنيت على غير شرع الله، واعتماداً على هذا الاتجاه يمكن أن تكون النزاعات قد أخذت طريقها إلى ما لا يحمد عقباه دون إرجاع الأمر إلى طرقه المشروعة، وقد بين سبحانه هذا المعنى بقوله: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء 59. وهنالك مجموعة أخرى من الأسباب تكاد تكون مرادفة لما قدمنا منها:
أولاً: تأثير الدخلاء على الأصلاء.
ثانياً: البيئة وأثرها على أبنائها.
ثالثاً: اتباع الأهواء والميول السلبية.
رابعاً: الاختلاف في المعتقدات.
خامساً: العصبية القبلية والانتماء.
سادساً: شعور الإنسان بالنقص. 
وبناءً على ما قدمنا نعلم أن للأسباب السالفة الدور الأكبر في إشعال نار الفتنة بين الطوائف والفرق على اختلاف مشاربها واتجاهاتها، ومن هنا يجب الاتجاه إلى دعوة القرآن الكريم التي بين فيها سبحانه مدى تأثير الاختلاف غير المشروع الذي يفضي إلى النزاعات التي تؤدي إلى الفرقة، كما في قوله تعالى: (ولا تكونوا من المشركين... من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون) الروم 31- 32. 
فإن قيل: إذن ما هي الحلول المناسبة التي يمكن بواسطتها إصلاح حال الأمة وإبعادها عن الصراعات الطائفية؟ أقول: ليس هناك حلولاً مناسبة تجعلنا نطمئن إلى السير بالاتجاه الصحيح الذي يؤمن لنا الطريق السالك للابتعاد عن الخلافات، وذلك بسبب الجهل الذي دأبت عليه الأمة حتى أصبح اليأس يدب شيئاً فشيئاً إلى نفوس المصلحين منهم، ولذلك ترى عامة الناس لا يتقربون إلى الله تعالى إلا بعنوان الرياء، أما العلماء فليس لديهم الدافع الحقيقي للإصلاح، ويمكن إرجاع ذلك إلى حبهم للمال أو الشهرة أو تمجيد السلطان وهلم جراً، ومن هنا نفهم أن الحل لا يتناسب مع الحالة التي وصلنا إليها، ولهذا يمكن تأجيله إلى يوم القيامة وسيحكم الله تعالى بين الطوائف المتنازعة ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون، وقد بين سبحانه هذا المعنى في قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) الأنعام 159. وكذا قوله: (فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) المائدة 48.
وكما ترى فإن الحل لا يمكن أن يظهر عياناً في هذه الأرض وذلك لأن كل طائفة تكفر الأخرى وتثبت أنها ليست على شيء من خلال الأدلة الوهمية التي تفاخر بها كل طائفة في قبال الأخرى، وهذا الأمر يكاد يكون متطابقاً مع أقوال أهل الكتاب أو الذين لا يعلمون وذلك بسبب التقارب الفعلي في الاتجاهات، وسوف تطلع على أقوالهم في آية البحث التي يبين تعالى من خلالها أن كل فرقة منهم تكفر الأخرى، ولذلك تم تأجيل الفصل بينهم إلى يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
تفسير آية البحث:
قوله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) البقرة 113. الآية تدل على اختلاف أهل الكتاب على الرغم من تلاوتهم لكتبهم، لأن الكتاب اسم جنس يقع على جميع الكتب التي نزلت عليهم، أي مع علمهم بما في هذه الكتب إلا أن كل فرقة تنكر على الأخرى اتجاهها الذي سارت عليه، فإذا كان هذا حالهم مع بعضهم فلا يرجى منهم أن يستقيموا على الطريقة التي نادى بها الدين الحق، ومفهوم الآية فيه دلالة لا تقبل اللبس على توجيه أتباع النبي (ص) لفهم هذا الافتراء الذي سوف ينالهم بلا أدنى ريب، ثم بين تعالى أن هذا الاعتقاد الملازم لهم لا يختلف كثيراً عن اعتقاد من لا يعلم الكتاب من مشركي العرب ممن لا كتاب لهم إذا علمنا أن إنكارهم للقرآن من المسلمات الثابتة... فتأمل ذلك. 

من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن  
 

نموذج للتوبة/ نسيم عبيدعوض

عندما سقط آدم فى الخطية كان أول سؤال الله له ‘ أين أنت ياآدم؟ بغرض أن يعترف آدم بخطيته ويتوب عنها‘ وهكذا كانت رسالة الكتاب المقدس كله هودعوة الإنسان للتوبة ‘ والرجوع الى الله ‘ ولذلك قام آباء الكنيسة بترتيب قراءات الشهر الأول من السنة القبطية – توت – بأناجيل تدعوا الناس الى التوبة ‘ ففى الأحد الأول من شهر توت يقدم لنا يوحنا المعمدان (لو7: 28-35) كرسول التوبة ‘ وتوضيح لمحبة وحكمة الله للبشر أن يرسل لهم صوتا صارخا ليدعوهم للتوبة تمهيدا لإستقبال المخلص الآتى لفداء البشرية ( كقول النبوة عنه على فم زكريا الكاهن –أبوه- " وأنت أيها الصبي نبى العلى تدعى ‘لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه‘ لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة الخطايا."لو1: 76و77)‘ وكقول الكتا ب عنه " كان يوحنا يعمد فى البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا." مر1: 4‘ وفى الأحد الثانى يقدم لنا فصل الإنجيل بسؤال كل البشر " ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية" (لو 10: 21-28)  والتى هى غاية توبة الإنسان عن خطاياه ‘ الحياة الأبدية ‘ وفى إنجيل الأحد الثالث ( لو 19: 1-10) وهو موضوع اليوم يقدم لنا نموذجا حقيقيا وفريدا للتوبة ‘ ولعل لقاء الرب بشخصية زكا وتوبته كانت إجابة على كثير من الأسئلة التى دارت فى أذهان التلاميذ ‘ ولعلها فى أذهاننا أيضا.

شخصية زكا رئيس العشارين

لم يكن زكا عشارا فقط بل كان رئيسا للعشارين ‘ وهى طبقة مكروهة من بنى شعبه ‘ وهم جابي الضرائب بأسلوب كله ظلم وعبودية وسرقة لحقوق الناس ‘ وخيانة للوطن بالتعامل مع المحتل الرومانى ‘ وعندما قال الكتاب انه كان غنيا كان المقصود من أموال الشعب ظلما ‘ وكان قبل ان يدخل الرب ويجتاز فى أريحا أن تقابل مع رجلا غنيا ودعاه بأن يتبعه ‘ ولكن الرجل " حزن لأنه كان غنيا جدا" ‘ وقال الرب لتلاميذه " ما أعسر دخول ذوى الأموال الى ملكوت الله. فقال الذين سمعوا فمن يستطيع أن يخلص؟ فقال "غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله."لو18: 23-27‘ ولقاء الرب مع زكا كان إجابة للسؤال عمن يستطيع أن يخلص ولو كان غنيا جدا‘ والصفة الأخرى فى زكا أنه كان عشارا ورئيس عشارين ‘ وهى صفة تعادل الخطاه ‘ ولذلك كان اليهود يتهمون المسيح بأنه يجلس مع الخطاة والعشارين ‘ ولم يكن هذا يمنع الرب من البحث والجلوس مع هؤلاء حسب قوله" لم آتى لأدعو أبرارا الى التوبة بل الخطاه ‘ ولعل زكا هذا كان قد علم ان الرب إختار واحدا من العشارين وهو متى الرسول ليكون تلميذه ‘ ولعل زكا أيضا سمع بما فعله الرب وهو على أبواب أريحا ومع برتيماوس الأعمى الذى صرخ " يايسوع ابن داود أرحمنى" وكقول الكتاب" فقال له يسوع أبصر. إيمانك قد شفاك." لو18: 42و43.

وطلب أن يرى يسوع من هو؟

الخطية فى حياة الإنسان تيار يبعده عن مركز الحياة فيه وهو الله ‘ وتأخذ القلب بعيدا عن النور الى كور الظلمة ‘ وتسلب الإنسان حريته ليتعبد لأهوائه وشهواته وحبه للمال والطمع المستمر فى إلإكتناز ‘ ولعلنا نسمع سؤال الكاهن لنا فى القداس الإلهى( أين هى قلوبكم ؟فنجيبه هى عند الله ) وهذا شرط لأن نستحق التناول من جسده ودمه الكريم ) ‘ وأيضا كمايقول الكتاب أن محبة المال هو أصل كل الشرور‘ وكان زكا رجلا عشارا وغنيا جدا ‘ ولكن بمفعول روح الله فيه حركه للشوق لرؤية يسوع ومن يكون هذا الذى سمع عنه الكثير ‘ وهذا هو بداية الطريق الى التوبة الحقيقية – الإشتياق لرؤية الله والرجوع إليه- فإذا كانت التوبة هى البحر الذى يغتسل ويتطهر فيه الخاطئ من خطاياه ‘ فأول خطوة هو الرجوع الى الله معطى مياه التوبة  ‘ وكمثل الأبن الضال الذى رجع الى نفسه وقرر ان يعود الى أبيه ويقول له أخطأت ياأبتاه الى السماء وقدامك ‘ وأيضا فأن بداية التوبة هى يقظة روحية من سبات الخطيه ‘ ويكون أساسها هو الشوق لأحضان الله التى تحوط علينا فتستر وتصد كل التيارات العدوانيه من قوات العدو الشرير ‘ ولذلك تحركت روح زكا فيه وطلب أن يرى يسوع.

معوقات التوبة

كانت عند زكا عوامل كثيرة تصد رغبته فى التوبة وتعوقه عنها ‘ اولا عامل جسدى وهو أنه كان قصير القامة ‘ ولعلنا جميعا نصاب بمثل هذا السبب فقد يكون الجسد محرضا بشهواته ورغباته عن الهروب من التوبة ‘ ثانيا كان هناك سببا إجتماعيا يحول بينه وبين التوبة ‘ فهو رجل له وضع إجتماعى كرئيس للعشارين ‘ وأيضا رجلا غنيا ‘وكثيرا من العوامل إلإجتماعية تؤثر فى توبتنا نحن كمثل سلوك من حولنا ‘ وكذلك رأى الناس والى آخره من محبطات المجتمع حولنا ‘ كعوامل مؤثرة فى الرغبة فى التوبة ‘ ثالثا العامل الروحي فقد كان زكا مكروها من المجتمع ‘ وتصاحبة نظرات الإزدراء من الجميع فى كل خطواته ‘ وقد يكون هذا سببا فى يأسه من التوبه ‘ ولكن هنا تظهر فى زكا النموزج الى التوبة فقد تغلب على عيبه الجسدى من قصر قامته وصعد الى الجميزة ‘ ولم يلتفت الى وضعه الإجتماعى وكيف ان الناس تستهزأ به ‘ وغلب كل يأس فيه  ‘ نسى كل هذه العوائق وكان كل شوقه أن يرى يسوع ‘ وهذا بداية التوبة.

يازكا إسرع وإنزل

عندما رأى الفريسيين والكتبه ان جميع العشارين والخطاة يدنون من الرب يسوع ‘ قالوا "هذا يقبل خطاة ويأكل معهم" فقال لهم الرب" يجب ان تفرحوا معى لأنى وجدت خروفى الضال‘ أقول لكم أنه هكذا يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة."لو15: 7‘ وايضا هو الذى بدأ بشارته بالدعوة الى التوبة وقال" توبوا لأنه قد إقترب منكم ملكوت السموات ‘ وهو الذى الذى لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا ‘ وكانت دعوة الرب لزكا بالإسراع أى بالرجوع الى النفس واليقظة الروحية ‘ والنزول عن كل الخطايا والبعد عنها ‘ فهى ساعة للإستيقاظ والنزول الى أحضان المسيح ‘ وكأن الرب كان مدبرا  بإجتيازه أريحا أن يخلص هذا الإنسان من خطاياه ولذلك يقول له" لأنه ينبغى أن أمكث اليوم فى بيتك.لو19: 5.‘ ليقول مع يشوع أما أنا وبيتى فنعبد الرب‘ وهكذا قدم له الرب وفق شوقه ورغبته أن يخلص أيضا كل أهل بيته ‘ وهذا لنعرف ان كل حياتنا الفضل فيها لنعمة الرب وعطاياه ‘ فهو الذى يمنحنا القوة على التوبة الصادقة ويحصنا فى هذه الحياة ‘ ولذلك يظلل على كل البيت ليحدث خلاصا ثابتا وتوبة صادقة لزكا وكل أهل بيته ‘ رغم تذمر الجميع الذين قالوا أنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ.

الإعتراف والتوبة

وكإن قول الرب لزكا إسرع وإنزل قد أيقظته من سبات عميق ‘ وقد عتقته من سلاسل الخطية ‘ وقد حلته من رباطات غليظة فى ظلمة الخطيه ‘ وقد الهبت روحه بنور مشرق ليقف ويعترف بخطاياه ‘ وأنه لم يكن يفعل صلاحا واحدا ‘ وأنه كان تاركا المساكين بدون صدقة ورعاية ‘ وكان واشيا وظالما للناس يأخذ منهم ناهبا أموالهم ‘ ولكن هاهو الرب يمد يده اليه ويسأله أن ينزل عن هوس المال والغنى ويتواضع تحت أقدام المخلص ‘ ولذلك وقف زكا مستهينا بكل شيئ ليقول للرب وأمام كل الناس وبكل شجاعة " هاأنا يارب أعطى نصف أموالى للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف."لو19: 8‘

وكان هذا حسب قول الرب " اليوم حصل خلاصا لهذا البيت إذ هو أيضا ابن إبراهيم." ‘ إبراهيم الذى آمن فحسب له الله برا‘ ونحن أيضا وفى يومنا هذا ‘ إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم ‘ فلنسرع وننزل عن كبريائنا الذى يحول بيننا وبين التوبة الصادقة ‘ وننحنى تحت أقدام الرب ‘ وسنسمعه يقول " يابنى مغفورة لك خطاياك" وكقول معلمنا بولس الرسول" إنكم عارفون الوقت أنها ساعة الآن لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا."رو13: 11.

المطران بو جوده في قداس بسلوقيط: تاريخ الكنيسة مجبول بالشهادة


زغرتا ـ  الغربة ـ
احتفلت بلدة بسلوقيط في قضاء زغرتا، بعيد سفيعيها القديسين سركيس وباخوس، خلال قداس ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، في كنيسة القديسين سركيس وباخوس في البلدة، عاونه في القداس خادم الرعية الخوري حنا حنا، والخوري طوني بو نعمه، وحضر القداس حشد من ابناء البلدة المقيمين والمغتربين.
بعد القداس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" إنّ تاريخ الكنيسة، منذ نشأتها، هو تاريخ شهادة وإستشهاد. فالمسيح الذي جاء ليخلّص البشريّة ويعيدها إلى أحضان الآب وإلى الملكوت، لآقى العداوة والإعتراض ممّن سمّاه هو بذاته أركون هذا العالم، أي الشيطان. وقد تعرّض هو بذاته إلى التجربة بعد صيامه أربعين يوماً إذ حاول الروح النجس إغراءه، بالمادة أولاً: عندما قال له أن يحوّل الحجر خبزاً، وبالسلطة ثانياً: عندما قال له إنّه يعطيه كل ممالك الأرض إن هو سجد له، وبالقدرة على إجتراح المعجزات وإثبات قوّته الذاتيّة ثالثاً عندما قال له أن يرمي نفسه من قمّة الهيكل إلى أسفل. العداوة بين يسوع والروح الشرير هي عداوة مستحكمة منذ آدم وحواء، فقد نجح الشيطان في تجربته لهما فإستسلما له ورفضا الله وقرّرا أن يجعلا من نفسيهما آلهة لنفسيهما، فوعدهما الله بمخلّص يسحق رأس الحيّة الشيطان، وهكذا بدأت الحرب بين قوّة الخير، الله الخالق والمخلّص، وقوّة الشر الساعية إلى فرض سيطرتها الدائمة على الإنسان. وإنّ تاريخ البشريّة على مر الأجيال هو تاريخ صراع بين القوّتين: الله والشيطان".
اضاف بو جوده:" وإنّنا نلاحظ أنّ المسيح في الإنجيل يتعرّض باستمرار إلى عداوة الشيطان وتجاربه المتعدّدة، وقد نجح الشيطان لفترة إذ أوصله إلى الموت وإلى معاملته من قبل الحكام والشعب معاملة المجرمين. لكنّ النصر النهائي كان للمسيح إذ أنّه إنتصر على الموت وقام من بين الأموات، وكانت قيامته عربوناً عن إمكانيّة قيامة كل إنسان إن هو سار في طريق الرب، وهو قد وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. وكان يسوع يعرف أنّ تلاميذه سوف يتعرّضون هم بدورهم إلى الإضطهاد، فقال لهم ليس التلميذ أفضل من معلّمه، فإن إضطهدوني أنا، فسوف يضطهدونكم أنتم أيضاً.
وإلى هذا يلفت إنتباههم في هذا المقطع من إنجيل اليوم الذي يقول لهم فيه أنّهم سوف يلاقون العداوة والإضطهاد حتى من أقرب المقرّبين إليهم، إذ سيسلّم الأخ أخاه إلى الموت والأب إبنه، ويتمرّد الأولاد على والديهم ويقتلونهم، وذلك إذا اتّبع البعض منهم تعاليمه وإذا رفضها الآخرون".
وقال بو جوده:" هذا ما حصل غالباً عبر التاريخ منذ نشأة الكنيسة ولغاية اليوم، فتاريخها هو تاريخ مضايقة وإضطهاد منذ العصور الأولى. وإنّ بولس الرسول الذي كان من أوّل مضطهدي الكنيسة عندما تزعّم العصابة التي قتلت الشهيد المسيحي الأوّل، الشمّاس إستفانوس، والذي إستولى عليه المسيح وهو ذاهب من أورشليم إلى دمشق لإعتقال المسيحيّين، قد تعرّض هو كذلك للإضطهاد العنيف الذي يصفه في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس حيث يقول: "جلدني اليهود خمس مرات أربعين جلدة إلاّ جلدة واحدة، ضُرِبتُ بالعصي ثلاث مرّات، رُجمتُ مرّة واحدة، إنكسرت بي السفينة ثلاث مرات، قضيتُ نهاراً وليلة في اللّجة، كثيراً ما كنتُ في الأسفار في أخطار السيول وفي أخطار اللصوص. في أخطار من أمّتي وأخطار من الأُمم وأخطار في المدينة وأخطار في البريّة وأخطار في البحر وأخطار بين الإخوة الكذبة".
وتابع بو جوده يقول:" من بين كل هؤلاء الشهداء يبرز الشهيدان القديسان سركيس وباخوس اللذان كانا من ضباط الجيش الروماني ومن أهم العائلات في الإمبراطوريّة الرومانيّة وقد تعرّضا للإغراءات الكثيرة كي يكفرا بالمسيح ويعبدا الآلهة الوثنيّة فينجوا بحياتهما ويحتلا المراكز المرموقة، لكنّهما رفضا وجاهرا بإيمانهما بكل جرأة وشجاعة فقتلا. وما حلّ بهما حلّ بالكثيرين، وما زال يحلّ بالمسيحيّين في عدد من بلدان العالم اليوم: في العراق مثلاً وفي الهند والصين والباكستان وغيرها. والمعروف أنّ المسيحيّين في الشرق العربي، وفي عدد من بلدان المنطقة يتعرّضون لهذه الإضطرابات بصورة مباشرة وغير مباشرة، مما يضطرّهم إلى ترك بلادهم والهجرة إلى البلدان الغربيّة التي تستقبلهم وتؤمّن لهم حياة هادئة وآمنة".
وختم:" إنّنا مدعوّون، أيّها الأحبّاء، لوعي هذه الأمور وخطورتها، وإلى التشبّث بمبادئ إيماننا والثبات فيها ولو تعرّضنا للمضايقات والإضطهادات، وبصورة خاصة في شرقنا العربي، وإلى رفض كل الممارسات المتنافية مع القيم والأخلاق في عدد كبير من البلدان، وإلى عدم الخوف على المصير وإلى التصدّي بجرأة وشجاعة لقوّة الشّر، فنعلن إيماننا على الملأ لأنّ المسيح وعدنا بالبقاء معنا إلى منتهى الدهر، ولأنّ وعده صادق وقد برهن عنه بإنتصاره على الموت ووعدنا بأن ننتصر معه، هو الذي وطئ الموت بالموت كي يُعيد الحياة للذين في القبور".
بعد القداس بارك المطران بو جوده "دسوت الهريسة" التي يعدها الشبيبة في البلدة كتقليد سنوي لمناسبة العيد.