الخلاص فى قراءات الكنيسة/ نسيم عبيد عوض

دبرت كنيستنا المقدسة قراءات الأناجيل الأربعة على مدار السنة القبطية ‘ بما يسمى القطمارس للآحاد وللأيام ‘ وكلها تدور عن عمل الثالوث القدوس ‘ الآب والإبن والروح القدس ‘ فى خلاص وفداء البشرية‘ وترتيب هذه القراءات يشمل قراءات شهر توت عن محبة الله الآب وإرادته ومشيئته فى خلاص البشر ‘ والتى توضح حكمته وبشارة إبنه الوحيد وخلاصه وعزه لمن يخلصون ‘ والشهور من بابة الى بشنس توضح نعمة الإبن الوحيد وعمل الله الإبن فى الخلاص والفداء‘ وكذا الشهور من بؤونة  الى النسئ توضح شركة ومواهب الروح القدس فى تفعيلات الخلاص‘ ولذلك فى كل نهاية القداس الإلهى يبارك الأب الكاهن الشعب بقوله‘ محبة الله الآب ‘ونعمة الإبن الوحيد ‘ وشركة وموهبة وعطية الروح القدس‘ الله الآب خطط ودبر الخلاص‘ والله الإبن (الكلمة المتجسد) دفع الثمن بدمه الكريم لفداء وخلاص الإنسان ‘ وبفعل وشركة الروح القدس يستفيد البشر المؤمن من الصليب و دم الذبيحة.

معجزة شفاء المفلوج

فى قراءات شهر بابة تعلن سلطان المخلص على نفوس البشر ‘ وفى الأحد الأول من الشهر يقرأ فصل الإنجيل من بشارة معلمنا مار مرقس الإنجيلى 2: 1-12 ‘ والتى تعلن معجزة شفاء المفلوج‘ وهى نفسها وردت فى إنجيل متى 9: 1-8  ‘ ولو 5: 18-26‘ وكلها فى صورة متكاملة تشرح ملخص لعمل الله الإبن المتجسد فى خلاصنا ‘ وهذه المعجزة تمت فى نهاية السنة الأولى لكرازة الرب يسوع على الأرض‘ والمعجزة فى حد ذاتها هى قصة خلاص الإنسان ‘ فالإنسان الساقط فى الخطية التى وقع فيها أبونا آدم ‘كان مطروحا فى عبودية إبليس يحتاج الى الشفاء ‘ وجاءت هذه المعجزات التى صنعها يسوع وهى كثيرة لا تعد ‘ حسب قول الإنجيلى يوحنا الحبيب " وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب فى هذا الكتاب‘ واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع المسيح هو ابن الله ولكى تكون لكم اذا آمنتم حياة بإسمه." يو20: 30-31‘ وأيضا شهد يوحنا بشهادة الحق وكتب قائلا" وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة."يو21: 25‘ والقصد واضح من قصة شفاء المفلوج ‘ بأن يقدم الله الإبن نفسه للبشرية وهدفه من التجسد وهو تطهير النفوس من الخطية بغفرانها ‘ وأما شفاء المرض فهذا أيسر بالنسبة لله القادر على كل شيئ والشافى من الأمراض ‘ وفى هذه المعجزة يعلن المخلص الأتى:

1- أنه الله الكلمة المتجسد كقول الكتاب ( والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقا .يو1: 14‘ وأيضا " عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد." 1تيمو3: 16 ‘ لذا يقول للمفلوج " ثق يابنى مغفورة لك خطاياك."مت9: 2‘ وهنا يعلن للبشر سلطانه الإلهى على مغفرة الخطايا ‘ وهذا هو الغرض الأساسى من التجسد الإلهى ولذا يعلن" لكى تعلموا أن لإبن الإنسان سلطانا على الأرض ان يغفر الخطايا."مت9: 6‘ والمعنى فى غاية الوضوح ‘إذا كان الكتبة يعلنون ان الله وحده هو غافر الخطايا ‘ فهو وإن كان فى صورة ابن الإنسان إلا أنه الله الذى له السلطان على الأرض أيضا أن يغفر الخطايا.

2- له السلطان على شفاء الأمراض ‘ وهذا تحقيقا للنبوة التى وردت عنه كعلامة على تجسده وهى كقول النبوة" هوذا الهكم .الإنتقام يأتى . جزاء الله. هو يأتى ويخلصكم. حينئذ تتفتح عيون العمى وآذان الصم تتفتح‘ حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الاخرس."أش35: 4-6‘ وهو بنفسه أعلنها فى مجمعهم بعد أن قرأ النبوة على مسامعهم وأغلق الكتاب وقال لهم" اليوم قد تم هذا المكتوب فى مسامعكم."لو4: 21‘ فإذا كان له السلطان أن يغفر الخطايا فالأيسر له أن يشفى من الأمراض لذا قال للمفلوج" لك أقول قم واحمل سريرك وأذهب الى بيتك."مر2: 11‘ ولعل إصرار الأربعة على تقديم المفلوج أمام يسوع كان فيه الإيمان بسلطانه على شفاء الأمراض ‘ لذا قال الكتاب" فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج مغفورة لك خطاياك ."مر2: 5.

3- هو العالم بسرائر الإنسان ‘ وهذا ظهر واضحا جليا عندما فكر الكتبة فى قلوبهم لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف – أى بمغفرة الخطايا – علم الرب وهو الفاحص القلوب والكلى كقول الكتاب عنه ‘ عرف خبايا قلوبهم ‘وكقول الكتاب " فللوقت شعر بروحه انهم يفكرون هكذا فى أنفسهم فقال لهم لماذا تفكرون بهذا فى قلوبكم ."ولعل قول الكتاب ( بهت الجميع ) كان أيضا لمعرفته الخبايا وهذا من سلطان الله وحده.

ثمرة الخلاص

قول الرب يسوع للمفلوج "ثق يابني مفغورة لك خطاياك" فيها المعنى الواضح أن من ثمرة خلاصنا ‘ ان أعطانا سلطانا أن نصير أولاد الله ‘ كقول الكتاب " أما الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله ‘ وهذه البنوة لله كنعمة محبته للمؤمنين به صرنا له أولاد بالتبنى ‘ وليس لغير المؤمنين المسيحيين من على الأرض له الحق فى البنوة لله  والصلاة  له  قائلين " أبانا الذى فى السموات"‘ وهذا نتيجة طبيعية للميلاد الثانى من الماء والروح الذى يجدد خلقتنا ويعيدنا الى صورتنا الأولى قبل السقوط.

  الأصدقاء الأربعة

وللعلم أن القديس مرقس الرسول هو الإنجيلى الوحيد الذى ذكر رقم الأربعة ‘ وهذا صورة مجسمة ورمز للأناجيل الأربعة – كلمة الله الحية – التى هدفها تقديم الإنسان الخاطئ والمريض جسديا أمام الله فى كل وقت وفى كل زمان ‘ حتى ينعم عليه الرب بالغفران والشفاء‘  والتى آمنوا بها وصدقوها ووثقوا فيها ‘ لذا رأى الله إيمانهم‘ وأيضا رأى الله رجاءهم فى شفاء صديقهم المفلوج إذا ماعملوا مجاهدين ‘ورغم كل الصعوبات لتقديم رجاءهم أمام الله الشافى ‘ والأهم رأى الله فيهم مقدار المحبة العامرة فى قلوبهم ‘ والتى تتضح من تعبهم وتضحيتهم وبذلهم الجهد فى سبيل تقديم الخدمة للغير ‘ وهذه هى قمة المحبة التى يطالبنا بها الله ‘ فكانوا مثالا للإيمان والرجاء والمحبة ‘ التى يتسلح بها كل مؤمن حتى ينال الغفران والشفاء.

الجموع وأنواع البشر

يقول الكتاب انه عندما سمع انه فى بيت‘ " وللوقت اجتمع كثيرين حتى لم يعد يسع ولا ماحول الباب‘ فكان يخاطبهم بالكلمة."مر2: 1و2‘ وهؤلاء الجموع يمثلون أنواع البشر الذين إستقبلوا خبر تجسد الله الكلمة فكانوا نوعيات مختلفة:

1- جموع من البشر لم تتقبل كلمة الله ‘ ولم تؤمن بلاهوته ‘ ورغم كل النبوات التى وردت على لسان أنبياء العهد القديم ‘ إلا أنه قالوا له أنك تجدف ‘ لأنك وأنت إنسان تعادل نفسك بالله ‘ والحقيقة أنه الله الظاهر فى جسد إنسان ‘ ويمثلهم هؤلاء الكتبة الذين إلتفوا حلوه ‘ ولكنهم فى قلوبهم قالوا "لماذا يتكلم هذا هكذا بتجادف." وقد ظهرت فى القرون الخمسة الأولى الميلادية بدع وهرطقات كثيرة حول رفض ألوهية السيد المسيح مثل آريوس ونسطور وأوطاخى‘ ولعل وحتى وقتنا هذا بعض الأديان تؤمن بهذا ومنهم جماعة شهود يهوة‘ ومن هذه الجموع أيضا المؤمنين المسيحيين الذين إسما يدعون مسيحيين ولكنهم يعبدونه برياء ومظهرية كاذبة ‘ فهم الذين لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون فاعليتها‘ هؤلاء معثرين لغيرهم وموجدين فى كل زمان ومكان .

2- جموع حول المسيح ولكنهم متذمرون ومنتقدون وغير واثقين فى كلمة الله ‘ وهؤلاء الذين فى كفر ناحوم ينطبق عليهم القول بأنهم رغم الآيات والمعجزات والعجائب التى صنعها يسوع ‘ كان لا يؤمنون ويقولون أنه يجدف ‘ ولهذا قال الرب عنهم ولكل أمثالهم " وانت ياكفر ناحوم المرتفعة الى السماء ستهبطين الى الهاوية. لأنه لو صنعت فى سدوم القوات المصنوعة فيك لبقيت الى اليوم. ولكن أقول لكم ان أرض سدوم تكون لها حالة اكثر إحتمالا يوم الدين مما لك."مت11: 23و24‘ وأمثال هؤلاء الفريسيين والكتبة من اليهود ‘ وفى حياتنا العملية نرى مثل هؤلاء المشككين فى كلمة الله ‘ ومنهم من قال عنهم القديس بولس الرسول" من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرين يرقدون."1كو11: 30‘ هؤلاء المشككين ولا يستحقون التناول من جسد الرب ودمه‘ ونسأل الله فى هدايتهم.

3- الجموع الذين قال عنهم الكتاب" بهت الجميع ومجدوا الله قائلين مارأينا مثل هذا قط."مر2: 12‘ ولعلنا إذا راجعنا أنفسنا فى حياتنا على الأرض ‘وتحققنا فيما فعله الرب معنا طوال سنين حياتنا ‘ فسنبهت ونمجد الله على الفور على ماصنعه معنا ‘ ونسجد له شاكرين حامدين على صنيعه معنا ‘ ونعيش معه فى حياة توبة ونقاوة قلب ‘ حتى يجعلنا مستحقين لملكوته الإلهى. ولربنا المجد الدائم. أمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق