الرابطة المارونية تقيم قداساً عن أنفس الرؤساء والأعضاء الراحلين




أقامت الرابطة المارونية في سيدني في كنيسة مار شربل بانشبول قداساً للصلاة عن أنفس مؤسس الرابطة المثلث الرحمات المطران عبدو خليفة ورئيس الرابطة السابق القاضي انطوان الراهب والأعضاء المؤسسين محسن الدويهي وجوزيف وصاف وأديب تادروس وأميل عنداري وبطرس عنداري ونلسون سمعان.
حضر القداس حشد كبير من الأهل والأقرباء وأبناء الجالية يتقدمهم رئيس الرابطة المارونية باخوس جرجس والرئيس الأقليمي للجامعة الثقافية اللبنانية في العالم في استراليا ميشال الدويهي وعدد من رؤساء وممثلي الأحزاب والجمعيات والإعلام. 
ترأس القداس سيادة المطران انطوان شربل طربية يعاونه رئيس دير مار شربل الأب د. لويس الفرخ والأب ايلي رحمة. نوّه المطران طربية في عظته بخطوة الرابطة المارونية بالدعوة الى القداس مؤكداً ان هذه المناسبة ستتحول الى مناسبة سنوية هامة لها مكانتها البارزة على روزنامة نشاطات الرابطة. 
ووزعت الرابطة المارونية كتيباُ أعدته للمناسبة تضمن سيرة مقتضبة عن حياة المرحومين المطران خليفة والأعضاء المؤسسين  وعطاءاتهم للرابطة المارونية والكنيسة والجالية بالأضافة الى معلومات عن مهمة الرابطة المارونية ودورها. 
بعد القداس توجه الجميع الى قاعة الكنيسة حيث بارك المطران طربية لقمة رحمة أعدت للمناسبة مجدداً أشادته بفكرة أقامة القداس شاكراً الرابطة رئيسا وأعضاء على كل جهودههم التي يبذلونها في خدمة الأبرشية والجالية. ثم كانت كلمة لرئيس الرابطة باخوس جرجس الذي شكر سيادة المطران ورئيس دير مار شربل والأباء والحضور متعهداً "متابعة المسيرة على خطى الذين لن ننساهم ممن أسسوا الرابطة وعملوا على تعزيز مكانتها ولا سيما الذين أنتقلوا الى رحمة الرب". كما وجّه جرجس تحية تقدير الى أعضاء الرابطة على جهودهم وأكد ألتزامه ببذل قصارى جهده في سبيل تحقيق أهداف الرابطة لما فيه خير الأبرشية والجالية. كما كانت كلمة للمحامي كريس انطوان الراهب الذي شكر بدوره رئيس الرابطة المارونية والأعضاء متمنيا لهم التوفيق في أهدافهم الرامية الى المحافظة على الأرث الذي تركه المؤسسون، وفي سعيهم الدؤوب من أجل أستمرارية الرابطة وتقدمها.

المطران طربيه يعود الى أستراليا بعد زيارته الفاتيكان ولبنان

حاملاً بركة البابا فرنسيس للجالية اللبنانية والمارونية في أستراليا

عاد صاحب السيادة المطران انطوان شربل طربيه، راعي أبرشية أستراليا المارونية، الى أستراليا مختتما زيارته الى الفاتيكان ولبنان والتي تخللتها لقاءات مع مرجعيات ومسؤولين في الكنيسة في الفاتيكان الى جانب لقاءات مع فعاليات رسمية وروحية في لبنان. ومن أبرز هذه اللقاءات الاجتماع الذي عُقد في مطرانية الأرمن الكاثوليك في الأشرفية بحضور بطريرك الأرمن الكاثوليك كريكور بيدروس العشرين ومطارنة وممثلين عن الكنائس في حلب كما حضر اللقاء السفير الأسترالي لدى لبنان السيد غلين مايلز. وقد تمحور النقاش حول أوضاع العائلات في مدينة حلب والظروف المأساوية التي يعيشون في ظلها كما تمّ التطرق الى سياسة أستراليا تجاه اللاجئين سيما وأن عدد اللاجئين الذي قد تعهدت أستراليا بأخذه قد استُنفد مع العديد من الطلبات التي تم رفضها وطُرح السؤال عن كيفية معالجة هذه الطلبات واذا ما كان سيتم اعادة النظر بها أو تحويلها الى دول أخرى قد تضمن لهذه العائلات المهجرة فرصة العيش الكريم على أراضيها. وقد كان اللقاء مناسبة لتوزيع المعايدات والمساعدات المالية التي خُصصت للاكليروس في مدينة حلب بمناسبة عيد الميلاد والتي تمّ تقدمتها باسم مجلس أساقفة الكنائس المشرقية في أستراليا .
زيارة لبنان أتت عقب مشاركة سيادة المطران انطوان شربل طربيه، الى جانب 120 مطران من كافة انحاء العالم، بالمؤتمر الذي عُقد في الفاتيكان حول تعديلات الحق القانوني الكنسي التي أصدرها البابا فرنسيس بالنسبة لموضوع بطلان الزواج والمحاكم الروحية وقد اتجه النقاش نحو قضية تسريع الاجراءات لبطلان الزواج وقضايا أخرى تتعلق بالمحاكم الروحية الكنسية. وقد خُتم المؤتمر مع قداسة البابا فرنسيس الذي بارك اللقاء والمشاركين،  وكانت مناسبة التقى خلالها المطران طربيه بالبابا فرنسيس الذي حمّله بركته للجالية اللبنانية في أستراليا وأبناء الأبرشية المارونية. وفي ضوء نتائج هذا المؤتمر سيُصار الى انشاء محكمة روحية كنسية في الأبرشية المارونية في أستراليا للنظر في دعوات بطلان الزواج لأبناء الجالية المارونية. كذلك التقى المطران طربيه في الفاتيكان برئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري الذي أعلن عن زيارة سيقوم بها الى أستراليا في شهر أيار من العام المقبل. كما كان لقاء مع أمين سر دولة الفاتيكان للشؤون الخارجية المونسنيور بول ريتشارد غلاغير واجتماع مع غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي تزامن وجوده في الفاتيكان. 
وقد شارك المطران طربيه أيضاً برتبة سيامة الكاردلة الجدد في روما الى جانب غبطة البطريرك الراعي والمطران فرنسوا عيد. 

الملح الجيد/ نسيم عبيد عوض

فى الأحد الثالث من شهر هاتور ‘ وهو الأحد الأول بعد بدء صوم الميلاد وكان يوم الجمعة الماضى ‘ يعلم الرب التلاميذ كيف هو طريقه ‘ أو بمعنى صحيح كيف يتبعه المؤمنين به ‘أو من هو الذى يأتى إليه ويتبعه ‘  وطلب منهم أن تكون محبة الله هى الوصية الأولى فى حياتهم ‘ كما تنص " تحب الرب إلهك من كل قلبك ونفسك وقدرتك ."‘ وطبعا المعنى أن القلب كله لا يحتوى على حب غير حب الله ‘ فإذا تشارك أحد فى حب الله ‘ فيكون قد سلب الله حقه وهو القلب كله ‘ وهذا هو المعنى الأول للآية " إن كان أحد يأتى إلي ولا يبغض أباه وأمه وأمرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضا فلا يقدر أن يكون لى تلميذا." لو24: 26‘ وهو هنا لا يحرض على بغضة الأهل والأقارب ‘ فهو الذى أوصى بمحبة الغير كوصية مكملة لمحبة الله ‘ وحسب قول الكتاب " من لا يحب أخاه فهو قاتل نفس." فالقلب العامر بمحبة الله يكون مظلة حب لكل الناس ‘ كقوله الكريم أيضا" من لايحب لا يعرف الله لأن الله محبة."

طريق الله

وعندما سأل القديس توما (المعروف بالتوأم) الرب يسوع المسيح " ياسيد لسنا نعلم اين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟ قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة."يو14‘ ولذلك كانت الديانة المسيحية فى القرون الأولى تعرف بالطريق‘ والطريق هو الرب يسوع المسيح ‘"ليس أحد يأتى الى الآب إلا بى." ‘ففى سفر أعمال الرسل 9: 2" وعن شاول الطرسوسى " وطلب منه رسائل الى دمشق الى الجماعات حتى اذا وجد اناسامن (الطريق)رجالا ونساء يسوقهم الى أورشليم."وأيضا فى أع18: 26" فلما سمعه أكيلا وبرسيكلا أخذاه اليهما وشرحا له (طريق) الرب بأكثر تدقيق." وفى أع 19 يذكر أيضا" وحدث فى ذلك الوقت شغب ليس بقليل بسبب هذا (الطريق).إذا فالطريق الوحيد لله وتبعيته هو محبة الله فى المقام الأول ومحبة الغير كمثلها ‘ ومن أجل ذلك الإيمان جعلنا نورا للعالم ‘ وجعلنا ملح الأرض ‘ بل وملحا جيدا ليس فاسدا‘ وهكذا بدأ يعلم تلاميذه الذين أوصاهم أن يحفظونا ويعلمونا ماأوصاهم به . 

وكلمة الله لنا اليوم فى الأحد الثالث من هاتور والمأخوذة من إنجيل القديس لوقا البشير 14: 25-35 تحدد بكل وضوح الطريق مع الله :

1- إن كان أحد يأتى ورائى ولا يبغض أباه وأمه وإمرأته وأولاده واخوته وأخواته – حتى نفسه - أيضا فلا يقدر أن يكون لى تلميذا. 2- ومن لا يحمل صليبه ويأتى ورائى فلا يقدر أن يكون لى تلميذا.

3-من منكم وهو يريد ان يبنى برجا لا يجلس أولا ويحسب النفقة هل عنده مايلزم لكماله.

4- وأى ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر فى حرب لا يجلس أولا وىتشاور.

5- كذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون تلميذا.

6- الملح جيد ولكن إذا فسد الملح فبماذا يصلح .؟

فى الأحد الأول من هاتور يكلمنا الرب عن الذين يسمعون الكلمة ويثمرون بالصبر "يسمعون الكلمة فيحفظونها فى قلب جيد ويثمرون بالصبر."لو8: 15‘ وهذا عن إثمار كلمة الله الحية أو إنجيل المخلص فى القلوب. وفى الأسبوع الثانى كلمنا الرب عن بركة الإنجيل ‘ كلمة الله التى تفيض  بها قلوب العاملين بكلمته الحيه كقول المخلص مت 13: 8 فى مثل الزارع " وسقط آخر على الأرض الجيدة فأعطى ثمرا بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين." ‘ وهو لتعليمنا الطريق للذين يريدون أن يتبعوا الرب يسوع ‘ ويعملوا بكلمته وبإنجيله . الحديث إذا عن طريق الله للخلاص وحياة المؤمنين فى الطريق.

فكيف يكون طريق الله أو كيف نتبع الله:

1- تسليم حياتنا كاملة لله ‘ وهذا هو الطريق الأمثل لتبعيتنا له ‘ والله الذى هو واضع شريعة الحب والمحبة ‘" وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا." يو13: 34‘ وهو الذى طالبنا بمحبة الأعداء "أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم." مت5‘ وهو يقدم لنا طريقه بتسليم حياتنا كاملة له ‘ حب القلب كله ‘ ويحددها " من أحب أبا و...  أكثر منى  فلا يستحقنى."مت10: 37‘ فهو لا يسألنا أن نكره أبائنا وأهالينا لأنه هو نفسه الذى وضع وصية بوعد عن إكرام الأب والأم ‘ ووضع وصية محبة الآخرين فى مستوى محبتنا لله أو هى الطريق لمحبة الله ‘ ولكنه يقصد هنا ‘ "ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس ."أع5: 29‘ وبتسليمه كامل حياتنا يعم هو بالمحبة والإكرام على الغير ‘ ومن التسليم له لا يعد للإهتمام بأنفسنا  مكانا ‘ " من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلى يجدها." مت10: 39 ‘ وأيضا قوله الكريم " من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه فى هذا العالم يحفظها الى حياة أبدية."يو12: 25. ومعنى ذلك: - أن من متع نفسه بلذات هذا العالم بعيدا عن المسيح أهلكها.- ومن سعى وراء حياة المتع الجسدية والأرضية الفانية أضاع نفسه . – أما من أبعد نفسه عن شهوات العالم والجسد ومتع الأرض أحياها ‘ ومثال ذلك شهداء الإيمان بالمسيح والقديسين الذين قال عنهم الكتاب "وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت." رؤ12: 11‘ فلما استهانوا بالآلام وبدم شهادتهم غلبوا الشيطان وكل قواته واستحقوا الملكوت.

2- حياة طريق الله هى حياة الصليب: ويوضحها لنا القديس بولس الرسول بدقة" ناظرين الى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذى من أجل السرور الموضوع أمامه إحتمل الصليب مستهينا بالخزى فجلس فى يمين عرش الله. فتفكروا فى الذى إحتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه. لئلا تكلوا وتخوروا فى أنفسكم." عب12: 2و 3 .

3- حياة الطاعة والوداعة وتواضع القلب: كما  حددها الرب " إحملوا نيرى عليكم وتعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيرى هين وحملة خفيف."مت11. الذى يتبعه على طريقه يجب عليه" أن نسلك كما يحق للدعوة التى دعينا إليها .بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة. محتملين بعضكم بعضا بالمحبة."أف4.

4- حياة الإحتمال والصبر: والمعنى فى حمل الصليب هو الإحتمال للمشقات والضيقات ‘ فمثلا فى معاملتنا مع الغير لابد أن نتحلى بطول الأناة والمحبة وبالوداعة وبالصبر الشديد ‘ ولابد أن نتذكر وصاياه" أن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ‘ ومن قال لأخيه رقا(أى يافارغ) يكون مستوجب المجمع ‘ومن قال ياأحمق يكون مستوجب نار جهنم." مت5‘ " ويقول لنا الرب عن الصبر " بصبركم اقتنوا أنفسكم ."لو21: 19‘ وكدعاء المرتل " لأنى لك يارب صبرت أنت تستجيب يارب ياإلهى."مز38‘ وجزاء الصبر هو الخلاص كقول الرب" من يصبر الى المنتهى فهذا يخلص."مت 10: 22‘ وحسب قول معلمنا يعقوب الرسول الذى أوضحها لنا " عالمين ان إمتحان إيمانكم ينشئ صبرا وأما الصبر فليكن له عمل تام لكى تكونوا نامين وكاملين غير ناقصين فى شيئ ."يع1: 3‘ لأننا نحتاج للصبر فى حياتنا الأرضية" لأنكم تحتاجون الى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد."

5- فى الخدمة والخدام " فى كل شيئ نظهر أنفسنا كخدام الله فى صبر كثير فى شدائد فى ضرورات فى ضيقات ‘ لأن الله نفسه يظهر محبته للخدمة والخدام فيقول" ان كان أحد يخدمنى فليتبعنى ..وحيث أكون  أنا هناك أيضا يكون خادمى . وإن كان احد يخدمنى يكرمه الآب. يو12: 26‘ حتى انه يعطينا نفسه مثلا " من أراد ان يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. كما ان ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين."  

6- الجهاد وضبط النفس : أن تحمل الضيقات والمشقات والإضطهادات (الصليب) لابد أن يكون بفرح بقبول برضا وبالشكر ‘ حتى لا تخور نفوسنا فى الطريق ‘ فحمل الصليب يكون فى صبر وشكر دائم وبذبائح التسبيح ‘ بإعتزاز وفخر " حاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح."غل6: 14 ‘ وفى حملنا له نتمثل عظمته: - التضحية والحب " هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من آمن به بل تكون له الحياة الأبدية."يو3: 16. - عظيم فى صفحه وغفرانه "ياأبتاه أغفرلهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون."لو23: 4 – عظيم فى سلطانه وقوته :" إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله." 1كو1: 18‘ إستعان به القديس مار مرقس على الأسدين فصاروا أليفين ‘ والقديس برسوم العريان فيقتنى ثعبانا ضخما فى قلايته ‘ ومار جرجس يرشمه على الكأس المسموم فلا يؤذيه . وكقول القديس بولس " أنكم تؤهلون لملكوت الله الذى لأجله تتألمون أيضا." 2تس1: 4.

7- بناء برج الحياة الروحية:  حتى نظل تابعين للرب وطريقه يستلزم منا دائما أن نحسب النفقة بمعنى أن نكون مستعدين لهذه التبعية وتكلفتها بأى تضحيات وتحمل الضيقات حتى أفوز بالشركة مع المسيح التى هى حماية وعناية ونعمة وبركه روحيه لحياتنا ‘ ولا نخف لأنه قد سدد فاتورة التكلفة مقدما بدمه الطاهر الكريم. ولابد أيضا أن نكون واعيين تماما لأعمال رئيس هذا العالم ..إبليس وقواته " لأن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى السماويات."أف6: 12.

ونحن مقبلين على صوم الميلاد ليعطينا الرب نعمته وبركته ليقوينا على أن نظل على طريقه الوحيد متمسكين بيده لتقودنا الى موكب نصرته ويشرق بنوره فى قلوبنا جميعا. آمين.


التقطت سيلفي مع ابنتها على فراش الموت.. فماذا ظهر فيها؟

التقطت والدة حزينة صورة لابنتها على فراش الموت يظهر فيها "ملاكها الحارس" كما تدّعي في واحدة من الصور الأخيرة معها.

وقد فقدت سارة دانبري من انكلترا، ابنتها البالغة من العمر 19 عاماً ايمي بيكهام بعدما أصيبت بنوعٍ نادرٍ من سرطان الكبد. وتقول السيدة إنها مقتنعة تماماً بظهور ملاك في صورة سيلفي التقطتها مع ابنتها قبل فترة وجيزة من وفاتها.

يُذكر أنّ دانبري كانت مع ابنتها في مستشفى Royal Free في لندن لتلقي العلاج عندما التقطتا هذه الصورة، وقد توفيت الفتاة بعد 3 أسابيع.

وقالت الوالدة إنها لم ترَ بداية الملاك في الصورة، لافتة إلى أنه عندما ننظر إليها عن كثب نرى شكل الملاك، وأضافت "كان هناك فقط مصباحين في هذا الجانب من الغرفة وكان كلاهما غير مضاء، لايمكن تفسير ذلك، إنه أمر غريب جداً".

ولفتت الوالدة إلى أنّ رؤية هذه الصورة يُشعرها بالراحة لأنها تعتقد أنّ هناك من يعتني بابنتها.

كلمة الله فى نفوس البشر/ نسيم عبيدعوض

فى الأحد الثانى من شهر هاتور- شهر زراعة القمح فى مصر -  يقرأ فى كنائسنا القبطية ‘ فصل من إنجيل القديس متى البشير الإصحاح الثالث عشر والأعداد من 1الى 9‘ والإصحاح يشمل سبعة أمثال للرب يسوع المسيح قالها لهم على ضفاف بحر جينسارت ‘ وكل الأمثال عن ملكوت السموات ‘ وللرب يسوع ما لا يقل عن 40 مثلا على مدار البشائر الأربعة‘ وأشهر هذه الأمثال هو مثل اليوم ‘ خرج الزارع ليزرع ‘ وهو نفس ماقرأ فى عشية الأحد الأول من هاتور – مرقس 4: 10-20 – وفى صباح الأحد التالى كان الإنجيل لمعلنا لوقا البشير 8: 4-15‘ وكلها عن نفس المثل الزارع والزرع والتربة‘ وفى تفسير الرب يسوع لتلاميذه أوضح أن الزارع هو نفسه الله الكلمة ربنا يسوع المسيح ‘ والبذرة هى كلمة الله ‘ والتربة هى نفوس البشر.
لماذا تكلمهم بأمثال ؟ 
قبل ان يسأل التلاميذ معلمهم عن تفسير المثل وكما يقول الكتاب" فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بامثال ؟ وكانت الإجابة " لأنه أعطي لكم ان تعرفوا اسرار ملكوت السموات ‘ اما لأولئك فلم يعطى . من أجل هذا أكلمهم بأمثال ‘ لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون." مت13: 10- 13 ‘  ولذلك فيوميا وفى القداس الإلهى يردد الكاهن أوشية الإنجيل كما قالها الرب لتلاميذه" أيها السيد الرب يسوع المسيح إلهنا الذى خاطب تلاميذه القديسين ورسله الأطهار ان أنبياء وأبرارا كثيرين إشتهوا أن يروا ماأنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا أما أنتم فطوبى لأعينكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع. ‘ فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك ...وهنا تلقى كلمة الله فى قلوبنا ‘ وما علينا إلا أن نسمعها ونعمل بها ‘ حتى يأتى بالثمر المتوقع. وعندما سأل التلاميذ الرب يسوع عن تفسير المثل قائلين ماعسى أن يكون هذا المثل ‘ فقال لهم " أما تعلمون هذا المثل. فكيف تعرفون جميع الأمثال ؟ وهذا سؤال موجه لكل واحد منا ‘ هل نفهم أمثال الرب يسوع ؟ هل نحفظ وصاياه ‘ هل كلمته ثابته فينا ؟ 
كلمة الملكوت
قال الرب لتلاميذه أن البذره هى كلمة الملكوت ‘ لأنه وهو الله الكلمة نزل من علياء سمواته ليغرس فى قلوبنا كلمة الملكوت ‘ والتى تجعلنا من بنى ملكوته ‘ يملك على قلوبنا فنعيش معه حياة التسليم كامله ‘ وهذا مانتعلمه اليوم:
1- أننا مولدين ثانية بكلمة الله الحية‘ كقول الكتاب" مولدين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى ‘ بكلمة الله الحية الباقية الى الأبد."1بط1 :23
2- الرب يريد منا أن نكون له أرض مسرة‘ كقول الكتاب" ويطوبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرة.قال رب الجنود." ملاخى 3: 12.
3- أن يكون لنا البصيرة الروحية والقلب النقى ( من له أذنان للسمع فليسمع) لتتلقى كلمة الله سمعها وفهمها والعمل بها ‘ كقول الرسول" ولكن كونوا عاملين بالكلمة ‘لا سامعين فقط خادعين نفوسكم." يع1: 22‘ لأنه أنت بلا عذر أيها الإنسان.
4- أن كلمة الله والملكوت تصنع فينا ثمارها : فى مت "فأعطى ثمرا بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين." فى مر " فأعطى ثمرا يصعد وينمو.‘ وفى لو " فلما نبت صنع ثمرا مئة ضعف." والثمر المطلوب فى كل الحالات هو ملكوت الله.
فى البداية كان الله يتكلم مع آدم مباشرة ويوصيه بفرائضه وأحكامه ووصاياه ‘ويقول له " من كل شجر الجنة تأكل أكلا واماشجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها .لانك يوم تأكل منها موتا تموت."تك 2: 16و17‘ وبعد معصية آدم عن سماع وصية الله ‘ وتسلل الشر للنفس البشرية  ‘ أصبح الإنسان ثقيل السمع لكلمة وصوت الله ‘ وفى بداية  علاقة الله بشعب بنى إسرائيل كتب لهم الله وصاياه على لوحى الحجر ‘  ثم كان الله يوجه كلامه مباشرة لشعبه كما حدث على جبل سيناء ‘ وفيما بعد وضع الله كلمته على فم رسله  وأنبيائه لينقلوها للشعب ‘ ويوصوا الشعب " فأحبب الرب الهك واحفظ حقوقه وفرائضه واحكامه ووصاياه كل الأيام."تث11: 1‘  وكان الله نفسه يوصى" فضعوا كلماتى هذه على قلوبكم ونفوسكم واربطوها علامة على أيديكم ولتكن عصائب بين عيونكم ‘ وعلموها أولادكم ..."تث11: 18-21‘ وحتى وجدنا كلمة الله مكتوبة فى كتابه المقدس والذى بين أيدينا اليوم ‘ ثم فى العهد الجديد يعلمنا الكتاب " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوؤا نعمة وحقا."يو1: 14‘ ويفسرها لنا القديس بولس الرسول" الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بانواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه ..."عب1: 1‘ ويعرفنا الرسول " كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر. لكى يكون انسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح."2تيمو3: 16و17‘ وأيضا " كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص ‘ لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس." 2بط1: 20و21‘   وهكذا وجدنا الله الكلمة بنفسه يوصينا بكلمته بسوائل شتى ومتنوعه ومنها  مثل الزارع والزرع ‘ فهو الزارع وهو الزرع . ( الله وابراهيم – اليعازر الدمشقى – رفقة )
تفسير الرب 
وليس لنا أى تفسير لمثل الزارع والزرع لأن الرب نفسه قد فسره لتلاميذه :
1- كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم فيأتى الشرير ويخطف ما قد زرع فى قلبه .هذا هو المزروع على الطريق.
2- والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذى يسمع الكلمة وحالا يقبلها بفرح . ولكن ليس له أصل فى ذاته بل هو الى حين. فإذا حدث ضيق او اضطهاد من أجل الكلمة فحالا يعثر.
3- والمزروع بين الشوك هو الذى يسمع الكلمة .وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر.
4- أما المزروع على الأرض الجيدة فهو الذى يسمع الكلمة ويفهم. وهو الذى يأتى بثمر فيصنع بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين.
والرب هنا يحدد لنا 3 أطراف هذا المثل : 1- الزارع أو الله الكلمة( الكلمة صار جسدا وحل بيننا ...يو1: 14.
2- البذور أو كلمة الملكوت أو الله الكلمة ‘ كقول الكتاب" الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما ‘ بأنواع وطرق كثيرة ‘ كلنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه..." عب1: 1‘ وأيضا " كلمة الله حية وفعالة...وليست خليقة غير ظاهرة قدامه ‘ بل كل شيئ عريان ومكشوف لعينى ذلك الذى معه امرنا."عب4: 12. فالزارع والزرع البذرة هو واحد الله الكلمة الرب يسوع المسيح ‘ كلمة الله الحية الباقية الى الأبد .من أجل ذلك يقول القديس بولس الرسول "لي الحياه هى المسيح"
3- التربة وهنا يقصد بها نفوس البشر ‘ وهم أربعة أنواع وواحدة منها فقط هى التى أعطت ثمارا ‘ ولابد أن نعرف المغزى العميق من الثمر ‘ الذى لابد أن يكون من نفس طبيعة البذرة ‘ وهذا هو الهدف ‘ فلابد من الثمار الذى هو نتيجة كلمةالله المغروسة فى قلوبنا ‘ وكقول الكتاب " ليس الغارس شيئا ولا الساقى بل الله الذى ينمى " بنعمة وروحه القدوس تثمر كلمة الله ‘ ولأننا" هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" وثمر الروح هو" محبة فرح سلام ‘ طول أناة  لطف صلاح ‘ إيمان وداعه تعفف. " غل5: 22و23.
نفوس البشر (التربة) 
1- نفوس بعيدة عن كلمة الله ‘وهم المدق أوالطريق الذى حول الأرض ‘ شارعا لكل من يدوس أو يمشى عليه ‘ ومن كل البدع والهرطقات والفلسفات ‘هؤلاء لا إيمان ولا أعمال عندهم ‘ وكلمة الله لا تأثير لها على سلوكهم‘ وهؤلاء الذين  قال عنهم يهوذا الرسول فى رسالته اليوم من الكاثيليكون" يتهاونون بالسيادة‘ يفترون على ذوى الأمجاد ‘ يفترون على مالا يعلمون ‘ وأما ما يفهمونه بالطبيعة كالحيوانات غير الناطقة‘ ففى ذلك يفسدون ." هؤلاء المتكبرين على كلمة الله ولا يفهمونها ‘ بل فى أغلب الأوقات يجحدونها ‘ هؤلاء هم العقلانيون ‘ الذين بغرور العلم لا يقبلون كلمة الله إلا ويشككون فيها ‘ ويتعاملون معها بعقل بعيداعن الإيمان والقلب المفتوح الروحانى ‘ وقد علمنا النبى داود أن مكان كلمة الله هو القلب" خبأت كلامك فى قلبى لكيلا أخطأ اليك."مز119: 11‘ ومعلمنا بولس الرسول" كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين‘ وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ‘ ومميزة أفكار القلب ونياته."عب4: 12‘ وأما هؤلاء سيقفون على أبواب الدينونة ‘ ويسمعون " أنت بلا عذر أيها الإنسان؟" ‘ وهؤلاء حتى ولو تسللت الكلمة قلوبهم من عظة أو درس كتاب أو إنجيل يقرأ عليهم ‘ ولغلاظة وقساوة قلوبهم يغلقونه عن الفهم ‘ فيأتى إلشرير كقول الرب ويخطف ما قد زرع فى قلبه.
2- نفسانيون لا روح لهم ‘ وهم الذين لهم المظهر الخارجى كتربة ولكنهم من داخل محجرة ‘ الإيمان بدون أعمال ‘  وقد قال عنهم اليوم معلمنا يهوذا الرسول " هؤلاء صخور فى ولائمكم المحبية‘ صانعين ولائم معا بلا خوف ‘ راعين أنفسهم‘ غيوم بلا ماء تحملها الرياح أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفا ‘ مقتلعة. هؤلاء هم المعتزلزن بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم ."‘ الكلمة تدخل القلب ‘ ولكنها لا تستطيع التمدد للداخل لتصنع ثمرا ‘ لأن الأصل مغلق عن الفهم ‘ فتموت الجذور ‘ وهؤلاء هم الذين يفرحون بالكلمة ويعجبون بها بل يمدحونها ‘ ولكن الى حين والى أقرب ضيقة يعثرون فى الخطايا ‘ لأن القلب مغلق أمام نمو كلمة الله فى الداخل.
3- قلب مزروع به الشوك .. أعمال بدون إيمان ‘ وهو الذى لا يوصل الكلمة للقلب بل يخنقه قبل وصوله ‘ وهذه الأشواك تتمثل فى حمل هموم العالم من معيشة وإحتياج وبعيدا عن القناعة والرضا ‘ وهذه كلها تشغل القلب عن كلمة الله ‘ وأيضا غرور الغنى وهؤلاء الذين قال عنهم رب المجد لملاك كنيسة اللاوديكيين " لأنك تقول : إنى أنا غنى وقد  استغنيت ولا حاجة لى الى شيئ ‘ ولست تعلم أنك أنت الشقى والبائس وفقير وأعمى وعريان." رؤ3: 17‘ وكما قال الرب للرجل الغنى الذى أتى يسأل الرب كيف يدخل الحياة الأبدية ‘ قال له" احفظ الوصايا فتحيا ..وأيضا قال له كيف تقرأ الناموس .." فالحفظ مع الفهم والعمل بالكلمة ‘ ولكنه للأسف لم يتبع وصايا الله فى تبعيته الحقيقية ‘ لأنه كان غنيا فمضى حزينا ‘ والمعوق الآخر لهذا النوع من البشر "شهوات سائر الأشياء." وهؤلاء هم الشهوانيين ‘ كماقال الكتاب" سالكون بحسب شهواتهم‘ وفمهم يتكلم بعظائم ‘ يحابون بالوجوه من أجل منفعتهم‘ والذين قال عنهم الكتاب " لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها" وأيضا"لك إسم انك حي ولكنك ميت"‘  والخلاصة نفوس هؤلاء تشغلها محبة العالم وإهتماماته بما فيها شهوة المال والطمع‘  وكلها حوائط تصد كل كلمة من الله لتصلح هذه النفوس‘ ولهؤلاء يقول الرسول " التقوى مع القناعة تجارة عظيمة ."
4- الروحانيون أو السالكين حسب الروح الذين قال عنهم الكتاب" إذا لا شيئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح."رو8: 1‘ هذه هى التربة الجيدة والخصبة ‘ الإيمان العامل بالمحبة‘استنارة القلب تنير عقولهم‘   والذين قال عنهم الرسول" أما أنتم أيها الأحباء فأبنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس ‘ مصلين فى الروح القدس ‘ وأحفظوا أنفسكم فى محبة الله‘ منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية."يه.
الله يريدنا تربة جيدة وصالحة ‘ تسمع وتفهم وتعمل بكلام الله ‘عقل واع وقلوب نقية ‘ وبصيرة روحانية ‘ لنقول "أما نحن فلنا فكر المسيح"‘ ولذلك يحذرنا معلمنا بولس الرسول" لأن أرضا قد شربت المطر الآتى عليها مرارا كثيرة‘ وأنتجت عشبا صالحا للذين فلحت من أجلهم.تنال بركة من الله.  وليسمعوا كلمة الرب ساطعة" وأنتم من قبل أنقياء من أجل الكلام الذى كلمتكم به ." 
الله يعطينا ونحن سنبدأصوم الميلاد أن تكون قلوبنا نقية طاهرة‘ وبصيرتنا روحية ‘تستقبل كلمة الله من كتابه المقدس فتثمر بمئة ضعف‘ أن نكون عامرين بالإيمان العامل بالمحبة. ولإلهنا المجد الدائم . أمين.

سورة البقرة: الآية 116/ عبدالله بدر اسكندر

بذل المحققون من الفلاسفة قصارى جهدهم لأجل تبيان معنى واجب الوجود، إلا أن التفاضل المتأرجح بين نسبة الماهية إلى طبيعتها غير الظاهرة يجعلها مجانبة للفرضية المنشودة لدى قسم آخر من المحققين ولذلك اعتمد هؤلاء على توسيع المفاد الأرقى الذي يبعدهم عن وصف المفاهيم التي تؤدي بهم إلى القول إن كل ما سوى الله تعالى ممكن وكل ممكن محدث وكل محدث مخلوق، وهذه السلسلة تصل بنا إلى تعارض الأمر عند اتحاد واجب الوجود مع آخر دون إظهار امتياز لأحد منهما أو انفصال أحدهما عن الآخر مع الحفاظ على أجزاء كل واحد منهما، ومن هنا نفهم أن التقسيم قد عاد إلى مرحلة التركيب كون كل مركب يفتقر إلى غيره وكل مفتقر ممكن، وبهذا تكون النتيجة أن كل واحد من المركبين قد يكون ممكناً وهذا محال لأن المركب لا يصدق عليه الفعل إلا إذا كان تركيبه يمتد إلى أجزاء غير متناهية، وهذا أيضاً لا يصدق لاستحالة التعيين المتخذ سلفاً للكثرة الملازمة للمركب، ولو أثبتنا جدلاً صحة هذه النظرية يكون المركب المتخذ أولى حدوثاً من المركب الذي سبقه في الأجزاء الأولى كما بينا، وبهذا القدر نعلم أن كل ما عدا الله تعالى مفتقر لغيره، لأن كل ممكن يحتاج إلى مؤثر سواء في عدمه أو في حال إخراجه من العدم، وهذا الدليل يجعلنا على يقين ثابت أن كل ما سوى الحق سبحانه محدث ومسبوق بالعدم ولا يمكن أن يخرج إلى الوجود إلا بخلق الله تعالى وإيجاده.
 من هنا يظهر أن جميع المخلوقات هي ملك لله تعالى دون التعرض إلى نسبة البنوة الخارجة عن الحقيقة التي أراد بعض الناس أن يجعلها أحد أجزاء واجب الوجود سبحانه، وقياساً إلى ما قدمنا تظهر النكتة في قوله تعالى: (بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون) من آية البحث التي سنتعرض إلى تفسيرها. وسيظهر أن فرية اتخاذ الولد المنسوبة إلى الخالق جل شأنه لم تختص بأمة من الأمم أو طائفة من الناس كون الباحث في سير الأقوام يرى أن جذور هذه الفرية ضاربة في القدم، وأنت خبير بأن كثيراً من الناس لا يزال يصدق بهذا الزعم، فمن جهة نرى أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله، أما اليهود فقد قالوا عزير ابن الله، فيما ذهب النصارى إلى أن المسيح ابن الله، والباحث في تأريخ العرب يرى أن مجموعة من المشركين قد ذهب ظنهم أن الملائكة بنات الله وذلك بسبب جهلهم وحبهم للذكور والمفارقة بينهم وبين الإناث، وكانت العلة وراء هذا الزعم أن الإناث ليس لهن من الأمر شيء لا سيما في الأوقات العصيبة وما يتفرع عليها من الحروب أو النهب والسلب، ولا يخفى على المتأمل أن هذا الادعاء لا يتقارب مع الحق المبين وذلك لأن الإناث قادرات على خوض الحرب والقيام بأعمال لا تقل أهمية عن الأعمال التي يقوم بها الذكور سواء في الحرب أو ما يتصل بها من غزوات كما هي عادة العرب.
وما يؤسف له أن العقل العربي لا يستوعب هذا النهج علماً أن جميع الأمم تراعي هذا الجانب من حياة الأنثى ما يجعل لها الحق في خوض الحرب أو أداء أي عمل من الأعمال التي تناسب التركيبة التي فطرت عليها، وأكثر من هذا الاعتقاد السائد لدى العرب نرى أن بعض القبائل قد ذهبت إلى ما هو أدهى وأمر، فقد عمد هؤلاء إلى نسبة العار إلى الشخص الذي تولد له أنثى، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا الأمر لا يزال متبعاً لدى بعض الناس الذين لا يحكّمون شرع الله، ولذلك ترى أن كثيراً منهم قد تصيبه المعرة جراء هذا العمل حتى يتوارى عن أنظار الناس خوفاً من العار الذي لحق به، وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم... يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل 58- 59.
وبناءً على ما كان سائداً لديهم من أفكار نلاحظ أن القرآن الكريم قد جارى عاداتهم وتقاليدهم في كثير من مواضعه، وذلك مراعاة لجهلهم كما هو الحال في عدم ذكر أسماء النساء باستثناء مريم وكذا الطواف بالصفا والمروة وما إلى ذلك من التقاليد، وهذا ليس حباً في معتقداتهم وإنما أنزل الحق هذا الأمر بهذه المنزلة لأجل أن يسير جنباً إلى جنب مع أفكارهم البالية لئلا يمتد تأثير ذلك إلى الأجيال اللاحقة كون أولئك لا يستفيقون من الغفلة إلا بهذه الطريقة، ومن هنا تظهر النكتة في قوله تعالى: (ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لو لا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) فصلت 44. هذا ما كان ينسبه العرب لله تعالى، وكما تعلم فإن الموضوع كبير ومتشعب وسنتكلم عنه بإسهاب في مناسبات قادمة، أما الآن فننتقل إلى أهل الكتاب وسنرى كيف نسبوا الولد لله تعالى ظلماً وعدواناً وذلك من خلال تفسير آية البحث. 
تفسير آية البحث:
قوله تعالى: (وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون) البقرة 116. نزه تعالى نفسه عن اتخاذ الولد كون من يتخذ الولد يصدق عليه لقب الوالد وهذا لا ينسجم مع الحق سبحانه وإن كان يعتقد بعض أهل الكتاب أن النسبة تشريفية، وذلك لأن الوالد يستلزم امتلاك البدن وما يلحق به من الشريك، وهذا لا يصح نسبته إلى الحق جل شأنه بأي صورة من الصور، ومن هنا نرى أن آية البحث تنزه الله تعالى عن هذا الفعل كونه يؤول إلى النقص والحاجة، ثم بينت الآية أن كل ما في السماوات والأرض ملك له فكيف يتخذ من عباده ولداً له، أضف إلى ذلك أن نظام الكون خاضع له جلت قدرته وهو الذي أبدع كل شيء فيه، فأنى يكون له ولد كما يظن أهل الكتاب، وهذا الاعتقاد الساذج لا يثبت أمام النقاش أو البحث عن الحقائق وذلك لأن قياسهم لا يخرج عن المماثلة التي أرادوا بواسطتها مقارنة الخالق بالمخلوق، علماً أن الإنسان يحتاج إلى الولد لأجل استمرار النوع وهذا يجري في جميع المخلوقات، وكما ترى فإن هذه التعريفات تناسب العقل الساذج ولذا لم نخض في المباحث الفلسفية.
فإن قيل: لمَ عبر تعالى عن الموجودات بصيغة جمع المذكر السالم في قوله: (كل له قانتون) من آية البحث؟ أقول: الاعتقاد السائد لدى أهل اللغة أن هذا من باب تغليب العاقل إلا أن القرآن الكريم لا يراعي هذا الوجه بقدر ما يشير إلى حقيقة الأمر الذاتية، كون الآيات التي هذا شأنها تبين أن جميع الموجودات لديها القدرة على الإدراك والشعور، وما يتطرق إليه القرآن الكريم بخصوص هذا الجانب ليس من باب الشعر أو مراعاة العادات القبلية التي تكلمنا عنها في معرض حديثنا، ولهذا ذكر سبحانه أن لمخلوقاته كامل الحق في الشهادة على الإنسان، وذلك في قوله: (حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون... وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) فصلت 20- 21.
فإن قيل: ربما يجعل الله تعالى للجوارح قدرة على النطق والشهادة في يوم القيامة دون شعور منها؟ أقول: لو كان الأمر بهذا المعنى لم تقم الحجة على الإنسان، لأن أفعال الموجودات ليست من قبيل ما نشاهده أو نسمعه من خلال المستجدات العصرية، علماً أن القرآن الكريم قد أشار إلى ما يطابق هذا المفهوم في مواضع أخرى، كما في قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا
 أتينا طائعين) فصلت 11. وكذا قوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً) الأحزاب 72. وسنتكلم عن هذا الموضوع بالتفصيل عند التعرض للآيات آنفة الذكر.

 من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن
     

الزارع والزرع/ نسيم عبيد عوض



فى البداية كان الله يتكلم مع آدم مباشرة ويوصيه بفرائضه وأحكامه ووصاياه ‘ويقول له " من كل شجر الجنة تأكل أكلا واماشجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها .لانك يوم تأكل منها موتا تموت."تك 2: 16و17‘ وبعد معصية آدم عن سماع وصية الله ‘ وتسلل الشر للنفس البشرية  ‘ أصبح الإنسان ثقيل السمع لكلمة وصوت الله ‘ وفى بداية  علاقة الله بشعب بنى إسرائيل كتب لهم الله وصاياه على لوحى الحجر ‘  ثم كان الله يوجه كلامه مباشرة لشعبه كما حدث على جبل سيناء ‘ وفيما بعد وضع الله كلمته على فم رسله  وأنبيائه لينقلوها للشعب ‘ ويوصوا الشعب " فأحبب الرب الهك واحفظ حقوقه وفرائضه واحكامه ووصاياه كل الأيام."تث11: 1‘  وكان الله نفسه يوصى" فضعوا كلماتى هذه على قلوبكم ونفوسكم واربطوها علامة على أيديكم ولتكن عصائب بين عيونكم ‘ وعلموها أولادكم ..."تث11: 18-21‘ وحتى وجدنا كلمة الله مكتوبة فى كتابه المقدس والذى بين أيدينا اليوم ‘ ثم فى العهد الجديد يعلمنا الكتاب " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوؤا نعمة وحقا."يو1: 14‘ ويفسرها لنا القديس بولس الرسول" الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بانواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه ..."عب1: 1‘ ويعرفنا الرسول " كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر. لكى يكون انسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح."2تيمو3: 16و17‘ وأيضا " كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص ‘ لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس." 2بط1: 20و21‘   وهكذا وجدنا الله الكلمة بنفسه يوصينا بكلمته بسوائل شتى ومتنوعه ومنها  مثل الزارع والزرع ‘ فهو الزارع وهو الزرع .

خرج الزارع ليزرع

تكررت هذه الجملة "خرج الزارع ليزرع "فى أناجيل الكتاب المقدس ‘ فى مت 13‘ ومر 4 ‘لو8‘ ولهذا التكرار وبإرشاد روح الله القدوس ‘ إختارت كنيستنا شهر هاتور ليقرأ في أحدين متتاليين نفس الفصل من الأناجيل ‘ لتواكب المثل مع بذر بذور القمح فى هذا الشهر ‘ وخصوصا فى أراضى الشرق ‘ ولعل الرب قد نظر زارعا يبذر البذار ليزرع حقله ‘ فلفت نظر الجموع حواليه ليكون المثل مع التطبيق العملى سهلا للفهم ليوصل رسالته الروحية لقلوب الشغوفيين بتعاليمه ووصاياه. وهذا هو المعروف فى عالمنا الحديث بوسائل الإيضاح .

الأمثال

وكان الرب له المجد يستخدم أسلوبا جديدا فى التعليم وهو الأمثال القصصية ‘ وكان يستخدم التشبيهات مثل "أنتم نور العالم"‘ أنتم ملح الأرض" ‘ زمرنا لكم فلم ترقصوا" ‘ نحنا لكم فلم تلطموا "‘ وقد فسر الرب هذا فقال لتلاميذه المؤمنين به ‘ "قدأعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات أما لأولئك فلم يعط. من أجل هذا أكلمهم بأمثال"مت13: 11-13.ولا عجب أن يحتوى إصحاح 13 من انجيل متى البشير  على 7 أمثال عن ملكوت السموات ‘ وأولهم مثل الزارع الذى خرج ليزرع.

الخروج

ومعلمنا متى البشير يستخدم هنا كلمة الخروج مرتين أولهما " وفى ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس عند البحر فكلمهم كثيرا بأمثال ‘ وثانيهما ‘ قائلا هوذا قد خرج الزارع ليزرع. لقد كان الخروج دائما فى فكر الرب يسوع ‘ ولعل خروج شعب إسرائيل من مصر أرض العبودية الى أرض كنعان أول رمز للخروج من عبودية إبليس وعتقنا من سطوة الشيطان. وهاهو فى ملء الزمان يخرج من بيته السماوى لينزل لنا على الأرض ليخرجنا بالحقيقة من الظلمة الى النور‘ الى حرية مجد أولاد الله " فإن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحرارا "يو8: 36‘ وعندئذ" وتعرفون الحق والحق يحرركم."يو8: 32.

ونلاحظ أيضا أن لقاء الرب مع الجموع كان دائما فى أحضان الطبيعة ‘ ففى القائه شريعة العهد الجديد عهد النعمة كان على الجبل (مت إصحاحات 5‘6‘7) كما سبق وأعطى موسى الوصايا العشر على جبل حوريب‘ وهو هنا يجلس على البحر ليعطيهم درسا عن ملكوت السموات ‘ ليعطينا ايضا المثل لنتأمل فى الطبيعة التى خلقها لنا لننعم بها ونشهد بعمل الله ونشكره عليها كما قال المرتل " السموات تحدث بمجد الله . والفلك يخبر بعمل يديه.مز19"

وفى هذا المثل يحدد طرفين: الزارع والزرع ‘ أو الباذر والبذار ‘ أى الله الكلمة ‘ وكلمة ملكوته ‘ كذلك التربه حددها بأربعة أنواع :

الطريق ..

أو المدق البعيد عن التربة الحقيقية‘فإذا وقعت عليها البذور جائت الطيور وألتقطتها مثل لإبليس. تربة حجرية.. فمظهرها تربة تصلح للزرع ولكنها تخفى صخرا فى عمقها ‘وإذا وقعت عليها    البذور تجف وتموت لأنه ليس لها عمق أرض فتحرقها الشمس . مثال للذين لهم صورة التقوى ولكنهم لا يؤمنون بقوتها.

وتربة نمت فيها الأشواك والأعشاب .. البذره تجد صعوبة فى النمو لأن الشوك يخنقها ‘ وهذا الشوك كثيرا فى حياتنا ‘ هموم العالم واللهس وراء الغنى وجمع الثروة.

التربة الجيدة..

وهى التى تنتج لصاحبها ثمرا بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين. والله يريدنا أن نكون أرض مسرة له " ويطوبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرة."ملا3: 12‘ " مولدين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى .بكلمة الله الحية الباقية الى الابد."1بط1: 23.

ورسالة الله لنا من هذا المثل :

أولا: مسئولية سامعى كلمة الله 

لأنه ليس كل من يسمع يعمل بما سمع " ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السموات ." مت7: 21‘ فالمطلوب منا الفهم والتفكير فى ما نسمع والعمل به ‘ لأن الله يقول لنا "الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة." وقد علمنا الرب أن كل من يسمع كلامى ويعمل به أريكم من يشبه . يشبه انسانا حكيما بنى بيته على الصخر ‘فلما هبت الرياح ونزلت الأمطار وجائت الأنهار وصدمت ذلك البيت فلم يسقط لأنه مؤسسا على الصخر .وأما من يسمع كلامى ولا يعمل به فأشبهه برجل جاهل بنى بيته على الرمل..."

ثانيا: كل أنواع التربة

سواء الحجرية أو المملوءة أشواكا وعشبا لها مايسمى بإستصلاح الأراضى ‘ كذلك التربة الجيدة إذا أهملتها تبور ‘فكما ان التربة تستصلح بالمواد الغذائية والمياه ‘كذلك القلوب اللحمية تحتاج لوسائط النعمة والروح القدس. الذى يعلمنا ويفهمنا ويرشدنا لكل شيئ.

ثالثا: واجبنا نحو كلمة  الله

يقول المرتل " خبأت كلامك فى قلبى لكى لا أخطأ اليك."مز119: 11‘ وأيضا يقول " كلامك أحلى من العسل وقطر الشهد."مز19: 10‘ ويعلمنا الرسول القديس بولس" كلمة الله حية وفعاله وأمضى من كل سيف ذى حدين..."عب4: 12‘ ويقول لتلميذه تيموثاوس : " وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص.2تي 3: 15. والمعنى هنا – الكلمة تحفظ من الوقوع فى الخطية ‘ لأنها سراج ينير وسلاح حاد ضد قوات العدو‘ وكلمته حلوة كقطر الشهد فى دسامتها الروحية ‘ وهى التى تعطى حكمة وحياة وتخلص النفوس. وفى التجربة على الجبل نرى كيف غلب المخلص إبليس ‘ بكلمة الله

رابعا: فى الدينونة سنسأل عن ثمار كلمة الله

ولذلك هناك أمرا مهما فى علاقتنا بالله ‘الإيمان وأعمال الإيمان ‘ أو الإيمان العامل بالمحبة ."لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله .ليس من أعمال كيلا يفتخر احد. لاننا نحن مخلوقين فى المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله واعدها لكى نسلك فيها.أف2: 8-10.

فإذا كانت تربة قلبك طريق أو مدق أو صخر حجري فلا تقلق فهناك محراث خشبى مرسل من الله مأخوذ من شجرة مثمرة‘ ليحرث قساوة القلوب ويعدها للإثمار والحصاد وهذا هو عمل خشبة الصليب والذى عليه انسال دم الفادى ليطهر ويغسل كل خطايانا.

وإذا كانت الأشواك تلتف حولك فلا تيأس فأن الله جمع كل الشوك ووضعه إكليل على رأسه وهو فى طريق الصليب والآلام وسفك  لنا دمه لفدائنا وخلاصنا. ولذلك يشبهنا المرتل بالشجرة المغروسة عند مجارى المياه ‘التى تعطى ثمارها فى أوانه وأوراقها لا يذبل .وكل مايصنعه ينجح.مز1. وعندما جاء يوحنا المعمدان ليهيئ الطريق أمام وجه الرب‘ قال لليهود " اصنعوا أثمارا تليق بالتوبة ..وهوذا الفأس قد وضع على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى فى النار."مت3: 8-10.

فلنصلى جميعا لله ان ينعم علينا بالإيمان العامل بالمحبة ‘ وان يجعلنا نورا للعالم ‘ حتى إذا مايضيئ نوركم قدام الناس يروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات ‘ ونرفع قلوبنا ونصلى له" أعدها للزرع والحصاد " الذى له المجد الدائم . أمين.


عناق انهى 5 قرون من الانقسامات: مصالحة كاثوليكية- لوثرية



المصدر: "النهار"
هالة حمصي

هذا التوقيع، هذا العناق يعنيان الكثير الكثير... "مصالحة تاريخية"، بتعبير العارفين، "حدث تاريخي" بامتياز. ان يقف بابا الكاثوليك جنبا الى جنب مع كبار المطارنة والقساوسة اللوثريين، وسط معقل لوثري تحديدا، ان يصلي معهم، ويعلن معهم ومن عندهم "اننا لم نعد غرباء بعضنا عن بعض... وما يوحدنا أكبر مما يفرقنا"، يشكّل لحظة حاسمة في مسيرة الكنيستين المتخاصمتين طوال 5 قرون.

الذكرى الـ500 لحركة الإصلاح الإنجيلي التي انطلقت احتفالاتها في العالم في 31 ت1 2016 من مدينة لوند السويدية، حيث تأسس الاتحاد اللوثري العالمي، تنطبع الى الابد بهذه المصالحة... وتنبىء بمزيد من التلاقي والتقارب. ولكن ثمة مزيد! تحقيق وحدة في الافخارستيا احد الاهداف، و"الحوار مستمر". وفي لبنان، مبادرة كاثوليكية تعكس هذا التقارب مع اللوثريين. مؤشر ايجابي.

"انها المرة الاولى منذ 500 عام التي يدعو بابا الكاثوليك ورئيس الاتحاد اللوثري العالمي الى صلاة مشتركة بين الكاثوليك واللوثريين من اجل ثلاثة امور: كي نشكر الله على امانة حمل الكلمة المقدسة، كلمة الانجيل، ونتوب عن اخطاء الماضي، ونلتزم المستقبل كي لا نجعل من الماضي يحدد مستقبلنا، بل نحدد مستقبلنا بالشهادة وعمل المحبة معا"، يقول رئيس الاتحاد اللوثري العالمي رئيس الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأراضي المقدسة والأردن المطران منيب يونان في حديث الى "النهار".

"ابواب جديدة" تنفتح
الساعة 2,30 ب.ظ. المكان: مدينة لوند السويدية، وتحديدا كاتدرائية لوند الإنجيلية. اللقاء مسكوني، الصلاة مسكونية مشتركة. الحدث نادر، "تاريخي" باجماع كثيرين. في تلك الساعة، وقّع البابا فرنسيس والمطران يونان إعلانا مشتركًا، بمثابة توقيع "مصالحة تاريخية" وتأكيدها، لا بل اعلانها امام العالم برمته... والاهم ان "هذا الاعلان يفتح لنا ابوابا جديدة"، على قول يونان.

"50 عاما من الحوار المسكوني المتواصل والمثمر بين الكاثوليك واللوثريين ساعدتنا في التغلب على العديد من الخلافات، وعمقت فهمنا وثقتنا المتبادلين... من خلال الحوار والشهادة المشتركة، لم نعد غرباء بعضنا عن بعض. بدلا من ذلك، تعلمنا أن ما يوحدنا أكبر مما يفرقنا"، يؤكد الكاثوليك واللوثريون في وثيقتهم المشتركة(1).

الاعلان "متزن"، بتعبير يونان، "ويتكلم عن امور رعوية في العالم ومشاكل الظلم وعدم العدالة في العالم، وايضا عن امور رعوية تتعلق بكيفية عمل الكاثوليك واللوثريين معا". ويضيف راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في بيروت رئيس مجلس كنائس الشرق الاوسط عن العائلة الانجيلية القس الدكتور حبيب بدر ان الجانبين يتعهدان في الوثيقة "الاستمرار في الحوار اللاهوتي، حتى الوصول الى وحدة كاملة في شركة الخبز والخمر، الى جانب تفعيل جهود الشهادة المشتركة للكنيستين، وخدمة المجتمع في حقول مكافحة الفقر والظلم والعنف والحروب وإحقاق العدالة الاجتماعية والعناية الخاصة بالبيئة"(2).

5 عناوين رئيسية تفصّل توجهات الوثيقة: "بقلوب شاكرة"، "الانتقال من النزاع الى الشركة"، "التزامنا الشهادة المشتركة"، "واحد في المسيح"، و"دعوة الى الكاثوليك واللوثريين في جميع أنحاء العالم". وفي كل فقرة، كانت تلك الـ"نحن" الجامعة، الموحدة في الهدف والكلام، وذات الوقع قوي.
"اليوم، نسمع أمر الله بان نضع جانبا كل صراع. نعترف باننا محرَّرون بالنعمة للتحرك نحو الشركة التي يدعونا اليها الله باستمرار". 931 كلمة صيغت بها الوثيقة، واختيرت كل منها بعناية، بدقة، تعبيرا عن المصالحة، لما تمثله من اهمية استثنائية. بالنسبة الى يونان، "المصالحة التاريخية بين الكنيسة اللوثرية والكاثوليكية هي ايضا جواب للمتعصبين والمتطرفين بان الدين- عندما يتحاور اصحاب الديانة- ليس المشكلة، بل هو جزء لا يتجزأ من حلّ العدالة وقبول الآخر والتعددية. وهذا ما اثبتناه في هذا اللقاء التاريخي".

الاعلان وُقِّع... وما يطمح اليه هو "مواصلة الحوار مع الفاتيكان حول امور لا نزال نختلف عليها لاهوتيا، مثلا الكنيسة والرسامة الكهنوتية والافخارستيا. وسنستمر في الحوار حول هذه المسائل، لنصل الى حل يقربنا اكثر من بعضنا البعض".

5 قرون...

31 ت1 1517. نقطة انطلاق الحركة الاصلاحية. في ذلك اليوم، "علّق الراهب الأوغسطيني مارتن لوثر في مدينة وتنبرغ في ألمانيا لائحة من 95 بندا يعترض فيها على بعض الممارسات والعقائد في الكنيسة الكاثوليكية التي رأى فيها خللا أراد إصلاحه". على الاثر، انتشرت رسالة لوثر بسرعة في مختلف ارجاء اوروبا، لا سيما بواسطة الطباعة. "وانطلقت حركات إصلاحية عدة في بلدان مختلفة في أوروبا، ونشأت منها أكثر من كنيسة إنجيلية في تلك البلدان"(1).

5 قرون... الخلافات بين الكاثوليك والإنجيليين "اتسمت بالحدة، وكانت عنيفة أحيانا، بحيث أثّرت على أوروبا في شكل كبير، كما على جميع البلدان التي انتشرت فيها الإرساليات الكاثوليكية والإنجيلية حول العالم..."، يقول بدر. وقد خلّفت هذه الإنقسامات "جروحا عميقة وآلاما بالغة بين الكنيستين، ولم يكن بالهيّن شفاؤها"، الى أن "ظهرت الحركة المسكونية خلال القرن العشرين، فقرّبت الكنائس بعضها الى بعض...".

من ثمار هذا التقارب، مباشرة حوار لاهوتي "عالمي جدي ومثمر بين الكنيستين اللوثرية والكاثوليكية من 50 عاما، يهدف الى تنقية الأجواء والوصول الى أكبر قدر ممكن من التفاهم والاتفاق والمصالحة والتعاون في مجالات عدة"(2). وقد توصل الى "وثائق وحدوية مهمة جدا"، ابرزها الاتفاق الرسمي على عقيدة "التبرير بالإيمان" (1983)، ووثيقة بعنوان: "من الخصومة الى الشركة" (2013).

وتأتي اليوم في الطليعة الوثيقة المشتركة الموقعة في 31 ت1 2016. "الاعلان ليس ايجابيا فحسب، انما ايضا يتوّج جهود الجانبين التي بدأت من 50 عاما. انه اعلان تاريخي"، يقول بدر لـ"النهار". صحيح ان "الانجيليين او المصلحين لم يوقعوه"، غير "انهم يتحدون فيه مع اللوثريين والكاثوليك"، يؤكد. "وكاللوثريين، نشعر بالالم تجاه الانقسام بين المسيحيين، والذي تعبّر عنه الوثيقة".

والتعابير واضحة. "بينما نتجاوز تلك الحقبات في التاريخ والتي تشكل عبئا لنا، نتعهد بان نشهد معا لنعمة الله الرحيمة التي تتجلى في المسيح المصلوب والقائم من الموت..."، تضيف الوثيقة. ما يأمل فيه بدر هو ان تشكل المناسبة "بدءا لعملية شفاء الجراح". في رأيه، "الفروق اللاهوتية بين الكاثوليك والبروتستانت لم تعد تشكل حاجزا بينهم. ونعمل كلنا، وفي الطليعة اللوثريون، من اجل تحقيق وحدة في الافخارستيا. انها الهدف. وهذا ما تقوله الوثيقة بوضوح. ونسير في هذا الاتجاه مئة في المئة".

ماذا بعد هذا الاعلان؟ "مزيد من الحوار"، يجيب، "وتركيزه على حيث يجب ان يثمر في النهاية، اي المشاركة في الافخارستيا والاسرار، وبالتالي الوحدة بالمعنى الممكن لها. اذا كنا نسعى اليها، فهذا يعني اننا في صلب المسيرة المسكونية".

عبارات تستوقف

ما يراه منسق لجنة المئوية الخامسة في السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان القس أديب عوض في الوثيقة المشتركة "بيانا يصلح لتتبناه كنيسة المسيح أينما وجدت، فيما الأهم هو روحيّة الكنيستين اللتين كتبتاه ووقّعتاه". ويقول لـ"النهار": "الزيارة البابوية والإعلان المشترك حدث تاريخي واحد ذو أبعاد لا يدركها إلّا من تشرّبوا روحَ السيّد المخلّص. فكم بالحري من قاموا بهما؟".

تستوقفه "عبارات محض إنجيليّة" وردت في البيان: "لم نعد غرباء بعضنا عن بعض". "بافتخارٍ نشكر الله من أجل المواهب الروحيّة واللاهوتية التي اكتسبناها من خلال حركة الإصلاح". "نُقرّ منتحبين، لأننا كلينا أدمينا وحدةَ كنيسة المسيح المنظورة، واستخدمنا الدين لمرامي سياسيّة". "نُلزم أنفسَنا بالنمو في الشركة المتجذّرة في المعموديّة". "إذ نعيد التزامنا بالانتقال من الصراع إلى الشركة، إنما نفعل هذا كجزءٍ من جسد المسيح الواحد". البيان في رأيه "يستوحي الصليب والقيامة بكلّ بريق لاهوتهما".

معوض: خطوة متقدمة

انها القراءة الايجابية نفسها لدى الكاثوليك. للوثيقة صدى جيد عندهم. "الاعلان المشترك يتضمن رغبة في الانفتاح وسعيا الى الوحدة بين اللوثريين والكاثوليك"، يقول رئيس أساقفة زحله المارونية رئيس اللجنة الكاثوليكية للعلاقات المسكونية المطران جوزف معوض لـ"النهار". الى جانب تضمنه مدلولات مسكونية روحية ولاهوتية مهمة، في التقويم ايضا انه "يشكل خطوة متقدمة في الحركة المسكونية، ويقرب الجانبين من بعضهما البعض، خصوصا انه يتوج 50 عاما من الحوار والتلاقي بين اللوثريين والكاثوليك".

ويتدارك: "الاعلان يعطي دفعا جديدا للحركة المسكونية والتلاقي". ما يقرأه فيه هو "انفتاح كبير واخوة كبيرة بين الكاثوليك واللوثريين، وايضا التفاتة رائعة تتمثل في انفتاح الجانبين على بقية المسيحيين، عندما يطلبان منهم الصلاة من اجلهما. التفاتة رائعة لانهما لم يخرجا، بتقاربهما، من بقية الجماعة المسيحية".

احتفالية في لبنان... و"تجاوب كاثوليكي"

في لبنان، انطلقت احتفالات الذكرى الـ500 للإصلاح في "خدمة عبادة احتفاليّة" اقامها المجمع الأعلى للطائفة الإنجيليّة في سوريا ولبنان الأحد 30 ت1 في الكنيسة الإنجيليّة المعمدانية في رأس بيروت، وذلك بالتزامن مع انطلاق احتفالات في مختلف الكنائس الإنجيلية في العالم.

هنا وهناك، يزخر برنامج الاحتفالية بنشاطات واحتفالات كثيرة، على مدار السنة. الجميع مدعوون الى المشاركة فيها، لا سيما الكاثوليك. والتشجيع على التقارب ضمن التوجهات. "اشجع عموما، من اجل التلاقي بين اللوثريين والمسيحيين من مختلف الطوائف. اشجع على التلاقي بين كل الطوائف المسيحية من اجل الوصول الى الوحدة"، يقول المطران معوض.

من المؤشرات اللافتة التي وجهها الكاثوليك في لبنان، تجاوبا مع هذه الاحتفالية، الدعوة الآتية: "بمبادرة وقرار من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك ومجلس كنائس الشرق الأوسط، يتركز موضوع "أسبوع الصلاة من أجل الوحدة" على الإصلاح الإنجيلي والمصالحة بين الكنائس، وذلك بإيحاء من مبادرة قداسة البابا. ستقام الخدمة الافتتاحيّة الساعة 5,00 ب. ظ الأحد 15/1/2017، في الكنيسة الإنجيليّة في الرابية".

"نعم، هناك تجاوب كاثوليكي"، يلاحظ يونان. تكلم مع المدبر الرسولي الكاثوليكي في القدس، "وهناك اهتمام كاثوليكي كبير بهذا الامر. وسنتفق قريبا على اقامة صلاة مشتركة، اما في القدس، اما في عمان، للاحتفال بهذه المصالحة التاريخية".
في ظل هذه الاحتفالية، يوجه دعوة صريحة الى البروتستانت والكاثوليك في الشرق. "لنر وجه الله في الكنيسة الاخرى، ولنضع كل انواع الطائفية والامور المختلف عليها جانبا، ولنر في هذه التعددية الكنسية التي منحنا اياها الله في الشرق الاوسط بركة نجعل منها سببا لفائدة الآخرين". من تمنياته الكثيرة، "ان تتعاون الكنائس الكاثوليكية واللوثرية في الشرق الاوسط معا، وترى ما الامور التي تستطيع ان تحققها معا. شهادتنا اقوى عندما تكون موحدة".

سورة البقرة: الآية 115/ عبدالله بدر اسكندر



إذا كان قياس الحقائق يؤول إلى الوجود الفعلي فمن الضروري أن يكون لتجرداتها سلوك آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنشأة الأولى ثم ما يلبث أن يفارقها إلى حيث المشيئة المقدرة، ونظراً لهذا التحليل تصبح جميع الموجودات آخذة بالمفهوم السلبي الطارئ على بقائها، ولتوضيح هذا البيان يمكن القول إن بطلان ما على هذه الأرض لم يكن تالياً لإيجادها وإنما هو الأصل الذي بدأت منه، وهذا ما يثبت عدميتها في نفسها وهلاكها شكلاً ومضموناً. فإن قيل: إذا اعتمدنا هذا الوجه تكون الحياة الدنيا بعيدة عن المفاهيم الصادقة أو نستطيع القول إنها ولدت عن طريق غير شرعي؟ أقول: التباين بين الموجودات ينذر بعدم شرعيتها إذا كان اتجاهها ملازماً للعدمية المطلقة وهذا لا يتقارب مع ما نحن بصدده إذا أخرجنا الاستثناء الذي لا يعتريه الهلاك، وإن شئت فقل إذا أخرجنا الأشياء التي تنتمي إلى التعدد الموجب، واستناداً لهذا الفهم يمكن أن يظهر الفرق بين النسب المقدرة لتلك الأشياء وبين واجب الوجود سبحانه، ومن هنا نعلم أن العندية الإلهية هي التي تمد الموجودات جميعها بالاتحاد الجزئي دون التكلف المنظور الذي يفضي بها إلى المباينة، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) الحجر 21.
وتجسيداً لهذا المعنى نرى أن إطلاق القرآن الكريم لمصطلح الهلاك على ما في هذه النشأة قد أخذ مساحة واسعة في متفرقاته، منها قوله تعالى: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) يونس 24. وكذا قوله: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت 64. وقوله تعالى: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) آل عمران 185. وهنالك آيات أخرى بهذا الصدد مما يدل على بطلان جميع الأشياء في هذه النشأة وإن كانت مشاهدة لدى الناظر الذي لا يميز بين الرؤية الحقيقية وبين ما يقابلها من الفناء، وقد بين الحق سبحانه هذه النظرة التي لا تصدق بقوله: (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) الأعراف 198. وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (ولا تدع مع الله إلهاً آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) القصص 88.
والآية آنفة الذكر صريحة في نسبة الفناء والهلاك إلى كل شيء ما عدا الذات الإلهية التي عبر عنها بالوجه وهذا يثبت أن جميع الموجودات تستمد فيضها من عطاء الله الدائم، وتأسيسا لهذا المفهوم يمكن الإشارة إلى التغيير المستمر للأشياء باعتبار ذاتها نسبة إلى حركتها التي لا تتوقف، وهذا يدل بكل وضوح على بطلان استمرارها منذ لحظة ولادتها إذا ما أخرجنا الأشياء الثابتة التي أضافها تعالى إلى العندية التي لا يعتريها الهلاك، وبهذا تظهر النكتة في قوله تعالى: (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) الأنعام 13. والتعبير بالليل والنهار يراد منه الاستمرار، وهذا يتقارب مع معنى الدوام المعبر عنه بالسماوات والأرض في قوله جل شأنه: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق... خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) هود 106- 107.
ومما تقدم نعلم أن كل شيء مصيره إلى الهلاك والبطلان إلا ما كان مستثنى من قبل الحق سبحانه كون هذه الأشياء تستمد وجودها الفعلي من العندية الإلهية كما ذكرنا آنفاً، وقد بين تعالى هذا الفرق بقوله: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) النحل 96. ويتفرع على هذا البقاء جميع ما عند الله تعالى من جنة ونار وعرش وكرسي وما إلى ذلك، ولهذا وصف الجنة بأنها أعدت للمتقين في قوله: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) آل عمران 133. وقريب منه الحديد 21. أي هي عند الله تعالى لا يعتريها الفناء، ويمكن أن يستدل على بقاء الجنة العندي بصورة أكثر وضوحاً في قوله تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) الأنعام 127. ويقابل هذا المعنى ما ذكره سبحانه بحق النار في قوله: (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) البقرة 24. وقريب منه آل عمران 131. والدليل على عندية النار يظهر جلياً في قوله تعالى: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) الأنعام 124. 
من هنا نصل إلى أن الوجود الفعلي في هذه النشأة لا يتم له البقاء والاستمرار إلا بالتوجه الحقيقي لله تعالى من أجل أن يحصل الإنسان على التعريف الأمثل لأسباب خلقه المشار إليه في قوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات 56. ولا موجب لهذه العبادة إلا إذا كان الإنسان متوجهاً إلى الجهة التي أرادها الله تعالى دون النظر إلى المكان المقرر الذي يتجه إليه الناس عادة، وهذا ما بينه سبحانه في قوله: (فأينما تولوا فثم وجه الله) البقرة 115. وسيمر عليك تفصيل هذا الجزء من الآية في المساحة المخصصة للتفسير.
تفسير آية البحث:
قوله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) البقرة 115. التعبير بالمشرق والمغرب كناية عن جميع الجهات كون ما يقصده الإنسان إنما يتعين بشروق الشمس أو غروبها ولذلك ورد هذا المعنى في آيات أخرى كقوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) البقرة 177. وكذا قوله: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون) المعارج 40. وقوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) الأعراف 137. وهنالك آيات كثيرة بهذا المعنى.
وقوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) من آية البحث. أي ليس هناك جهة أهم من جهة بمعنى أن التولية لا تختص بمكان دون آخر، ولهذا علل سبحانه التوجه بقوله: (إن الله واسع عليم) من آية البحث. وارتباط الآية بما قبلها فيه إشارة لا تقبل اللبس على أن منع ذكر الله تعالى في المساجد لا يكون عثرة في طريق الناس الذين يكون توجههم إليه سبحانه بغض النظر عن الجهة المعلومة لديهم، وهذا ما يظهر من مفهوم الآية أو من خلال تعلقها بما قبلها كما بينا. 
فإن قيل: ما الفرق بين ثم وهناك؟ أقول: كلاهما بمعنى، أي ظرف مكان كما في آية البحث وكما في قوله تعالى: (وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً) الإنسان 20. وكذا قوله: (وأزلفنا ثم الآخرين) الشعراء 64. وقوله: (مطاع ثم أمين) التكوير 21.
فإن قيل: التولي: يعني الإدبار فكيف يصح اعتماده الملازمة في آية البحث؟ أقول: ولى من أسماء الأضداد وهو يفيد كلا المعنيين أي الإقبال والإدبار، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع في مناسبات سابقة. 
فإن قيل: ورد لفظ هنالك في القرآن دون هناك فهل يمكن أن يكون الثاني صحيحاً؟ أقول: عدم ورود اللفظ في القرآن الكريم لا يعني عدم صحته وهنالك شواهد كثيرة لتبيان ما ذهبنا إليه، منها الأرض التي لم تجمع على أرضين، ولهذا قال تعالى: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) الطلاق 12. علماً أن الأرضين لغة صحيحة وقد وردت في الأدعية المعتبرة... فتأمل ذلك بلطف.
من كتابنا: السلطان في تفسير القرآن