فى الأحد الثانى من شهر كيهك يقرأ فصل الإنجيل من بشارة معلمنا لوقا الإنجيلى 1: 26-38‘ وأيضا فى نهضات السيدة العذراء السنوية لا يخلو الوعظ والتأمل من هذه الأعداد ‘ لأن هذا الفصل من الإنجيل هو تذكار البشارة والميلاد والقيامة ‘ وهذه بشارة من أعظم البشائر السارة والمفرحة والمبهجة للبشرية كلها ‘ لم يسبق لها نظير ولن يكون لها مثيل ‘ فقد كانت البشارة بداية تحقيق الوعود وتدبيرات الله الخلاصية لفداء البشر من عبودية إبليس ‘ وكنص الكتاب " فقال لها الملاك : "لا تخافى يامريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذايكون عظيما وإبن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه."لو1: 30-32.
يوم البشارة التى أرسلها الله ويحملها ملاكه جبرائيل ‘ هو يوم إنتظرته البشرية آلاف السنين لتحقيق وعد الرب بالخلاص من عبودية الشيطان فى حال سقوط آدم وحواء بغواية إبليس "نسل المرأة يسحق رأس الحية ."تك3: 15. ومنذ ذلك الوعد والزمن والبشر جميعهم يتطلعون إلى حنان وحب ورحمة الله ليرسل تلك المرأة ونسلها الذى سيخلص الجميع من سطوة وعبودية الشيطان وفكنا من أسره ودخولنا ملكوت الله‘ كما كان يوم خلقة آدم الأول‘ وهانحن أمام بشارة السيدة العذراء بنسلها كلمة الله (اللوجس) المتجسد.
ولأن هذا الفصل من الإنجيل يتم التأمل فيه عشرات المرات طوال السنة ‘ وخصوصا من الناحية اللاهوتية ‘ من حيث ان الله الكلمة (اللوجس) يحل فى بطن العذراء ‘ وبفعل الروح القدس سيطهر مستودعها حتى لا يورث منها أى خطية ‘ويتم الحبل به فى أحشاء العذراء الذى من دمها سيأخذ جسدا ويتأنس‘ وهذا مابشر به الملاك" الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله."لو1: 35‘ وقد تم بدء الحمل وقت أن قالت مريم للملاك" هوذا أنا أمة الرب . ليكن لى كقولك."لو1: 38.
لكن دعونا اليوم نتأمل فى نعم روحيه تضمنتها هذه البشارة الخالدة‘ وخصوصا ونحن فى الأسبوع الثانى لصوم الميلاد الذى نصومه إستعداد لإستقبال ميلاد رب المجد يسوع ‘ الله الكلمة – الأقنوم الثانى فى الثالوث القدوس - ‘ تماما كما صعد موسى النبى على جبل سيناء وصام أربعين يوما وأربعين ليلة والتى فى نهايتها أعطاه الله كلمته المتمثله فى وصاياه العشرة على لوحين من الحجر.
بشارة تحقيق النبوات
" كقول الكتاب "وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة. الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف.واسم العذراء مريم.فدخل اليها الملاك وقال سلام لك أيتها الممتلئة نعمة .الرب معك .مباركة أنت فى النساء . فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ماعسى ان تكون هذه التحية. فقال لها الملاك لا تخافى يامريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله . وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع." "لو1: 26-32. بشارة الفرح والبهجة والسرور مصدره الخلاص المنتظر ‘ وتحقيقا لنبوات الكتاب المقدس كله ‘ وتنفيذا لكل التدابير الإلهية منذ السقوط حتى يتم الخلاص ‘ ومن هذه النبوات:
"ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل أش7: 14‘وأيضا " الشعب السالك فى الظلمة قد أبصر نورا عظيما . الجالسون فى أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور."أش9: 2 ‘ونبوة أكثر تحديدا " لانه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام ." "أش9: 6" و" قومى استنيرى لأنه قد جاء نورك ومجد الرب قد أشرق عليك."أش60: 1. وكل النبوات فى كتب العهد القديم كله وحتى آخر نبى (ملاخى) تحققت فى هذه البشارة ‘ حتى أن سمعان الشيخ لما حمل الطفل يسوع على يديه صرخ قائلا"الآن تطلق يارب نفس عبدك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نورا اعلان للامم ومجدا لشعبك اسرائيل ."لو2: 29-32‘ نبوة رآها سمعان والطفل فى أقمطته ولكنها تحققت بالحرف. وبعد قبول العذراء البشارة قالت فى تسبحتها " تعظم نفسي الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى." لو1: 46و47
بشارة نعمة الخلاص
ونحن الآن فى صوم الميلاد لإستقبال التجسد الإلهى ‘ لنتذكر قول معلمنا بولس الرسول ليفسر نعمة الخلاص " الذى أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا الى ملكوت ابن محبته. "كو1: 13‘ وكقوله" هكذا أحب الله العالم حتى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية."يو3: 16‘ وأيضا قول الكتاب" الذى لم يشفق على إبنه بل بذله من أجلنا أجمعين كيف لا يهبنا منه كل شيئ."رو8: 32. و"بالنعمة أنتم مخلصون."أف1: 5.
فعلينا دائما نحن المؤمنين المسيحيين الحياة فى ملكوت الله ابن محبته ‘ لأنه يوم أن خرجنا من جرن المعمودية ولدنا من الماء والروح‘ وملكوت الله داخلنا يقودنا فى موكب النصرة ‘ لنتحلى بالسلوك المسيحى مقابل نعمة الخلاص التى وهبنا إياها‘ وحسب الدعوة التى دعانا بها بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة محتملين بعضا بعضا فى المحبة.
بشارة السلام
فى قول الملاك للسيدة العذراء " سلام لك " هو سلام لنا جميعا لأن أمنا العذراء تقبلته وهى مندوبة عنا ‘ ولثقة السماء فيها وإختيارها ‘ ولأنها مباركة فى النساء. والسلام نعمة لا تحل إلا حيث لا توجد خطية ‘ وحيث توجد الخطية لا يوجد سلام ‘ كقول الكتاب ( لا سلام للإشرار) ‘ وهكذا تغنت الملائكة بعيد الميلاد بقولهم " المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام." ‘ ولأن السلام هبة سمائية من الله ‘ فاخيرا الأرض تمتعت بسلام الله بعد غياب طويل‘ وفى صعود الرب الى حيث كان أولا ترك لنا سلامه ‘" سلامى أترك لكم سلامى أنا أعطيكم ‘ليس كما يعطى العالم ." فهل حياتنا المسيحية تنطق بما ننعم به من سلام الله داخلنا؟
الإمتلاء بالنعمة
فى البشارة السمائية قال الملاك للعذراء " أيتها الممتلئة نعمة" وكلمة الإمتلاء من نعم الله دعوة لنا جميعا للكمال المسيحى (النسبى) كقول الرب لنا " فكونوا أنتم كاملين كما ان أباكم الذى فى السماوات هو كامل."مت5: 48‘ وأول الإمتلاء والكمال يبدأ من حب الله كالوصية الإلهية "تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك " حب كامل القلب لله ‘حتى لا يجد الشيطان مكانا يتسرب منه داخلنا ‘ كما فى الهدف والوسيلة. والإمتلاء بنعم الله يحتاج الى جهاد روحى لأن الإمتلاء المفروض به ان يدخل بنا الى ملكوت ومحبة المسيح ‘ ولكن للأسف المفروض شيئ وواقعنا شيئ آخر ‘ فرحلة الخلاص تتطلب جهادا روحيا طول الوقت "مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة"أف5: 16 ‘ وحتى يصل الإنسان المسيحى الى "قياس قامة ملء المسيح ."أف4: 13 ‘ وهناك أمثلة كثيرة فى قديسين كثيرين قد حققوا الإمتلاء ونالوا أكاليل لا تحصى.
النعمة عطية إلهية وهبة مجانية يعطيها الله لأولاده الذين هم فى جهاد روحى وحياة استعداد دائم وتجاوب لوصايا الله وعمله فينا‘ لأن بدون عمل الله فى حياتنا لا نستطيع ان نفعل شيئا حسب قوله الكريم" بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا."يو15: 5 ‘ ومن أهم النعم الإلهية التى أوضحها هذا الفصل من الإنجيل نعمة الإيمان ومعرفة الله: فقد قال لها الملاك " لا تخافى يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله وها انت ستحبلين وتلدي ابنا وتسميته يسوع... فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا.فأجاب الملاك وقال لها . الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك .فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله. فقالت مريم .هوذا أنا أمة الرب . ليكن لى كقولك." وهل هناك عقل بشرى يستطيع تحمل هذا الكلام والثقة فيه وتصديقة ‘ نعم السيدة العذراء قبلته وآمنت به وصدقته ‘ كما هو أبوها إبراهيم عندما قال له الرب " الذى يخرج من أحشائك هو يرثك . فآمن بالرب فحسبه له برا."تك15: 6‘ السيدة العذراء قبلت الإيمان منذ نعومة أظافرها تعيش فى كنف الهيكل ومع الملائكة ‘ كرست حياتها جسدا وروحا ‘ مدشنة ومخصصة ومكرسة للرب ‘ ولذلك ملء الإيمان قلبها وعقلها وعلى الفور نطقت " ليكن لى كقولك".
طاعة كلمة الله
السيدة العذراء بستان من الفضائل وعن استحقاق أصبحت والدة الإله ‘ السماء الثانية جسديا وفاقت الأرضيين والسمائيين ‘ إتضاع ووداعة والحياء والخشوع والتكريس للرب ‘ فهى الأيقونة والمنارة لكل إنسان مسيحى . وقولها بالذات " ليكن لى كقولك " يعطينا نموذج حقيقى لنا فى إطاعة الله‘ والذى هو نفسه "وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب"فى2‘ وهناك أمثلة عديدة فى الكتاب المقدس لمن صعب عليهم طاعة الله مثل حواء ‘ سارة وموسى النبى العظيم وإرميا ...‘ولكنهم أطاعوا فى النهاية‘ و هناك نماذج فريدة فى طاعة الله الفورية مثل أبراهيم‘نوح ويوسف العفيف أيوب ‘ ودانيال والى آخر صفوف المطيعين لله فى الكتاب.
وطاعة الله كمثال لنا ماعملت به السيدة العذراء كقول الرب" طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه"لو11: 28 ‘وكقول الكتاب " ينبغى أن يطاع الله اكثر من الناس."أع5: 29 وحسب وصية الرب لتلاميذه قبل صعوده " وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به ." مت28: 20.
وطاعة الله هى دليل قاطع على إيماننا بالله وبكلامه وبمحبته العاملة فينا كقوله:
"أن تحبوننى فاحفظوا وصاياي . الذى عنده وصاياي ويحفظها فهو الذى يحبنى . الذى لا يحبنى لا يحفظ كلامى. أنت أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم ." يو14و15و21. والقديس بطرس الرسول ترك لنا وصية فى الطاعة : " كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة فى جهالتكم..كونوا أنتم أيضا قديسين فى كل سيرة. طهروا نفوسكم فى طاعة الحق والروح للمحبة الأخوية." بط1: 14 و15و22. ونحن فى صيام الميلاد نملأ حياتنا بالتسبيح والسهر الروحى لإستقبال كلمة الله فى قلوبنا وعقولنا وأرواحنا ‘ حتى ينير حياتنا ونكون نورا للعالم ورائحة ذكية للمسيح إلهنا.
ولإلهنا المجد الدائم للأبد آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق