ونحن شهودٌ على قيامتِه
أحبائي، أبناء وبنات أبرشيتنا المارونية،
1. "لقد قام ... ونحن شهودٌ على ذلك (اعمال2/32؛10/38-40). مسيرةُ عيدِ الفصحِ تنطلقُ من ظلمة ِالقبرِ الى انوارِ القيامة، ومن الامِ الصليبِ واحزانِ الموتِ الى فرحٍ وعظـَمةِ الانتصارِ على الالمِ والموتِ وبُنيانِ الرجاءِ بالحياةِ الابدية. هذا السّرُ العظيمُ النابعُ من حدَثِ "الفصحِ" التاريخي، الشاهدُ على موتِ الربِّ يسوعَ وقيامتِه، يَعْبُر ازمنةَ التاريخِ كلَّها ويصلُ الى انسانِ اليوم، لان كلَّ واحدٍ منا كان حاضرأ في فكرِ المسيحِ الربِّ وقلبِه، يومَ صلبِه ويومَ قيامتِه. وهكذا اصبح كلُّ انسانٍ مدعوّاً ان يؤمنَ بقيامةِ المسيحِ من بين الامواتِ ويُعلِنَ السرَّ الفصحيَّ، سرَّ عبورِ الانسانِ بنعمةِ الربِّ من الموتِ الى الحياة.
2. قيامةُ الربِّ يسوعَ من بين الأمواتِ هي حقيقةٌ ساطعةٌ مثلُ الشمس، والشهودُ عليها في الإنجيلِ أعْطـَوْا براهينَ كثيرةً ومتلازمةً مع بعضِها البعضِ ومتكاملةً بشكلٍ لا يَقبلُ الجدل. واولُ شاهدٍ على الموتِ والقيامةِ هو الربُّ يسوعُ نفسُه الذي تنبأَ عدةَ مراتٍ عن ذلك. والانجيليُّ متّى على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ يَذكرُ في أنجيلِه وفي ستّةِ مواضعَ مُختلفةٍ احاديثَ للربِّ يسوعَ عن موتِه وقيامتِه: 38/12 – 21/16 – 9/17 – 22-23/17 – 19/20 – 31-32/26
3. وقبلَ التكلمِ عن الشُّهود على قيامةِ المسيحِ علينا ان نتوقفَ عند الشهاداتِ على موتِه:
أ. اولُ شهادةٍ على موتِ يسوعَ على الصليبِ كانت من قائدِ المئةِ الذي كان مسؤولاً عن عمليةِ الصلب (متّى 27/45-65; مر 15/33-41و45).
ب. والشهادةُ الثانيةُ، تؤكدُ دفنَ يسوعَ من قِبلِ يوسفَ الرامي الذي طلبَ استلامَ جثةِ يسوعَ، وتمَّ انزالُها عن الصليب، وقد لُفّ جسدُ يسوعَ بكتانٍّ ووُضع في قبرٍ جديد، ثم أُغلقَ القبرُ بوضعِ صخرٍ كبيرٍ على بابِه بأمرٍ من هيرودوسَ الملكِ، بالاضافةِ الى حراسةٍ مشدَّدة.
4. أما الشهاداتُ من الكتابِ المقدسِ على قيامةِ المسيحِ من بين الامواتِ فهي كثيرة:
أ. الشهادةُ الاولى هي القبرُ الفارغُ واعلانُ الملاكِ للنسوةِ قائلا : "لماذا تبحثونَ عن الحيِّ بينَ الاموات؟ انه ليس هنا لقد قام." ودعا الملاكُ النساءَ لنقلِ هذا الخبرِ السارِّ والبُشرى العظيمةِ الى الرُّسل (متى 28/6 ؛ لوقا 24/6).
ب. الشهادةُ الثانيةُ على قيامةِ المسيحِ تأتي من التلميذين بطرسَ ويوحنا لأنهما وبعدَ سماعِ الخبرِ اتـَيا مُسرعـَيْنِ الى المكانِ الذي دُفن فيه يسوع، فوجدا القبرَ فارغاً واللفائفَ والمِنْديلَ موضوعةً على الارض، فآمنا بانه قامَ حقاً قام (يو20/3-8).
ت. اما الشهادةُ الثالثةُ فكانت من حُرّاسِ القبرِ الذين ارتعدُوا عند الزلزلةِ ودحرجةِ الحجرِ وجلوسِ ملاكِ الربِّ عليه. وكان منظرُه كالبرقِ وثوبُه ابيضَ كالتلج، ثم اخبروا الأحبارَ والشيوخَ، فرشـَوْهُم بالمالِ الكثيرِ وقالوا لهم: "أَشيعوا انّ تلاميذَه جاؤوا ليلاً فسرقوه ونحنُ نيام." (متى28/2-4،11-15)، لكنَّ السؤالَ يبقى كيف انّ الحرّاسَ رأَوْا تلاميذَه يسرقونَه وهم نيام؟
ث. والشهادةُ الاخيرةُ على قيامةِ الربِ يسوعَ تتجلى في ظهوراتِه المتعددةِ بعد القيامةِ: اولاً لمريمَ المَجدلية (يوحنا 20/11-18) ثم لبطرسَ (لو24/34) ثم لتلميذَيْ عمّاوسَ اللذَينِ رافقَهما في الطريقِ وتراءى لهما عند كسرِ الخُبز (لوقا 24/13-35)؛ وبالتالي الظهوراتُ المتعددة ُللرسلِ حتى يقوّيَ ويُثبتَ ايمانَهم. ويبقى ظهورُ الربِّ يسوعَ لتوما الرسولِ الذي لم يكن مع الرسلِ في الظهوراتِ السابقة، والبراهينُ الحسيّةُ والواضحةُ التي اعطاها، اجملُ واقوى شهادةٍ عن القيامة. ونحن اليومَ نجدّدُ ايمانَنا بموتِ المسيحِ وقيامته، رغمَ المحاولاتِ الكثيرةِ لتهميشِ هذه الحقيقةِ وتشويهِها في عالمِ اليوم، ونصرخُ صرخةَ ايمانٍ مع توما الرسولِ قائلين : ربّي والهي.
أيها الأحبّاءُ،
5. الحياةُ المسيحيةُ مبنيةٌ على الايمانِ بالربِّ يسوعَ وعلى الشهادةِ الدائمةِ لقيامتِه من بينِ الاموات، هذه الحقيقةُ التي عاشتها كنيستُنا المارونيةُ وشهِدتْ لها من جـِيلٍ الى جيل، وقدّمتْ شهداءَ من اجل الدفاعِ عنّها، تدعونا اليومَ لنُجدّدَ ايمانـَنا فيها. من هذا المنطلقِ أَعلنَ غبطةُ ابينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكليُّ الطوبى، مع السينودوسِ الماروني، تكريس َالسنةِ الممتدةِ من عيدِ مار مارون 9 شباط 2017 حتى عيدِ مار يوحنا مارون 2 اذار 2018 واعلانَها سنةَ "الشهادةِ والشهداء"، نسبةً لمرورِ ألفٍ وخمسِمئةِ سنةٍ على استشهاد ثلاثِمئةٍ وخمسينَ راهباً من رُهبانِ ديرِ مار مارون سنة 517.
6. وحتى نكونَ شهوداً على قيامة ِالربِ يسوعَ في مجتمعِ اليوم، علينا ان نتجدَّدَ روحياً، من خلالِ ممارسةِ سرِّ التوبةِ والمشاركةِ بالقداسِ، وتناوُلِ جسدِ يسوعَ ودمِه كلّ يومِ أحد، أو حتى كلَّ يومٍ إذا كان ذلك ممكناً. هكذا نجدّدُ ونقوي إيمانَنا بالمسيحِ القائمِ من الموتِ في حياتِنا وكنيستِنا طالبينَ شَفاعةَ القديسين. وحتى تُعطيَ كنيستُنا شهادةً مسيحيةً افضلَ وأوسعَ هنا في اوستراليا، أصبح من الضروريِّ ان نلتقيَ ونفكرَ معاً، ونضعَ الخِططَ الروحيةَ والراعوية َوالرسولية. ومن الواجبِ ايضا طرحُ المشكلاتِ الاجتماعيةِ والتحدياتِ التي تواجهُنا، خصوصاً لجهةِ نقلِ الايمان، ايمان ِالآباء ِوالاجدادِ للأجيالِ القادمة.
7. فمن مُنطلقِ تحسينِ عيشِنا للشهادةِ المسيحيةِ وتحصينِ العائلةِ والزواج، اطلقنا من ثلاثِ سنواتٍ الدعوة َالى عقدِ مجْمعٍ ابرشيٍّ في أوستراليا. والخبرُ السارُّ اليومَ هو ان المجمْعَ سيَعقدُ جمعيتـَه العموميةَ الأولى من الرابعِ والعشرين إلى السادسِ والعشرينَ من تشرينَ الثاني 2017 في سدني، وسيشاركُ فيها مندوبونَ عن الرعايا والمؤسساتِ المارونيةِ والكنسية ِ من مختلفِ انحاءِ الوطنِ الاوسترالي.
8. ختاماً، ومع القديسِ اغوسطينوس، نرددُ ونقول:
"قيامةُ المسيحِ هي جوهرُ ايمانِنا المسيحي. وأن ْيكونَ المسيحُ قد مات، فهذا موضوعُ ايمانِ الكثيرين، حتى الوثنينَ واعداءِ الكنيسةِ يؤمنون بذلك. اما ان يكونَ المسيحُ قام من بين الاموات، فهذا هو جوهرُ الايمان ِالمسيحي." وهكذا نفهمُ من كلام ِ القديسِ اغوسطينوس أنّ كلَّ مَن لا يؤمنُ بقيامةِ المسيح ِلا يمكنُ ان يكون مسيحياً حقيقياً. فيسوعُ المسيحُ القائمُ من القبرِ والمنتصرُ على الشرِّ والخطية ِوالموتِ هو حاضرٌ بشكلٍ دائمٍ في العالمِ، حاضرٌ بروحِه القدوس، وبكلامِه الحي، وحاضرٌ بشكلٍ فريدٍ جداً في جسدِه ودمِه في الافخارستيا. وكلَّ مرةٍ نحتفلُ بالقداسِ الالهي، نستذكرُ فعلياً وحقيقةً، وبالوقتِ الحاضرِ، حقيقةَ آلامِ وموتِ الربِّ وقيامتِه، وحضورِه الحيِّ والدائم ِمعنا. إنه قريبٌ من كلِّ شخصٍ منا أكثرَ من قربِنا لذواتِنا، لأن يسوعَ المسيحَ هو نفسُه، أمسِ واليومَ والى الابد، على رجاءِ انتظارِ تجلّي مجدِه النهائي في المجيءِ الثاني.
9. وكلُّنا اليومَ في هذا العيدِ المباركِ نلتقي ونقولُ بصوتٍ واحدٍ وبايمانٍ واحد: "تعالَ، ايها الربُّ يسوع!" (رؤيا 22/20). تعالَ واختم ْعلى قلوبـِنا بختمِ قيامتِك المجيدة، وقوِّ إيمانـَنا فنُخبّرَ عنك ونشهدَ لك ونُعلنَ حقيقةَ قيامتِك بجُرأة ونقول:
المسيحُ قام حقاً قام... ونحنُ شهودٌ على ذلك
+المطران أنطوان-شربل طربيه
راعي أبرشية أوستراليا المارونية
عيد القيامة المجيدة، 16 نيسان 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق