تقرير: رانيا زهرة شربل (تيلي لوميار- القاهرة)
في زيارتهم التاريخية الى الديار المصرية، بدأت جولة مجلس رؤساء وممثلي الكنائس الشرقية في أستراليا ونيوزيلندا، من مقرّ مشيخية الازهر الشريف في القاهرة، ولقائهم مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيّب ورئيس مجلس حكماء المسلمين في الأزهر، للتعبير له عن تضامنهم مع آلام الشعب المصري الناتجة عن ضربات الارهاب والتطرّف الديني والتأكيد على رسالة العيش المشترك والمواطنة المؤسَسة على المحبّة والتسامح والمساواة في الكرامة والحقوق والواجبات الدينية والوطنية.
وألقى كلمة الوفد المسؤول الإعلامي للمجلس الاب إيلي نخّول المرسل اللبّناني، أشار فيها إلى الاعمال الارهابية الموجّهة مباشرةً لضرب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لزرع بذور الفتنة بين المسيحيين والمسلمين. كما دعا الاب نخّول إلى مواجهة حرب العلمانية المُلحِدَة والداعية إلى تفريغ الاديان السماوية من مضمونها ورسالتها الساميّة، وعرض للتحدّيات والقضايا الاخلاقية المُنافية للتعاليم السماوية وكيفية مواجهتها في أستراليا والعالم، بيدٍ واحدة كمسيحيين ومسلمين.
ومن جهته أكدّ فضيلة الشيخ الطيّب على مواصلة الأزهر الشريف في الدفاع عن الحرية والمواطنة والتنوّع الكامل لإظهار الصورة الحقيقية لوجه مصر الحضاري.وإذ شكر الامام الاكبر الشيخ الطيّب وفد مجلس رؤساء وممثلي الكنائس الشرقية في أستراليا ونيوزيلندا، على قدومه إلى مصر ووقوفه إلى جانب شعب مصر بمسيحييه ومسلميه، أكدّ أيضاً على جهود الأزهر الشريف في مكافحة العنف والتطرّف والعمل على مراقبة الخطاب الديني الذي يواجه الافكار الشاذّة والخارجة عن سماحةِ الاديان.
هذا والتقى وفد المجلس مع فضيلة الشيخ الدكتور عباس شومان وكيل الازهر الشريف، الذي كشف عن إقامة مشيخية الازهر مرصداً إلكترونياً لرصدِ تعاليم داعش الذين يلعبون على العاطفة الدينية وإعداد الردود على هذه الشبهات المُضلّلة لتشويه صورة الإسلام الحقيقية.
وفي الختام، قدّم الوفد كتاباً من خشب الأرز حُفِرَ عليه آية قرآنية عن العذراء مريم من سورة آل عمران. وبدوره، قدّم المطران جوليان بورتيوس، رئيس اساقفة هوبارت للاتين في أستراليا، هديةً عبارة عن صندوق خشبي يتضمّن جذوراً لشجرة قديمة من شجر تزمانيا التاريخي.
الرئيس السيسي يؤكد امام وفد مجلس أساقفة أستراليا ونيوزيلندا للكنيسة القبطية الاورثوكسية: لن نترككم!
قام وفد مجلس الكنائس الشرقية الرسولية في أوستراليا ونيوزيلندا، بزيارة رئيس جمهورية مصر العربية فخامة الرئيس عبد الفتّاح السيسي، في القصر الرئاسي في القاهرة، ونقل إلى فخامته تهاني المجلس لمناسبة شهر رمضان المبارك، شهر الصوم والغفران والفضيلة والسماح.
وعبّر المجلس له عن تضامنه مع شعب مصر الحبيب في الظروف العصيبة التي تمرّ بها البلاد هذه الفترة نتيجة سلسلة الاعمال الارهابية، التي تعرّض لها أبناء هذا الوطن من مسيحيين ومسلمين على الاراضي المصرية كافّة.
وأكدّ المجلس دعمه لفخامته ولشعب مصر الحبيب باسم أبناء الكنائس الرسولية الشرقية في أوستراليا. وقد ألقى كلمة الوفد سيادة المطران أنطوان شربل طربيه راعي أبرشية الموارنة في أوستراليا، أكدّ فيها على دور مصر الحضاري وقيَم الحرية والعيش المشترك التي يتمتّع بها هذا الوطن، وأشاد بدور الرئيس السيسي وحكمته في قيادة البلاد نحو برّ الامان في وجه المؤامرات التي تُحاك من أجل إيقاع الفتنة فيها مع التفجيرات والاعمال الارهابية التي أصابت المسيحيين الاقباط والمسلمين أيضاً.
وتوجّه الرئيس السيسي إلى الوفد بكلمة رحّب فيها بزيارة الوفد وشكره على تضامنه مع شعب مصر ودعمه لمؤسساتها، وأكدّ للوفد أنّ الاعمال الارهابية الحاصلة ليست ضدّ المسيحيين، إنّما ضدّ الوحدة الوطنية في مصر، ولإثارة النعرات والفتنة بين أبناء الأمّة الواحدة، كما أكدّ السيسي أمام الوفد متوجهاً إلى أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قائلاً:" نحن لن نتككم".
كلمة صاحب السيادة المطران أنطوان-شربل طربيه خلال لقاء الأساقفة الاوستراليين مع فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي
فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي،
أصحاب السيادة الأساقفة،
1. إنه لشرف كبير أن نكون اليوم في رحاب رئيس تاريخي لبلد ساهم بصناعة التاريخ العالمي وكان المهد لحضارات عظيمة أغنت الإنسان والانسانية. إنها لفرحة كبيرة أن نكون في مصر، بلد الكِنانة والمجد، والذي يعني الكثير للعالم أجمع خصوصاً للكنيسة وللمسيحيين، وهذا ما عبّرت عنه الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس في نهاية شهر نيسان الفائت والتي قال فيها أن أرض مصر المباركة تعني الكثير لتاريخ الانسانية لأنها أرض الفراعنة والأقباط والمسلمين.
2. جئنا من اوستراليا، هذا البلد البعيد بالمسافة عن شرقنا ولكنه القريب والقريب جداً منه في إنسانه وأوجاعه وآلامه وتطلعاته وحاجاته الأساسية. ورغم ان اوستراليا هي بلد جديد نسبياً إلا أننا نفاخر بحضارته ورقي انسانه، لأنه أصبح اليوم عنواناً للتناغم بين مكوّنات المجتمع ونموذجاً للتعددية الاجتماعية التي يشكّلها أكثر من مئتي جالية يتكلمون اكثر من 150 لغة مختلفة.
3. لا نخفي عليكم فخامة الرئيس ان الاوضاع الأمنية الغير مستقرة في مصر، ومسلسل التفجيرات الارهابية الأخير ضد المسيحيين الأقباط وغيرهم، لا يشجع الكثيرين على زيارة مصر، ولكن بما أنكم أنتم على رأس الدولة وانطلاقاً من مواقفكم الشجاعة والتي عبّرتم عنها خلال زيارة قداسة البابا فرنسيس حين قلتم: "إن مصر تقف في الصفوف الأمامية لمواجهة الارهاب والارهابين"، لم نتردد في المجيء والتضامن معكم، وتقديم التعزية لكم ولقداسة البابا تواضروس ومواساة عوائل الشهداء، أبناء الكنيسة القبطية الجريحة. وقد شعرنا ومنذ اللحظة الأولى وكأننا قي بلدنا، لأن مصر كانت ولا تزال وسوف تبقى أم الدنيا.
4. إن وحدة الشعب المصري اليوم تتطلب جهوداً داخلية ودولية حثيثة، وهذا ما نريد أن نؤكد عليه ونسعى معكم فخامة الرئيس ومع كل أصحاب الإرادة الصالحة لإنجازه، لأن "كل مملكة او دولة تنقسم على نفسها تخرب" (متى 12: 25). فالكثيرون يرون في شخصكم القائد التاريخي والرئيس الحقيقي لكل المصريين دون تفرقة، لأنكم تشاركون شعبكم أحزانهم وتضمّدون جراحهم، وتسعون لمشاريع انمائية وحياتية أساسية لنهضة مصر وتقدمها. وأمام العنف والتدمير، نراكم تعدون باعادة بناء كل الكنائس التي تهدمت او أحرقت، معتبرين أن أوجاع كل مصريّ هي أوجاعكم وما أصابهم يصيبكم في الصميم.
فخامة الرئيس،
5. إن الخطر الأكبر الذي يواجه الوطن العربي بأجمعه، كما قال صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال ما بشاره بطرس الراعي الكلّي الطوبى في مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين في فبراير/ مارس 2017، هو التراجع في مبدأ العروبة والمواطنة حيث نشهد اليوم في بعض دول وطننا العربي مظاهر إقصاء أو محو أو طمس لحقّ أحد مكوّناتها بالوجود والمشاركة الفاعلة... فنرى مجموعات كبيرة تتنكر لعروبة غيرها، وترفض مواطنيتهم.
6. وفي نفس الاطار، نحن نرى أنّ الحرب في منطقة الشرق الاوسط، والتي ترتدي أحياناً وجوهاً مختلفة إنما هي في الأساس حرب على التعدّدية الاجتماعية والتنوّع الديني والتبادل الثقافي والحضاري، يسعى من يخطط لها إلى قيام دول عنصرية، شمولية وآحادية. إن التعددية كانت ولا تزال مصدر غنى وإنماء للمجتماعات المتقدمة وليست سبباً للاختلاف والتقاتل. والسّؤال الّذي يطرح نفسه، هل يمكن أن يستمر وأحيانًا دون حسيبٍ أو رقيب، كلّ الّذين ينادون بالمساواة والتسامح تجاه الآخرين ولكنّهم بالحقيقة يمارسون أو يحرّضون على الإرهاب والقتل ورفض الآخر المختلف في دينه وايمانه وطريقة عيشه. إنّه من المستحيل انسجام الايمان الحقيقي بالله مع أعمال الإجرام وإراقة الدماء. إن ثقافة السلام وتثبيت السّلم الأهلي الذي تتوق اليه اليوم شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط لا يمكن ان يجد طريقه من دون تأمين الحرية الدينية كشرطٍ أساسيّ للسلام وترقّي الشّعوب، لأن البركة تحلّ ليس على محبّي السلام انما على صانعي السلام وأنتم منهم يا فخامة الرئيس.
7. إن أزمة التطرّف والإرهاب التي يعاني منها عالم اليوم تنتظر بزوغ فجرٍ جديد يطلق أنوار ثورة جديدة، ثورة الإسلام الحقيقي على الإسلام الزائف الأصولي الإرهابي. والأنظار تتّجه إليكم فخامة الرئيس وإلى شعب مصر الأبيّ لأخذ مبادرات تاريخية من هذا النوع، فتبرهِنوا مرة جديدة للعالم عن وحدة مصر وحضارتها، وعن رفض أبنائها لكل أنواع الإرهاب خصوصاً الإرهاب الديني.
وفي الختام،
8. أجدد شكري العميق لكم فخامة الرئيس لأنكم أفسحتم لنا الفرصة للقاء بكم، وإلى جانب إخوتي الأساقفة، أصحاب السيادة، المطران روبير رباط راعي أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك في اوستراليا ونيوزيلاندا، وهو ايضاً رئيس مجلس أساقفة وكنائس الشرق الأوسط في أوستراليا، ومع المطران الأنبا دانيال راعي أبرشية الأقباط الأرثوذكس في ولاية نيو ساوث ويلز، ومع المطران جوليين بورتيس، رئيس أساقفة تزمانيا في الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية، ومع المطران هيغازون نجاريان راعي أبرشية الأرمن الأرثوذكس في اوستراليا والمونسنيور باسيل صوصنيا النائب البطريركي للأرمن الكاثوليك في اوستراليا والأب ايلي نخول المسؤول الاعلامي لوفدنا، أريد باسمهم أن أعبّر لكم عن محبتنا لمصر وشعبها العريق، وعن دعمنا لمسيرتكم وعن تقديرنا لمواقفكم الحكيمة والنبيلة، طالبين من الله عزّ وجلّ أن يحفظكم ويعضدكم كي تتابعوا قيادة سفينة الدولة إلى برّ الامان والاستقرار والازدهار. وشكراً.
كلمة الأب الدكتور إيلي نخول، النائب الأسقفي والمسؤول الإعلامي لمجلس رؤساء وممثلي الكنائس الشرقية في أستراليا ونيوزيلاند خلال لقاء فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب
فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الجزيل الإحترام،
جانب مجلس حكماء المسلمين في الأزهر الشريف المحترمين،
حضرة السادة الأساقفة السامي احترامهم،
الآباء الأجلاء،
تحية أخوية صادقة وبعد،
أود أولا أن أشكر فضيلتكم على استضافتكم الكريمة لوفد مجلس رؤساء وممثلي الكنائس الشرقية في أستراليا ونيوزيلاندا، في زيارتهم التاريخية هذه إلى الديار المصرية، للوقوف إلى جانبكم وإلى جانب شعب مصر الحبيب، وللتعبير له عن تضامننا مع آلامه الناتجة عن ضربات الإرهاب والتطرف الديني، ولكن أيضاً لشكر الله على نعمه المكوّنةِ لنسيج المجتمع المصري والمتجليةِ برسالة العيش المشترك المصان تحت مظلة الإيمان بالله وبتعاليم مضامين وحيه، وبالمواطنة المؤسسة على المحبة والتسامح والمساواة في الكرامة والحقوق والواجبات الدينية والوطنية. وأشكر أعضاء الوفد على ثقتهم بي في انتدابي لألقي بالنيابة عنهم كلمته في هذا المقام الشريف والمرجع الديني الحنيف لملايين المسلمين السنّة في مصر والعالم.
تأتي زيارتنا اليوم، بعد سلسلة أحداث عاشتها مصر الحبيبة في الشهرين الاخيرين. منها ما هو مؤلم ومحزن ومنها ما هو مفرح وواعد بالخير والمستقبل الافضل.
1. المؤلم تجلى بسلسلة أعمال عنف وإرهاب متكررة، في خلال فترة زمنية قصيرة، أصابت الحجر والبشر وأوقعت الخسائر المادية الفادحة وتسببت بسقوط عددٍ كبيرٍ من الضحايا البريئة من مسيحيين ومسلمين، أقل ما يقال فيها بأنها أعمال وحشية حاقدة ومتهورة، جبانة وفاشلة. وكانت جميع تلك الأعمال الإرهابية موجهة مباشرة لضرب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أي مؤمني الجماعة المسيحية المشرقية الإفريقية العربية الأقوى في المنطقة عدداً ونفوذاً وتأثيراً على محيطها الإسلامي، ربما لتوجيه رسائل سياسيةٍ معروفة بحسب بعض المحللين، أو ربما لأسباب دينية على خلفية تكفيرية لزرع بذور الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، بحسب تحليل البعض الآخر، ولكن مهما تنوعت واختلفت التحاليل والتكهنات، فالمتضرر الأول والأكبر في النهاية من كل هذه الأعمال الإرهابية هي مصرُ وطن الحريات وثقافةِ العيش المشترك، ووحدةُ مصرَ كياناً وشعباً ومؤسسات.
2. أما المفرح، من جهة أخرى، فقد تجلى من خلال ثلاثة أحداث تاريخية بالغة الأهمية: الأول هو المؤتمر الدولي بعنوان "الحرية والمواطنة، التنوع والتكامل" والذي عقده الازهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين في القاهرة ، من 28 فبراير إلى 1 مارس، بمشاركة أكثر من 50 دولة، وسط اهتمام دولي كبير، برعاية رئيس البلاد وتضمن مداخلات قيمة من محاضرين مسيحيين ومسلمين، أعطت الصورة الحقيقية لوجه مصر الحضاري، مصر الإنفتاح وأرض الحرية والحضارة العريقة التي تسع لجميع الناس إلى أي دين أو ثقافة انتموا. والحدث الثاني هو الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس إلى مصر في 28 أبريل الماضي لمدة يومين شارك في خلالها بالمؤتمر العالمي للسلام الذي نظمه الأزهر الشريف والتقى بفضيلتكم وذلك بعد مرور شهرين من اعلان استئناف الحوار بين الازهر والكرسي الرسولي والذي كان قد توقف لسنوات. والحدث التاريخي الثالث يتمثل بالقرار الذي اتخذتموه فضيلتكم في الثالث عشر من شهر مايو الحالي، كنتيجة عملية للحدثين التاريخيين السابقين، تشكيلَ لجنةٍ لإعداد مشروع قانون لتجريم الحضّ على الكراهية والعنف باسم الدين، وذلك في إطار جهود الأزهر الشريف في مكافحة العنف والتطرف، والعمل على نشر الخطاب المستنير ومواجهة الأفكار الشاذة والخارجة عن سماحة الاديان، ونشر ثقافة التسامح والأخوة بين الناس ومنع كل ما من شأنه إثارة الاحقاد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
وما زيارتنا إلى أرض مصر اليوم، وإلى هذا المقام الشريف بالتحديد، سوى انضمام وتكملة لتلك الاجواء الخيّرة والإيجابية التي أثارتها الاحداث المذكورة أعلاه، ولنقف إلى جانب شعب مصر بمسيحييه ومسلميه، ولنعلن له بإيمان وثقة بأن الحقيقة ليست في ما يشاع بل في ما يعاش بإيمان وأمانة لإرادة لله. وندعو العائلات المسيحية والمسلمة، إلى أن تعيش معاً قيم العيش المشترك أي الإحترام المتبادل لحرية معتقد كلّ منهما، والتعاون البناء بينهما بثقة وأمانة، والمحبةَ المتسامحة والبعيدة عن تكفير الواحدة للأخرى لا ضمناً ولا جهاراً.
جئنا اليوم لنضع يدنا بيدكم، لنقف معاً في وجه الشيطان الرجيم، أب الكذب والكذابين، مصدر كل شر مبين، الشيطان الذي جرّ على مدى التاريخ مسيحيين ومسلمين ويهود ولا أدريين وملحدين إلى أعمال إرهابية وحروب عالمية راح ضحيتها الملايين. والشرير الكامن دوماً وراء تلك الاعمال، يحاول اليوم مجدداً أن يتخفى ويتهرب من مسؤوليته كمصدر أول عن إشاعة الكذب والترهيب وقتل الناس، من خلال حصر تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، وخلق جو من الإسلاموفوبيا العالمية، مع العلم أن الإرهاب هو عمل شرير مورس أيضاً على مدى التاريخ وبأوجه شتّى من قبل المسيحيين واليهود وغيرهم وأوقع الضحايا بالملايين. ويؤسفنا أن نرى العالم في طواطىء مستمر مع الشرير، درى أو لم يدرِ، من خلال الدعوة إلى تهميش الأديان ونعتها بمخدّر والشعوب والتشكيك بمصداقيتها، ومن خلال اللجوء إلى زيادة التسلح وتطوير مصانع الموت، كما تسمونها، بحجة مواجهة الشر والإرهاب، بشر أكبر وأسوأ. وكلما أدرك العالم في العمق فشله في مواجهة الشر عن طريق التسلح، كلما ازداد عناداً في مقرراته الطائشة، كما تصفونها، بحجة صنع السلام.
إذا شاركنا في الحرب على الإرهاب من وجهة النظر التي يفرضها علينا عالم اليوم وحسب، فإننا بذلك سننضم إلى معركة خاسرة. تكون معركتنا ضد العنف والإرهاب رابحة إذا قمنا بما يطلبه الله منا أي محاربة الإرهاب والتطرف وإدانته، والعمل على ارتداد قلب الإنسان وضميره وتنقية الخطاب الديني لدى رجال الدين، إلى إي ديانة انتموا، من مضمون التخوين والتكفير والحض على الكراهية والعنف وحتى هدر الدماء باسم الله. وكلنا ثقة بأن مشروع القانون الذي يعده الأزهر الشريف في مواجة التطرف وتجريم الحضّ على الكراهية والعنف، ليس سوى مسعى لمراقبة ومحاسبة جميع من يفسرون العقيدة ويرشدون الناس في الإتجاه الخطأ. معركتُنا ليست مع لحم ودم، بل هي معركة مع الفكر المُضَلِّـلِ والمُضَلَّـلِ ومع العقيدة المُظَهَرَة باسم الله على حجم غايات الناس، بدل أن تكون شرحاً أميناً صادقاً لإرادة الله في خلقه.
جئنا اليوم أيضاً لنضع يدَنا بيدكم لمواجهة حرب العلمانية الملحدة والداعية إلى موت الله وتفريغ الأديان السماوية التي تؤمن به، من مضمون وعلّة وجودها. نواجه اليوم في استراليا مثلاً، مسيحيون ومسلمون، تحديات كبيرة ومعارك طاحنة لمواجهة قضايا أخلاقية منافية لتعاليمنا السماوية ومنها: زواج المثليين وتغيير مبدأ مفهوم الزواج نفسه في التشريع العام، تسهيل مسببات تشريع الإجهاض في أي وقت تختاره الأم في فترة الحمل، توجيه الأطفال في المدارس على عدم التمييز بين ذكر وانثى وتشجيعهم على عيش الخيار الذي يرتاحون إليه بان يكونوا ذكوراً أو إناثاً، التشجيع على الموت الرحيم والتخفيف من الاسباب التي تمنعه، وغيرها الكثير من القضايا التي اجتمعنا في سبيل مواجهتها منذ فترة مع المراجع الإسلامية في سيدني، وأصدرنا بياناً مشتركاً لرفض هذه التعاليم والتوجهات. ولا يمر اسبوع لا نطلب فيه من مؤمنينا توقيع العرائض على أبواب الكنائس لمنع مرور هذه القوانين أو تلك. العالم الملحد يسعى إلى إضعافنا وتشويه صورتنا ليمنع تعاليمنا من أن تصل إلى الناس في سبيل خيرهم وخلاصهم. ألا يكفينا ما نتعرض له من اضطهاد الفكر الإلحادي لنا، حتى نزيد عليه، ومن دون أي مبرر منطقي أو إلهي، معارك التكفير على بعضنا واضطهاد أبناء أمتنا لمجرد أن الآخر نصراني أو سني أو شيعي أو يهودي؟
أخيراً، يا فضيلة الشيخ الجليل، جئنا نضع يدنا بيدكم اليوم رافعين معكم الصلاة إلى الله من أجل بناء السلام المتزعزع في النفوس والضمائر وبين الشعوب ونحن موقنون بأن الخير سيغلب على الشر وستكون الكلمةُ النهائية له. وكلنا ثقة بمرجعيتكم الحكيمة ومرجعية فخامة رئيس البلاد وكل المرجعيات الحكومية والسياسية والأمنية والعسكرية والأهلية التي لم ولن توفر جهداً لجمع شمل أبناء هذا الوطن الغالي، وتثبيت النموذج المصري المميز لبيت العائلة المصرية الذي يضم في عضويته إلى جانب الازهر الشريف جميع الكنائس المصرية المقدسة. ولم تألوا جهداً، فضيلتكم، بالدعوة إلى حذف مصطلح الاقليات واستبداله بالمواطنة الذي يساوي بين جميع المواطنين المصريين. وهذه كلها خطوات جبارة تقومون بها مع معاونيكم الأفاضل في طريق إرساء قيم السلام في مصر والعالم. ولا يسعنا إلا أن نضم صوتَنا إلى صوت من قال عن فضيلتكم: "إن الإمام الأكبر أصبح أيقونة عالمية للسلام."
عشتم وعاشت الحرية، وعاش الحق والسلام، وعاشت مصر.
وتفضلوا بقبول عواطف المحبة والمودة والسلام.