" ثم إلتفت إلى المرأة وقال لسمعان .أتنظر هذه المرأة ؟ إنى دخلت بيتك وماء لأجل رجلى لم تعط.وأما هي فقد غسلت رجلي بالدموع ومسحتها بشعر رأسها. قبلة لم تقبلنى .وأما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي. بزيت لم تدهن رأسى. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجلى. من أجل ذلك أقول لك: قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها أحبت كثيرا‘ والذى يغفر له قليل يحب قليلا.. ثم قال لها مغفورة لك خطاياك. إيمانك قد خلصك .إذهبى بسلام. والمجد لله أبديا. أمين.
فصل إنجيل هذا الصباح المبارك من إنجيل لوقا البشير 7: 36 - 50‘ عن إمرأة فى المدينة كانت خاطئة ‘ علمت أن الرب متكئ فى بيت الفريسى ‘ فجاءت بقرورة طيب ...إلخ وهذا الفصل من الإنجيل ضمن فصول تعليم منهج التوبة‘ ومليئ بتأملات متعددة تملئ النفس سلام وترشده لمعرفة التوبة والخلاص: وأهم مانتعلمه مما فعلته هذه المرأة:
أولا: " وقفت عند قدمية باكية
وإبتدأت تبل قدميه بالدموع
وتمسحهما بشعر رأسها."
وهذا هو منهج الإنسان الخاطئ التائب ‘ يتقدم تحت أقدام الرب بدموع التوبة الصادقة‘ ولذلك نصلى صلاة نصف الليل – الخدمة الثانية – " أعطينى يارب ينابيع دموع كثيرة كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة ‘ وأجعلنى مستحقا أن أبل قدميك اللتين أعتقتانى من طريق الضلالة."
لقد إنجذبت المرأة التى كانت خاطئة – وهي تمثل كل شخص فينا – إلى الوليمة بدون دعوة بمجرد علمها بوجود طبيب النفوس الذى سيشفيها من مرض الخطية‘ فهو وحده القادر على الشفاء‘ وجدت فى قدمي المخلص سر إمكانية السلوك فى طريق البر والصلاح ‘لتنعم منه من محبته مغفرة خطاياها‘ وجهارا أعلنت توبتها بخطيتها أمام الجميع.
وأما السمعان الفريسى دخل السيد بيته ولم يدخل قلبه ‘ بعكس المرأة التى إقتحمت الوليمة بدالة الحب له والتقت مع عريسها السماوى‘
الفريسى يمثل النفس التى تختفى وراء المظاهر الخارجية الخداعة ‘ ليقول الناس أنه رجل مضياف ‘ فى البيت يستضيف ولكن فى القلب لا ‘
والمرأة هنا تمثل النفس الجادة فى الخلاص فإرتوت من الحب الإلهى وإستضافت العريس السماوى فى قلبها ‘ وهي متأكدة من رحمته وحنانه‘
وتشاركها السماء وملائكته ‘ كقول الرب" هكذا يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب ‘ أكثر من 99 بارا لا يحتاجون إلى توبة." لو15: 7‘ وأيضا "هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب." لو15: 10‘ بل أن الله نفسه يفرح كما رأينا فى مثل الإبن الضال" إستقبله الآب بحفل وفرح كبير وقال" إبنى هذا كان ميتا فعاش ومفقودا فوجد. وأمر بذبح العجل المسمن وقال إذبحوه نأكل ونفرح." لو15: 23.
داود النبى: يحكى لنا سفر صموئيل النبى -2- إصحاح 11و12 ‘ قصة خطية داود ‘ مع بتشبع وزوجها أوريا الحثى ‘ زنى مع الأولى وقتل زوجها ‘ وكتم هذه الخطية عن الناس فترة طويلة ‘ ولكن الله لا يخفى عليه شيئ فهو عالم مابداخل كل إنسان ‘ فأرسل له ناثان النبى ‘ الذى بحكمة قص عليه خطيته بمثل عن رجل غنى وجاره الفقير ‘ وقال له هكذا قال الرب: لماذا إحتقرت كلام الرب لتعمل الشر فى عينيه‘ لماذا جعلت أعداء الرب يشمتون‘ صام داود صوما ‘ ودخل وبات مضطجعا على الأرض من أجل الصبى ‘ ثم دخل بيت الرب وسجد ‘ وقدم أعظم إعتراف بالخطية (سائلا المغفرة والتوبة" إرحمنى يا ألله كعظيم رحمتك ومثل كثرة رأفتك إمحو إثمى‘ إغسلنى كثيرا من إثمى ‘ ومن خطيتى طهرنى. إلخ مز51‘)
ونصلى فى صلاة نصف الليل " توبى يانفسى مادمت فى الأرض ساكنة..
ونسأل إلهنا" إقتنى لى عمرا نقيا بالتوبة." ‘
فالتوبة هى ندم حقيقى على الخطية بالرجوع عنها ‘ والعودة لأحضان الرب ‘
ومنهج توبة هذه المرأة أو خطوات توبتها لنتمثل بها:
1- الدموع والتى هى تعبير عن الندم وحزن الخطية ‘ وفى مياه الدموع كمياه المعمودية تغسل آثامنا وذنوبنا‘ لم يقدم الفريسى عالم اللاهوت ماء لغسل قدمي السيد كعادة الضيافة فى ذلك الزمان ‘ وأما المرأة فغسلت بدموعها قدميه ‘ لنتعلم أن نغسل ضمائرنا حتى نقبل ماء المسيح – ماء المعمودية – ‘ لنتقدم إليه بدموع التوبة والمحبة ونسأله أن يغسل خطاياي بماء الحياة الأبدية‘ حتى أسمعه يقول لى" مغفورة لك خطاياك الكثيرة ."
2- غسلت رجليه ومسحتهما بشعر رأسها ( الذى هو تاجها ) وإعتبرتهما نفاية من أجل محبة المسيح . كقول الرسول " خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه..." في 3: 8و9‘ والشعر هنا يرمز إلى طاقتنا الجسدية ومواهبنا ومشاعرنا وعواطفنا ‘الملتهبة‘ وكرامتنا ‘ لا نبخل بهما فى مسح قدمي المخلص بدموع التوبة.
3- تقبيل القدمين كتقبيل الفم ‘ علامة الحب الذى يملأ قلبها ‘ كقول عروس النشيد " ليقبلنى بقبلات فمه." نش1: 2‘ وفى الكنيسة وحدها لها نقدم لعريسنا قبلات العروس قبلات غير غاشة ‘ قبلات القلب والنفس النقية ‘ ليس قبلات الشفتين فقط ‘ وحيث لا يوجد حب ولا إيمان لا توجد قبلات ‘ وشعر الرب بهذا الحب وقال عنه لأنها أحبت كثيرا ‘ والذى يغفر له قليل يحب قليلا‘ ولأنه من كثرةالإثم تبرد محبة الكثيرين‘ فليملأ الحب قلوبنا حتى يغفر لنا كثرة خطايانا‘ وظهر هذاالحب الكثير فيما فعلته المرأة ‘ وبقدر هذه المحبة على قدر شعورها بالغفران ‘ وكقول القديس العظيم الأنبا أنطونيوس " من عرف ذاته عرف الله.".
4- دهن الطيب لتنشر رائحة المسيح الذكية على كل من يقترب منه ‘ فينحنى تحت قدميه وينال الغفران. ومن هنا تحررت المرأة من عبودية الخطية ومن كل آثامها وخطاياها الكثير كقول الرب " فإن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحرارا."
ثانيا: "فقال للمرأة إيمانك قد خلصك ..إذهبى بسلام." وهنا نتكلم عن الإيمان ‘
فالرجل الفريسى لم ينتفع بلقاء المسيح بسبب إصراره على كبرياءه ‘ وقدم لنا مثلا للذين لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها ‘ بمعنى إيمان ناقص ‘ وتقوى خادعة‘ بعكس المرأة الخاطئة ‘ قلب مملوء حبا وإيمان بالله ‘ألقت رجاءها على الله الحي ‘ الذى هو مخلص جميع الناس ‘ الذى لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحي.
بإيمان المرأة المستقيم سكبت طيبا على قدمى المخلص ‘ الذى هو رائحة ذكية تنعش روحها بالتوبة والغفران ‘ وأشتمه الرب رائحة سرورفقال لها :إيمانك قد خلصك ‘ الإيمان هو طريق الحياة والنعمة وسلوكنا وسط العالم ‘
ومقياس إيماننا وهو مقدار الحب الكبير لله له ظواهر فى حياتنا مثل:
1- مقدار وقتى مع الله فى الصلاة ‘ وطيب الصلاة هو الصلة الثابتة فى ربنا ‘ والتى تدوم إلى الأبدية‘ كقول الكتاب" هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته.يو17: 3‘هذه الصلاة التى يقول عنها المرتل " لتكن صلاتى قدامك كرائحة بخور"‘
7" مرات فى اليوم سبحتك على أحكام عدلك "‘
"يارب أستمع صلاتى وليدخل إليك صراخى."‘
لا تحجب وجهك عنى فى يوم ضيقى . أمل أذنك إلي فى يوم أدعوك.مز102‘
داود الملك والنبى العظيم ويحكم شعبا كبيرا لم يتوقف عن الصلاة ‘فكانت حياته كلها صلاة.فترك لنا أكثر من 70 مزمورا هى صلاته للرب .
2- إيماننا يتمثل فى سلوكنا وأعمالنا ..لأنه النور الذى نقدمه للعالم كقول الرب"فليضيئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ‘ ويمجدوا أباكم الذى فى السموات." مت 5: 16‘ فالأعمال الصالحة الحسنة هى عنوان إيماننا ‘ والله يعرفها ‘ ويصل مفعولها إلى السماء مباشرة ‘ فنسمع لصوت الرب قائلا" تعالوا يامباركى أبى رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم.‘ وهاهو عريسنا يقول لنا" قد دخلت جنتى يا أختى العروس." فسلوكنا وأعمالنا هو طيب رائحة ذكية لإيماننا الحقيقى.كقول الرسول" لأننا نحن عمله مخلوقين فى المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها." أف 2: 10. وأيضا قول الكتاب على لسان سليمان الجامعة" لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرا أو شرا." جا 12: 14. ( وماذا نقول عن من يتظاهرون بالتقوى والإيمان المسيحى ‘ فيخرج بعد نواله المغفرة والحياة الأبدية –من جسد الرب ودمه) يخرج وكما هو دخل قلب مملوء ظلمة وأفكار ردية ونية غير صافية ‘ وكقول الرسول
8 وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ.
9 لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ.
0 مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ.
1 لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا،
"2 وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ.
وأطياب كثير نعلن بها عن إيماننا:
طاعة وصاياه كقلادة على عنقى.
محبتى للغير كمحبتى لنفسى.
التسبيح والحمد الدائم لله صانع الخيرات كلمة ربنا الحلوة من فم حلو وشفتان تقطرا شهدا بكل لطف ومحبة لكل الناس.
وسنجد الرب فى خوف ورعدة ليقول لنا " ما أطيب حبك يا أختى العروس . كم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب."نش4: 10
لقد كشفت لنا المرأة الخاطئة عن أعماق محبة الله الفائقة لنا ‘ وخصوصا عن عودتنا لأحضانه تائبين‘ فهل نحن نعيش بتوبتنا المستمرة فى محبة الله؟
فلنصلى دائما ليسكب ويلهب روحه القدوس فى قلوبنا حتى نعطيه كل القلب حبا له ‘ لينعم علينا بغفران خطايانا ‘ وليغرس سلامه الدائم فى قلوبنا .
ولإلهنا المجد االدائم إلى الأبد . أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق