فى الأحد الأول من شهر هاتور- شهر زراعة القمح فى مصر - يقرأ فى كنائسنا القبطية ‘ فصل من إنجيل القديس لوقا البشير 8: 4 -15 ‘ والمتضمن مثل الزارع الذى خرج ليزرع وهو من بين امثال للرب يسوع المسيح قالها لهم على ضفاف بحر جينسارت ‘ وكل الأمثال عن ملكوت السموات ‘ وللرب يسوع ما لا يقل عن 40 مثلا على مدار البشائر الأربعة‘ وأشهر هذه الأمثال هو مثل اليوم ‘ خرج الزارع ليزرع ‘ وهو نفس ماقرأ فى عشية الأحد الأول من هاتور – مرقس 4: 10-20 –
وفى صباح الأحد التالى سيكون الإنجيل لمعلنا متى البشير 13: 1- 9‘ وكلها عن نفس المثل الزارع والزرع والتربة‘ وفى تفسير الرب يسوع لتلاميذه أوضح أن الزارع هو نفسه الله الكلمة ربنا يسوع المسيح ‘ والبذرة هى كلمة الله ‘ والتربة هى نفوس البشر.
لماذا تكلمهم بأمثال ؟
قبل ان يسأل التلاميذ معلمهم عن تفسير المثل وكما يقول الكتاب" فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بامثال ؟ وكانت الإجابة " لأنه أعطي لكم ان تعرفوا اسرار ملكوت السموات ‘ اما لأولئك فلم يعطى . من أجل هذا أكلمهم بأمثال ‘ لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون." مت13: 10- 13 ‘ ولذلك فيوميا وفى القداس الإلهى يردد الكاهن أوشية الإنجيل كما قالها الرب لتلاميذه" أيها السيد الرب يسوع المسيح إلهنا الذى خاطب تلاميذه القديسين ورسله الأطهار ان أنبياء وأبرارا كثيرين إشتهوا أن يروا ماأنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا أما أنتم فطوبى لأعينكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع. ‘ فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك ...وهنا تلقى كلمة الله فى قلوبنا ‘ وما علينا إلا أن نسمعها ونعمل بها ‘ حتى يأتى بالثمر المتوقع. وعندما سأل التلاميذ الرب يسوع عن تفسير المثل قائلين ماعسى أن يكون هذا المثل ‘ فقال لهم " أما تعلمون هذا المثل. فكيف تعرفون جميع الأمثال ؟ وهذا سؤال موجه لكل واحد منا ‘ هل نفهم أمثال الرب يسوع ؟ هل نحفظ وصاياه ‘ هل كلمته ثابته فينا ؟
كلمة الملكوت
قال الرب لتلاميذه أن البذره هى كلمة الملكوت ‘ لأنه وهو الله الكلمة نزل من علياء سمواته ليغرس فى قلوبنا كلمة الملكوت
‘ والتى تجعلنا من بنى ملكوته ‘ يملك على قلوبنا فنعيش معه حياة التسليم كامله ‘ وهذا مانتعلمه اليوم:
1- أننا مولدين ثانية بكلمة الله الحية‘ كقول الكتاب" مولدين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى ‘ بكلمة الله الحية الباقية الى الأبد."1بط1 :23
2- الرب يريد منا أن نكون له أرض مسرة‘ كقول الكتاب" ويطوبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرة.قال رب الجنود." ملاخى 3: 12.
3- أن يكون لنا البصيرة الروحية والقلب النقى ( من له أذنان للسمع فليسمع) لتتلقى كلمة الله سمعها وفهمها والعمل بها ‘ كقول الرسول" ولكن كونوا عاملين بالكلمة ‘لا سامعين فقط خادعين نفوسكم." يع1: 22‘ لأنه أنت بلا عذر أيها الإنسان.
4- أن كلمة الله والملكوت تصنع فينا ثمارها : فى مت "فأعطى ثمرا بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين." فى مر " فأعطى ثمرا يصعد وينمو.‘ وفى لو " فلما نبت صنع ثمرا مئة ضعف." والثمر المطلوب فى كل الحالات هو ملكوت الله.
كلمة الله
فى البداية كان الله يتكلم مع آدم مباشرة ويوصيه بفرائضه وأحكامه ووصاياه ‘ويقول له " من كل شجر الجنة تأكل أكلا واماشجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها .لانك يوم تأكل منها موتا تموت."تك 2: 16و17‘ وبعد معصية آدم عن سماع وصية الله ‘ وتسلل الشر للنفس البشرية ‘ أصبح الإنسان ثقيل السمع لكلمة وصوت الله ‘ وفى بداية علاقة الله بشعب بنى إسرائيل كتب لهم الله وصاياه على لوحى الحجر ‘ ثم كان الله يوجه كلامه مباشرة لشعبه كما حدث على جبل سيناء ‘ وفيما بعد وضع الله كلمته على فم رسله وأنبيائه لينقلوها للشعب ‘ ويوصوا الشعب " فأحبب الرب الهك واحفظ حقوقه وفرائضه واحكامه ووصاياه كل الأيام."تث11: 1‘ وكان الله نفسه يوصى" فضعوا كلماتى هذه على قلوبكم ونفوسكم واربطوها علامة على أيديكم ولتكن عصائب بين عيونكم ‘ وعلموها أولادكم ..."تث11: 18-21‘ وحتى وجدنا كلمة الله مكتوبة فى كتابه المقدس والذى بين أيدينا اليوم ‘ ثم فى العهد الجديد يعلمنا الكتاب " والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوؤا نعمة وحقا."يو1: 14‘ ويفسرها لنا القديس بولس الرسول" الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بانواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه ..."عب1: 1‘ ويعرفنا الرسول " كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر. لكى يكون انسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح."2تيمو3: 16و17‘ وأيضا " كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص ‘ لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس." 2بط1: 20و21‘ وهكذا وجدنا الله الكلمة بنفسه يوصينا بكلمته بسوائل شتى ومتنوعه ومنها مثل الزارع والزرع ‘ فهو الزارع وهو الزرع . ( الله وابراهيم – اليعازر الدمشقى – رفقة )
تفسير الرب
وليس لنا أى تفسير لمثل الزارع والزرع لأن الرب نفسه قد فسره لتلاميذه :
1- كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم فيأتى الشرير ويخطف ما قد زرع فى قلبه .هذا هو المزروع على الطريق.
2- والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذى يسمع الكلمة وحالا يقبلها بفرح . ولكن ليس له أصل فى ذاته بل هو الى حين. فإذا حدث ضيق او اضطهاد من أجل الكلمة فحالا يعثر.
3- والمزروع بين الشوك هو الذى يسمع الكلمة .وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر.
4- أما المزروع على الأرض الجيدة فهو الذى يسمع الكلمة ويفهم. وهو الذى يأتى بثمر فيصنع بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين.
والرب هنا يحدد لنا 3 أطراف هذا المثل :
1- الزارع أو الله الكلمة( الكلمة صار جسدا وحل بيننا ...يو1: 14.
2- البذور أو كلمة الملكوت أو الله الكلمة ‘ كقول الكتاب" الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما ‘ بأنواع وطرق كثيرة ‘ كلنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه..." عب1: 1‘ وأيضا " كلمة الله حية وفعالة...وليست خليقة غير ظاهرة قدامه ‘ بل كل شيئ عريان ومكشوف لعينى ذلك الذى معه امرنا."عب4: 12. فالزارع والزرع البذرة هو واحد الله الكلمة الرب يسوع المسيح ‘ كلمة الله الحية الباقية الى الأبد .من أجل ذلك يقول القديس بولس الرسول "لي الحياه هى المسيح"
3- التربة وهنا يقصد بها نفوس البشر ‘ وهم أربعة أنواع وواحدة منها فقط هى التى أعطت ثمارا ‘ ولابد أن نعرف المغزى العميق من الثمر ‘ الذى لابد أن يكون من نفس طبيعة البذرة ‘ وهذا هو الهدف ‘ فلابد من الثمار الذى هو نتيجة كلمةالله المغروسة فى قلوبنا ‘ وكقول الكتاب " ليس الغارس شيئا ولا الساقى بل الله الذى ينمى " بنعمة وروحه القدوس تثمر كلمة الله ‘ ولأننا" هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" وثمر الروح هو" محبة فرح سلام ‘ طول أناة لطف صلاح ‘ إيمان وداعه تعفف. " غل5: 22و23.
نفوس البشر (التربة)
1- نفوس بعيدة عن كلمة الله ‘وهم المدق أوالطريق الذى حول الأرض ‘ شارعا لكل من يدوس أو يمشى عليه ‘ ومن كل البدع والهرطقات والفلسفات ‘هؤلاء لا إيمان ولا أعمال عندهم ‘ وكلمة الله لا تأثير لها على سلوكهم‘ وهؤلاء الذين قال عنهم يهوذا الرسول فى رسالته اليوم من الكاثيليكون" يتهاونون بالسيادة‘ يفترون على ذوى الأمجاد ‘ يفترون على مالا يعلمون ‘ وأما ما يفهمونه بالطبيعة كالحيوانات غير الناطقة‘ ففى ذلك يفسدون ." هؤلاء المتكبرين على كلمة الله ولا يفهمونها ‘ بل فى أغلب الأوقات يجحدونها ‘ هؤلاء هم العقلانيون ‘ الذين بغرور العلم لا يقبلون كلمة الله إلا ويشككون فيها ‘ ويتعاملون معها بعقل بعيداعن الإيمان والقلب المفتوح الروحانى ‘ وقد علمنا النبى داود أن مكان كلمة الله هو القلب" خبأت كلامك فى قلبى لكيلا أخطأ اليك."مز119: 11‘ ومعلمنا بولس الرسول" كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين‘ وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ‘ ومميزة أفكار القلب ونياته."عب4: 12‘ وأما هؤلاء سيقفون على أبواب الدينونة ‘ ويسمعون " أنت بلا عذر أيها الإنسان؟" ‘ وهؤلاء حتى ولو تسللت الكلمة قلوبهم من عظة أو درس كتاب أو إنجيل يقرأ عليهم ‘ ولغلاظة وقساوة قلوبهم يغلقونه عن الفهم ‘ فيأتى إلشرير كقول الرب ويخطف ما قد زرع فى قلبه.
2- نفسانيون لا روح لهم ‘ وهم الذين لهم المظهر الخارجى كتربة ولكنهم من داخل محجرة ‘ الإيمان بدون أعمال ‘ وقد قال عنهم اليوم معلمنا يهوذا الرسول " هؤلاء صخور فى ولائمكم المحبية‘ صانعين ولائم معا بلا خوف ‘ راعين أنفسهم‘ غيوم بلا ماء تحملها الرياح أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفا ‘ مقتلعة. هؤلاء هم المعتزلزن بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم ."‘ الكلمة تدخل القلب ‘ ولكنها لا تستطيع التمدد للداخل لتصنع ثمرا ‘ لأن الأصل مغلق عن الفهم ‘ فتموت الجذور ‘ وهؤلاء هم الذين يفرحون بالكلمة ويعجبون بها بل يمدحونها ‘ ولكن الى حين والى أقرب ضيقة يعثرون فى الخطايا ‘ لأن القلب مغلق أمام نمو كلمة الله فى الداخل.
3- قلب مزروع به الشوك .. أعمال بدون إيمان ‘ وهو الذى لا يوصل الكلمة للقلب بل يخنقه قبل وصوله ‘ وهذه الأشواك تتمثل فى حمل هموم العالم من معيشة وإحتياج وبعيدا عن القناعة والرضا ‘ وهذه كلها تشغل القلب عن كلمة الله ‘ وأيضا غرور الغنى وهؤلاء الذين قال عنهم رب المجد لملاك كنيسة اللاوديكيين " لأنك تقول : إنى أنا غنى وقد استغنيت ولا حاجة لى الى شيئ ‘ ولست تعلم أنك أنت الشقى والبائس وفقير وأعمى وعريان." رؤ3: 17‘ وكما قال الرب للرجل الغنى الذى أتى يسأل الرب كيف يدخل الحياة الأبدية ‘ قال له" احفظ الوصايا فتحيا ..وأيضا قال له كيف تقرأ الناموس .." فالحفظ مع الفهم والعمل بالكلمة ‘ ولكنه للأسف لم يتبع وصايا الله فى تبعيته الحقيقية ‘ لأنه كان غنيا فمضى حزينا ‘ والمعوق الآخر لهذا النوع من البشر "شهوات سائر الأشياء." وهؤلاء هم الشهوانيين ‘ كماقال الكتاب" سالكون بحسب شهواتهم‘ وفمهم يتكلم بعظائم ‘ يحابون بالوجوه من أجل منفعتهم‘ والذين قال عنهم الكتاب " لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها" وأيضا"لك إسم انك حي ولكنك ميت"‘ والخلاصة نفوس هؤلاء تشغلها محبة العالم وإهتماماته بما فيها شهوة المال والطمع‘ وكلها حوائط تصد كل كلمة من الله لتصلح هذه النفوس‘ ولهؤلاء يقول الرسول " التقوى مع القناعة تجارة عظيمة ."
4- الروحانيون أو السالكين حسب الروح الذين قال عنهم الكتاب" إذا لا شيئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح."رو8: 1‘ هذه هى التربة الجيدة والخصبة ‘ الإيمان العامل بالمحبة‘استنارة القلب تنير عقولهم‘ والذين قال عنهم الرسول" أما أنتم أيها الأحباء فأبنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس ‘ مصلين فى الروح القدس ‘ وأحفظوا أنفسكم فى محبة الله‘ منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية."يه.
الله يريدنا تربة جيدة وصالحة ‘ تسمع وتفهم وتعمل بكلام الله ‘عقل واع وقلوب نقية ‘ وبصيرة روحانية ‘ لنقول "أما نحن فلنا فكر المسيح"‘ ولذلك يحذرنا معلمنا بولس الرسول" لأن أرضا قد شربت المطر الآتى عليها مرارا كثيرة‘ وأنتجت عشبا صالحا للذين فلحت من أجلهم.تنال بركة من الله. وليسمعوا كلمة الرب ساطعة" وأنتم من قبل أنقياء من أجل الكلام الذى كلمتكم به ."
الله يعطينا ونحن سنبدأصوم الميلاد أن تكون قلوبنا نقية طاهرة‘ وبصيرتنا روحية ‘تستقبل كلمة الله من كتابه المقدس فتثمر بمئة ضعف‘ وأن نكون عامرين بالإيمان العامل بالمحبة. ولإلهنا المجد الدائم . أمين