مدير عام التحرير جريدة الأنباء الدولية المصرية
خالد بن الوليد مجرم حرب يعشق النساء وهذا ماخرجنا به من كتب التراث ..كان قاسياً علي الإسلام والمسلمين أمر بإبادة الأسري من المسلمين وتبرأ منه الرسول صلي الله عليه وسلم ، يقتل قادة الجيوش وزعماء القبائل ويغتصب نساءهم متحدياً أوامر أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب طالب برجمه وعاد ليكتفي بعزله بعد توليه الخلافة ، عدد من الصحابة رفضوا الحرب تحت قيادته واعتزلوا نادمين علي جرائمه
هل كان بإمكان المؤرخين وكتاب التاريخ الإسلامي وسير الصحابة والتابعين والأوائل أن يمنحوا خالد بن الوليد لقب « سيدنا» أو الإتيان باسمه متبوعا بعبارة «رضي الله عنه وأرضاه» بدلا من الإكتفاء وعلي استحياء بذكر المناسبة التي اطلق فيها الرسول صلي الله عليه وسلم عليه لقب «سيف الله»؟!
لو كان بإمكانهم هذا لفعلوا ولكن حسناً أنهم لم يفعلوا علي الأقل حتي يمنحونا الفرصة لمحاكمته جنائيا وتاريخيا علي جرائم الإبادة التي ارتكبها ومازالت ثابتة بحقه لم يستطع المزيفون للتاريخ محوها أو اللف والدوران حولها - وربنا يستر الوقوف طويلا أمام ميزان محاسبة ومحاكمة شخصية مثل شخصية خالد بن الوليد ربما يفقد القضية بعضا من حيويتها وجديتها رغم أن ما ارتكبه خالد يدخل في باب جرائم الحرب التي لا تموت بالتقادم وفق ما نقلته كتب التراث بما يعني أنه من الممكن محاكمته بميزان العصر الحديث هذا فضلا عن أن محاكمته بميزان العصر الذي ارتكب فيه مثل هذه الجرائم يمكن أن يدينه أيضا ويعاقبه علي جرائم تتجاوز جرائم الإبادة الجماعية وقتل الأسري والتمثيل بجثث أعدائه وحرق الزرع والنسل - كما يقولون - أي تلك الجرائم المتصلة بالعقيدة نفسها. خالد بن الوليد صاحب سجل حافل بمثل هذه الأحداث والجرائم لعل قمتها والمشهور منها هو ذلك الحدث الذي اجمع عليه جمع كبير من الرواة والمؤرخين وكتّاب السير القدامي والمحدثين وهي جريمة قتل الأسري وقتل الصحابي الجليل مالك بن نويرة في يوم البطاح عندما صدرت أوامر الخليفة أبوبكر الصديق لخالد بقتال المرتدين عن الإسلام ومانعي الزكاة والممتنعين والمتأخرين عن مبايعته خليفة للمسلمين وكان مالك بن نو يرة أحد هؤلاء الذين يمكن ضمهم لصفوف من تريثوا في النزول علي حكم أبوبكر الصديق في أمر الزكاة مجتهدا في البحث عن تكليف شرعي ليس عن إرتياب أو شك أو شق لعصا الطاعة أو رغبة منه في إحداث فتنة أو حرصا علي قتال المسلمين خاصة وأن قضية الزكاة هذه تداخلت بشكل أو بآخر مع قضية البيعة لأبي بكر والخلاف القائم عليها ما بين ثلاث فرق .. الأول يتمثل في آل البيت وأتباعهم والثاني يتمثل في الأنصار وزعيمهم سعد بن عبادة الذي اعتزل الأمر بعد أن انفض عنه معظم أتباعه والفريق الثالث كان فريق أبوبكر الصديق نفسه وعمر بن الخطاب وأبوعبيدة وغيرهم.
كان الخلاف سياسيا بالأساس وكان مالك بن نويرة أحد هؤلاء الذين تريثوا في دفع الزكاة حتي تظهر الرؤية بالنسبة لخليفة المسلمين ولكنه وهو علي هذا الحال فوجئ بخالد بن الوليد وجيشه يهبط عليه وهو بين أهله وعشيرته دون تكليف واضح وصريح من أبي بكر نفسه لخالد وعندما أدرك مالك أن خالد سائر إليه أمر قومه بإخلاء البطاح وفرق قومه رغبة منه في الاعلان عن نيته عدم الحرب وحرصه علي السلام والإسلام.
الثابت أن الأنصار عندما علموا بنية خالد بن الوليد مواجهة وحرب مالك بن نويرة وقومه توقفوا عن المسير معه بحجة أن الخليفة أبوبكر لم يأمرهم بذلك ولكن خالد قال لهم «إن لم يكن عهد إليكم بهذا فقد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير .. ولو أنه لم يأتني كتاب ولا أمر ثم رأيت فرصة أن أعلمته بها فأتتني لم أعلمه حتي أنتهزها .... وهذا مالك بن نويرة بحيالنا وأنا قاصد له بمن معي».
السؤال الآن .. ما الذي اضطر خالد لمخالفة أمر أصحابه وأبوبكر نفسه وإصراره علي النزول لمالك وقومه ؟!
الإجابة ببساطة يكشفها الطبري وغيره كثيرون في كتب السيرة والأخبار .. إنه العشق والهوي .. الذي واجهه الصحابي عبدالله بن عمر وأبوقتادة الأنصاري وكانا مع خالد بن الوليد وشهوداً علي هذه الواقعة - الجريمة - ونقلوا أخبارها لعمر بن الخطاب الذي اصيب بما يشبه الصدمة وطالب أبوبكر برجم خالد بن الوليد عقابا له علي إرتكابها ولم يفعل. وكان مالك بن نويرة رجلا نبيلا في قومه يقال وحسب المراجع التاريخية الثابتة إنه يردف الملوك شرفا ونبلا أي يأتي بعدهم مباشرة في المكانة والقدر وكان فارسا وشاعرا مطاعا في قومه وأهله وعندما قدم إلي الرسول صلي الله عليه وسلم وأشهر إسلامه ولاه الرسول علي صدقات قومه.
الأهم في سيرة مالك أنه كان متزوجا من سيدة تدعي ليلي أم تميم آية من آيات الجمال -حسب ما أورده أهل الاخبار ونقله عباس محمود العقاد في عبقرية خالد- من أشهر نساء العرب وأجملهن لاسيما جمال العينين والساقين ويقال أنه «لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها» لدرجة أنها فتنت خالد بن الوليد ووقع في غرامها وصمم علي حرب زوجها مالك وقتله حتي يتزوج بها. الذي حدث بالضبط في هذه الليلة السوداء ورواه الطبري نقلا عن أبي قتادة وكان من رؤساء سرايا خالد بن الوليد أنهم عندما هبطوا علي مالك بن نويرة وقومه تحت جنح الظلام وكانوا متفرقين بأسلحتهم غير متجمعين علي حرب فنادوا عليهم قائلين «نحن المسلمون» فردوا قائلين «ونحن المسلمون»..
وبعد أن استفسر الطرفان عن سبب حمل الطرف الآخر للسلاح اتفقوا علي السلم ووضع السلاح والصلاة مجتمعين وكان فيهم مالك بن نويرة وزوجته ولكن فجأة وحسب أوامر خالد بن الوليد قام جنوده وأتباعه بالإستيلاء علي السلاح الخاص بمالك وقومه وشدوا وثاقهم وساقوهم أسري إلي خالد ومن بينهم ليلي أم تميم زوجة مالك. ودار في تلك الليلة حوار مأساوي بين خالد المنتصر ومالك المهزوم غدرا وإلي جواره زوجته حضره وشهد عليه عبدالله بن عمر وأبوقتادة الأنصاري وطلب مالك من خالد أن يبعثهم إلي الخليفة أبوبكر ليكون حكما بينهم وفيهم كما بعث غيرهم وكانوا من المرتدين وليسوا من المتريثين في دفع الزكاة أي أن جريمتهم كانت ابشع ولكن خالد رفض رغم إلحاح ابن عمر وأبي قتادة عليه بالموافقة وشهادتهما بإسلام الرجل وقومه. نظر خالد إلي زوجة الرجل واصابه من عينيها الجميلتين ما اصابه من العشق والهوي فنطق بعبارة واحدة إلي ضرار بن الأزور الأسدي قائلا « لا أقالني الله إن لم اقتله» وقبل أن يهوي سيف ضرار علي عنق مالك قال لخالد وهو ينظر نظرة ا لوداع الأخيرة لزوجته «هذه التي قتلتني» فقال خالد «بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام» قال مالك «إني علي الإسلام» فقال خالد «يا ضرار اضرب عنقه».. وفورا أمسك خالد بزوجة مالك وقبل أن تفيض روحه وطلب من جنوده بناء خيمة لها ودخل إليها ليجامعها ويعاشرها معاشرة الأزواج بينما دماء زوجها الشرعي مازالت ساخنة تسيل. الخدعة التاريخية في هذا الموقف التي تصر عليها بعض كتب السيرة والتاريخ والتي لا تدخل علي أي متابع مهما كانت درجة ثقافته أن سيف الله المسلول أراد أن يكفر عن ذلك الخطأ الذي لم يعمده فتزوج من إمرأة مالك مواساة لها وتخفيفا عن مصيبتها في فقد زوجها الفارس الشاعر«!!»
خالد بن الوليد سيف الله المسلول أراد أن يكفر عن خطيئته أيضا وفي نفس الليلة الباردة فنادي بعض حراسه علي الأسري من أتباع وقوم مالك بن نويرة قائلا «أدفئوا أسراكم» ويقول بعض المؤرخين أن كلمة «أدفئوا» هذه في لغة حراس السجن من إحدي قبائل اليمن «اقتلوا» فأعملوا سيوفهم في الاسري جميعا قتلا وتمثيلا بالجثث.
بعض الرواة علي العكس قالوا أن هذه الكلمة كان متفقا عليها بين خالد وحرسه وجنوده المقربين وتعني «قصدية القتل» وبعض المحدثين وزنوا الأمر علي المضمون وليس المعني اللفظي متسائلين «هل يمكن لجنود مسلحين تنفيذ أمر قائدهم بقتل الأسري وإبادتهم بمجرد النطق بالأمر دون المشاورة أو المراجعة حتي لناقل هذا الأمر المشين المخالف لتعاليم الدين ونصوصه وروحه وسيرة وأحاديث النبي صلي الله عليه وسلم؟! ليس أدل علي فداحة الجرائم التي ارتكبها خالد بن الوليد من الثورة العارمة التي انتابت الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وبعض الصحابة الذين كانوا معه وشهودا علي هذه الجريمة البشعة.و قال هيكل في كتابه «الصديق أبوبكر» إن أبا قتادة الأنصاري غضب لفعلة خالد فتركه وانصرف إلي المدينة مقسما أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد وأن متمم بن نويرة شقيق مالك والذي نجا من المذبحة عاد إلي المدينة المنورة ولقيا أبوبكر الصديق وقصا عليه الأمر ولكن أبوبكر المعجب بخالد وانتصاراته والدارس للخطر الذي تتعرض له الأمة بسبب المرتدين والمدعين للنبوة والذي يحتاج لسيف خالد في هذه المرحلة الدقيقة جدا أنكر عليهما أن يدعيا علي خالد أنه قتل الأسري وقتل مالك بن نويرة وعاشر زوجته في نفس الليلة وذلك رغم ثورة عمر بن الخطاب وطلبه لأبي بكر أن يعزله وأن يقيم عليه الحد ولكن أبوبكر قال له «هبه يا عمر تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد».. ولكن عمر بن الخطاب لم يرفع لسانه وانتظر عودة خالد من الميدان إلي المدينة وعندما دخل المسجد علي أبي بكر وهو في عدة الحرب وقد غرز في عمامته أسهما قام إليه فنزع الأسهم من رأسه وحطمها وهو يقول «قتلت امرءا مسلما ثم نزوت علي إمرأته .. والله لأرجمنك بالأحجار» ولكن علي عكس موقف وثورة عمر كان أبوبكر هادئا استقبل خالد واستمع إليه ومنحه الاعذار ولكن عنفه علي معاشرته لزوجة مالك علي اعتبار أنها بغرض النكاح «الزواج» فإن لها عدة وبفرض أنها سبية فلا يحل وطؤها إلا بعد الإستبراء الشرعي وهو ما لم يحدث وإنما قتل خالد زوجها ودخل بها فورا.
عمر بن الخطاب لم يتزحزح عن رأيه في خالد بن الوليد وعندما تولي زمام الأمور بعد وفاة الخليفة أبوبكر الصديق ورغم أن خالد كان يقود جيوش المسلمين في مواجهة الروم بموقعة اليرموك وفي قلب المعركة أرسل إليه خطابا بعزله عن القيادة في أول قرار لعمر بن الخطاب. الجرائم التي ارتكبها خالد بن الوليد في هذه المذبحة «محور المحاكمة» لم تكن الأولي ولا يعتقد أي باحث أنها الأخيرة فالتاريخ يحمل الكثير من هذا وذاك. عندما خرج النبي صلي الله عليه وسلم في حوالي عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار لفتح مكة جعله الرسول علي رأس أحد جيوش المسلمين الأربعة وأمره بالدخول من أسفل مكة ورغم أوامر الرسول بتوخي الحذر وتجنب القتال ، إلا أن خالد كان حريصا علي دخول مكة كأول الامراء الداخلين إليها حتي ولو كان ذلك علي حساب أوامر الرسول وتحقق له ما أراد فاشتبك مع المشركين وقتل منهم ثلاثة عشر مشركا بينما استشهد من المسلمين ثلاثة ليدخل إلي مكة. وبعد ذلك أرسله النبي إلي بني جزيمة يدعوهم إلي الإسلام ولكنه ورغم إعلان القوم دخولهم للإسلام قتل منهم عددا كبيرا جدا لم تذكره المراجع علي وجه الدقة وقد غضب الرسول لذلك غضبا شديدا وقال قولته المشهورة «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» وأرسل علي بن أبي طالب لدفع دية قتلي بني جزيمة - الأبرياء - هذا هو خالد بن الوليد إذن ولازالت سيرته تعيش في كتب التاريخ والجغرافيا والنصوص والفلسفة وربما الكيمياء والرياضيات كأحد «سيوف الله» دون أن يجرؤ أحد علي محاكمته سيرا علي سير أبوبكر الصديق وعلي كتب وتأريخ المنتصرين الصانعين للتاريخ وليس سواهم.
أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب بعث النبي صلي الله عليه وسلم بخالد بن الوليد إلي بني جزيمة بعد فتح مكة لدعوتهم إلي الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا «أسلمنا»- وحسب إخراج البخاري- قالوا« صبأنا.. صبأنا» - أي كفرنا بالأصنام - فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلي كل رجل- من أتباعه- بأسير من بني جزيمة حتي جاء يوم فطلب من جنوده أن يقتل كل واحد منهم أسيره..
قال الزهري عن سالم عن أبيه: فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتي قدمنا علي النبي صلي الله عليه وسلم فذكرناه له فرفع النبي يده فقال «الله م إني أبرأ إليك مما صنع خالد» مرتين «صحيح البخاري 5/107 و8/118 ..
القصة الثانيه بتفاصيلها وردت في كتاب العقاد "عبقرية خالد" عندما قال بأن خالد سار إلي بني جزيمة في نحو ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار وبني سليم - دعاة وليس للقتال- وكان بنو جزيمة قد قتلوا في الجاهلية الفاكه بن المغيرة وأخاه عمي خالد بن الوليد ووالد عبد الرحمن بن عوف- وهذه قصة أخري تالية سوف تكشف حجم التناقض بين موقفين هما موقف خالد وابن عوف.
يقول العقاد مستنداً علي الكثير من كتب السيرة ومن عدة وجوه إن خالد بن الوليد عندما نزل بالقوم سألهم «أمسلمون أنتم؟ » فقيل أن بعضهم أجابه بنعم وبعضهم أجابه صبأنا.. صبأنا أي تركنا عبادة الأصنام فسألهم «فما بال السلاح عليكم» قالوا:« إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح» فناداهم «دعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا» فصاح بهم رجل منهم يقال له جحدم «ويلكم يابني جزيمة.. إنه خالد.. والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار وما بعد الأسار إلا ضرب الأعناق.. والله ما أضع سلاحي أبداً»..
كان الرجل يدرك نية خالد بن الوليد إذن وفطن إليها ربما من خبرة سابقة به أو من قصص أخري شبيهة أعطي فيها خالد الأمان لأعدائه ولكنه عاد فانقض عليهم علي النحو الذي تنبأ به الرجل وهذا هو ما حدث بالضبط..
يقول العقاد في كتابه «فأمر خالد بهم فكتفوا وعرضهم علي السيف فأطاعه في ق تلهم بنوسليم ومن معه من الأعراب وأنكر عليه الأنصار والمهاجرون أن يقتل أحد غير مأمور من النبي صلي الله عليه وسلم بالقتال ثم انتهي الخبر إلي النبي فرفع يديه إلي السماء وقال ثلاثاًَ قولته الشهيرة « اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» وبعث بعلي بن أبي طالب إلي بني جزيمة فودّي دماءهم وما أصيب من أموالهم وقد عم النكير علي الحادث- الجريمة- بين أجلاء الصحابة ومن حضر منهم السرية ومن لم يحضرها واشتد عبد الرحمن بن عوف حتي رمي خالداً بقتل القوم عمداً ليدرك ثأر عميه..
جريمة حرب
نحن هنا إزاء جريمة حرب مكتملة الأركان واضحة المعالم.. خالد بن الوليد سار إلي القوم يدعوهم إلي الإسلام وليس للقتال حسب أوامر النبي.. والقوم خلعوا عنهم عدة الحرب والسلاح واستقبلوه «عزل» حتي جحدم الذي حذرهم من خالد أجبروه علي القاء سلاحه فأمر خالد جنوده بالقبض عليهم جميعاً وقتلهم وفي مفارقة تاريخية تكررت في يوم البطاح مع مالك بن نويرة وقومه علي عهد أبو بكر الصديق انقسم عدد من الصحابة علي خالد بن الوليد وتركوه يفعل ما فعل وحده ليتحمل تبعات ما ارتكبه بحق الأبرياء وفي مفارقة أخري يلتمس كتّاب التاريخ لخالد الأعذار حول مفهوم لفظ «صبأنا» الذي نطق به بعض بني جزيمة لدي خالد ولفظ «ادفئوا» الذي كان سبباً في قتل أسري قوم مالك بن نويرة وإدخال القضية إلي نفق «سوء الفهم» ومحاولة تبرير هذه الجريمة التي لم ينكرها الرسول صلي الله عليه وسلم وأبرأ نفسه منها وبعث بعلي للقوم لدفع دية القتلي حتي استرضاهم لدرجة أنه أعطاهم ثمن ما أخذ منهم حتي ثمن «ميغلة الكلب» وتبقت معه أموال فقسمها فيهم وعندما أخبر الرسول بذلك استحسنه.
ويري بعض الدارسين أن البخاري عندما استعرض قصة بني جزيمة بترها بتراً ليبرر فعلة خالد بن الوليد رغم أنه لم يستطع إنكار ملخص القصة كلها كما وردت في كتاب المغازي للواقدي بالجزء الثالث تحت عنوان « غزوة بني جزيمة» بتفاصيل أكثر بشاعة وفي غير ذلك من كتب السيرة والتاريخ للأئمة والمؤرخين والباحثين
جاء في الصحيحين عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد رضي عنه قال.. قال رسول الله "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك من أحدهم ولا نصفيه".
وفي رواية لمسلم استشهد بها البخاري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فقال الرسول حديثه السابق..
وقال بعض الرواة وكما ورد في كتاب المغازي للواقدي بالتفصيل أن هذا الذي كان بين خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف هو إنكار ابن عوف علي خالد مافعله ببني جزيمة من تقتيل وتمثيل بجثثهم وهو الامر الذي أفزع ابن عوف في مفاجأة غير متوقعة لخالد..
والنص يقول « لما قدم خالد بن الوليد علي النبي صلي الله عليه وسلم وعاب عبد الرحمن بن عوف علي خالد ما صنع قال ياخالد أخذت بأمر الجاهلية قتلتهم بعمك الفاكه قاتلك الله... وأعانه عمر بن الخطاب علي خالد فقال خالد أخذتهم بقتل أبيك فقال عبد الرحمن كذبت والله لقد قتلت قاتل أبي بيدي وأشهدت علي قتله عثمان بن عفان اللهم نعم ثم قال عبد الرحمن ويحك ياخالد ولو لم أقتل قاتل أبي كنت تقتل قوماً مسلمين بأبي في الجاهلية، قال خالد ومن أخبرك أنهم أسلموا؟ فقال أهل السرية كلهم يخبروننا أنك وجدتهم قد بنوا المساجد وأقروا بالإسلام ثم حملتهم علي السيف. قال جاءني "رسول" رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أغير عليهم فأغرت بأمر النبي فقال عبد الرحمن كذبت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم... وغالظ عبدالرحمن وأعرض رسول الله صلي الله عليه وسلم عن خالد وغضب عليه وبلغه ما صنع بعبد الرحمن «من سب له» فقال حديثه السابق- بكلام آخر- آمراً خالد- وسواه- بعدم سب أصحابه..
منطق القتل عند خالد
السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو بالتأكيد حول المنطق الخاص والقناعة الثابتة لدي خالد في ضرورة قتل الناس وضرب أعناقهم حتي لو أعلنوا إسلامهم وثبت ذلك بشهادة الأجلاء من الصحابة واعتراضهم علي ارتكاب مثل هذه الجرائم الثابتة...
هذا المنطق تكشفه عدة وقائع ثابتة أهمها وأشهرها ماجاء في السيرة النبوية المجلد الرابع للإمام أبي الفداء اسماعيل بن كثير نقلاً عن البخاري في ذكر حادثة إرسال علي بن أبي طالب إلي النبي صلي الله عليه وسلم بشئ من الذهب جمعه من اليمن فقسمه الرسول إلي أربعة أقسام وزعها علي عدد من الصحابة دون بقيتهم فاعترض واحد منهم قائلاً: « كنا أحق بهذا من هؤلاء» فبلغ ذلك النبي فقال «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً» فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة.. وتجرأ علي الرسول قائلاً «يارسول الله اتق الله» فقال:« ويلك أولست أحق الناس أن يتقي الله» فذهب الرجل من المجلس ولكن خالد بن الوليد الذي كان حاضراً للموقف قال للرسول « يارسول الله ألا أضرب عنقه» فقال الرسول «لا لعله أن يكون يصلي» قال خالد «وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه.. قال الرسول إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولأشق بطونهم».
هذا هو منطق خالد بن الوليد إذن وقناعته الخاصة التي لم يتزحزح عنها وبسببها ورط الإسلام والمسلمين في دماء بني جزيمة علي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وورطهم علي عهد أبو بكر الصديق في دماء مالك بن نويرة و قومه حتي جاء عمر بن الخطاب إلي سدة الحكم ليوقف هذه التجاوزات بعزله عن قيادة أي جيش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق