دمعة مضافة إلى دموع سيادة المطران جورج خضر/ الشيخ جابر مسلماني


سيادة المطران جورج خضر المفكر والانسان، كنت سأبدأ كلماتي معكم بتحية الاسلام "السلام عليكم "لولا أن هذه التحية تحولت رمزيا إحدى ضحايا ومظلومي كنيسة سيدة النجاة في العراق الجريح، هذا البلد الذي أصبح كتابا مفتوحا يطرح الكثير من الاسئلة التحتية لا أقلها سؤال - الامن الديني - وأسباب تصدعه وصعود حركات "الاسلام الاصولي" فيه وخارجه؟
لقد سمعت يا سيادة المطران الخبر الصاعق كما سمعتموه انتم وبالقلب وبالدموع نفسها ولم املك الا تلك المساحة التي ذكرتم في مقالتكم• انها لا تجدي فماذا تفعل كل صنوف الادانات والشجب والخطب التي يحسب بعضنا ان العالم الاكبر طوي فيها او بيمينها بمجرد إطلاقها؟ ماذا تفعل البيانات الرئاسية وغير الرئاسية وكل انواع الدموع امام الدماء السائلة من مذبح المعابد ومن كل جسم الوطن الكبير على اختلاف مشاربه وانتماءاته الدينية ومن الجميع دون استثناء؟
ولكني عندما قرأت مقالكم المفتوح في جريدة "النهار"، وبحق المطعون في ظهر رحابته - لأن سيادتكم مفكر ولاهوتي قد رصف آيات القرآن في بنيانه الثقافي والمعرفي الى جانب تعاليم الانجيل وجدتني مدعوا الى ملاقاتكم على طريق المأساة. ولا أكون مجاملا إذا قلت انني إذا قرأت لكم مقالا فإنه يغنيني عن القول وعن الاستماع ذلك النهار، وإذا قيل ان لسيادتكم حوارا تلفزيونيا على إحدى المحطات فاني أتسمر منتظرا لإطلالتكم وبقامتكم الموشحة بوقار السنين الخصبة والمكللة بثلج لبنان ورمز سلامه. وعندها احار من اي موائدكم الفكرية والروحية اغرس اشجار المعنى وآفاق الانسان، الانسان في عقلي وقلبي. لا اريد الاغراق في الخاص على جماله وجلاله فيكم، ونحن تحت وطأة العام ونزيفه المتدفق في لحظات صمت الحلول الممكنة والمستبعدة عمدا. لان ثقافة الروح والعقلانية واستقرار نظامنا الاجتماعي في كل تجلياته واعتدال انساقه، مكتوب عليها ان تدفع الثمن ومن خارج عوالمها وفي داخل جغرافيتها وعلى مدى دمائها وبالرغم من سماحتها. وهو على خلاف النداءات السموية التي حملت دوما رسالة الحوار والمحبة والاحترام.
سيادة المطران لا أدري من وضعنا على فوهة البركان وجعلنا من تلك الاستحقاقات قاب قوسين أو أدنى. من الذي يؤسس لليتم العربي الاسلامي وتجفيف الوجود المسيحي الكريم وهو جزء من مشهدية الشرق الذي أوغل في الغروب؟ لم يعد من المفيد ان أدري أو أن أجيب طالما ان الدماء الطاهرة قد سبقت الفلسفة وكل أشكال التنظير ووضع الاكف على الصدوغ كعلامة فارقة على عمق تفكيرنا!!
سيادة المطران لن أخفي عليكم اني عند قراءة كل فقرة من فقرات مقالتكم التي كتبتم بمداد دموعكم الصادقة والقلقة لا على الجرح والوجود المسيحي والمواطنة المسيحية في المشرق فحسب بل على سماحة الاسلام وعلى رسالة القرآن الكريم نفسها، وأنا أشهد والجميع يشهد انكم لم تستشهدوا بآيات القرآن من أجل خطاب المسلمين بأدوات خطابهم الديني نفسه لان ذلكم الاستشهاد والشهود واستحضار القرآن الكريم وآياته يكاد لا يخلو خطاب اوسياق من خطاباتكم منه، ومن هنا يتكثف بكائي ويتضخم جرحي وتنزف روحي ويتضاعف شخوصي الى رحابات سيدة النجاة ودمائها المعمدة بحب الله والوطن العراقي الباحث عن مأوى.
لن أخفي عليكم اني كلما قرأت فقرة من تلكم المقالة كنت أخرج الى شرفة منزلي لأرمق السماء وأفتش في كل أوراقها المضيئة عن فسحة للظلام تسمح بقتل الابرياء المصلين المؤمنين في معابدهم وخارجها ولكن عبثا، تأبى السماء الا سيادة النور المطلق وتعميم ثقافة الحب والرحمة وبذلك تتروحن الاوطان بقيم الانجيل والقرآن.
انه لمن حسن ظنكم الكريم الحديث عن المسلمين وكونهم أمة واحدة تأبى الضيم ولا تذل وأنها أمة متماسكة. انني ادعو الله ان نكون جميعا كذلك في المدى العربي والاسلامي وبكل مكوناتنا وأطيافنا وتجلياتنا. ولكن الامثلة تدل ان ذلك حسن ظن منكم لا حسن في الواقع الموضوعي وان ذلك منا – نحن - خطابات إنشائية نأمل ان تتحول حقيقة خبرية متجذرة ابتداء من جغرافيا العقول وصولا الى تراب الاوطان ذات الاجنحة المتكسرة في الحد الادنى. ويكفي ما انتم أدرى وما نتشارك معا في أحزانه وما دعوتم ان نحج اليه معا.
ان فلسطين وهي مهد المسيحية ومنطلق كثير من النبوات والروحنة ونظم العدل والحاضنة لكنيسة القيامة والمسجد الاقصى على ترابها في حاضرها وفي قلب ذاكرتها تستصرخ العزة العربية والاسلامية وترفع نداءات الاستغاثة الى أقصى الاسلام و أقصى المسيحية شرقا وغربا وبكل لغات الاسترحام. هل يمكنني كمسلم او مسيحي وكلبناني ان ازور فلسطين وبيت لحم علني احمل قبضة تراب من اثر المسيح في ذكرى ميلاده المقبل والذي حمل البسمة والمحبة الى أقطار الارض والانسان، والذي اسقط الهيكل على رؤوس تجار الدين في الدنيا؟
هل يمكننا أن نزور اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لعلنا نحمل بارقة رحمة من أفق المعراج المحمدي الى السموات العلا كالعروج المسيحي؟ هل يمكنني ان أذهب الى الحرم الابرهيمي لأتذكر الدماء المؤمنة التي اغتيلت اثناء الصلاة والعبادة في محراب الله.
لا أريد الخروج عن السياق، فلقد التفت الساق بالساق، كل المسلمين استنكروا وشجبوا وانا اعلم أن ذلك لا ولن يكفي ولكن الفاعلية يا سيادة المطران خارج كنائسنا ومساجدنا، خارج دموعنا وأقلامنا، الفاعلية هناك عند من لا يتحركون الا إذا كان الدم ملكيا او شبه ملكي، ولا احب التعميم كما لا احب ان ابني كلماتي على الاطلاقيات المرتجلة.
يا سيادة المطران هل نرفع شكوانا في كل مآسينا او بعضها ومنها كارثة سيدة النجاة الى الجامعة العربية؟ ان جلّ ما نطلبه منها هو الاتفاق على تثبيت سقف مشاكلها وأزماتها لئلا يتصاعد. او بات يكفينا اتفاقها على البيان الختامي الموقر والمبني على ادنى ممكنات الاتفاق؟
هل نرفع دمائنا الى منظمة المؤتمر الاسلامي؟ هي ذات وجه عربي متجعد والف وجه آخر. الى الله نرفع شكوانا فدينونة الله أقوى من كل إداناتنا يا سيادة المطران.
هو قدر العابدين الذين ساروا على خطى السيد المسيح والرسول الكريم. قدر الدماء التي تصافح الخلد وترفع لرواد الحرية مشاعل النور على مفارق تشكل الاوطان، خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث. يا سيادة المطران بالخط العريض نعلق الاية القرآنية التي ذكرتم وبكل مفاعيلها وصرختها وأمنها بالقرب من كنيسة سيدة النجاة وعلى مفارق كل المعابد وفي فضاء كل الدماء الطاهرة التي انتهكت حصانتها الدينية والوطنية. ان الناس كلهم وعلى اختلاف مشاربهم الدينية عندما يفتقدون الامن يبحثون عنه في المعابد. في كنائسهم ومساجدهم وفي كل صيغهم المعبدية. إن انتهاك المعابد ودماء أهلها هو ضرب لآخر معقل للامن على أرواحهم وأجسادهم، وهو تجن على لحظة الوصال الابدي مع الله والتي لا يمكن ان يحددها الا خالقها. نعم، "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا".
معا نغفو على صدر السيد المسيح حيث امان الابدية، وقلب النبي محمد كي نكون شاهدين على المحبة الصادقة والرحمة الدائمة. سنبقى معا في لبنان الرسالة نطل على العالم من تلكم النافذتين على مدى الثواني والدقائق لعلنا نستطيع ان نخرج من الساعة الحضارية والرسالية كل عقاربها. احب يا سيادة المطران جورج خضر، يا صاحب القلب الاخضر ان اسمع القرآن الكريم منك، كما انني أقرأ في الانجيل المقدس دوما قيم المسيح ومعالم مجده وملكوته وكما قال: العلم ليس في السماء فينزل اليكم ولا في الارض فيصعد اليكم الحق اقول لكم تخلقوا بأخلاق الروحانيين يظهر لكم.
في الختام بدأت أفهم كلمة المفكر المسيحي الفلسطيني إدوارد سعيد عندما قال "انا لا ابحث عن مكان ولكني ابحث عن رقاد لاستريح" لذلك لن نكون - مسيحيين ومسلمين - خارج المكان!!!
لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا، وأنهم لا يستكبرون (المائدة 81).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق