مؤتمر للأنبياء والرسل/ صالح خريسات

حين شرعت بالكتابة في هذا الموضوع، وثب إلى ذهني سؤال، طالما كنت أتهرب منه، وأرفض مواجهته، أو التصريح به. فماذا لو أن جميع الرسل، عاشوا في زمن واحد، أو اشتركوا في تاريخ واحد، كما يجتمع زعماء الدول، في زماننا هذا، فكيف تكون طبيعة العلاقة بين هؤلاء الرسل؟ هل سيختلفون؟ هل ستنشب بينهم النزاعات على الحدود؟ وهل ستكون هناك قضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان؟.
ثم تساءلت عن طبيعة هذه العلاقة المفترضة، هل ستكون علاقة مودة ومحبة؟ أم ستكون علاقة قائمة على تبادل المصالح المشتركة؟ هل سيجتمعون في مؤتمر واحد، أو ينضمون إلى منظمة واحدة، يكون أحدهم رئيساً لهذه المنظمة؟ كيف سيتم انتخاب هذا الرئيس؟ وما هي حيثيات انتخابه؟ ما هي صفاته؟ من سينتخب من؟ كلهم أصحاب رسالة سماوية، مصدرها السماء!.
وكان أخطر هذه التساؤلات، هل يقبل أحد الرسل بالتنازل عن دعوته، وتفويض أمر رسالته إلى رسول آخر، ما داموا جميعاً يسعون إلى هدف واحد، وغاية واحدة؟! من يتنازل لمن؟ وما هو موقف التابعين لهذا الرسول أو ذاك؟ هل سيجتمعون على دين واحد، وكفى الله المؤمنين شر القتال؟!.
إنني أجرؤ على القول، بأن الرسل لن يتفقوا، ولسوف يختلفون فيما بينهم، وسيعمد كل رسول إلى جمع قومه، وتسليحهم، وستظهر من بين الأقوام، فئات تصنع السلاح، وتطوره، وتبيعه هنا وهناك، وسيطلق على كل من يلقى حتفه، في هذه الحروب "شهيد".
ثم ينتصر أحد الرسل، ويهيمن على الآخرين، فيدعي قومه وأتباعه، بأن رسالته فقط من بين الرسالات، هي الرسالة الصحيحة غير المحرفة، وسيعمد الكتاب، والفلاسفة، إلى شرح أبعاد هذه الرسالة، وتعقيدها، ليصعب على الإنسان العادي فهمها. وفي المقابل، تثور الشكوك بين أتباع الرسل الآخرين، ويكثر الخطباء، والشعراء، الذين يثيرون حماس القوم للحرب القادمة، بينما ينشق آخرون، ويشكلون جماعات مسلحة، يكون هدفها المعلن، الحرب من أجل نصرة دين الله، ويكون هدفها المخفي، هو تحصيل المكاسب الشخصية، والجلوس في المقاعد الأولى، من صفوف السلطة والمسؤولية، فيجمعون المال، ويستحوذون على نصيب الفقراء في أموال الأغنياء، ويظهر من بينهم، من يفهم طرائق تأويل النصوص، وتوظيفها، لخدمة هذه الجماعة، أو تلك.
ويجهد كل رسول بإقناع قومه، بأنه رسول الله إليهم، وبأنه على حق، وأن رسالته صادقة، فيواجهونه بالأسئلة الصعبة، لماذا لم ينصرك الله إذن؟ لماذا فضل الله الرسول الآخر، ونصره في الحرب؟ ماذا يجب علينا أن نفعل أكثر مما طلبته منا؟ هل نقتل أنفسنا، أو نحترق، لكي ينتصر الرماد؟
ويكثر المنافقون، فيبثوا في قلوب الناس الرعب، من سطوة الرسول المنتصر، وعسكره، وجنوده، وتسعى طائفة منهم إلى الاتصال بالرسول المنتصر، وتأييده، وحثه على متابعة حروبه، لأن الله يريده لسعادة الناس، وتطهير الأرض من الشر، وتسعى طائفة أخرى، أكثر تهذيباً من الطائفة السالفة، فتتقرب زلفى من الرسول غير المنتصر، وتتهم الناس بما ليس فيهم، من الشك بالرسول، وصدق دعوته، وتطالبه بمعاقبتهم، حتى يعودوا إلى رشدهم،..
ولن تجتمع الرسل، ولن تتفق أقوامهم، ولن ينتهي من الأرض دين أمر الله به، لأن حكمة الله أرادت للناس هذه التعددية، وهذا الاختلاف، وأرادت لهم مثل هذه الأديان، والشرائع المتعددة، رغم أن مصدرها واحد، وهو الله في السماء.
ولو شاء الله، لجعل الناس على دين واحد، فلا يقول أحد هذا ديني أفضل، فالدين واحد، كما هو الله واحد، ولكن الناس يختلفون، ويحرفون، ويقتلون، ويكذبون، ويرتكبون خطايا من الوزن الثقيل، ثم يحملون السلاح، لينصروا دين الله، وكأن الله بحاجة لمن ينصر دينه،..
هذا موضوع، أو فكرة عابرة، خطرت في بالي، ولا أحسب أنني انتهيت منها، فهل يقبل موسى عليه السلام، بالتنازل عن دعوته لعيسى عليه السلام؟ وماذا سيكون موقف قوم موسى من هذا القرار؟! وهل يقبل عيسى عليه السلام، بالتنازل عن دعوته للنبي محمد عليه السلام؟! وماذا سيكون موقف النصارى والمسيحيين؟! وأخيراً،.. ولسوف أعود إلى مناقشة هذه الفكرة حين يكون لي ذلك، والهدف منها هو تقريب الأديان، والبحث في سبل التوافق، والتعاون بين سائر الشعوب المتساكنة على ظهر الأرض.

صالح خريسات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق